اختارت إدارة مهرجان بيروت الدولي للافلام الوثائقية
Docudays فيلم المخرجين دايفيد ريدجن ونيكولا روسييه لافتتاح الدورة التاسعة
التي انطلقت عروضها أمس في سينما متروبوليس أمبير-صوفيل. ينسجم هذا
الاختيار الى حد بعيد مع شعار المهرجان الذي أُطلق قبل سنوات باللغة
الانكليزية
A
Festival with a Story to Tell (مهرجان يحمل قصة ليرويها) ومع خطوط برامجه
العريضة خلال الدورات السابقة التي اتخذت من السياسة والموضوع الحدثي
الساخن ركيزة أساسية في عملية اختيار الأفلام. وغالباً ما قامت تلك الركيزة
على تجاوز المعايير الفنية الأساسية بدورها والمهمة بالنسبة الى مهرجان
دولي متخصص بالفيلم الوثائقي، بعدما أصبح للأخير مكانة متقدمة خلال العقد
الأخير. لا تختلف الحال هذا العام على الاقل في ما يخص فيلم الإفتتاح
"الراديكالي الاميركي: محاكمات نورمن فنكلستين"
American
radical: The Trials of Norman Finkelstein
الذي يكتفي بقوة موضوعه وسخونته، ولا شك في انه ينجح في تسويقهما. ولكن حتى
بالنسبة الى فيلم من هذه القماشة، بدا العرض ناقصاً على مستوى الجمهور
وتفاعله مع الفيلم. لا بد من الإشارة أولاً الى ان العرض الذي قدمه
المهرجان هو الأول في العالم العربي بحسب ما قال روسييه الذي حضر الإفتتاح.
وهذا ما دفع بالمنظمين الى تحضير نسختين من الفيلم تمهيداً لعرضه في صالتين
في الوقت عينه إذا دعت الحاجة. ولكن مشكلتين أساسيتين حالتا دون امتلاء
الصالة الاولى: التقصير في الاعلان عن المهرجان والتعريف بفيلم الافتتاح من
جهة وغياب الترجمة العربية من جهة ثانية. فموضوع الفيلم، المفكر والاكاديمي
الاميركي نورمن فنكلستين، جذاب لم يعرف شيئاً عنه لاسيما انه زار بيروت
مطلع العام الفائت والتقى الطلاب الجامعيين. أما لمن لا يعرف عنه شيئاً،
فكان يسهل على منظمي المهرجان "تسويقه" ببضع كلمات محورية: أميركي يساري،
يهودي غير صهيوني، مناصر للقضية الفلسطينية وناقد شديد اللهجة لسياسة
أميركا الخارجية واسرائيل. ينسحب التعتيم على المهرجان برمته. فحتى هذه
اللحظة لا يبدو المهرجان مرئياً الا من خلال موقعه الالكتروني وبعض الأخبار
الصحفية. على صعيد آخر، يستحيل وصول فيلم من نوع "محاكمات نورمن فنكلستين"
الى الجمهور العادي من دون ترجمة عربية. فهذا عمل مبني على محاورات مع
مفكرين وأكاديميين، تتناول بشكل اساسي آراء فنكلستين ومؤلفاته وما تشمله من
مصطلحات سياسية وتوصيفات اعلامية، ليس سهلاً القبض عليها بواسطة معرفة
عابرة او متوسطة باللغة الانكليزية.
في كل الاحوال، اقتصر الجمهور الحاضر بمعظمه على المهتمين بشخصية
فنكلستين وآرائه، بما شرّع الأسئلة حول الفيلم في مقاربته لهذه الشخصية.
