السود المنسيّون في الحروب
سعى المخرج سبايك لي الى عرض فصل مهمل من تاريخ التميز العرقي الأميركي ضد
السود، من خلال سرد الوقائع التي جرت لجنود الكتيبة 92 والتي تشكلت
اغلبيتها من الجنود الزنوج أو ما أطلق عليهم لقب «قوات البافالو» وكلفت
أثناء الحرب العالمية الثانية بمواجهة الجيش النازي في ايطاليا. أراد لي في
محاولته، التي جاءت متأخرة بعض الشيء، سيما وأن عشرات الأفلام الأميركية
غطت هذه المرحلة، لكن جميعها تقريبا أبرزت بطولة الجندي الأبيض من دون
إشارة واضحة الى دور السود وبطولاتهم في هذه الحرب... أراد إنصاف أبطال
قدموا حياتهم من أجل وطنهم ومن أجل تخليص البشرية من نير النازية، وأراد
أيضا تعديل الميزان السينمائي المختل لصالح البيض، وتقويم قصر رؤية بعض
المخرجين المحسوبين على اليسار أو المنحازين لقضايا الإنسان الأميركي الذين
يحاربون العنصرية، مثل كلينت استوود الذي كرس، بغض النظر عن النيات، هيمنة
مطلقة للبطل الأبيض في ملحمته الحربية «رسائل من ايو جيما». ومن أجل فهم
فكرته يعيننا مشهده الأول على ذلك، فحين تدخل الكاميرا غرفة رجل أسود،
منهمك في متابعة مشهد من فيلم قديم، يعرض على شاشة التلفزيون، يظهر فيه
الممثل جون وين وهو يأمر مجموعة من جنوده البيض، بمهاجمة القوات النازية في
منطقة ما من أوروبا، فينهض الرجل الأسود فجأة من كرسيه، ويدمدم بغضب: نحن
قاتلنا أيضا في سبيل هذا الوطن!
قبل انتقاله الى ايطاليا لمتابعة المعارك والتجارب التي عاشها الجنود السود
هناك، يشحن سبايك جمهوره بتوتر عال حين يعرض عليهم مشهدا دراميا مثيرا،
تجري أحداثه في مركز للبريد في هارليم الأميركية في العام 1984، بطله موظف
يدعى هكتور نجرون (الممثل لاز الونسو) يشارف على إنهاء خدمته، يسحب مسدسا
ويطلق النار على رجل جاء يشتري منه طابعا بريديا. التباس دوافع القتل تدفع
الصحفيين، وبينهم شاب في أول عهده بالعمل، ينجح في إقناعه بالحديث معه وكشف
سر وجود رأس التمثال الأثري الذي وجدوه في غرفته والذي يعود أصله الى تمثال
ايطالي نصب على أحد جسورها قبل أكثر من أربعة قرون. هذا التمهيد أخذ من
سبايك عشر دقائق، بعدها حملنا معه الى الماضي، الى العام 1944، يوم وصلت
للتو مجموعة من الجنود الأميركيين السود، بينهم موظف البريد هكتور، وتمركزت
خلف خطوط العدو النازي. ولأنهم سود البشرة فشجاعتهم كانت ترد عليهم سلبا،
فضابط الوحدة، وبدلا من إرساله دعما طلبوه منه، بعد اجتيازهم بنجاح نهرا
استراتيجيا، أمر بفتح نيران مدفعيته على المواقع التي سيطروا عليها، لأنه
بكل بساطة لم يصدقهم ولم يثق بكلامهم. من هنا تبدأ أول ملامح التمييز
العرقي داخل المؤسسة العسكرية.
بعد هذه المعركة يتقلص عدد الوحدة الى أربعة جنود، سنتابع سيرتهم
الايطالية حال وصولهم الى قرية صغيرة في جبال توسكانا وهناك، في هذه القرية
الجبلية يفرش المخرج سبايك أفكاره ومواقفه من الحرب وغيرها: فالشعور
بالإحباط سيلزم الجنود السود، بعدما توصلوا الى أنهم يعاملون كمواطنين من
الدرجة الثانية. وتبرز فكرة التسامح ونبذ الحكم المسبق بقوة من خلال تجنب
تقديم الجنود الألمان وكأنهم ومن دون استثناء نازيون ومجرمون. ويحضر
الإيمان الديني بوصفه قوة موحدة للبشر، فيما الرحمة متجسدة بحماية العملاق
الأسود سام ترين (الممثل عمر بنسون ميلر) لطفل يدعى انجيلو، تخلص من الموت
بمعجزة، لكنه ظل يعاني من جروح نفسية بعدما شاهد بنفسه إبادة كل أفراد
عائلته وقريته. كما أن النازيين الايطاليين والفدائيين تناسوا الى حد بعيد
خلافاتهم وانخرطوا في مقاومة المحتل من دون ضغائن، وكان استقبال أهالي
القرية للجنود السود ودياً لدرجة أشعرتهم أن لا تمييز ضدهم هنا، كما هو
حاصل هناك في بلدهم. أفكار كثيرة أراد سبايك عرضها دفعة واحدة أضطر بسببها
الى إطالة المشاهد والحوارات التي بدأت وكأنها نصوص محفوظة، الى جانب
الانتقالات الزمنية التي فرضتها تقنية المونتاج، أجبرت الشريط للانتقال من
فلاش باك الى فلاش باك ثم إلى آخر، الشيء غير المتوقع من مخرج قدير مثل
سبايك لي، ناهيك عن تركيزه على وجوه القتلى الذي أراد به الإيحاء بحجم
الجريمة فإنه جاء ساذجا لكثرة تكراره. والمعجزة الايطالية الكبيرة هي وصول
الطفل (ماتيو شيابوردي) الى نيويورك وقد صار شابا غنيا ليدفع لهكتور
الغرامة النقدية (مليونا دولار) التي ألزمته المحكمة بها لقتله مهاجرا
ايطاليا، هو ذاك الذي كان من بين المقاومين الايطاليين في العام 1944 وخان
رفاقه ووشى بمكان تواجد فرقتهم للألمان. الشريط جميل وغني، حمل قيما
إنسانية، منها إنصاف الجنود السود الذين ضحوا في سبيل وطنهم. ربما جاء
متأخرا بعض الشيء، كما قلنا، لكنه يبقى جهدا رائعا وموقفا أفضل ألف مرة من
السكوت على الحقيقة.
