أشهر رموز السينما الأميركيّة المستقلّة يحلّ ضيفاً على «مهرجان بيروت
الدولي»، حيث سيقدّم جديده
Tetro.
المعلّم اكتسب مزيداً من الحريّة ولم يفقد لمسته السحريّة
ضيف استثنائي يحلّ بعد غد على بيروت، ليحوّل افتتاح «مهرجان بيروت الدولي
للسينما»
BIFF حدثاً وطنيّاً وإقليميّاً. إنّه السينمائي الكبير فرانسيس فورد
كوبولا، الذي سيتولّى شخصيّاً تقديم فيلمه الجديد «تيترو» الذي يعدّ أنضج
أعماله بلا منازع منذ «بيغي ـــــ سو تزوجت» (1986). في
Tetro يسجّل كوبولا عودته ـــــ بعد انقطاع دام أكثر من عقدين ـــــ إلى
«سينما المؤلف» التي كان أحد ألمع رموزها في الستينيات والسبعينيات، يوم
كان إلى جانب جورج لوكاس ومارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرغ وبريان دي بالما،
على رأس حفنة من السينمائيين الجدد، الذين رفعوا التحدي في وجه هيمنة
الاستوديوهات الهوليوودية الكبرى.
وكان «تيترو» قد بهر النقاد في «مهرجان كان» الأخير، على الرغم من أن مخاوف
وتحفظات كثيرة حامت حوله، طيلة عامين، إذ لم يخل إنتاجه من عقبات ومشاكل
متعددة، على غرار المخاض العسير الذي يرافق كل فيلم جديد من أفلام صاحب
«الرؤيا الآن»...
حين أعلن كوبولا، في خريف 2007 أنه يعتزم تصوير فيلم ملحمي طويل مستوحى من
سيرة ثلاثة أجيال في عائلته، توقّع كثيرون أن ينجرّ نحو سقطة مدوّية جديدة،
على غرار العثرات المتكررة التي اشتهر بها، طيلة مسيرته الفنية الحافلة
بالتحوّلات، وقد جعلته يُلقّب بـ«نابليون السينما» حيناً... وبـ«نيرون الفن
السابع» أحياناً!
من «وادي السعادة» (1968) إلى «ناس المطر» (1969)، ومن «العرّاب» (1971)
إلى «محادثة سرية»(1974)، ومن «الرؤيا الآن»
Apocalypse Now
(١٩٧٩) إلى «ضربة قلب» (1982)، اعتاد كوبولا ـــــ الذي يشتهر بمزاج ناري
وطموح فني بلا حدود و«أنا» منتفخة تقارب جنون العظمة ـــــ التقلّب
باستمرار بين النجاحات المبهرة والسقطات المدوّية. ما إن ينجح في تقديم
فيلم رائج، ويجتمع لديه ما يكفي من المال، حتى يُطلق العنان لمخيّلته
الخصبة، وينصرف إلى تحقيق مشاريع سينمائية مستقلة، طموحة على الصعيد الفني،
لكنها غير مربحة تجارياً، ما أوصله أكثر من مرّة إلى حافة الإفلاس.
وعلى الرغم من أنه أطفأ، الصيف الماضي، شمعته الحادية والسبعين، إلا أنّ
كوبولا لم يفقد شيئاً من روح الجسارة وحب المغامرة اللتين يشتهر بهما. نجاح
فيلمه قبل الأخير «رجل بلا عمر» (2007) فتح أمامه مجدداً أبواب هوليوود،
بعد قطيعة دامت ربع قرن. لكنّه اختار أن يسلك اتجاهاً مغايراً، معلناً أنه
سيصوّر شريطاً ملحمياً عن سيرة عائلته، وأنه سيموّل إنتاج هذا الفيلم،
مستقلاً تماماً عن الاستوديوهات الهوليوودية. سيموّله من عائدات كروم
النبيذ التي تحمل اسمه، بعدما تفرّغ للاعتناء بها طيلة عشر سنوات، منذ أن
«اعتزل» السينما، بعد الفشل الذّريع الذي مُُني به فيلمه «صانع المطر»
(1997).
لذا، فقد تخوّف كثيرون من أنّ يسبّب هذا المشروع الملحمي، ذو المنحى
البيوغرافي، سقطة جديدة تقضي نهائياً على أحلام كوبولا في العودة إلى واجهة
السينما العالمية. لكنّ السينمائي المشاكس نجح في رفع التحدي، إذ أجمع
النقّاد على أن «تيترو» يُعدّ عمله الأكثر نضجاً واكتمالاً. وبذلك، يسجّل
كوبولا عودته إلى مصاف كبار صنّاع السينما المستقلة، ليجدّد رفضه للأنماط
التجارية الطالعة من استوديوهات هوليوود التي تجمعه بها عداوة متجذّرة منذ
نصف قرن.
