اختتم مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية دورته التاسعة أول من امس بإعلان فوز ستة أفلام بجوائز معنوية وسابع بتنويه خاص. في فئة المسابقة العربية، فاز شريط الأردنية ساندرا ماضي "الذاكرة" المثقوبة" بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، "الذاكرة والجذور" للعراقي فاروق داود أفضل فيلم متوسط و"رب المنزل" للأردني أنس بلاوي أفضل فيلم قصير. وفي المسابقة الدولية، اختارت لجنة التحكيم "بلال" للهندي سوراف سارانجي أفضل فيلم طويل، The Man Who Crossed the Sahara للكندي كوربيت ماثيوز افضل فيلم متوسط وThe Solitary Life of Cranes للألمانية إيفا ويبر أفضل فيلم قصير. وحاز الفيلم البلجيكي Finding Home للأميركي كريستوفر دالي بتنويه خاص. ولكن أبعد من الجوائز، اختتمت الدورة التاسعة بتساؤلات كبرى وانتهت على مصير مجهول.

لم يكن ممكناً أن يبلي مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية أفضل مما فعل. تجسدت الأزمة ظاهرياً في صالاته شبه الفارغة من المشاهدين حتى من رواد المهرجانات الذين أفرزتهم التظاهرات السينمائية المحلية خلال السنوات الأخيرة. وفي كواليسه استفحلت غياباً وارتباكاً ادارياً. في دوراته السابقة، تأرجحت جماهيرية المهرجان وحضوره في المشهد السينمائي. في المبدأ، شكل مساحة نادرة لمشاهدة كم كبير من الأعمال الوثائقية العربية والأجنبية، غير متاحة بنفس الهامش في المهرجانات الأخرى أو على الشاشات التلفزيونية والسينمائية. في الواقع، كانت خياراته محط تساؤلات على الدوام. فالسمة الغالبة للأفلام كانت ـ ولا تزال الى حد ما ـ تفوق الموضوع على الشكل والمقاربة الفنيين. وتلك الغلبة جرفت معها في أحيان كثيرة تجارب مختلفة، أقصاها تململ المشاهدين من العناوين السائدة والمعالجات المتعجلة. في مرتبة ثانية، تأثرت جماهيرية المهرجان بقفزه من مكان الى آخر على صعيد تقديم عروضه. فخسر جمهوراً كبيراً خلال انتقال دورة يتيمة الى مسرح اريسكو بالاس، ما لبث أن عاد اليه في الدورة التالية التي انعقدت في مسرح المدينة مجدداً. ومما لا شك فيه أيضاً ان تخصيص فئة ومسابقة بأفلام الطلاب على مدى أكثر من خمس دورات، جذب جمهوراً إضافياً من الطلاب وعائلاتهم وأصدقائهم.

