لا أحد يستطيع أن يتكلم عن السينما المصرية دون أن يتكلم عن
فاتن حمامة التي أطلق عليها الجمهور »
سيدة الشاشة العربية«
فالسينما المصرية
هي فاتن حمامة التي أعطت لفن السينما كل مشاعرها وأحاسيسها وجهودها
وأحلامها طوال
هذه السنوات.. ومنذ أن وقفت أمام الكاميرا لأول مرة وهي ماتزال طفلة صغيرة
في
فيلمها الأول »يوم سعيد«،
فقصتها مع الفن بدأت في سن مبكرة في السابعة من
عمرها.
عاصرت فاتن فترة طويلة من عمرها الفني..
وفي الكثير من أعمالها
الفنية.. والتقيت بها كثيرا في منزلها وفي أماكن تصوير أفلامها وفي
الاستديوهات..
وفاتن لا تحب الحديث عن حياتها الخاصة..
ولكنها كانت تخصني بذلك
لأنها تعلم جيدا أنني لا أفبرك أخبارا عنها.
حكت لي عن مراحل حياتها الفنية
»كنت
سعيدة بالفعل لأن المخرج محمد كريم اختارني لكي أمثل دوري في فيلم »يوم
سعيد« مع عبد الوهاب، كنت سعيدة لأني زوغت من المدرسة من أجل السينما..
وشعرت
بأهميتي وقتها عندما كنا نعمل في التصوير في الليل..
فالمفروض أن الأطفال ينامون
مبكرا لكني كنت أعمل ليلا..
وكنت مدللة جدا من المخرج والمنتجة وجميع العاملين في
الفيلم.. وكانت الهدايا وقطع الشيكولاته تنهال عليّ
كل يوم خاصة من المنتجة
السيدة زبيدة الحكيم التي أهدتني عروسة كبيرة بعد الانتهاء من عملي في الفيلم،
وأذكر أنني ذهبت إليها يوما غاضبة لأقول لها: »
عبد الوهاب ده
لازم
تغيروه.. كل ما أقول له كلمة يضحك«..
وكان عبد الوهاب يقول
»عيله صغيرة تمثل
ولا تخجل . إن التاريخ يعيد نفسه فقد حدث معي نفس الموقف في »إمبراطورية
ميم«
حينما مثل أمامي هشام صالح سليم وكان صغيرا في السن..
يتصرف تصرفات هوجاء..
وكان يدخن السجاير في هذا العمر الصغير مما جعلني أضحك عندما رأيته ـ لكن
هشام
غضب مني وقال : »لقد أضعت مني المشهد«..
فاعتذرت له.
لم يتصور أحد
أن هذه الطفلة الصغيرة ستستمر وتواصل نشاطها الفني علي الشاشة وداخل
الاستديوهات
مثل كل الأطفال الذين مثلوا وهم صغار ثم اختفوا حين كبروا، إن شيرلي تمبل
مثلا
أشهر ممثلة طفلة أذهلت العالم في هذه الفترة تحولت إلي ممثلة من الدرجة
الثالثة
عندما كبرت.
بدأت فاتن بأدوار الفتاة المظلومة المغلوبة علي أمرها فقد
كان هذا هو وضع المرأة في هذه الفترة فأحبها الناس لأنها تقدم الفن
المحترم..
تحافظ علي القيم
والتقاليد.. وهناك بعض الأفلام التي أحبتها
في تلك الفترة
كما تقول مثل »ملاك الرحمة«
و»اليتيمتان« و»لحن الخلود« و»بين الأطلال«
و»موعد مع الحياة«، لكن فاتن تمردت علي أدوار الفتاة المظلومة في فترة لاحقة
لتمثل أدوارا تطالب فيها المرأة بحقوقها مثل »اريد حلا«
الذي صدر بعده قانون
يحمي المرأة من مطاردة الرجل ليرغمها علي العودة إلي بيت الطاعة كنوع من
الإذلال.
قالت لي فاتن حمامة يوما عندما انتشرت الألفاظ المبتذلة في
الأفلام: »إننا نحن السينمائيين والفنانين مسئولون عن جيل بأكمله.. مسئولون
عن
الألفاظ الوقحة المبتذلة والمباشرة التي تقال باسم الفن.
وقد يقال إني
»دقة
قديمة« لكني مازالت اخجل من ذلك.
لقد كتبت من قبل مذكرات عمر الشريف..
وذلك بعد انفصاله عن فاتن حمامة في مجلتي
»آخر ساعة«.. وأعلنت عنها قبل
نشرها. طلبني استاذي مصطفي أمين وقال لي لاتذكري فاتن في مذكرات عمر الشريف
فقلت
له يا مصطفي بيه كيف الغي
20 سنة من حياة عمر الشريف؟ فقال لي علي الأقل
متكتبيش عناوين صارخة.
وبدأت في إعداد المذكرات التي كتبها عمر الشريف وقصة الحب
بينهما والقبلة الوحيدة المشهورة في حياة فاتن السينمائية في فيلم »صراع في
الوادي«.
