من الأمور المدهشة في مسلسلات السيّر الذاتية عموما مسألة اختيار
الممثلين لأداء شخصيات حقيقية لنجوم وفنانين راحلين يعرفهم الجمهور ويراهم
صباحا ومساءً في الفضائيات، فمن الأهمية أن تكون الشخصية المختارة تتشابه
في الملامح مع الشخصية الأصلية، وإذا غابت الملامح فيجب أن تجتهد الشخصية
في تجاوز حاجز الشبه.
كما حدث في «أم كلثوم» و«الملك فاروق»، حيث عوّض أداء الممثلين الناقص
في الشبه.. بينما هناك فريق من الممثلين الذين قدموا السيّر الذاتية
اختاروا تقليد الشخصية في حركتها وطريقة كلامها، كما فعل أشرف عبدالباقي
عند تقديمه لشخصية إسماعيل ياسين.من جهته يقول المخرج إسماعيل عبدالحافظ:
«إن التقليد هو أسهل أدوات الممثل؛ لكنه لا علاقة له بفن التمثيل إذا لم
يصحبه فهم عميق للشخصية، وطباعها، ورسم خط درامي لها، لافتا إلى أن
الكثيرين ممن قدموا دراما السيّر الذاتية لم يلتفتوا لهذه الأشياء، وتركوا
الفرصة للممثل لتقليد الشخصية الأصلية، ولكل منهم حساباته.
حيث يدرك المنتجون والمخرجون أن الجمهور يعشق شخصيات المشاهير، ويسعى
لمعرفة الكثير عنهم، ومن هذا المنطلق لديهم يقين أنهم سيقبلون على مشاهدة
أي مسلسل يتناول حياتهم حتى لو كان مستواه متواضعا أو يقوم على التقليد».
وهنا يؤكد الناقد عصام زكريا أن أعمال السيّر الذاتية هذا العام ما هي
إلا مجرد تقليد سطحي للشخصيات على طريقة «عزب شو»، إلا أن الأخير أكثر
إقناعا؛ لأنه يعترف أنه يصنع صورة كاريكاتيرية من الشخصيات التي يقلدها؛
أما هؤلاء الممثلون فيعتقدون أنهم يتقمصون شخصيات ليلى مراد وإسماعيل ياسين
وأدهم الشرقاوي وغيرهم.
وقال زكريا: «إن الخطأ الذي وقعت فيه الممثلة السورية صفاء سلطان أنها
جمعت كل أفلام ليلى مراد لكي تدرس شخصيتها وترصد تفاصيلها، وهذا - على حسب
تعبيره - الخطأ الكبير الذي وقعت فيه النجمة الشابة؛ فيبدو أنه من كثرة
مشاهدتها لأفلام ليلى مراد دخلت ومن دون وعي منطقة التقليد بكل جوارحها،
فضاعت بصمتها الشخصية، وكانت نقطة ضعف العمل؛ على الرغم من أنه كان يمكن أن
يكون أحد أهم وأنجح أعمال رمضان الدرامية».
وعلى الرغم من ذلك يلفت زكريا أنه ليس المهم أن يستعرض الكاتب بعض
الأحداث والمواقف التاريخية، ولا من المهم أن يرتدي الممثل ملابس الشخصية
ويضع ماكياجها ويقلد صوتها؛ لأننا لن نعرف أبدا حقيقة ما حدث في الماضي؛
ولأننا لن نصدق أبدا أن الممثل الذي أمامنا هو الشخصية القديمة.
إلى هنا يؤكد د.صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن
التقليد هو مهمة المونولوجست وليس الممثل، لافتا إلى أن جميع المسلسلات
التي تحكي السير الذاتية لنجوم رحلوا تفقد التركيز في معالجة القضايا
المطروحة، واتجهت إلى المد والتطويل بسبب سيطرة الوكالات الإعلانية عليها.