اليوم مع انفراط عقد الدورة التاسعة التي التأمت بين 22 و30 أيلول المنصرم، تبدو مسألة الجماهيرية عصية على التحليل بل انها، على اهميتها، تكاد تكون أسهل المشكلات. ثمة مجموعة من الأمور المتداخلة، تفسر لماذا اشاح الجمهور عن الدورة التاسعة للمهرجان. فمن البديهي ان غياب سنتين من دون علم ولا خبر قطع استمرارية المهرجان التي هي اساس العلاقة بين التظاهرات الثقافية وروادها. ولعل لتلك المسألة جانباً نفسياً يُترجم تجاهلاً وعقاباً من قبل جمهور صغير، خذلته رهاناته الاجتماعية والسياسية والمعيشية حتى باتت مسألة منح الثقة، وإن لمهرجان او موعد سينمائي سنوي، عملية صعبة ذات أبعاد انسانية غير منظورة. من جهة ثانية، لم تشتغل إدارة مهرجان الفيلم الوثائقي على رأب ذلك الصدع بين المهرجان وجمهوره، فعاد بعد غيابه المبهم كأن شيئاً لم يكن ومن دون أدنى جهد دعائي يسلط الضوء على دورته الجديدة. تفصيل أخير ربما ليس الاساس ولكنه أسهم أيضاً في إقصاء الجمهور هو الكم الكبير من الأفلام والبرنامج المكتظ بالعروض على نحو يربك المشاهد واختياراته لاسيما في مهرجان عائد من كبوة طويلة، كان قبلها عرضة للمساءلات حول نوعية اختياراته. كل ذلك وسواه تجلى بحزن في أيام العروض الطويلة الخاوية وبخيبة لم يستطع النفر القليل من القيمين على المهرجان من كبتها. أيعقل ان يذهب كل ذلك الجهد المبذول خلال أشهر سبقت انطلاق المهرجان سدىً؟ المؤسف في كل ذلك ان عودة مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية لم تبدُ للحظة متجددة ولو انها فعلت لقلنا ان ذلك الفراغ الجماهيري واللامبالاة انما هما مصير التجارب الجديدة في بداياتها. بل ان تلك العودة كانت أشبه بعودة مهرجان عجوز ويتيم. يتيم هو الوصف الحقيقي. كان واضحاً خلال الدورة المنصرمة غياب التمويل الذي تردد انه كان السبب الاساسي خلف توقف المهرجان خلال 2007 و2008. وإذا صح ذلك، فإن عودة المهرجان كما كان وربما أفقر مما كان هو أشبه بلفظ الأنفاس الأخيرة. حالة اليتم تلك تتجسد في صورة أقسى في غياب مديره ومؤسسه محمد هاشم خارج البلاد. لا ينتقص ذلك من قدرات مديره الفني علي حمود ولا من دوره. كما انه لا يقلل جهود عبير هاشم (الأقرب الى مديرة العلاقات العامة كما أوحت حركتها) التي يغيب اسمها بشكل مفاجئ عن طاقم العمل المشار اليه في الكتالوغ الخاص بالمهرجان وتغيب معه طبيعة مهامها التي تراوحت بين افتتاح المهرجان وترجمة بعض الافلام والاهتمام بأعضاء لجنة التحكيم. ولكن المهرجان أياً كان ليس استعراضاً فردياً ولا يمكن ان يقوم على قدرات تعجيزية لشخص او اثنين. فما بدا انه استدراك من هاشم في هذه الدورة لأخطاء الدورات السابقة وتحديداً لاستئثاره بكل المهام، تبدى مع نهاية المهرجان هذا العام الوجه الآخر للعملة نفسها. اي ان المهام انتقلت من يد لاعب منفرد الى لاعب منفرد آخر (حمود وعبير هاشم في هذه الحالة). هكذا استفحل النقص في نواحٍ أخرى مثل تسويق المهرجان (وهي ليست مهمة المدير الفني بأي شكل من الاشكال) واحتضانه ومتابعة يومياته وتوفير التوضيحات اللازمة للضيوف والصحافيين والجمهور القليل. انه دور مدير المهرجان ان يكون حاضراً ومحرّكاً ومستمعاً ومشرفاً ومتابعاً وفي النهاية مقوماً للتجربة ومستخلصاً منها ما يمكن ان يرفد المهرجان مستقبلاً بالتطور والاستمرارية. ولكن في غياب كل ذلك، اختتمت الدورة التاسعة على مصير مجهول، يطاول الاستمرارية قبل الجودة والتطوير، ويطرح اسئلة أكثر من تلك التي انطلقت بها، تُضاف اليها مشكلات المهرجان القديمة المرافقة لمسيرته: الصفة الدولية التي تفتقر الى البحث والتنقيب ومتابعة المهرجانات الكبرى؛ الإختيارات التي ترتكن في الغالب الى رؤية تقليدية للوثائقي وان شذ بعض الافلام عن هذه القاعدة خلال الدورة المنصرمة من دون ان يحدث فارقاً كبيراً؛ التركيز على جذب أفلام ذات موضوعات سائدة وعرض أخرى ذات تركيبة تلفزيونية او معلوماتية صرفة. يبقى منفذ وحيد هو مقاربة بعض الأفلام الذي عرض كتجارب منفردة تستحق القراءة. هنا نظرة على ثلاث تجارب نسائية.