فالافلام التي تتناول شخصيات- رموز في الميادين الحياتية والعملية المختلفة
غالباً ما تخضع لاسئلة متشابهة: هل أنصف الفيلم الشخصية؟ أي طريق اختار
لتظهيرها؟ ما هو موقع صاحب الفيلم من موضوعه وشخصيته؟... وسواها من الاسئلة
التي يتضاعف وقعها اذا كان المشاهد على بينة من الشخصية المحورية. في شريط
ريدجن وروسييه، محاولة للإضاءة على جوانب انسانية في حياة فنكلستين، تلك
التي تظللها ملامح الشخصية السياسية العامة. ولتلك المحاولة وجهان، أحدهما
إيجابي يضيف خصوصية الى عمومية الرجل وثانيهما اختزالي بالنسبة الى المشاهد
الذي لا يعرف الكثير عنه. حتى المخرجان يبدوان غير قادرين على الذهاب
بمقاربتهما الانسانية بعيداً لاختيارهما بناء الفيلم في محطات، تتشكل من
رحلات فنكلستين ومحاضراته ومتابعة قضاياه في الرأي العام. والواقع ان
كواليس العمل توضح تلك الخيارات أكثر. فقد انطلق ريدجن بمشروع انجاز فيلم
عن فنكلستين آخذاً بنصيحة معلمه المفكر وعالم اللغة نوام تشومسكي. كان ذلك
في العام 1997. وفي العام 2001 التقى روسييه الذي كان بدوره يحضر لمشروع
مشابه فقرر الاثنان دمج مشروعيهما في فيلم واحد خرج بعد أكثر من عشر سنوات
من العمل. خلال هذه المدة الطويلة، واجه فنكلستين تحولات كثيرة في حياته
ومهنته، بدا الفيلم محكوماً بسردها، ووجد المخرجان فيها ما يشبه خشبة
الخلاص للمشروع من غرقه في بحر فنكلستين السياسي وعالمه الفكري. على هذا
المنوال، يختار المخرجان ان يفتتحا الفيلم بمقابلة اذاعية، جمعت فنكلستين
وبروفيسور القانون في جامعة هارفرد آلان ديرشوفيتز في نقاش حول كتاب الأخير
"قضية إسرائيل" الصادر عام 2003. في تلك المقابلة الشهيرة، اطلق فنكلستين
اتهامه المدوي للكاتب بانتحال آراء كاتب آخر لتبدأ من هناك معركة طاحنة بين
الإثنين. بهذه البداية، حدد المخرجان الاطار الزمني لفيلمهما وعلى نحو ما
المحور الرئيسي الذي سيدور في إطار "انتقام" ديرشوفيتز الذبي سيقود الى
الفصل الأكثر علنية وسخونة في مسيرة فنكلستين: فصله من جامعة "دي بول" على
الرغم من التاييد الجماعي لتعيينه محاضراً فيها. بهذا المعنى، يرسم الفيلم
صورة لفنكلستين أقرب الى صور الضحايا الذين يدافع عنهم. فالقرارات الجائرة
باستبعاده من الجامعة وقبلها حثه على الاستقالة من جامعة كاليفورنيا (تخفيض
أجره وتقليص مواده) بعيد صدور كتابه الشهير "صناعة الهولوكوست" والتضييق
عليه من قبل جماعات يهودية ضاغطة ومنع حكومة اسرائيل دخوله أراضيها... كلها
ممارسات تضعه في خانة المستضعفين والمقهورين. الى ذلك، يحاول الشريط أن
يقدم دراسة غير مباشرة عن السياسة الأميركية الذكية في إسكات الاصوات
المعارضة وتحديداً تلك الأصوات التي تندد بسياسة اسرائيل وبمكانتها
الاستثنائية في السياسة الاميركية الخارجية. يتبع الفيلم نموذجاً كلاسيكياً
سبقته اليه اعمال أخرى تناولت شخصيات اميركية يسارية أبرزها شريط بيتر
ويتونيك ومارك أشبار "تصنيع القبول"
Manufacturing Consent الذي انتج عام 1992 وقدم بورتريه لتشومسكي
ونظرياته حول الإعلام. ولكن بخلاف الأخير الذي سلك طريقاً توضيحية لإثبات
فرضياته مستعينا بأمثلة محددة، يبتعد هذا الشريط من البيانات التوضيحية
مؤثراً البقاء في فلك فنكلستين. ولكن ما يشغل الاهتمام في مقاربة الفيلم
أمران: ابتعاده من مناقشة فنكلستين في مؤلفاته وآرائه وعدم وضوحه في ما يخص
موقعه. بمعنى آخر، لا يتم التعاطي مع فنكلستين في وصفه أكاديمياً وكاتباً
مؤثراً الامر الذي يقود في مواضع كثيرة الى تسويقه كأنه اكتشاف الفيلم.