أحيانا يتغلب الحس الصحفي
في كتابة الأحداث كما هي خاصة إذا كانت
مثيرة.. وطلبني مصطفي أمين ولأول مرة آراه عصبيا وأخذ يؤنبني بشكل أزعجني
جدا ولم
أرد وخرجت من مكتبه وأنا في حالة
غضب أخفيتها في نفسي..
إن مصطفي أمين لم يغضب
بهذه الطريقة التي أثارت أعصابي..
ونزلت إلي مكتبي وأنا استرجع ماقاله لي..
وصعبت علي نفسي..
ماكل هذا ألم أقل الحقيقة ..
إنني لم أخترعها ولم أفبركها..
وبينما أفكر في ذلك إذ بصوت عامل التليفون يقول لي مصطفي بيه
معاكي..
وسمعت صوته
عبر الهاتف »اطلعي«
وطلعت.
يبدو أن مصطفي أمين أحس بما عانيته فقال لي »أنا
متأسف فقد وعدت فاتن ألا تكتبي عنها..
ولم تصدق فاتن..
فقلت لا أنها تلميذتي
وبالطبع ستطيع ما أقوله لها..
لكنك وضعتني في موقف حرج.
هكذا كان الكبار
يتعاملون معنا في زمن الصحافة الجميل.
كانت مراكز القوي والمخابرات تجند
الفنانين للعمل معها..
هذا ما قاله لي عبد الحليم حافظ في مذكراته التي نشرتها في
كتاب..
وذلك حينما أحس بذلك فاتصل بجمال عبد
الناصر لينقذه من صلاح نصر مدير
المخابرات في ذلك الوقت.
كان ذلك في بداية السبعينات عندما سافرت فاتن إلي
لندن.. وقيل وقتها إنها هربت من صلاح نصر وظلت هناك خمس أو ست سنوات وقيل
وقتها
إنها اعتزلت السينما.
وفعلا كانت فاتن تفكر في الاعتزال ولكن الصحافة كتبت كثيرا
تطلب عودتها ففاتن هي السينما المصرية..
ووجهت لها نداء »عودي يافاتن«..
وكان
ذلك أثر انفصالها عن عمر الشريف..
وعادت فاتن.
قالت لي: »أكره الأسئلة
الشخصية التي تجعلني أشعر كما لو كنت مذنبة..
وأني اقف أمام محكمة وقضاة
لايبتسمون.. يسألون بوجوه جامدة وقلوب مثل الحجر..
لقد خشيت الحضور إلي مصر
خوفا من أن يمنعوني من السفر بعد ذلك لموافقة الزوج..
وهي مشاكل
روتينية.
لكن ماذا فعلت طوال سنوات الغربة..
هل نسيت عملها..
هل اعتزلت
السينما، لا إن حب السينما يشدها إليها..
فمثلت فيلمين
»رمال من ذهب« الذي
أخرجه يوسف شاهين في المغرب، و»الحب الكبير«
الذي مثلته أمام فريد الأطرش في
لبنان.
كان من الصعب بعد أن مثلت دوري في
»دعاء الكروان« أن أقتنع برواية
أخري.. ولكن يبدو أن الفنان لايرضي عن نفسه ولايعرف معني السعادة الكاملة..
وصدقيني إذا قلت لك إنه من الصعب علي الفنان أن يجد سعادته في
عمله وفي بيته في
وقت واحد.. فأنا إما أن أكون سعيدة كامرأة
كزوجة وربة
أسرة.. أو أكون سعيدة
في العمل.. ولكني لم أكن سعيدة أبدا في المجالين وهذا طبيعي جدا أن يكون
الفنان
ناجحا في المجالين.
توقفت فاتن عن العمل في السينما بعد فيلم
»أرض
الأحلام« مع يحيي الفخراني ولأن أحوال السينما تغيرت إلي الأسوأ فاتجهت
للتليفزيون لتقدم أنجح المسلسلات التي كنا ننتظرها بشغف كل يوم
وهي »ضمير أبلة
حكمت« الذي أخرجته أنعام محمد علي والذي يرسم صورة جديدة للمرأة.. كما قدمت
أدوارا أخري في التليفزيون.
إن فاتن حمامة أصبحت في هذه الفترة ممثلة هاوية
وليست محترفة..
في حالة إذا ما أعجبها دور وسيناريو جيد..
وآمل أن تحقق
فاتن السعادة كأم وزوجة وربة بيت..
لكن فاتن ستظل محفورة في وجداننا..
فهي
السينما المصرية كما قلت.
لقد كانت فاتن أول من ارتبط اسمها بلقب سيدة الشاشة
العربية التي أطلقها عليها الجمهور والصحافة وانتشرت بعد ذلك الألقاب مثل اللاتي
أطلقن علي نجمة مصر الأولي ونجمة الجماهير..
لكن فاتن تفضل أن يقال اسمها بدون
لقب سيدة الشاشة.
آخر ساعة المصرية في
23/09/2009 |