المحاربون القدامى

أطلت ساندرا ماضي على المشهد الوثائقي العربي عام 2007 بفيلمها "قمر 14" كان إحدى الثمرات الثماني للمحترف الأول للمعهد العربي للفيلم في الأردن الذي لملم بعد محترفين فقط مشروعه الطموح واختفى. قبل الفيلم المذكور، كانت للمخرجة الاردنية الفلسطينية اطلالات تمثيلية مسرحية بمعظمها، وتجربة وثائقية أولى في عنوان "بعيداً عن هنا" عن الكاتب الأردني محمد طميلة. منذ التجربة الثانية، "قمر 14"، أظهرت ماضي قدرة وموهبة في إنجاز الوثائقي الإبداعي، الذي يناقض في تعريفه الأبسط والمباشر الوثائقي التلفزيوني أو الإخباري. اشتغلت المخرجة في فيلمها ذاك على نبذ الكليشيهات والمعالجة النمطية التي يسهل الانزلاق اليها في فيلم يتناول شخصية شاب فلسطيني يحيا في أحد المخيمات في الأردن. ما أرادته في الفيلم تظهير بورتريه حميم وحساس لشاب يحلم بالبطولة في رياضة الملاكمة. وقد فعلت ذلك بخيارات سينمائية فنية، مولية المقاربة السينمائية او الإطار الشكلي العناية التي ترتقي بالفيلم من حكاية مكررة الى عمل متماسك متداخل العناصر. تفاصيل كثيرة تتسرب الى فيلمها الجديد "ذاكرة مثقوبة" مع العلم ان الأخير ممول من شركة "O3" التابعة لقناة العربية. على الرغم من ذلك، لا نقع على فوارق بين الفيلمين المنتميين الى نمطين انتاجيين متناقضين في المبدأ (الأول من انتاج معهد مستقل والثاني من انتاج تلفزيوني) في ما يخص المعالجة وطريقة السرد. ولعل أولى الملاحظات التي يمكن ان نسوقها في هذا الاطار خلو الفيلم الحالي من التعليق الصوتي الذي بات لازمة ضرورية في أفلام التلفزيون الوثائقية. ربما يكون الموضوع الأكثر عمومية في "ذاكرة مثقوبة" (أوضاع المناضلين القدامى في حركة فتح) أقرب الى اهتمامات التلفزيون من الموضوعات المتمحورة حول فرد. في مطلق الأحوال، تبقى ماضي وفية لأسلوبها الذي يقوم بالدرجة الأولى على محاصرة الموضوع بكاميراها ببطء وروية كأنها تستخلص مادتها على نار هادئة. انها تستعيض عن تقديم وجهة نظرها بخيارات فنية توحي ظاهرياً بالحيادية. فهي قلما تتدخل في سير النقاشات والأحاديث بين الشخصيات. ولكنها حاضرة دوماً لالتقاطها من بعبد او من قريب، تنقل كاميراها بين زوايا المكان او ترفعها قليلاً فوق الشخصيات لتصنع كادراً علوياً كأنما لتؤكد على وحدة المكان وضيقه الذي يجمع كل تلك الشخصيات ـ الحيوات ـ الحكايات ـ التواريخ. تسكن كاميرا الفيلم مقراً لحركة فتح في الأردن. هو ليس مكتباً لإدارة العمليات او لتوزيع المهام او لمناقشة الخيارات الجديدة للمنظمة. انه أقرب الى دار عناية بالمناضلين القدامى، يتجمعون فيه حول حكايات الماضي، التي تتحول، على الرغم من مأسويتها، وبفعل الحنين وقسوة الحاضر ذكريات جميلة ونوادر وزمناً جميلاً ولى. هم هناك بانتظار ما ستجود عليهم به المنظمة من مساعدات هي حقهم الطبيعي بعد سنوات من العمل النضالي والعسكري الذي خلف لدى معظمهم اعاقات مستديمة. ولكن الإنتظار يطول والصبر ينفد تماماً كما في حكاية الملاكم الشاب في "قمر 14". ترصد ماضي كل ذلك بحساسية فائضة تجاه الزمن والايقاع الضروريين في هذا النوع من الأفلام. ساعة كاملة تولفها المخرجة بايقاع متماسك، لا يتبع اطاراً سردياً متكاملاً او زمنياً متتالياً. لا تخشى "التلاعب" في الحكايات الفردية بحيث تمزج بين سرد اثنين لعمليتين مختلفتين. فالمصير واحد والخيبة واحدة والأحلام كانت ذاتها. هكذا تجمع الصورة على مهل من قطع وشذرات. وهي صورة متشعبة لماضي شعب وحركة وطنية ومناضلين ولحاضرهم أيضاً.مقابلات قليلة مباشرة تجريها المخرجة حيث تتخذ الشخصيات وضعيات البوح للكاميرا. وهنا نلمس ربما شيئاً من الإنصياع لقوانين التلفزيون في رصف "الرؤوس المتكلمة" (نقلاً عن التعبير الانكليزي الشهير talking heads) لاسيما في التقطيع السريع للمقابلة وما يفرضه من لقطات تنسف الوحدة الزمانية. أما باقي الحكايات فتنقلها من الجلسات الحميمة بين المحاربين القدامى. وكما في فيلمها السابق، يتصاعد رصد اليومي الى ذروة الإنفجار أمام الكاميرا اذ لا يمكن تلك المأساة ان تحافظ على رباطة جأشها طوال الوقت. ولكنه الانفجار الانساني لتيريز(إحدى المناضلات القدامى التي تحولت الى العمل المكتبي متابعة أحوال رفاقها ومعوناتهم) الذي يفيض دموعاً وسواداً حالكاً هو أبلغ تعبير عن اليأس. بخلاف المشهد الختامي في "قمر 14" المفتوح على قراءات متعددة (هرولة الشاب على طريق جبلية عند الفجر بما تحمله من تأويلات في اتجاه التحرر أو الهروب أو الهجرة او السجن الكبير)، تقفل "ذاكرة مثقوبة" على "تيريز" المنخرطة في بكائها المرير امام الكتل البشرية المتراكمة أمامها في موتها غير المعلن. هناك كان يمكن الكاميرا ان تخرج الى الفضاء في معاينتها مصير فرد. ولكنها هنا محكومة بالحصار وبالسوداوية إذ شاءت ان تتناول مصير شعب وقضية في ماضيه وحاضره.

