·
"في تونس أنا بالمعنى العائلي في "وطني"، عند جذوري. ومن دون هذه الجذور
سأشعر في باريس بالفراغ"
·
"أنا أحب المفتِّش "ديرِّيك" كثيرًا، بطل المسلسل التلفزيوني البوليسي من
ألمانيا وهو يتمتع في تونس بشعبية كبيرة"
·
"بفضل علي بن عياد الذي ترجم من بين أعمال أخرى أعمال شكسبير إلى
اللهجة التونسية، وغيره طوَّرت تونس في القرنين التاسع عشر والعشرين ثقافة
مسرحية غنية جدًا"
·
"يعدّ التمثيل المسرحي اليوم في تونس من الثقافة الشعبية؛ وفي المدرسة
الابتدائية يعتبر المسرح مادة إلزامية"
يعد التونسي هشام رستم واحدًا من الممثِّلين العرب الأكثر تنوّعًا في
الوقت الحاضر وله سجل فني حافل في عدد من الأدوار والبطولات، كما كان علية
الأمر في الفيلم العالمي الأكثر رواجًا "المريض الإنجليزي" وكذلك في
التلفزيون التونسي عن دوره كمفتِّش شرطة. مارتينا صبرا أجرت الحوار التالي
معه في أثناء زيارته لمدينة كولونيا.
·
السيِّد هشام رستم، هناك عدد
قليل فقط من الممثِّلين ذوي الأصول العربية الذين يعملون مثلك بنجاح سواء
في أوروبا أو في المنطقة العربية. فهل تشعر بوجود اختلافات عندما تعمل
لصالح أعمال أوروبية وعربية؟
هشام رستم: لا أرى في المسرح أي اختلافات كبيرة، ولكن من دون ريب في
السينما وفي التلفزيون. وفي تونس وكذلك في البلدان العربية يعرضون عليّ
تقريبًا في كلِّ مرة دور الأرستقراطي ودور المواطن الوصولي؛ دور المحامي،
أو مدير شركة أو الموظَّف الحكومي. وهذا يختلف تمام الاختلاف في أوروبا
والولايات المتَّحدة الأمريكية وأستراليا. فهناك تختلف الأدوار التي يتم
عرضها عليّ من بلد إلى بلد آخر. وعلى سبيل المثال في فرنسا يُقيم المرء
للأصل أهمية كبيرة جدًا. وهناك لم يتسنَّ لي قطّ باعتباري تونسيًا أداء دور
محام فرنسي. ولكن بدلاً عن ذلك وجدت نفسي مرة أخرى في دور "الأجنبي" - في
دور شخص لبناني، أو أمريكي لاتيني، أو غجري. ومن ناحية أخرى أعمل في
إنجلترا وإيطاليا في أداء أدوار أخرى.
·
ما هي الأدوار التي أديتها وكنت
تشعر معها بأكبر قدر من الراحة؟
رستم: التجارب المثرية جدًا بالنسبة لي كانت في عملي في الأفلام
التاريخية التي صنعتها في بريطانيا وإيطاليا - "صلاح الدين" و"هانيبعل" مع
هيئة الإذاعة البريطانية
BBC، و"بومبي" مع قناة
RAI. وهذه الأدوار وفَّرت لي متعة كبيرة، وذلك لأنَّني كنت أستطيع هنا
توظيف تجربتي الغنية في المسرح.
·
أنت أتيت من المسرح، ولكنَّك
كذلك تعمل كثيرًا في السينما والتلفزيون. فكيف تستطيع التوفيق بين كلِّ
ذلك؟
رستم: في العادة لا يستطيع المرء الفصل بينهما بشكل أساسي، وذلك فقط
لأسباب اقتصادية. ولكن حسب رأيي فإنَّ الممثِّل الحقيقي هو في الدرجة
الأولى ممثِّل المسرح. وفنيًا يعتبر المسرح أكثر تميّزًا وجاذبية. وفي
السينما غالبًا ما يختفي الممثِّل خلف الشخصية التي يؤدِّي دورها. ولكن في
المسرح يجب على الممثِّل أن يكون هو نفسه، كما أنَّ الممثِّل يخضع هنا
للدور.
