اربتطت
السينما منذ نشأتها بتقديم عالم الجريمة والمغامرات ذات الطابع الفردي
المحض، لما لهذه المواضيع من تأثير على المتلقي، ومحاولة اشراكه بطريقة
منفعلة حتى يبدو وبمرور الوقت وكأنه بصدق يصدق لعبة شركات الانتاج التي
تضخ مثل هذه الافلام الاكثر مبيعا وتأثيرا في الناس.وقد التصقت فكرة
الجريمة والمجرمين، ورجال الشرطة الحذرين الذين يظهرون لنا بأنماط وسلوكيات
مغايرة لما الفته الذاكرة عن تصرفات الشرطة والمجرمين.ولان السينما فن
راقٍ، وصناعة يغلفها الجمال، في بناء المشهد واختيار امكنة التصوير، ووضع
موسيقى تصويرية محنكة.
وديكورات مقنعة وازياء لها علاقة بتاريخ الحدث، كل هذا له علاقة بدفع
راسمي الخطط في الشركات الكبرى لانتاج الافلام من ابتكار شخصيات ونماذج تشد
المتلقي حتى وان كانت على درجة واضحة من الانحراف والاجرام!.
وعلى هذا الفهم البصري انتجت السينما افلاما عديدة تحاكي تاريخ القتلة
والمجرمين وطرق حياتهم ومسألة امتهانهم لعملهم الذي يعتبرونه فنا منعزلا له
علاقة بمواهبهم الملفقة!.
ان افلاما عديدة قدمتها السينما العالمية وتحديدا هوليوود تتناول سلوك
بعض من ضباط الشرطة ونماذج من الخارجين عن القانون، مثل اهتمامهم بالموسقى،
وحيازتهم لوحات فنية ثمينة ومهمة، واختيارهم لعشيقاتهم بشكل دقيق، وطرق
تناولهم لمفردات المأكل والملبس، وارتيادهم الامكنة والقاعات الخاصة
بالمسرح والموسيقى، وكأنهم فنانون وليسوا من الشرطة او المجرمين!، كل ذلك
يبعث على الدهشة في اظهار نموذج المحقق او القاتل، فمنهم من يختص
بالميثولوجيا لتبرير جرائمه كما فعلها القاتل في فيلم
SEVEN
وعالم في التشريح البشري كما في صمت الحملان، وفك رموز حكاية تاريخية ترتبط
بطروحات الساموراي القديمة في الصين في فيلم رونن، ومجموعة متخصصة في سرقة
البنوك اغلبهم شباب وسيمون لهم تأثيرهم حتى على ضابط الشرطة الذي يهوى
القتل في فيلم
STEAL وكثيرة هي الافلام التي تظهر لنا مواهب وهوايات هؤلاء الابطال!.
وفي نفس المساحة تلك، وعلى نمط كشف عالم الجريمة الداخلي المشترك بين
القاتل والشرطة، يقدم المخرج لوك بيسون فيلمه ليون المحترف والذي كتبه ايضا،
متناولا حياة احد القتلة المأجورين، والذي يعيش في شقة بسيطة وسط نيويورك.
حذرا، خفيفا، مثل شبح حين يتحرك باتجاه هدفه، غير متعلم، يعيش وحيدا لايعرف
للاسرة معنى، غير ممتلئ، وكأنه طفل في جسد رجل ضخم!. في الجانب الاخر محقق
شرطة سادي، يستمتع بالقتل، منفعل، يعاني مشاكل نفسية، لايقدم على القتل الا
بعد سماعه موسيقى بتهوفن، من خلال جهاز تسجيل صغير يحمله معه، خاصة حين
يكون في مسرح الجريمة!.
وهناك ماتيلدا الطفلة ذات الـ 12 عاما والتي تعيش في شقة مجاورة
للقاتل المأجور، مع ابيها واخوانها وزوجة الاب التي تعاملها بقسوة وسوء،
كما هو حال والدها ايضا واختها الكبرى.
وهناك ايضا طوني صاحب مطعم، والموجه الرئيس لعمليات ليون ويقوم
باختيار الاهداف له، لعلاقته الوطيدة مع رجال العصابات والشرطة على حد
سواء!.