دمية سورية

منذ فيلمها الأول "القارورة" عام 2005، تهجس المخرجة السورية ديانا الجيرودي بموضوع المرأة السورية مكملة بحثها ذاك بفيلمها الجديد "دمى ـ إمرأة من دمشق". يتجاوز عمل المخرجة الرصد الى قراءة في هوية المرأة السورية في الثقافة المحلية في مجتمع من طراز المجتمع السوري وغيره من المجتعات العربية المتخفية خلف الشعارات الوطنية والقومية، ومقولات التحديث والعصرنة، بينما تراعي في التفكير والممارسة القيم التقليدية المحافظة. في الفيلم الأول، أعلنت ديانا الجيرودي أن المرأة قارورة، أو بمعنى آخر تنخصر أهميتها في العرف الاجتماعي بما تحمله أو تمتلئ به. اي انها في جميع الأحوال ليست أكثر من أداة ذات وظائف محددة: الامتاع، الانجاب، الانصياع... في "دمى"، تتابع على المنوال نفسه انما مطوراً. تختار شخصية إمرأة شابة متزوجة وأم لولدين. انها "منال" ذات الروح المتفائلة والهادئة الخارجة من تربية صارمة لا تجدها معيبة أو انها لا تعترف بقسوتها. ولكن في داخلها مساحة صغيرة لا تستكين. في معناها المطلق، هي النزوع الى الحرية, ولكن تراكمات التربية والمجتمع تحيل ذلك النزوع الطبيعي الى صوت مكتوم، يطفو على السطح في شكل مطلب صغير هو حقها في ممارسة عمل خارج المنزل. لعل "منال" لا تدرك ككثيرات من بيئات مشابهة ان نداءها الداخلي طبيعي وان خياراتها كان يمكن ان تكون محتلفة عما هي عليه الآن. هنا ربما يظهر دور المخرجة او الاحرى قدرتها في بعث تلك الشخصية القلقة امام الكاميرا. من الواضح ان ديانا لم تشأ النبش كثيراً في دواخل "منال" لاسيما ان الكاميرا تدخل بيتها وتصور عائلتها وزوجها. ولكن الأرجح ان ذلك الخيار نابع من رغبة الابتعاد من التنظير او مقاربة الشخصية باستعلاء. او لعله خفر المخرجة وخوفها على "منال" التي تظهر لها الكثير من الحب من أن توقظها على حقيقة عالمها فلا تعود قادرة على احتماله. يقال ان من لا يشعر بمشكلاته فلا مشكلات عنده. ولكن "منال" تستشعر، ربما بذكائها الفطري فقط، كآبة داخلية لا تجد لها تعريفاً واضحاً. ولكن الفيلم يراكم عبر جلسات مطولة من مجرد الرصد او المحادثة قسوة الحياة التي تعيشها، فيخرج بصورة موازية لواقع نساء كثيرات، جاثم أمام أعينهن ولكنهن لا يفقهن خطورته لأنه ببساطة ينسجم مع الصورة التي تشرّبتها منذ الطفولة في المنزل والتربية والمجتمع والمدرسة. هكذا يرصد الفيلم التحولات الطفيفة في إطلالة "منال" ومزاجها ولا نقول شخصيتها لأن هذا التغيير يحتاج الى وعي أكبر بحالها. غير ان هذه الصورة المنطوية على الكثير من التفاصيل اللماحة التي ترد في سياق الحياة الطبيعية، ينغصه تعليق صوتي في