مهما كانت الآراء مختلفة حول مستوي المسلسلات الكثيرة التي تعاقبت
علي شاشتنا الصغيرة في رمضان هذا العام..
فان هناك ميزتين كبيرتين لايمكن التشكك
في قيمتهما الميزة الأولي.. وهي المستوي الجيد للأداء التمثيلي في أغلب ما
رأيناه.. والذي استطاع في مرات كثيرة أن يغطي علي صفة الدراما وعلي كثير من
النقائص الاخري.
اما الميزة الثانية فهي ارتفاع مستوي الصورة التليفزيونية
بفضل التطورات الاخيرة التي طرأت علي الكاميرات الجديدة والتي نجحت في أن
تقدم لنا
صورة متألقة جذابة تسحر العين..
وتساهم هي أيضا بشكل أو بآخر في اخفاء عيوب
التأليف والاخراج أحيانا..
ويمكن بالتالي اضافة ميزة ثالثة..
هي قدرة مخرجين
شبان أن يجتازوا الحاضر الصعب بينهم وبين جمهورهم رغم خوضهم تجاربهم
الاولي.
وسنحاول في هذه العجالة رصد بعض النقاط الايجابية والسلبية التي
صادفتنا أثناء مشاهدتنا لبعض المسلسلات التي اتيح لنا الوقت لمشاهدتها.
>
ظهور تأثيرالخبرة التي تزداد مع الايام رسوخا وتأثيرا والتي
تفرض نفسها كقيمة لا
ينال منها الزمن بل علي العكس يزيدها ألفا وموهبة واشعاعا.
الرجائيتين
الكبيرتين رجاء حسين ورجاء الجداوي الاولي في مسلسل »هالة والمستخبي«
حيث قدمت
لنا وجها تراجيديا يشع حنانا وغضبا وثورة تجاه ابنها »المدلل« الذي اضاعته
الظروف والحاجة والحذر ودفعته الي بيع أولاده وقرارها باعتباره ميتا..
ومشهدها
الرائع.. بل وأقول مشاهدها الرائعة كلها التي اعطت هذا المسلسل بريقا يشع
كالذهب.
ورجاء الجداوي التي استطاعت أن تجمع بذكاء
ورهافة حس وموهبة عالية
بين التراجيديا والكوميديا في دورها الصغير..
الذي جعلته موهبتها كبيرا وهاما عن
أم مصابة بمرض نفسي في »خاص جدا«
يجعلها تعيش في ذكريات ماضيها وشبابها الذي
لا
تريد التخلي عنه لتذكر مشهدها وهي تلعب لعبة الكومي..
وتصر علي الرقم الخمسة
باحساس كوميدي عالمي المستوي أو مشهدها العاطفي مع ابنها الذي وصلت به الي
قمة
التراجيديا.
لقد تواجدت رجاء الجداوي هذا العام في أكثر من مسلسل واستطاعت أن
تجعلنا نقف احتراما لفنها وموهبتها الكبيرة وقدرتها علي التنقل بين جميع
الشخصيات
التي جسدتها بليونة وعذوبة مشهودة.
>
هشام سليم في »حرب الجواسيس«
عبقري تمثيل يضاف بقوة الي عباقرة التمثيل في مصر.
>
التوقف أمام مجموعة
من الوجوه الشابة التي انطلقت هذا العام بقوة الصاروخ والتي
ستجد مكانا لائقا
لها.. بعدما اثبتته من قدرة وكفاءة في الادوار التي عهدت اليها.
هناك بالطبع
هذا الحصان الاسود الجميل الذي انطلق كالمارد في مسلسل »حرب الجواسيس« شريف
سلامة.. وعبر ببراعة عن صراعات داخلية مجنونة..
اجتاحت شاب يعاني من أزمات
داخلية سواء في أسرته أو في مجتمعه..
تدفعه رغما عنه الي الانزلاق.
وهناك
أيضا هذا الشاب الصغير يوسف عثمان الذي بهرنا في فيلم »بحب السيما« وكان
غلاما صغيرا في التاسعة من عمره وها هو الآن مراهق علي اعتاب الشباب يلعب
دورا
معقدا في »البوابة الثانية«
ويحرك ضمائرنا وقلوبنا بسهولة وعفوية مدهشتين..