وأضاف أنه على الرغم من توافر جميع عوامل النجاح للمسلسلات الثلاثة
التي عرضت في شهر رمضان، وبشكل خاص «قلبي دليلي» و«أبو ضحكة جنان»؛ إلا أن
نقطة الضعف التي أصابت العملين هو وقوع صفاء سلطان وأشرف عبدالباقي في فخ
التقليد، وأضاف: «إن صفاء لم تكن تمثل شخصية ليلى مراد، ولكنها كانت تقلد
ليلى مراد، وهناك فرق كبير بين تجسيد شخصية بحجم ليلى مراد وتقليدها على
الشاشة.. وهكذا الأمر بالنسبة لأشرف عبدالباقي الذي كان يقلد إسماعيل ياسين
دون أن يتقمص شخصيته».
من جهة أخرى يظل للماكيير أهمية كبيرة في إنجاح مسلسلات السير
الذاتية، أو رسوبها، حيث يتحمل المسؤولية الأكبر في أن تكون ملامح الممثل
قريبة من الشخصية الأصلية، والسؤال هنا هل لعب الماكيير دورا في فشل
المسلسلات الثلاثة التي عرضت في شهر رمضان؟
الماكيير اللبناني إبراهيم كلود هو المسؤول الأول عن ملامح أشرف
عبدالباقي في شخصية إسماعيل ياسين، وقد سبق له التعامل مع أشرف في ست كوم
«راجل وست ستات» مع الفارق الشاسع في المقارنة بين العملين، ومن الطبيعي أن
يقوم الماكيير اللبناني بمشاهدة عشرات الصور والأفلام الخاصة بإسماعيل
ياسين لوضع تصور نهائي لملامحه على الشاشة، كما ظهرت في المسلسل، وإن كان
الكثير من النقاد يرون أن الشخصية كانت أقرب إلى الفنان عبدالمنعم إبراهيم
منها إلى إسماعيل ياسين.
أما ماكيير مسلسل «قلبي دليلي» فكان الدكتور أحمد عفيفي الذي قام
بماكياج الكثير من الشخصيات من ذي قبل مثل الإمام النسائي والإمام مسلم
وابن تيمية، لكنه في ليلى مراد استعان بمواد أرشيفية للفنانة؛ فضلاً عن صور
فوتوغرافية، ولقطات تسجيلية، وأفلام سينمائية من مختلف الأعمال والأعمار
لدراسة تطور ملامحها.
وقال عفيفي: «أثناء بحثي في الشخصية وجدت أن أهم العلامات المميزة
لشخصية ليلى مراد كانت شكل الحاجبين والشفتين، وهو ما تم التركيز عليه في
وجه الفنانة صفاء سلطان؛ لكي تكون قريبة الشبه بينها وليلى مراد».
أما جمال العادلي ماكيير شخصية «أدهم الشرقاوي»؛ فيؤكد أن التجربة
كانت صعبة جدا، خصوصاً أنه لم تكن هناك شخصية راسخة في أذهان الناس عن
«أدهم الشرقاوي»، ومن هنا اجتهدت للتعامل مع الشخصية قدر المستطاع، حيث
يصدقها الناس كشخصية لبطل شعبي. وإن كانت المشكلة الأساسية التي واجهت
العادلي في شخصية «أدهم الشرقاوي» هي كثرة الجروح التي أصابت محمد رجب بسبب
مشاهد المعارك في العمل، حيث كان يتم تغيير الماكياج أكثر من مرة بسبب
اختلاف شكل الجرح بين كل يوم وآخر حتى تمام التئامه.
وبسؤال واحد من أشهر خبراء الماكيير في مصر وهو محمد عشوب الذي عمل
الماكياج الخاص بشخصية الرئيس السادات التي أداها الفنان أحمد زكي، عن مدى
تحمل الماكيير فشل أو نجاح العمل؟
قال عشوب: «إنه لا بد أن نعرف أن هذه المهنة لا تخلو من متاعب كبيرة
كحال مهن أخرى شاقة، ومن هنا يجب أن تتوافر في هذا الماكيير صفات عدة لا
داعٍ لذكرها الآن؛ لكن لابد للماكيير أن يقتصر عمله على تقريب الشبه قدر
الإمكان بين الممثل والشخصية الأصلية؛ ليبقى بعد ذلك الأداء وروح الشخصية
مسؤولية الممثل والمخرج دون أن يكون للماكيير أي مسؤولية». وأضاف: «إن
علاقة الماكيير والممثل أشبه بعلاقة النحات وتمثاله؛ فعندما ينتهي من
التمثال تنتهي مسؤوليته عنه».
