المخرج والناقد السينمائي الرائد صلاح دهني، هو أول سينمائي سوري
أكاديمي ولد في درعا عام 1925. تلقى تعليمه في دمشق، وتخرج في
معهد الدراسات السينمائية العليا بباريس عام 1950، وفي معهد الفيلمولوجي"علم
الفيلم" بالسوربون. وعمل مخرجًا سينمائيًا وناقدًا سينمائيًا. ورئيسًا
لدائرة السينما والتصوير في وزارة الثقافة، ومديرًا لادارة الشوؤن الفنية
في المؤسسة العامة للسينما. لديه العديد من المؤلفات في الادب والنقد
السينمائي اخرها هذا العام كتابه الجديد "سينما الحب الذي كان". أخرج
للسينما:"الأبطال يولدون مرتين"، فيلم روائي طويل، 1977. وأفلام وثائقية
قصيرة: نزهات صيفية، الماء والجفاف، أخبار الثقافة، المعجزة الخالدة، بصرى،
الآثار العربية في سورية، الزجاج في سورية في 40 قرنًا، زهرة الجولان، ابن
النفيس، الفن العربي الإسلامي.. وغيرها.
·
سؤال لابد انه يواجهك دائمًا
لماذا التوقف عن الاخراج السينمائي, فيما انت مستمر بالنقد؟
-ابتعادي عن الاخراج السينمائي الذي هو اختصاصي
الاصلي حسب دراستي في فرنسا هو جزء من مشكلة السينما في بلدنا, فالعملية
الاخراجية تحتاج الى جو يناسب العمل ولا يكون مسببًا لمرور الانسان في
مرحلة من المجابهة مع ادارة ما استولت في ظرف ما على العمل الاداري والفني
في المؤسسة التي كنت تعمل فيها الامر الذي يسبب للانسان نوعًا من ملل
المجابهة. أنا افهم العمل بأنه اشراق ومتعة فنية للمبدع ينقلها الى المتلقي
فاذا لم تكن ظروف سمحت بمثل هذا الشعور بالمتعة وبالامتلاء فافضل للمرء أن
يبتعد.
·
كيف ترى واقع السينما لدينا
وتاثيرك كناقد وسينمائي مؤسس في تطوير العمل السينمائي وتعبيراته؟
-ان ممارسة النقد كما تعلمتها وعشتها فترة طويلة تحتاج لان يكون هناك
سينما وتكون هناك افلام وقد جاءت ظروف على البلد لم يعد فيها سينما ولم يعد
فيها افلام, اقول ذلك بالنسبة لبلد مثل سورية كنّا نتامل أن يتطور فيها
العمل السينمائي الى أمام. في الستينات والسبعينات بعد أحداث المؤسسة
العامة للسينما كنا نضع خططا خمسية تخيلنا أنها يمكن أن تنفذ, وبموجب هذه
الخطط كان يفترض أن ينمو الانتاج السينمائي مرحلة بعد مرحلة بحيث يناهز عدد
الافلام المنتجة ضمن اطار القطاع العام وحده في ثمانينات القرن الفائت ما
قد يبلغ عشرين الى 25 فيلما روائيا طويلا في السنة, ناهيك عن تواتر الانتاج
في المرحلة التالية. فلو أن الظروف سمحت لفاق الانتاج في بداية الالفية
الثالثة 30 فيلم روائي طويل. وما حدث ويحدث أننا كجيل مؤسس نشعر بخيبة
كبيرة ونحن نرى أن الانتاج السينمائي في سورية لم يتجاوز الفيلم او
الفيلمين سنويا, وعلى مدى العقود الثلاثة الفائته. فما الذي يفتح قابلية
المرء للنقد ونحن نرى الكارثة التي ألمت بالانتاج السينمائي ان في سورية او
في البلد المنتج الأم مصر, لذلك اتجهت للنقد وانا ارى انهيار السينما
انتاجًا وتوزيعًا ومشاهدة وافلاس دور السينما وعزوف الجمهور عن التردد
عليها. اتجهت باتجاه آخر في محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه عن طريق الكتابة
والاذاعة والتلفزيون لعلي اساهم في استنهاض الهمم للابقاء على آخر أمل في
تحفيز الجمهور وبخاصة الفئات المتوسطة وحتى المثقفة لا للعودة الى دور
السينما ولكن على الاقل لابقاء جذوة السينما حية في الاذهان وفي الضمائر.
ما بات يهمني الان هو نشر الوعي السينمائي أمام هذه الهجمة المفترسة
للسينما الاميركية بافلامها المثيرة التي تتأسس على العنف والقوة والجبروت
والدماء في معظم انتاجها ولا اقول كله. خصوصًا وأن هذه الافلام الاميركية
باتت مسيطرة بالمطلق على الفضائيات العربية التي تغذي الجماهير المتعطشة
للافلام السينمائية.