تجعلني اتنبأ له بمستقبل مضمون في عالم السينما لانه يملك
الموهبة والحضور والذكاء
وهذا البريق المدهش في العينين الذي يضيء السهم المشع من وراء نظارته
الطبية
السميكة انه مع زميليه محمد شكري ومصطفي سمير اللذين لعبا الفلاحين
الفلسطينيين
الذي أسرتهما اسرائيل من الزهور الصغيرة التي يمكن المراهنة
عليها اذا توفر لها
المخرج الكفء.. والنص الملائم.
>
ويجدر بنا الاشارة الي نجم شاب آخر..
يحاول الدخول من الباب الصعب وهو
»أحمد أسامة عبدالخالق«
الذي لفت
النظر في
فيلم باهت هو »الايام الصعبة«
الذي لعب فيه دور الابن القتيل لهشام
عبدالحميد..
والذي يعود الينا في
»البوابة الثانية«
ليقدم دور الفتي الصعيدي
الشهم الذي يكتم حبه في قلبه..
وتنطق مع عيناه والذي يمر كنسمة حلوة هو مشبع
بالتوتر والقلق والخوف.
وهناك أيضا الممثل الشاب »رامز
أمير« الذي لعب دور
ابن الفخراني في مسلسل »شرف فتح الباب«
والذي كان يكتب الدفاع عن والده علي
جدران مرسي مطروح والذي يعود الينا هذه المرة ليقدم وجهه
البريء في دور لا يصلح له
بالمرة هو دور »منير مراد«
في مسلسل
»قلبي دليلي« ومع ذلك »لفت
الانظار«اليه في مشهده الطويل مع اخته وهو يعلن عن احلامه بأن يصبح مطربا
وملحنا..
في عفوية حلوة وفي قلق في العين وحركة داخلية تثير الانتباه..
ورغم أن الدور ليس
له علي الاطلاق..
فانه استطاع بشكل ما ان يفرض نفسه..
وان كان عليه الحذر
الشديد في امتلاء جسده..
رغم سنه الصغيرة مما سيعرض الي السمنة اذا لم ينتبه الي
هذا العائق الكبير الذي قد يقف حائلا دون صعوده الي بؤرة الضوء.
>
صعود
واثق أيضا وشديد الحساسية ليسرا اللوزي التي تزداد تمكنا من فنها وموهبتها
فيلم بعد
الآخر وهي في مسلسل »خاص جدا« تجذب اليها الانظار خصوصا في مشاهدها وحوارها
مع
الشاب الملتزم دينيا الذي احبته والذي قدم نموذجا جيدا لشباب
ابتدأوا ان يصبحوا
كثرة في مجتمعنا المعاصر.
>
اما بالنسبة لنجومنا الكبار فعلينا أن نقف
وقفة اعجاب حقيقية أمام الاداء المدهش الذي يقدمه »فاروق الفيشاوي«
في مسلسل »قاتل بلا أجر«
أمام حسين فهمي في أعلي امكانياته يساعده علي ذلك نص درامي محبوك
بقوة من مصطفي محرم.
فاروق الفيشاوي ينطلق في هذا المسلسل كالمارد..
بعد
بيات شتوي طويل ويؤكد لنا أن الموهبة قد تخطت أحيانا..
ولكنها ابدا لا
تموت.
>
أمل رزق في دور راقية ابراهيم في مسلسل ليلي مراد..
حاولت أن
تتغلب علي العجز في رسم شخصيتها بالنص وحاولت أن تعطي هذا الوجه الغامض
والشديد
الجمال والجاذبية..
ابعادا من اجتهادها وقد نجحت رغم العوائق الكثيرة التي كانت
تقف أمامها ورغم الاخطاء التاريخية الفادحة في تصوير مسيرتها الفنية ودورها
المربك
في اطار الطائفة اليهودية التي كانت تنتمي اليها.
ان حياة هذه الفنانة التي
تحيط بها شارات استفهام كثيرة جديرة بان تكون لوحدها مادة
لمسلسل مثير..
رسم صورة
عن صراعات اليهود في بلد اعطاهم كل شيء وعلي ذلك اداروا الظهر له لأسباب
كثيرة ليس
هنا مجال ذكرها.
