من المؤكد أن الدورة المقبلة لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي في
أبوظبي، والتي تعقد خلال الفترة من 7 إلي 17 أكتوبر، تحمل الكثير من
المفاجآت والأعمال المبهرة من جميع أنحاء العالم، حيث يعد المهرجان فرصة
للاحتفاء بالسينما، كونه مخصصا لعرض الأفلام الدولية من الشرق الأوسط
وبوليوود وغيرها من مختلف البلدان والأقطار لجمهور المشاهدين في أبوظبي،
بالإضافة إلي إطلاع صناع الأفلام على موارد المنطقة في هذا المجال.
وفي هذا الإطار أعلنت إدارة المهرجان عن اختيارها للفيلم المصري
«المسافر» ليعرض في حفل الافتتاح، منوهة إلى أنه يعرض للمرة الأولى في
المنطقة العربية، بعد عرضه في مهرجان فينسيا الدولي وحصوله على جائزة خاصة،
وهو إنتاج ضخم لوزارة الثقافة المصرية، وبلغت ميزانية إنتاجه 20 مليون
جنيه، كتبه وأخرجه أحمد ماهر، وقام ببطولته عمر الشريف وسيرين عبد النور
وخالد النبوي وبسمة وعمرو واكد وشريف رمزي، وتدور قصته حول ثلاثة أيام في
حياة موظف بريد مصري في ثلاثة أعوام مختلفة هي 48 و73 و2001، يحكي تفاصيلها
بعد موته كما أشارت إدارة مهرجان الشرق الأوسط إلي اختيار 18 فيلما روائيا
طويلا، و15 فيلما وثائقيا طويلاً تتنافس للفوز باللآلئ السوداء، معربة عن
فخرها باستقطاب مثل هذه المجموعة القوية من المشاركات، خاصة أن نصف الأفلام
المشاركة جاءت من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وتشمل مسابقة الأفلام الروائية 18 فيلما، من ضمنها فيلمان يعرضان
للمرة الأولى على مستوى العالم، هما «ابن بابل» لمحمد الدراجى من العراق،
و(بالألوان الطبيعية) لأسامة فوزي من مصر، بالإضافة إلى فيلم «الطبخ مع
ستيلا» للكندي ديليب ميتا الذي يعرض لأول مرة خارج بلده.
حالة خاصة
ومن الأعمال التي تستحق التأمل وتسليط الضوء عليها، باعتبارها حالة
خاصة وتشكل في مجملها انتقاء لتيارات وتوجهات سينمائية، تركت أثرا على الفن
السابع ومهرجاناته العالمية في 2009، تأتي الأفلام التالية:
«الليل الطويل» الذي شارك في يونيو الماضي بمهرجان تورمينا السينمائي
الدولي بمدينة صقلية الإيطالية، وحصل على الجائزة الكبرى «الثور الذهبي»،
إلا أن مخرجه حاتم علي فضل عدم استلام الجائزة والعودة إلى سورية قبل
انتهاء المهرجان بسبب وجود مخرج إسرائيلي ضمن لجنة التحكيم، كما حصل الفيلم
في نفس الشهر على تنويه خاص من مهرجان الفيلم العربي ـ روتردام.
والفيلم لم يُعرض في سورية بسبب معالجته لقضية سياسية شائكة فيها،
تتعلق بالمعتقلات وأسلوب التعامل مع المعارضين السياسيين، ووفقا لمخرجه
فإنه عمل على قضية سياسية وإنسانية بطريقة إبداعية وفنية، وهدفنا أن نصوغ
حالة سياسية إنسانية صياغة فنية دون أن نحولها إلى خطابات أو شعارات، ودون
الاهتمام بموقف الرقابة من هذا الفيلم، مشيراً إلى أنه حتى لو تم منعه،
ستبقى هناك منابر ووسائل بديلة لإيصاله للجمهور، كالمهرجانات وشاشات
التلفزيون وغيرها حسب قوله.
وفيلم «الليل الطويل» من تأليف المخرج السوري المخضرم هيثم حقي،
يتناول ليلة طويلة يتم فيها إطلاق سراح ثلاثة من السجناء السياسيين من
السجون السورية واستعداداتهم للخروج للعالم بعد سنوات طويلة قضوها خلف
القضبان وردود أفعال عائلاتهم، ويتناول الفيلم لليلتهم الطويلة بصمتها
وصرخاتها، ويرصد حالة سياسية متشابكة حيث يتحكم الأمن في مصائر البشر بمن
فيهم المثقفين والمبدعين.
«لا أحد يعرف عن القطط الفارسية» عمل جديد للمخرج الإيراني بهمن غوبادي،
عُرض في افتتاح قسم «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائي، وهو فيلم شبابي
بامتياز، ويخرج عن النمط الذي عُرف من خلاله المخرج في أفلامه، بدءاً من
«وقت للخيول الثملة» عام (2000)، مروراً بفيلم «السلاحف تطير» في (2004)،
وانتهاءً بفيلم «نصف قمر» عام (2006).
فيلم يغوص في المجتمع الإيراني المعاصر، وبالأخص فيما يُسمى بـ
«الأندرغرواند»، وهنا تكون الموسيقى محوراً أساسياً ليُمرر من خلالها فكرة
الحرية، فالموسيقى لغة حرة مجردة، وعندما تتبدل الألوان والأشكال المختلفة
للموسيقى في الفيلم، فإنها تنحو تجاه نماذج شابة لها وضعها المختلف،
وأفكارها المنحازة إلى التخلّص من القيود، والروافد الرجعية التي تكبل
اندفاعه الشباب.