البيان الإماراتية في
14/09/2009
السيّر الذاتية موسم تشويه النجوم
مع انتهاء ماراثون الدراما الرمضانية، يبدأ النقاد والجمهور والمعنيون
بالدراما في رصد وتقييم أهم مكاسب وخسائر الدراما في هذا الشهر؛ لكن كانت
مسلسلات السير الذاتية سباقة في الاستحواذ على الاهتمام الأكبر من جانب
النقاد، بعد الهجوم الذي لازمها في رمضان من هذا العام مقارنة بأعوام سابقة
كانت فيها متفوقة؛ فهل تحولت السيّر الذاتية لتجارة رابحة توفرها الشخصية
الشهيرة لمنتج يسعى للربح في عمل يضمن أن الجمهور سيشاهدها حتى قبل أن يشرع
في تصويره، أم ممثل يسعى للشهرة والنجومية على حساب الشخصية التي يقدمها؟
تساؤلات عدة تناول (الحواس الخمس) من خلالها دراما السيّر الذاتية،
والتغيرات التي طرأت. التفاصيل في السطور التالية.
«قلبي دليلي»، «أبو ضحكة جنان»، «أدهم الشرقاوي»
ثلاثة أعمال فنية تابعها المشاهدون طوال شهر رمضان، تناولت على الترتيب
ثلاث شخصيات هي «ليلى مراد» و«إسماعيل ياسين» و«أدهم الشرقاوي»؛ لتنضم تلك
الأسماء إلى مسلسل أصحاب السيرة الذاتية، والذي كانت بدايته الحقيقية
بمسلسل «أم كلثوم» لتتوالى باقي الأعمال، ومنها «الملك فاروق» و«أسمهان» و«عبدالناصر»،
و«العندليب» و«السندريلا».والمتابع الجيد لهذه الأعمال يلاحظ مدى النجاح
الكبير الذي تحقق لبعضها، وعلى رأسها مسلسل «أم كلثوم»، فيما سقط البعض
الآخر في فخ التقليد، ولحقت به هزيمة مبكرة، كما حدث هذا العام مع «أبو
ضحكة جنان» و«أدهم الشرقاوي»، ثم «قلبي دليلي» الذي كان الأفضل حالاً
مقارنة بالعملين السابقين.
نجاح طاغٍ أم فشل ذريع
وعلى حسب تعبير الناقدة السينمائية ماجدة موريس فإن الأعمال الدرامية
التي تمثل السير الذاتية لا تعرف سوى النجاح الطاغي أو الفشل الذريع؛ فلا
يوجد نجاح هادئ أو فشل محدود؛ لافتة إلى أن هناك الكثير من السوابق
الدرامية التي تؤكد ذلك مثل مسلسل «أم كلثوم»، الذي حقق نجاحاً منقطع
النظير، في حين أن «العندليب» و«السندريلا» نموذجان صارخان لفشل منقطع
النظير.
وحول دراما السير الذاتية هذا العام، قالت: «إن هناك 3 أعمال يطلق
عليها سير ذاتية من بين عشرات الأعمال التي ازدحمت بها الفضائيات هذا
العام، وكان لصُناع هذه الأعمال فرصة كبيرة في تحقيق نجاح كبير وسط هذه
المنافسة، خصوصاً أنهم لعبوا على شخصيات شهيرة أحبها كل المصريين والعرب،
ولاتزال أفلامهم تعرض إلى الآن على الفضائيات، لكن خرجت أعمال السير
الذاتية جميعها دون المستوى.
ولم يقنعنا أشرف عبدالباقي تماماً في دور إسماعيل ياسين لا شكلاً ولا
روحاً، وينطبق الأمر على محمد رجب الذي تاه في دوامة «أدهم الشرقاوي»، كذلك
كانت صفاء سلطان، وإن اجتهدت طوال العمل، إلا أن الكثيرين طوال عرض العمل
لم يتناسوا لحظة أنها صفاء سلطان وليست «ليلى مراد».