·
تقوم الآن في تونس بأداء دور
مفتِّش شرطة في عمل تلفزيوني. هل لديك نموذج مثالي لهذه الشخصية؟
رستم: نعم، فأنا أحب المفتِّش "ديرِّيك" كثيرًا، بطل المسلسل
التلفزيوني البوليسي من ألمانيا. وهو يتمتع في تونس بشعبية كبيرة، كما
أنَّه أيضًا قدوتي ونموذجي المثالي. وأنا أردت أن أخلق شخصية مماثلة. وقمت
بتعديل السيناريو بالتعاون مع مؤلِّف السيناريو والمخرج، بحيث أنَّنا
أوجدنا ديرِّيك - "مفتِّشًا" تونسيًا. وصحيح أنَّ المفتِّش ديرِّيك يعتبر
لدينا في بعض الأحيان تعليميًا شيئًا ما، ولكن الجمهور لدينا يحب ذلك.
·
تؤدِّي حاليًا في تونس دور
البطولة في مسرحية، على الرغم من أنَّها ليست تاريخية إلاَّ أنَّها تشير
إلى ابن خلدون، العالم الموسوعي الشهير الذي عاش في العصور الوسطى ويعتبر
رائد العلوم الاجتماعية الحديثة، ويتم تخليد ذكراه في العديد من الأماكن في
تونس. فعمّ تتحدَّث هذه المسرحية بالضبط؟
رستم: هذه المسرحية هي من تأليف الكاتب التونسي الشهير، عز الدين
مدني. وأحداثها تدور في العام 2023؛ حيث يسافر مثقَّف اسمه ابن خلدون
عائدًا لأوَّل مرّة إلى تونس بعد قضائه أعوامًا طويلة في المنفى. ولكن عند
وصوله إلى البلاد تتم مصادرة كتبه وتراقبه المخابرات. وعندما يطلب ابن
خلدون في آخر المطاف مقابلة الملك...
·
أَتقول الملك؟
رستم: أجل، في هذه المسرحية لم تَعُد تونس جمهورية في العام 2023، بل
مملكة. وإذن عندما يطلب ابن خلدون مقابلة الملك، يطلب منه الملك أن يصبح
رئيسًا للوزراء. ويريد الملك أن يخلق وزنًا مضادًا للجماعات الدينية
المتطرِّفة التي تعمل على احتلال الحياة السياسية وكذلك الثقافية. وفي
البداية لا يريد ابن خلدون الخوض في الحياة السياسية، ولكن عندما يمنعه
الإسلامويون من نشر كتبه، يقرِّر قبول العرض الذي عرضه عليه الملك. ومن بين
أوَّل الإجراءات الرسمية التي يتَّخذها بصفته رئيسًا للوزراء قيامه بحملة
لمحاربة الفساد. ويبدو كأنَّ هذه الحملة ستُحقِّق نجاحًا، ولكن عندما يعتقد
أنَّه اقترب من الوصول إلى الهدف، يقوم الجيش بانقلاب عسكري. وهكذا يُحاصر
البرلمان، وتصبح حياة ابن خلدون في خطر. وبمساعدة احدى الصحفيات التي تقع
قليلاً في حبِّه، يحصل على جواز سفر مزوَّر، من أجل السفر إلى أوروبا.