المقدمة، يغرق في التوضيح والمباشرة. فالقول ان المرأة السورية تشبه دمية "فلة" من حيث انها واجهة لمجموعة قيم ومواصفات مسبقة التحديد لهو أمر يسهل استناجه من خلال ما يقدمه الفيلم من إيحاءات. على الرغم من ذلك، يحتفظ الفيلم بقيمة خاصة لجهة تواصله الذكي والشفاف والحميم مع شخصيته وقدرته اللماحة على استنباط صورة واقع كامل من خلال حكاية فردية.

أولغا عن أمها ولبنان

تنتمي تجربة المخرجة اللبنانية أولغا نقاش "أمي، لبنان وأنا" الى نوعية خاصة من الأفلام، تقوم على تلمس العام من خلال الخاص او تظهير العام من خلال المسار الشخصي للسينمائي. وتلك تجربة ان نجحت، تصل الى ذروة العمل الابداعي والتأثير الإنساني. وان لم تكتمل، كما هي حال "أمي، لبنان وأنا"، تحولت مادة أنسانية أكثر منها سينمائية، وسكنت الذاكرة بلحظاتها المضيئة المتناثرة على طول الفيلم. لفيلم نقاش أكثر من بداية وأكثر من غاية. فأمها المصابة بالهوس الاكتئابي منذ أكثر من 30 عاماً حكاية وحدها بجمالها واصولها التركية وافتتانها بأتاتورك. وعلاقة المخرجة بأمها هي أيضاً حكاية مثيرة للإهتمام لاسيما مع تلك القطيعة بينهما التي استمرت سنوات طويلة بسبب زواج المخرجة بشاب لم ترضَ الأم عنه. ثم هناك الصدفة التي جعلت الأم تتوه في غياهب كآبتها في نفس الوقت الذي دخل فيه لبنان حربه الأهلية الطويلة. كل تلك الحكايات واردة في الفيلم ولكن أياً منها لن يشكل محوراً اساسياً أو ثقلاً يُبنى عليه. لقد وقعت المخرجة بما هو ليس مفاجئاً في فخ الواقع الآني. صحيح ان حديثها عن أمها وبيروت قاداها بطبيعة الحال الى لبنان وحروبه، ولكنها علقت في دهاليز الواقع وانزلقت الى مساءلة أصدقائها القدامى ـ في محاولة للمكاشفة ومساءلة نفسها ـ حول انتماءاتهم الحالية. حتى بهذا المعنى، لم يتمكن الفيلم من رسم بورتريه للجيل الذي انتمت المخرجة اليه. ضياعها جميل وحساس في مواضع وتبسيطي في مواضع أخرى. هي التي عاشت في أتون الحرب الأهلية وخيبات جيلها وتجربة المنفى والحياة الشخصية الحافلة، تقف حائرة امام معضلة 8 و14 آذار. مفتونة بحزب الله وناقمة عليه. تتغنى بعظمة الجيش وتشفق عليه. الحاضر يمتصها كما يبتلع خطابه صديقيها المنقسمين بين المعسكرين الجديدين. في كل ذلك، تبدو أولغا الغائب الاكبر عن فيلمها. تحكي حكايات الجميع ـ أمها وجيلها وبيروت ـ في محاولة للعثور على قصتها أو سعياً لاجتناب مصائر من احبت. الصورة مؤلمة ومؤثرة، نتحسسها من خلال مفاتيح كثيرة ترميها المخرجة في قلب فيلمها من دون توظيف أو بناء. الأحاسيس جارفة وكذلك الحكايات منفصلة ولكن الثمرة النهائية أقل توهجاً من عناصرها.

