"هدوء نسبي" هو المسلسل المفاجأة في رمضان هذا العام والسبب أنه
يستعيد ما حدث لنا جميعا كعرب. وما حدث للشعب العراقي تحديداً منذ سنوات
قليلة من أحداث مازالت ممتدة وهي بالتحديد حرب الخليج التي تبدأ بها أحداث
المسلسل. ثم الحصار الاقتصادي للعراق في أواخر مرحلة حكم صدام حسين. وصولاً
إلي الغزو الأمريكي له عام 2003. وما بعده من تداعيات وأحداث مازال العمل
يطرحها حتي نهايته.. كتب المسلسل بمهارة حرفية وتكتيكية د. خالد خليفة.
وأظن أنه مؤلف سوري. وأخرجه شوقي الماجري المخرج التونسي القدير الذي رأينا
له في العام الماضي علي شاشاتنا مسلسل "أسمهان" وعلي شاشات عربية أخري كان
يعرض له مسلسل ثان في نفس الوقت عن "أبوجعفر المنصور" وبالتالي فهو مخرج
مغرم بالتعامل مع التاريخ. سواء السياسي أو الفني. وهو هنا في "هدوء نسبي"
يتعامل مع الحاضر الذي أصبح جزء منه تاريخاً بأسلوب يجعلك في لحظات تعتقد
أنك تري أحداثاً حقيقية في نشرة أخبار لفرط قدرته علي تجسيد لحظات الفوضي
والخطر والكر والفر في الشارع العراقي. بل إن العمل يقدم صورة أقرب للتاريخ
التسجيلي لما قرأناه ورأيناه وسمعنا عنه من صعود فرق وهبوط أخري وانفجارات
وسيارات مفخخة وتحولات لدي البعض ممن وجد لديه فرصة للثراء من تجارة أدوات
الحرب إلي هؤلاء الذين قاوموا ما يحدث لهم بكل الطرق ورفضوا الخضوع كما
رفضوا إعلان الهزيمة ومنهم "كاظم" الكاتب العراقي قام بدوره الممثل العراقي
الكبير "جواد الشكرجي" الذي وجد نفسه وعائلته في وجه ريح عاتية تهب من كل
الاتجاهات. فحاول أن يحتفظ بكل الثوابت التي يؤمن بها ويدافع عنها. برغم ما
تعرض له بيته من قصف. وأبناؤه من ارتباك حاولوا معه الخروج والانضمام لفرق
تدعو للقتال وحمل السلاح بدون التأكيد علي مبادئ واضحة بينما أصاب مرض
الحرب الخبيث شقيقه فخرج هائماً علي وجهه في شوارع بغداد هاربا من القصف
المتتالي لبيته. ومما يراه من أخلاقيات زمن الحرب. حتي تعثر عليه "جلشان"
ابنة كاظم "وربما قريبته" فتعيده إلي المنزل.. ويقرر الكاتب الذي أصبح
منزله قبلة لبعض الإعلاميين العرب الباحثين عن الحقيقة وسط الضياع. يقرر أن
يعلن آراءه في صحيفة يصدرها بنفسه. ويوزعها في الشوارع اختار لها عنوان
"المستقلة" وكأنه يريد لصوته ألا يغيب وسط القصف القادم من كل الاتجاهات.
والسيارات التي تنفجر في الأسواق مخلفة نيرانا عالية وصرخات للضحايا. وفي
مرة تتوقف سيارة فاخرة يطلب منه راكبها نسخة من "المستقلة" لنكتشف. نحن
وكاظم. أن صاحبها هو "إياد علاوي" السياسي العائد من سنوات البعاد في
أمريكا هربا من حكم صدام يذهب علاوي إلي كاظم ويتواجهان كل بمنطقه وحيث
يطالبه الأول بالتعاون مع الأمريكان الذين حضروا إلي العراق لنشر
الديمقراطية فيرفض كاظم ديمقراطية الموت والقتل والفوضي مؤكداً أنه كان
يرفض ديكتاتورية صدام لكن ما حدث بعدها أفظع كثيرا.
مراسلون ومراسلات.. الحب في زمن الحرب
ومن جانب آخر تدور هذه المرثية العراقية في إطار درامي جذاب هو حياة
مجموعة من الإعلاميين والإعلاميات العرب في بغداد. وحيث يطرح الكاتب صورة
لهذه النوعية التي تصبح الحياة لها هي الاستعداد الدائم للقفز إلي مناطق
الخطر ويركز المسلسل علي مراسلي الفضائيات والمصورين ومن بينهم ناجي فوزي
"عابد فهد" من سوريا وناهد نجم "نيللي كريم" من مصر ورشا "نادين سلامة" من
لبنان. وشريف وهو مراسل فرنسي من أصل عربي جاء مع زميلات وزملاء له إضافة
إلي آخرين من أمريكا وأوروبا وحيث يقيم هؤلاء في فندق الرشيد الذي خصصته
لهم السلطات العراقية منذ بداية هذا العقد. بحجة حمايتهم لكننا ندرك من
تتابع الأحداث أن السبب الأهم هو مراقبتهم وإنذارهم وعقابهم إذا صدرت منهم
رسالة "غير صديقة" في زمن صدام. أما بعد الغزو فإن هذا الوضع يستمر ولكن
تحت سيطرة رقابة أخري هي رقابة الجيش الأمريكي وجنرالاته. وليكشف المسلسل
عن معاناة هذا الفريق من الباحثين عن الحقيقة. وهي معاناة تجعل الحياة هدفا
رخيصا لأي صاحب نفوذ لا ترضيه رسالة مراسل أو حتي حجم ابتسامته وهو يحكي عن
الانفجارات وقتل الناس في الشوارع.