لعله السعي الى اقامة توازن بين الصورتين العامة والخاصة هو الذي أضاع
الاثنتين معاً او على الأقل اضاع فرصة الذهاب أعمق في اي منهما او في
كليهما. ذلك ان الاطلالات القليلة التي يحققها الفيلم على حياة الكاتب
العائلية وعلاقته بوالدته، تملك من القوة والتأثير ما يجعلها تبدو مختزلة
الى حد بعيد. على خط مقاربة الشخصية ايضاً، تعزز المقابلات الجانبية لمحبي
فنكلستين تحديداً الاحساس بانه يحتاج الى شهادة اعتراف. لعل ابرز ما قيل
فيه جاء على لسان تشومسكي في فكرة مفادها التشكيك باسلوبه في إيصال أفكاره.
لم يشتغل الفيلم على الفكرة بل تلهى بتجميع شهادات اصدقاء فلسطينيين، حولوا
النقاش الى بديهيات لا لزوم لها من مثل التشديد على الصداقة بينهما على
الرغم من انه يهودي وسواها من التعليقات التي تجاوزها الرجل منذ زمن بعيد
والتي لا تضيف الى تظهير شخصيته. أما شهادات المناوئين له، فهي من اساسيات
البحث الموضوعي التي يبتغيها الفيلم على الرغم من انحيازه الواضح لفنكلستين،
من دون ان تتوقف عن اثارة الدهشة إزاء جرأة فنكلستين نفسه في مواجهة بعض
الآراء البغيضة فيه.
في اطار بحثه ومقابلاته، يشدد الفيلم، كما فنكلستين، على نقاط اساسية:
تاثير والدته المباشر في تكوين وعيه عن طريق تحويله تجربة الاعتقال في
المعسكرات النازية الى صرخة غضب ضد الظلم اينما كان؛ التفريق بين مواقف
فنكلستين النقدية لاستغلال المحرقة للتغطية على ممارسات اسرائيل في حق
الفلسطينيين وبين تأثره العميق بالمحرقة كمأساة انسانية شخصية (يحرص الفيلم
على اظهار صور أقاربه الذين قضوا في المحرقة والمعلقة على جدران منزله)؛
التفريق ايضاً بين نقده الحاد لسياسة اسرائيل من دون التشكيك بحقها في
الوجود. ولعل في هذه التوضيحات التي قد لا تعجب معظم الجمهور العربي الذي
يتوقع من منتقدي اسرائيل حتى اليهود منهم انكار وجودها، ينقذ العمل نفسه من
الغرق في تظهير صورة أحادية لفنكلستين ولكنه لا يتكبد عناء الدخول أعمق في
تلك الثنائيات. ففي إحدى محاضراته المصورة في الفيلم، يقول فنكلستين ان هذا
ليس وقت التغني بايجابيات اسرائيل وبانه سينضم الى جوقة المهللين بعد
انهائها الاحتلال في فلسطين. وفي مكان آخر، يقول لطلابه ان اقامة دولة
اسرائيل في اي بلد آخر لا تحمل اي معنى بالنسبة الى اليهود. كان من المثير
ان يذهب الفيلم ابعد من مجرد طرح هذه الثنائيات الى مناقشتها مع فنكلستين
نفسه ليرتقي العمل بذلك الى مستوى آخر بعيد من ضوء الاعلام والسياسة.
على الرغم من لغته الفنية الفقيرة واتباعه اسلوب التقرير الصحافي في
المقابلات-باستثناء مقابلة فنكلستين- ينطلق الفيلم بقوة موضوعه وشخصيته
وبالأسئلة التي يحملها ويولدها من دون أن يقصد ربما. ولكنه يترك فراغاً
واضحاً على صعيد معالجة الشخصية لاسيما ان ردود فعل فنكلستين وصراحته
وهشاشته العاطفية التي لا يحاول اخفاءها امام الكاميرا كلها امور تشير الى
ان المخرجين امتلكا من الوقت والقرب ما يكفي لصنع فيلم أكثر اتقاناً وعمقاً
واثارة للجدل.