وبالمقابل سقط النجم الشاب »أحمد
فلوكس« سقوطا مروعا..
في تجسيده لشخصية أنور وجدي الذي احاله الي مجرد بهلوان يثير الرثاء
والشفقة عوضا
عن تذكيره لنا بأن أنور وجدي كان لفترة طويلة فتي الشاشة
المصرية الأول.
خطأ
هائل.. قد يعيق مسيرة هذا الفنان الطموح..
الذي لم يعرف كيف يلعب بأوراقه »عزت أبوعوف«
رغم ظهوره في أكثر من مسلسل اعطانا علي عكس فلوكس صورة حزينة
لشخصية زكي مراد وجعلنا نتعاطف معه رغم كل الخطايا التي
ارتكبها بحق أسرته وحق
نفسه.
دور يحسب لعزت ويؤكد مكانته التمثيلية وطاقته الفذة التي تفجرت بقوة
منذ
قيامه بدور »أحمد حسنين« في مسلسل »الملك فاروق«.
>
السوري باسم
باخوري انطلق أيضا كالمارد في مسلسل »حرب الجواسيس«
وكان شمسا اضاء كل ما
حوله.. رغم صعوبة الدور وصعوبة التعاطف الجماهيري معه ولكنه نجح رغم ذلك
علي كسب
رهانه واثبات موهبته تماما كالسورية »سلاف فواخرجي«
التي عادت في مسلسلها
الجديد لتذكرنا أن نجاحها في »اسمهان«
لم يكن صدفة..
يساعدها علي ذلك ياسر
جلال الذي لا يخيل لي أن بعث من جديد بعد فترة بيات طويلة في »آخر أيام
الحب«.
>
المسلسلات السورية رغم جودتها الواضحة..
لم تحقق ما حققته في
السنوات السابقة وان كان »زمن العار«
قد اعاد لنا الرونق والبهاء والقدوة
التمثيلية التي عهدناها في هذه المسلسلات منذ أكثر من أربعة أعوام خصوصا في
اداء
تيم الحسن الاخاذ. الي جانب بدء التراجع والقبول الشعبي لمسلسلات الحارة
الدمشقية
التي تكررت كثيرا وأصبحت تدور حول نفسها..
وتبعث علي السأم أكثر منها علي
الاعجاب.
>
ويبقي علي الساحة عملاقا لا تضاهي قامته قامة أحد
»شوقي
الماجري« الذي لا يكف عن ادهاشنا منذ »أولاد الرشيد«
مرورا
»بأبي جعفر
المنصور« وتركيزا علي »الاحتياج« انه هذه المرة يعالج حرب العراق ويوجه
الاتهام بقسوة الي الاصابع الامريكية الخفية ورغم جودة المسلسل الكبيرة
والمدهشة
فانه يبدو لنا وكأنه الزحف من سبقه وقدم لنا صورا مختلفة تماما عن الواقع
العراقي
وأزمته وعوامل الصراع فيه عن الصورة التي اراد أن يؤكدها
الماجري ولكن هذا لا
ينقص من قيمة مسلسله الفنية والفكرية ومن اداء نيللي كريم الذي يكتم
الانفاس.
>
وعودة الي ممثلينا الكبار يجب أن نتوقف أمام الجهد المبذول من
سمية الخشاب في »حدف البحر« ومن »باسم سمرة« الذي انطلق انطلاقة جديدة في
تجسيدها شخصية الشرير في »هالة والمستخبي«
واعطائها هالة من المصداقية والشجن
تمثلت في ابداعه في المشهد الاخير مع زوجته في المستشفي وهو يطلب الرحمة
والمغفرة
لنفسه.. اداء شديد السلاسة والاقناع من ممثل أصبح يملك تماما مفاتيح
فنه.
>
وأخيرا يجب أن نتوقف أمام الانطلاقة الجديدة للوسي التي
امتعتنا
في دورها في »الباطنية« وادهشتنا حقا في مسلسل جيد لم يأخذ حقه في الانتشار
هو
»كلام
نسوان«
الذي لعبت فيه دورا مؤثرا..
يضعها دون تردد كواحدة من أهم
ممثلاتنا التي بوسعها أن تجسد جميع الادوار مهما تنوعت ويعيد لنا »عمر
عبدالعزيز« في أدق وأعذب حالاته كمخرج حساس يعرف كيف يعبر عن عواطف النساء
وهمومهن..