وفي الأحداث يعيش أبطال المسلسل حالة اللهاث المستمر وراء القصف
والعنف في الشوارع والميادين ويعيشون حياة اكتشاف العراق الحقيقي بوجهه
الحضاري والإنساني من خلال بعض من ساقتهم الظروف إليهم مثل "كاظم" و"نديم"
و"عالية"و"جلشان" وغيرهم وفي الخلفية يعيش هؤلاء المراسلون والمراسلات
حياتهم الخاصة وكل منها قصة مأساوية سواء علاقة الحب بين "ناجي" و"ناهد"
والتي لم تنته برغم انفصالهما وإن تجددت حين جمعهما العمل في بغداد أو
علاقة "رشا" و"شريف" التي بدأت وسط القصف والذعر واستمرت لتكون نسمة ندية.
وحيث تحول هؤلاء كلهم إلي أسرة واحدة تساعد بعضها بعضا في ظل هذه الظروف
بينما تنطلق رسالة كل منهم لقناته الأرضية أو الفضائية من موقع المنافسة
ومن هنا فحين يعتقل الجيش الأمريكي "ناجي" وهو يتابع إحدي المعارك.
ويعذبونه في سجن "أبوغريب" ومنه إلي المستشفي العسكري الأمريكي. تصبح قضية
ناهد في تعقبه والبحث عنه هي قضية الآخرين بما فيهم مراسلة أمريكية حاولت
اختراق الحصار المفروض علي المستشفي العسكري ولا يفرج عنه إلا من خلال
وساطة صديق هو "علاوي" الذي يظهر في النصف الثاني من المسلسل ضمن التسلسل
الدرامي للأحداث.. ومن المؤكد أن هذا العمل الذي شارك فيه. ضمن مجموعة
الفنيين أسماء أوروبية منها مدير التصوير هو عمل مهم وكبير سواء بما يطرحه
أو ما يقدمه من صورة ثرية وفائقة القدرة علي تقديم مناخ صعب بالنسبة لأي
مخرج وفريق عمل وأن يستعيد للمشاهد عشر سنوات من الأحداث والأفكار
والسياسات التي عشناها جميعا صعود وسقوط النظريات والبشر وصمود الناس
والمدن.. المدهش أن هذا العمل الرائع شاركت في إنتاجه ثلاث جهات عربية-
وهذا أمر مهم- من سوريا والسعودية ومصر. وبالتحديد قطاع الإنتاج في
التليفزيون المصري ولكنه لم يعرض ضمن ما يعرض علي شاشاتنا في رمضان الآن..
وإنما حظت بعرضه الأول قناة المحور الخاصة.. وأنه يمثل "حالة درامية" تستحق
التعامل معها بجدية لكونه يقدم نوعا من التعاون العربي الفني في كافة
مجالات العمل. ففيه عراقيون ومصريون وسوريون وتوانسة وأوروبيون وفيه في
النهاية مقدرة علي بلوغ آفاق أكثر رحابة فكريا وإنسانيا يؤكدها "كاظم" حين
يتحدث عن العراق والوطن الذي يريده واحة للجميع من كل الطوائف والملل
والأعراق. يعيشون حياة طيبة وسط عدالة ومساواة مطلقة.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
17/09/2009
هدوء نسبى يكشف الوجه الآخر لقدرات نيلى كريم التمثيلية
كتبت دينا الأجهورى
نيللى كريم فنانة تراهن دائما على الاختلاف فى أعمالها، حيث قدمت فى
هوجة المسلسلات ودوامة ازدحام الأعمال الدرامية فى شهر رمضان مسلسل "هدوء
نسبى فى بغداد"، حيث أثبتت أنها قادرة على تجسيد نوعيات مختلفة من الأدوار
وإتقانها، ولم تحصر نفسها فى أدوار الفتاة الرومانسية فهى "ناهد" الصحفية
التى تجرى وتبحث عن الحقيقة وتصل لها مهما كان الثمن، ولأن مهنة الصحفية هى
مهنة البحث على المتاعب فهى دائما ماتفعل ذلك ورصدت المعاناة التى عاشها
الصحفيين فى حرب العراق لنقل مشاهد سقوط العراق للعالم كله.
ويعتبر دور "ناهد" المراسلة الصحفية نقلة فى حياة نيللى كريم الفنية
واكتشاف جديد لها، فهى أجادت التعبير عن شعورها بالإرهاق عندما كانت تبحث
عن حبيبها، وحافظت على نبرة صوت مميزة دون انفعال زائد، فهى لم تصرخ ولم
تتشنج، بل جاء أداؤها متماسكا، كما أنها اهتمت بطريقة سيرها فهى تمشى بحزم
وبقوة، مما يدل على أنها واثقة من نفسها، وهو ما يتوافق مع متطلبات شخصية
المراسلة الصحفية التى تغطى أخبار الحروب.
ويأتى نجاح نيللى كريم لأنها أيضا اختارت سيناريو مسلسل مختلف عن
نوعية السيناريوهات المعروفة، حيث تعرض المسلسل لقضية سياسية شائكة ورصد
مرحلة صعبة مرت بها العراق وقت غزو أمريكا لها وسقوط بغداد، وقدم مؤلف
المسلسل رسالته ممزوجة بقصة حب نشأت بين بطلى المسلسل نيللى كريم والممثل
السورى عابد الفهد أو "ناهد" و"ناجى" الصحفيين.
وأثبت المسلسل بوجه عام أن هناك مبدعين قادرين على تقديم عمل درامى
ناجح يجمع بين كل عناصر النجاح من أبطال، حيث يشارك فى المسلسل عدد كبير من
أبطال مصر والوطن العربى وأيضا السيناريو، إضافة إلى أن العمل يحمل توقيع
المخرج المميز شوقى الماجرى.
الجمهورية المصرية في
17/09/2009 |