يقدم الفيلم في عرض ثانٍ غداً السبت 26 ايلول الرابعة بعد الظهر في
متروبوليس امبير-صوفيل وتكمل عروض المهرجان حتى يوم الأربعاء 30 أيلول
العرض القادم
Julie &
Julia
تفاصيل كثيرة في هذا العمل، محسوسة ومخفية، تحملنا على استعجال
مشاهدته. وهذا في حد ذاته سيف ذو حدين. فأن نتشوق لمشاهدة فيلم تعني من بين
ما تعنيه ان ثمة توقعات والأخيرة إما أن تصيب وإما أن تخيب. ليس ذلك وحسب،
بل ان انتظار فيلم ينطوي على محاولة رسم صورته في المخيلة الى حين مشاهدة
الأصل الذي قد ينسف الخيال، بالمعنيين السلبي والإيجابي. على الرغم من ان
اسم المخرجة نورا إيفرون ليس في حد ذاته إضافة- إنطلاقاً من القناعة بأن
الفيلم هو ابداع المخرج في المحصلة- ليس لقلة حيلتها وانما لاندراج أفلامها
في خانة الاعمال الخفيفة الطريفة المتوقعة، التي تخلّف إحساساً بالحلاوة
أكثر منها تحرك الذهن والبصر. يكفي ان نستعيد بعض أفلامها مثل
Sleepless
in Seattle وWhen Harry Met sally
(كتابة فقط) وYouve Got Mail
وBewitched
وHanging
Up لنستعيد على الفور المشاعر التي تستثيرها.
ولكن كواليس الموضوع ومصدر السيناريو، فضلاً عن اسم ميريل ستريب، كلها
عناصر تصب، الى الآن على الأقل، في مصلحة العمل الذي ستنطلق عروضه المحلية
في الثامن من تشرين الأول/أوكتوبر.
باختصار، تدور أحداث الفيلم حول شخصيتين، تفصل بينهما مسافة زمنية
كبيرة: جولي باويل (آيمي آدامز) شابة عصرية تشرف على مدونتها الالكترونية
الخاصة التي تنشر فيها يومياتها مع كتاب الطبخ الشهير "امتلاك فن الطبخ
الفرنسي" الذي يحتوي على 524 وصفة، تقرر "جولي" تنفيذها كاملة خلال عام.
أما الشخصية الثانية، جوليا تشايلد (ميريل ستريب)، فهي مؤلفة كتاب الطبخ
الشهير التي يتناول الفيلم حياتها في باريس الستينات. كلتا الشخصيتين
واقعيتان وتنتقلان الى السينما من خلال سيناريو نورا إيفرون، المقتبس بدوره
عن كتابين: "حياتي في فرنسا" السيرة الذاتية لتشايلد بمشاركة أليكس برودوم
ومذكرات جولي باويل. بدأت الأخيرة في العام 2002 بتوثيق تجربتها مع وصفات
تشايلد على مدونتها الالكترونية في عنوان "مشروع جولي/جوليا" ومن ثم جمعت
يومياتها في كتاب صدر عام 2005 في عنوان "جولي وجوليا: 365 يوماً، 524
وصفة، مطبخ واحد في شقة صغيرة". وذلك يجعل الفيلم أول مشروع سينمائي مقتبس
عن مدونة الكترونية. تدور أحداث الشريط حول محاولات "جولي" تنفيذ وصفات "جوليا"
كما ترويها في يومياتها، ويتداخل معها حياة "جوليا" في باريس الستينات.
اشتهرت الاميركية جوليا تشايلد بفن الطهي في باريس من خلال كتبها وبرامجها
التلفزيونية التي قدمت من خلالها المطبخ الفرنسي للأميركيين. ولكن قبل ذلك
كانت لجوليا حياة مختلفة تماماً حيث عملت خلال الحرب العالمية الثانية
وبعدها في مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)
وتنقلت بين بلدان عدة قبل ان تتزوج من الفنان والشاعر بول تشايلد وتقيم معه
في باريس حيث اكتشفت المطبخ الفرنسي وتتلمذت على ايدي طهاة كبار، وانطلقت
من هناك في مهنتها الجديدة التي ترسخت في العام 1963 ببرنامجها التلفزيوني
الشهير "الطاهي الفرنسي"
The French Chef.
في العام 1972 اصبح أول برنامج تلفزيوني ينتج نسخة مخصصة للصم. توفيت
تشايلد العام 2004.
ميريل ستريب التي شاهدها الجمهور المحلي في آخر أفلامها
Mama Mia عام 2008، عرض لها مؤخراً فيلم
Doubt وقدمت في فيلم ستيفن دالدري
The Hours مشهداً مطولاً في المطبخ حيث تحاول ان تطهو لزوارها.
المستقبل اللبنانية في
25/09/2009 |