يبدأ المخرج بنسج خيوط اللعبة بطريقة فائقة، ورسم دقيق لشخصيات الفيلم
اذ لاننسى بأنه كاتب فكرة الفيلم ايضا كما اشرنا، اذ بدر لنا اهتمامات
شخوصه في احتفاظهم لهواياتهم، وعدم ترك تلك الاهتمامات حتى في احلك الظروف،
فهذا ليون يواظب على ثلاث تحركات ثابتة لاتتغير الاولى اهتمامه بنبتة برية
داخل حاوية فخار دائما مايعرضها للشمس ووضعها في شباك الشقة يوميا، وشرب
الحليب وممارسة الرياضة فوق سرير نومه ، ومعلقا في احد اركان الشقة،
والضابط دائما ما يتحسس مسدسه، والاستماع الى الموسيقى وتناول الحبوب
المهدئة وهكذا حتى يعطي انطباعا على سلوك ابطاله ومحاولة الدخول لكل شخصية
من خلال ثوابتها، اما ماتيلدا فقد تعلقت بدمية ترفعها بين يديها طوال
الفيلم، ليوحي لنا المخرج بتعلقها بطفولتها المسروقة بين اب يتعاطى الاتجار
بالمخدرات وزوجة اب قاسية وسط مجتمع مفكك!.
تناول الفيلم فساد الشرطة في امريكا وتحرك المجرمين على هذا الفهم
وتمرير افعالهم بالتعاون مع المفسدين، ولان اي ارض رخوة قد لاتصب بصالح من
يريد ان يستقر فوق مكان ثابت!.
هذا ما اراد الوصول اليه مخرج الفيلم لوك بيسون، حيث اشتغل على ثيمة
اساسية، وهي علاقة القاتل المأجور بالطفلة ماتيلدا وعلاقة الاثنان بضابط
الشرطة المهووس، ليضعنا امام حالة صراع مفتوحة ومنفعلة حد التشويق، لتبدأ
المطاردة الضمنية بين ذلك الضابط الفاسد وبين القاتل المأجور ليون الذي
لايخلو من نزعة انسانية ناقصة جراء حياته الفارغة!. خاصة علاقته بماتيلدا
التي استحوذت على وجوده المصاب بالخلل!.
مطاردة، لاتخلو من التشفي والاحساس بالنشوة حين تتم محاصرة ليون مع
ماتيلدا داخل الشقة ووجود رجال شرطة بشكل كثيف، والمشاهد التي تلت المطاردة
لالقاء القبض عليهما، ومقاومة ليون لهم بخبرته الطويلة في عالم الجريمة،
حتى ساعة تخلصه منهم بثياب احد الشرطة المهاجمين الى ان يظهر لنا وهو متجه
خارج المبنى في رواق يطل في نهايته الى شارع عام لكن مسدس الضابط يلاحقه
حتى مقتله، لكنه لاينسى من تقديم هدية مفخخة للضابط بوضع مسمار الحزام
الناسف بين يديه معتبرا ذلك هدية من ماتيلدا ليعم الانفجار المبنى كله بعد
دهشة الضابط من ذلك!.
فيلم مثير، ومصنوع بطريقة فذة، تشد المتلقي ببساطة وتروي، وهو يتابع
مشاهد الفيلم المربوطة بحنكة، وتحديدا تلك الانثيالات التي تجمع بين ليون
وماتيلدا رغم فارق السن، لكنها عزفت على منطقة قاحلة في حياة ليون الفارغة
من اي لمسة انسانية، وقد ادرك المخرج ذلك حين قامت ماتيلدا بزرع تلك النبتة
البرية في ساحة المدرسة بعد ان تكفل لها بدفع رسوم دراستها واوصى طوني بها.
كان للممثلين دور بارز ومهم في كشف ما اراد المخرج ان يصل اليه للثيمة
الاساسية للفيلم وهي ان هناك في حياة بعض المجرمين كيان ممكن ان يكون مدخلا
للتضحية والتغيير حيث امكانية زرع بذرة في ارض غير قابلة لاستقبال نبتة
جديدة.
تألق الممثل جين رينو الفرنسي بدور ليون والذي قدم شخصية من جذور
ايطالية بشكل مذهل، وقام جاري اولدمان الممثل الانكليزي كعادته من تقديم
شحنات انفعالية لايجيدها غيره من الممثلين وكأنه قد تخصص بها!.
وكانت ناتالي بورتمان في ظهورها الاول في بطولة كاملة مدهشة في محاكاة
عالم الكبار باسلوب الصغار.
الإتحاد العراقية في
13/09/2009 |