ويرسم المخرج غوبادي في هذا الفيلم لوحة معاصرة جداً لحال إيران
السياسية، والفكرية، والمجتمعية بكاميرا معاصرة أيضاً تعتمد على السرعة،
والملاحقة، واللهاث، وفي أغلب الأحيان في مونتاج سريع، وقطع متنافر، وخاصة
عند المرور على أنواع الموسيقى المختلفة، من الروك، والروك المستقل،
والراب، و«الفيوجين» (خلط ما بين الموسيقا الشعبية والحديثة)، وكأنه يؤكد
على فكرة الفيديو كليب التي تأخذ منحاً متسارعاً في توصيل شكل الحياة،
ولكنه يستعيض هنا بالفتيات الراقصات، بوجوه بائسة، وشوارع مزدحمة، ومشردين،
ونساء، وأطفال، ومدمنين، ومدينة ليلية منطفئة، وشمس ساحرة.
(الزمن الباقي) للمخرج إيليا سليمان الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان
كان السينمائي عن فيلمه «يد الهية» في 2002، حيث يعود لجمهوره بفيلم آخر لا
يقل عنه روعة ووصفا كوميديا مباشرا لحياته كمواطن إسرائيلي عربي يعيش في
الناصرة منذ 1948 وحتى الآن، وقد وصفه مهرجان تورنتو السينمائي بأنه «جسر
بين إدوارد سعيد وبوستر كيتون».
وعرض هذا الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» في دورته الأخيرة،
ولم يفز بأي جائزة ومع ذلك فإنه حظي باهتمام جمهور المهرجان وكان له صدى
كبيراً بينهم، وهو توثيق للذاكرة التي تحاول إسرائيل محوها، ولا نستطيع أن
نضعه في إطار أفلام السيرة الذاتية بمعناها المباشر، ويصور الفيلم عالما
خياليا وواقعيا لعائلة إيليا منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في الـ 48
وحتى أيامنا هذه.
وينتقل بشكل سريع من مقاطع هي في قمة الهزل إلى مقاطع هي في أوج
الجدية، ويفتح الأبواب نحو ماض شخصي وجماعي يؤثر على الجمهور ويُبقي بصمة
في عالمهم. يصف الفيلم ايليا كطفل وكشاب، لكنه يتمحور حول حياة أبيه وجدي
فؤاد، الذي يقوم بأداء دوره الممثل صالح بكري، ومن خلال واقع فؤاد سليمان
وعائلته، يتعامل الفيلم مع فترات تاريخية مختلفة عارضا احتلال الناصرة في
الـ 48 بشكل (كوميدي ـ تراجيدي).
أفلام وثائقية
وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة يشارك15 فيلما، خمسة منها تعرض
للمرة الأولى عالميا، هي: (أن نكون هنا) للمخرج محمد زران من تونس،
و(كاريوكا) للمخرجة نبيهة لطفي من مصر، و(جيران) للمخرجة تهاني راشد من
مصر، و(ميناء الذاكرة) للمخرج كمال الجعفري من فلسطين و(شيوعيون كن) للمخرج
ماهر أبي سمرة من لبنان/فرنسا، وفيلم (كل أمهاتي) للمخرجين إبراهيم سعيدي
وزهاوي سنجافي من العراق/إيران، ويعرض للمرة الأولى دوليا. ومعظم الأفلام
التسعة الأخرى في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة تعرض في الشرق الأوسط
للمرة الأولى.
ونتوقف أمام ثلاثة أعمال وثائقية تشكل منحى جديد من حيث التناول
وأسلوب الطرح، أو الشكل الفني المعروض من خلاله هذه الأفلام وهي:
(عصر الغباء) للمخرج فراني أرمسترونغ، المملكة المتحدة، في عرضه الأول
بالخليج، حيث يأخذنا الفيلم إلى عام 2055 في زمن يضرب الخراب كوكب الأرض
نتيجة التغيرات المناخية.
وتتناول الأحداث موظف أرشيف يعمل في القارة القطبية الجنوبية التي
كانت متجمدة في زمن مضى، وهو يبحث في مكتبة الفيديو ليعرف ما الذي جعل
البشرية غير منتبهة للتحذيرات من الاحتباس الحراري، ويجمع هذا العمل
التسجيلي بين الحقيقة والخيال ليحذر من التغطية على الحقائق، ويشجع على
التغيير قبل فوات الأوان.
(مع السلامة، كيف حالك؟) للمخرج بوريس ميتيتش، صربيا، الذي يتطرق في الفيلم
إلى أكثر الأطروحات السياسية الساخرة والسوداوية في العصر الحديث، حيث يدرس
هذا العمل الصربي كيفية استخدام مواطني الدول للغاتهم من أجل نقد ومقاومة
الجنون السياسي، والفيلم يعد دراسة مدهشة من مدرسة كريس ماركر وجان لوك
غودارد السينمائية.
وهو أول عمل من نوعه يتطرق إلى الحياة الفكرية والمقاومة والتاريخ في
البلقان. (ميناء الذاكرة) للمخرج كمال الجعفري، فلسطيني إماراتي، وهو عمل
عميق الشاعرية يركز على عبثية أن نكون في الوقت نفسه غائبين وحاضرين، ليجمع
بين روتينية إيماءاتنا في حياتنا اليومية وذاكرتنا المجمعة، وينتقل الفيلم
من الذاتي إلى الموضوعي ليحاول الوقوف على ما يعنيه أن تكون فلسطينيا في
إسرائيل أو خاضعا للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
البيان الإماراتية في
23/09/2009 |