في عمله الجديد، يعرض كوبولا بعض الوقائع البيوغرافية في حياة عائلته، وفي
مقدّمها العداوة التي اتسمت بها علاقة والده كارمين بعمّه تيترو الذي يحمل
الفيلم اسمه. وقد كان هذا العمّ «عرّاب» العائلة، وهو الذي فتح أمامها فرصة
الهجرة من إيطاليا إلى أميركا. وكان لافتاً أنّ كوبولا ـــــ حين سُئل في
«كان» عن سرّ التشابه الكبير بين أجواء عمله البيوغرافي هذا وعوالم ثلاثيته
المافياوية «العرّاب» ـــــ أجاب ضاحكاً: «حين أنجزتُ «العرّاب»، لم أحتج
إلى مقابلة أي مجرمين أو قادة عصابات، بل استوحيت تلك الشخصيات من عمّي
تيترو وإخوته...».
يسلّط فرانسيس فورد كوبولا الضوء أيضاً على جوانب خفية من صلته بوالده
كارمين الذي كان عازفاً شهيراً في «أوركسترا نيويورك السيمفونية»، وقد ورث
عنه فرانسيس تلك الأنا الفنية المنتفخة. طيلة حياته، لم يتقبّل كارمين فكرة
دخول ابنه فرانسيس الوسط الفني، وظل يكرّر حتى وفاته أنّ «العائلة لا تتسع
سوى لعبقرية فنية واحدة»!
لكنّ فرادة هذا العمل، تكمن، قبل أي شيء آخر، في البصمة الفنية الفريدة
التي تميّز أعمال كوبولا الكبرى («محادثة سرية»، «الرؤيا الآن»، «ناس
المطر»... )، ذات اللغة البصرية الساحرة والرؤية الإخراجية الباهرة. ويجزم
كوبولا بأنّه لم يكن ليحقق فيلماً مماثلاً لو لم يجد الموارد المالية
الكافية لإنجازه باستقلال عن أي ضغوط إنتاجية، إذ موّله بالكامل من ماله
الخاص (20 مليون دولار). وبذلك استطاع التحرر من كل القيود الفنية
والتجارية، مطلقاً العنان لمخيّلته الخصبة من أجل تحقيق عمل يختزل خلاصة
تجربته ورؤاه الفنية وتصوّره لما يجب أن تكون عليه السينما.
من الواضح أنّ كوبولا نجح في رفع التحدّي، وأثبت مجدداً أنه مجبول من طينة
نادرة لا تعرف الفشل والإذعان. ولعل الشيء الأكثر إذهالاً في هذا التحدي،
أنّ كوبولا قرّر تصوير «تيترو» بالأبيض والأسود، على الرغم من أنّه كان قد
جرّب مرارة الفشل، عام 1984، تحديداً بسبب إصراره على تصوير فيلمه
Rusty James
بالأبيض والأسود، ما جعل الجمهور يعزف عن مشاهدته. وبسبب تلك السقطة، ظلّ
كوبولا مديوناً طيلة 15 سنة، واضطر إلى رهن أملاكه كلها.
لكن ذلك لم يمنعه اليوم من معاودة الكرة ـــــ رغم أنه جاوز السبعين ـــــ
مثبتاً أنّ التقدم في العمر لم يؤثر على حب المجازفة الذي اشتهر به منذ
بدايته. وحين سئل عن سبب خياره تصوير «تيترو» بالأبيض والأسود، خلال
المؤتمر الصحافي الذي تلا عرض الفيلم في «كان»، أجاب ساخراً: «إن قنوات
التلفزيون التجارية هي التي تضغط على شركات الإنتاج السينمائي كي لا تصوّر
أفلاماً بالأبيض والأسود. والشركات المنتجة، بما فيها الاستوديوهات
الهوليوودية الكبرى، ترضخ لهذه الديكتاتورية التلفزيونية. أما أنا، فلا
يهمّني شباك التذاكر. في سنّي، لم أعد أحتاج إلى الكسب المالي. فأنا راض
وسعيد تماماً بحياتي وسط كرومي وأقبية نبيذي!»...
سيرة شاعر
«تيترو» سيرة شاعر قبل كل شيء. الشريط مستوحى من سيرة عائلة فرانسيس فورد
كوبولا (الصورة) يروي قصّة تيترو (فينسنت غالو) البوهيمي الذي ينحو إلى عيش
شجنه بحدّة. على هذه الحال، يجده بيني، شقيقه الطري العود، عندما يسافر من
نيويورك إلى بيونيس آيرس بحثاً عنه. يروي الشريط قصة منافسة فنيّة شيقة،
تدور رحاها في عائلة مهاجرين إيطاليين إلى الأرجنتين، تركت أميركا
اللاتينية وتوجهت شمالاً بعد نجاح الوالد في مجال الموسيقى الأوركستراليّة
الأخبار اللبنانية في
05/10/2009 |