·
لقد سبق لك القيام بجولات عبر
دول عربية مختلفة، عرضت فيها هذه المسرحية وكنت تتجوَّل بها من جديد في
تونس. فما الذي يثير إعجابك في هذه المسرحية؟
رستم: لقد اتَّفقت مع المؤلِّف، عز الدين مدني على ألاّ أؤدِّي دور
ابن خلدون كشخصية تاريخية، بل أن نستخدم في عملنا التصوّرات والأفكار التي
تتبادر للذهن عند ذكر ابن خلدون؛ أي التفكير النقدي، وحرّية الفكر. وأنا
أمثِّل دور ابن خلدون باعتباره مثقَّفًا يعيش في يومنا هذا، ولا يمكن
تصنيفه من الناحية السياسية باعتباره يمينيًا أو يساريًا، بل باعتباره
معارضًا لبيئته، ولا يقبل بأي تسوية. وأنا أجد أنَّ هذا الموضوع وهذه
المسرحية رائعان للغاية، وذلك لأنَّ الأمر يتعلَّق بقضايا عصرية سياسية
مهمة؛ بالسؤال عن معنى الديمقراطية؟ وما معنى الانتخابات، عندما يكون
الوصول إلى السلطة من خلال ذلك أمرًا ممكنًا بالنسبة للإسلامويين - الذين
يعدّون معادين للديمقراطية ومعادين لليبرالية؟
·
بالنسبة لك ما هو أكبر
التحدِّيات التي تواجه في الوقت الراهن ثقافة المسرح في تونس؟
رستم: بفضل الكثير من التأثيرات التي أتت من إيطاليا ومصر، وكذلك بفضل
كبار المسرحين التونسيين، مثل علي بن عياد الذي ترجم من بين أعمال أخرى
أعمال شكسبير إلى اللهجة التونسية، طوَّرت تونس في القرنين التاسع عشر
والعشرين ثقافة مسرحية غنية جدًا. واليوم يعدّ التمثيل المسرحي في تونس من
الثقافة الشعبية؛ وفي المدرسة الابتدائية يعتبر المسرح مادة إلزامية،
وبإمكان طلبة الثانوية العامة تقديم مادة المسرح باعتبارها مادة أدائية
(تكميلية)، كما أنَّ الدولة تتعامل مع دعم المسرح والفنون بصفة عامة
باعتبارها من الخدمات العامة.
ولكن هناك مشكلة خطيرة. وهي أنَّ الجيل التونسي الشاب الذي يتكلم بشكل
أساسي اللغة العربية، يكاد لا يجد ترجمات مضبوطة للأدب المسرحي العالمي.
وأعمال بيرتولد بريشت أو تشيخوف أو غيرهما من كبار الكتَّاب المسرحيين
غالبًا ما تكون متوفِّرة فقط بترجمات مترجمة بدون عناية أو بترجمات قديمة.
ونتيجة لذلك لا يستطيع تقريبًا الممثِّلون الشباب تمثيل أعمال من الأدب
العالمي على المسارح المحلية. وهم يستخدمون المسرح من أجل معالجة موضوعات
حياتهم اليومية والتعبير عن مشكلاتهم الشخصية.
بالتأكيد هذا ليس سيئًا...
رستم: لا، فهذا مقبول من حيث المبدأ، وأنا لا أعارض ذلك. ولكن المسرح
من دون القصص والأساطير الكبيرة مثل أوديب أو أعمال أخرى هو مسرح فقير.
·
كيف يستطيع المرء مواجهة هذا
النقص في الترجمات المضبوطة؟
رستم: لدينا منذ عام 2008 مركز وطني للترجمة، من المقرَّر أن يتم فيه
نقل الكثير من الأعمال بما في ذلك أعمال درامية مهمة من جميع أنحاء العالم
إلى اللغة العربية. ولكن من المهم خاصة في الأعمال المسرحية المترجمة أن
يكون هناك تعاون في العمل مع المخرجين. وهذا لا يتم على هذا النحو بسرعة
وبسهولة. والآن أحاول مع بعض الزملاء الحصول على مساعدات مالية، وذلك لكي
نتمكَّن من العمل في هذا المركز القومي للترجمة الأدبية.
·
السيِّد هشام رستم، أنت متزوج من
امرأة فرنسية، ولديك كلّ من الجنسية التونسية والفرنسية. فما معني "الوطن"
بالنسبة لك؟
رستم: لقد أثَّرت بي فرنسا كثيرًا؛ وهناك - أتممت دراستي الفنية،
وكذلك أيضًا خطواتي الأولى باعتباري ممثلاً ومخرجًا، كما أنَّ أعزّ أصدقائي
هناك، بالإضافة إلى حانتي المُفضَّلة. واليوم أذهب أربع أو خمس مرَّات في
السنة إلى باريس. وهناك أتزوَّد بالطاقة الفكرية، وأستطيع إشباع حاجتي إلى
الإبداع والحرية. وفي تونس زوجتي وأولادي، وأحفادي، والمسنّون من أقربائي.
وفي تونس أنا بالمعنى العائلي في "وطني"، عند جذوري. ومن دون هذه الجذور
سأشعر في باريس بالفراغ، ولكن أنا بحاجة أيضًا إلى الطاقة الفكرية
والإبداعية التي "أمتلئ بها" في باريس.
حقوق الطبع: قنطرة 2009
موقع "قنطرة" في
26/08/2009 |