"مهرجان بيروت لعروض الشارع"

المستقبل - الجمعة 2 تشرين الأول 2009 - العدد 3440 - ثقافة و فنون - صفحة 21

الجمعة 2 تشرين الأول، شارع الحمرا سنتر فرنسابنك، الساعة 5,30

السبت 3 تشرين الأول، كورنيش عين المريسة، الساعة 5,30

"العربة"
لـDansk Rakkerpak الدنمارك

اداء مسرحي غير ناطق في الشارع لجميع افراد الاسرة.

سائق عربة تفوح منه رائحة العرق وامبريالي يجلس في المقعد الخلفي.

رمز كلاسيكي لتفوق الرجل الابيض على الانسان المهاجر "الغريب" غير المتحضر.
"العربة" قصة عن الاستغلال والتغيير الذي يمكن للجمهور التواصل معه مباشرة. تحكي بلغة جسدية مسرحية عالمية، مع حس من الفكاهة والكوميديا وعمق في الدلالة.

Dansk Rakkerpak: تأسست عام 1994 بهدف انتاج عروض مسرحية ثابتة وجوالة للاطفال.

والشباب والكبار والاسر، تقدم في الدانمارك وفي العالم.

عرفت في السنوات الاخيرة غالباً في مسرح الشارع، حيث توجهت لجماهير جديدة لم تجرب من قبل اضافة الى جمهور المسرح التقليدي. ولقد طور اسلوباً ولغة في مسرح الشارع، اثبت نجاحاً لدى البالغين والاطفال من عمر الـ 6 سنوات.

الآحاد 4 و11 و18 تشرين الأول مقابل صخرة الروشة، الساعة 5

ثلاثة ايام على الشاطئ

نص واداء: كريستال خضر لبنان

الا تريد الذهاب الى الكورنيش؟ مقابل مغارة الحمام؟

يمكننا ان نأكل الذرة ونشرب النرجيلة او نشرب القهوة، وبعدها يمكننا اخذ صورة مقابل الصخرة، ان نتخيل انفسنا داخل ورقة الـ 10 ليرات..

"ثلاثة ايام على الشاطئ" عرض صامت يعتمد بالاساس على التعليق المكتوب. تؤديه ممثلة محترفة يتحدث عن صخرة الروشة وهي احدى المعالم السياحية المعروفة في لبنان. توجد صورة الصخرة على ورقة الـ 10 ليرات التي لم تعد تستعمل منذ حوالي الـ 20 سنة، لكن ما زالت حتى الآن في ذاكرة اللبنانيين.
يستمر المهرجان حتى اواخر شهر تشرين الاول.

المستقبل اللبنانية في

02/10/2009