·
برنامجك "سينما .. سينما" على
الفضائية السورية ما الذي يميزه عن باقي برامج السينما الاخرى؟
-ما اقصده في برنامج "سينما .. سينما" الذي فاق حتى الآن بمسمياته
المختلفة ما يزيد عن ستمائة حلقة, وعلى مدى السنين الفائتة، هو نفس ما كنت
أدعو اليه دومًا ومنذ بداياتي مع السينما, ان بالكتابة أو بالنشر أو
بالتاليف أو بالاذاعة انتهاء بالتلفزيون. وهو الحديث عن السينما كاداة
للثقافة والوعي الفكري والاحاطة بموضوعة اساسية هي ان السينما ليست حكرًا
على هوليوود. انها موجودة في كل بلدان العالم. وكثير من انتاجاتها في اسيا
وافريقيا واميركا الجنوبية واوروبا مستواها الفني والابداعي والانساني يفوق
الكثرة مما تنتجه السينما الامريكية. وغرضي الآخر من الاتجاه نحو وسيلة
كالتلفزيون يتلخص في بعث الوعي للمنتج السينمائي بحيث لايؤخذ الجمهورعلى
حين غرة في ما تقدمه الفضائيات من افلام دون اعمال للفكر. وتغليب الذائقة
النقدية عبر تربية ملكة النقد لدى المشاهد العربي.
·
الا ترى ان الفضائيات العربية
بتنوعها قد ساعدت بانتشار الاعمال السينمائية؟
-يجب الا ننكر أن هذه الفضائيات العربية بتقديمها للاعمال السينمائية
الطويلة والقصيرة الروائية والوثائقية اسهمت جديا في اشباع نهم الجمهور
للافلام السينمائية , فلو أننا قارنا ما بين حوالى 300 الى 350 صالة سينما
في البلاد العربية وما تقدمه اسبوعيا لجماهيرها ثم القينا نظرة على ما
تقدمه الفضائيات لكانت نسبة مشاهدي الافلام بطريق الفضائيات يفوق عشرات او
مئات المرات ما يشاهدوه في دور السينما. على أن المهم في هذا التوسع الافق
والشاقولي انه في الوقت الذي يشبع نهم الناس للافلام فانه يغذي عادات محددة
يوجه في اتجاه ما يسمى بالحلم الامريكي واقناع الجمهور به. وبالنتيجة سيطرة
الفكر والعادات الاميركية واشاعة نمط الحياة الاميركية على نطاق واسع. وفي
هذا المجال تحضرني جملة رهيبة لـ "مستر هيلز" الرئيس الاعلى للرابطة
الامريكية لسينما في ثلاثينات القرن الفائت, حين كانت الراية البريطانية
ترتفع في كل بقاع الارض, تقول "اذا كانت البضاعة الانكليزية تتبع العلم
الانكليزي فالبضاعة الامريكية تتبع الفيلم". ومن الواضح بالطبع أن كلمة
البضاعة لا تقتصر فقط على ما يباع ويشترى من مواد لكنها تعني ايضا الفكر
والعادات وطرائق الحياة على النمط الامريكي.
·
انتم كجيل مؤسس ثقافيا الا
تلحقكم مسؤولية عن ما آلت اليه الامور فيما بعد؟
-انت على حق في هذا السؤال. لا ادري ان كنت تعرف ما كان يتردد في
الاوساط الثقافية في سوريا في الفترة التي تلت احداث وزارة الثقافة,
والتوجه العام نحو الحداثة في الفكر وفي الفن. في هذا البلد كان يقال ان
الدكتور عفيف بهنسي كان وراء الحركة التشكيلية في سوريا, والدكتور رفيق
الصبان وراء الحركة المسرحية, وصلحي الوادي وراء الحركة الموسيقية وصلاح
دهني وراء الحركة السينمائية. لنلاحظ الآن أن كلاً من هؤلاء فقد همته في
متابعة رسالته وبالطبع جاءت أجيال أخرى ترفع الراية في كل هذه المجالات
واذا أخذنا بما يحكى في مختلف الاوساط الثقافية فان التراجع في كل هذه
المجالات بات واضحًا. لنقل ان الاوضاع السياسية الخارجية والداخلية والضغوط
بمختلف اشكالها والرقابات بمختلف أنواعها وسبلها كانت وراء تقلص دور المثقف
وتراجعه الى الحد الذي نراه ونعيشه.
·
تقنية الديجيتال الى أي درجة
ساعدت الانتاج السينمائي؟
-كاميرا الفيديو الديجيتال الخفيفة والرخيصة نسبيًا باتت هي الوسيلة
الاساسية بين أيدي أصحاب المواهب الشابة لاشباع رغباتهم في انتاج أفلام
صغيرة ورخيصة. هذه الكاميرات عوضت عن كاميرات السينما 35 ملمترًا وحتى 16
ملمترًا التي كانت شائعة منذ أيام السينما الاولى والى ماقبل 15 سنة
فائتة، والتي كانت تصرف أي انسان عادي عن أي طموح لديه لانتاج الافلام مهما
كانت قصيرة.
إيلاف في
07/10/2009 |