مما يذكرنا بالعبقري الراحل
»حسين كمال«.
عودة عمر عبدالعزيز
وكفاءته تجعلنا نزيد من رهاننا علي مخرجي السينما الذين استطاعوا ترويض
التليفزيون.. والتعامل معه كاداة سينمائية محضة كما فعل علي عبدالخالق في
»البوابة
الثانية«
ونادر جلال في »حرب الجواسيس«.
وبالمقابل فان هناك
حشدا من المخرجين الشباب الذين تفجروا كالشهب منذ الطلة الأولي
كمريم أبوعوف في
»هالة
والمستخبي«
ومحمد علي في »مجنون ليلي
« وغادة سليم في »خاص جدا«
وأصبحت الطريق أمامهم ممهدة تماما..
ليطيروا بأجنحتهم البيضاء ويرفعونا معهم
نحو
السحاب.
>
المسلسلات الكثيرة لم تعطنا المجال لمتابعة برامج الحواريات
التي انطلقت كثيرة جدا هذا العام..
وجعلت من ممثلاتنا وممثلينا مذيعين للمرة
الأولي.
لا أريد أن اقيم هذه التجربة الخاصة التي تستحق وقفة خاصة لوحدها..
ولكن اشير بالاعجاب الي برنامج »أبيض وأسود«
الذي يقدمه بذكاء واقتدار »مصطفي فهمي«
وبرنامج »باب الشمس« الذي يقدمه بحنكة وسلاسة »رولا جبريل«
والتي استطاعت بشخصيتها اللماحة أن تتغلب علي عدم تواجدها الحقيقي في
المجتمع ومع
ذلك نجحت في دراستها لملفات الشخصيات التي تواجهها في أي تقدم لنا برنامجا
ذكيا
وحضاريا وممتعا الي أقصي درجة تماما كما فعل مصطفي في سلاسة
وبراعة
مشهودة.
>
حسن الرداد يصعد سلم مجده علي طريقته خطوة خطوة بثقة وموهبة
وكم اتمني له رغم نجاحه التليفزيوني ان يكرس نفسه للسينما فهو قد خلق حقا
لها.
>
القاء اللوم في الهجوم علي مسلسل
»قلبي دليلي« علي صفاء سلطان
وحدها أمر فيه ظلم بين..
فصفاء سلطان فنانة موهوبة حقا..
تملك الحضور والاخلاص
الفني ولم تكن مسئوليتها أن يركز النص علي مشاكلها العائلية عوضا عن مسارها
الغنائي
الرائع وأن يجعلها ساذجة أشبه بالدمية منها الي الفنانة التي تجسدها.
صفاء
سلطان خضعت لنص لم ينصفها ومخرج لم يعرف كيف يظهر كل مواهبها.. ولاخطاء
كثيرة
لا يد لها فيها ..
انها ضحية أكثر منها مسئولة صفاء سلطان تستحق عن جدارة فرصة
أخري.. لانها تملك كل مقومات المطربة والممثلة الناجحة »وجه
مضيء كالشعاع« ثم
الاخلاص والموهبة والتفاني وعشق الفن حتي النخاع.
>
بقيت نقطة أخيرة
لابد من التوقف عندها..
وتتعلق بالنجمة الكبيرة »يسرا«
التي مهما حاولت
الاقلام مهاجمتها أو الاعتراض علي اختياراتها فهي تبقي واحدة من »ايقونات«
التمثيل في زمننا.. ذكاء وحضورا وموهبة.
واذا كانت الاقلام تعتب احيانا علي
اختياراتها..
فلانها تضعها في مقام كبير لم تصل اليه
نجمة سواها ولا يحاسب الحساب
العسير الي من وصل الي أعلي درجات المجد ولكن هذه التحفظات علي اختيارات
يسرا
الاخيرة لا تقلل من أهميتها ومركزها وموهبتها..
ولكن قد تجعلها تعيد بعضا من
حساباتها.
وهكذا تحقق المعادلة الصعبة التي وصلت اليها قبل سنوات..
وهي
امتلاك قلوب جمهورها وقلوب النقاد معا.
أخبار النجوم المصرية في
17/09/2009 |