في اتجاه آخر شهدت هذه المسلسلات مفارقات عجيبة، ففيما رأى المشاهد
شخصية الفنان نجيب الريحاني عند ليلى مراد مجسدة في أحمد راتب، بينما عند
إسماعيل ياسين مجسدة في سمير غانم؛ إلا أن أداء كلتا الشخصيتين لم يكن
مؤثراً، حيث لعب كل منهما- أي راتب وغانم- على نبرة الصوت فقط؛ وهكذا الأمر
لا يختلف كثيراً عند بعض الشخصيات الأخرى المكررة كمحمد عبدالوهاب وفطين
عبدالوهاب وأنور وجدي. وفي النهاية يمكن القول إن مخرجي العملين ومؤلفيهما
افتقدوا القدرة على تقديم حالة إبداعية ساحرة وجذابة تفتقد للعمق والمتعة،
كما خانتهما أيضاً الدقة في الأحداث التاريخية.
تشويه المشاهير
الكاتبة خيرية البشلاوي تتفق مع رأي موريس، مؤكدة أن اختيار صفاء
سلطان لمسلسل «قلبي دليلي» لم يكن في صالح المسلسل؛ لأنها وجه جديد لم يحقق
أي نجومية بعد، كما أنها تفتقد فن الأداء، ولا توجد عين مخرج قادرة على
توجيهها، وعلى مستوى الماكياج لم يستطع الماكيير أن يجعلها تقترب من ملامح
ليلى مراد.
كما لم يجتهد أحمد الإبياري كاتب مسلسل «أبو ضحكة جنان» في أبراز
جوانب أخرى لشخصية إسماعيل ياسين خاصة الإنساني، فقد لجأ إلى تراث إسماعيل
ياسين السينمائي ليستعيد منه شخصية إسماعيل ياسين، حيث يردد أشرف عبدالباقي
كل «لزمات» إسماعيل في حين أن ملامحه أقرب لعبدالمنعم إبراهيم، فضلاً عن
ذلك فلم يقدم المخرج محمد عبدالعزيز أي إضافة للسيناريو، ولكن قام بعمل
تصوير مباشر لهذا السيناريو.
وإلى هنا تخلص الناقدة الفنية أن الأعمال الدرامية لهذا العام والتي
تناولت السير الذاتية لإسماعيل ياسين وليلى مراد وأدهم الشرقاوي قد أساءت
لهم، وشوهت صورتهم وأظهرتهم كأشخاص عكس الحقيقة.
صفاء ترفض
لكن الفنانة السورية صفاء سلطان التي أدت دور ليلى مراد تعترض على
الآراء السابقة، مؤكدة أنها اجتهدت في أداء دورها، وقالت: «بمجرد ترشيحي
لدور ليلى حرصت على جمع كل المعلومات للتعرف إلى كل شيء عن هذه الفنانة
الكبيرة خصوصاً أن السيناريو الذي كتبه مجدي صابر ركز على الجوانب
الإنسانية، ويوضح كم عانت كإنسانة وفنانة كبيرة ومتواضعة». وأكدت صفاء
سعادتها بتقديم تلك الشخصية التي أثرت الحياة الفنية بالكثير، معترفة بحق
النقاد والجمهور في تقييم دورها.
6 سنوات تحضير
أما أشرف عبدالباقي فيوضح أن مسلسل «أبو ضحكة جنان» لم يكن مجرد
استعراض لمسيرة الحياة الفنية لإسماعيل ياسين، وإلا كنا اخترنا الأفلام
الوثائقية فهي أقدر على فعل ذلك من الدراما؛ لكننا في العمل استعرضنا كيف
كان يقف إسماعيل ياسين أمام الكاميرا ونجاحاته المهنية، خصوصاً أن الكثير
من الناس لا يعرفون ياسين بقدر ما يعرفون «الكراكتر» الذي صنعه إسماعيل
ياسين داخل أفلامه، واعتاد أن يقدمه في الغالب بطريقة واحدة.
وحول آراء النقاد التي هاجمت المسلسل، قال عبدالباقي: «إن هذا العمل
خلاصة كفاح وعمل دؤوب على مدار 6 سنوات؛ حتى إنني أصبحت أشعر وأنا في منزلي
أنني إسماعيل ياسين، وخصوصاً في طريقة الحديث مع زوجتي وأبنائي».
البيان الإماراتية في
14/09/2009 |