«ابن بابل» هناك مهرجان أبو ظبي
تحضر السينما العراقية في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو
ظبي، عبر فيلم محمد الدراجي «ابن بابل». وسيتنافس الفيلم الجديد مع 17
فيلماً، ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة للفوز بإحدى اللآلئ السوداء،
الى جانب 15 فيلماً دخلت ضمن مسابقة الوثائقي الطويل.
المدير التنفيذي الجديد للمهرجان، بيتر سكارليت عبّر عن فخر اللجنة
التنظيمية بوجود عدد غير قليل من الأفلام البارزة في مهرجان العام الحالي،
مشيراً إلى أن نصف الأفلام المشاركة ستكون من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ورأى في المهرجان فرصة لمنتجي الأفلام في الشرق الأوسط للحكم على أعمالهم
إلى جانب الأعمال العالمية، وأعلن أن الدورة الثالثة ستفتتح بفيلم
«المسافر» للمخرج المصري أحمد ماهر، ويلعب دور البطولة فيه النجم العالمي
عمر الشريف الى جانب الفنانة المصرية سيرين عبد النور والممثل خالد النبوي.
أما أفلام هذه الدورة، التي ستبدأ في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر)
الجاري وتستمر حتى السابع عشر منه، فقد اختارتها لجنة من الخبراء ضمت الى
جانب بيتر سكارليت، تيريزا كافينا، كيلين كوين، انتشال التميمي ورشا سلطي،
إضافة الى مستشارين دوليين اقترحوا أفلاما من أمكنة مختلفة. من بين أفلام
مسابقة الروائي الطويل (وقيمة أفضلها 100 ألف دولار و50 الفاً لأفضل مخرج
جديد) سيعرض فيلمان لأول مرة على المستوى الدولي، الأول «ابن بابل» للمخرج
العراقي محمد الدراجي والثاني «بالألوان الطبيعية» لأسامة فوزي من مصر،
فيما سيعرض «الطبخ مع ستيلا» للكندي ديليب ميتا لأول مرة خارج بلاده. أما
بقية أفلام المسابقة، فكلها تُعرض لأول مرة في الشرق الأوسط. ولهذا خصص
المهرجان جائزة قيمتها 100 ألف دولار أميركي لأفضل فيلم روائي طويل من هذه
المنطقة و50 الفاً لأحسن مخرج جديد و25 ألفاً لأفضل ممثلة. من بين أفلام
المجموعة: «10 إلى 11» للتركية بيلين إزمير، و«صيف بومباي» للأميركي يوسف
ماثيو فيرغيس، «الدواحة/الأسرار المدفونة» للتونسية رجاء عماري. كما سيشترك
فيها السوري «الليل الطويل» لحاتم علي، الى جانب فيلمين عرضا في مهرجان كان
الأخير هما «لا أحد يعرف عن القطط الفارسية» للإيراني بهمن قوبادي و«الزمن
الباقي» للفلسطيني إيليا سليمان. وفي ما يخص فئة الأفلام الوثائقية، فإن
خمسة منها ستُعرض لأول مرة على مستوى العالم: «نكون هن» للتونسي محمد زران،
والمصريان «كاريوكا» لنبيهة لطفي و«جيران» للمخرجة تهاني رشيد، ومن فلسطين
«ميناء الذاكرة» لكمال الجعفري و«شيوعيين كنا» للبناني ماهر أبي سمرا. أما
بقية أفلام المسابقة فتعرض لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، من بينها
العراقي- الإيراني المشترك «كل أمهاتي» لإبراهيم سعيدي و«1958» للبناني
غسان سلهب، فيما يشارك البريطاني فراني آرمسترونغ في «عصر الغباء». ومن
أفغانستان سنشاهد «غاندي الحدودي» للمخرج تي. سي. مكلوهان، وستوزع جوائز
الأفلام الوثائقية بواقع 100 ألف دولار لأفضل فيلم و50 ألفاً لأفضل مخرج
جديد، و100 ألف لأحسن مخرج شرق أوسطي، و50 ألفاً لأحسن مخرج شرق أوسطي
جديد.
وعلى هامش المهرجان، الذي تشرف عليه هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث برئاسة
سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس المهرجان، ومديرها العام محمد خلف المزروعي
نائب مدير المهرجان، سيقام اجتماع مبادرة «الدائرة 2009» الهادف إلى تطوير
صناعة السينما في الشرق الأوسط وخلق فرص ممكنة لذلك، من خلال مشاركة عدد
كبير من كبار المنتجين والمخرجين العالميين.
الأسبوعية العراقية في
04/10/2009 |