لا تنتظر مني أن أقدم لك دراسة شاملة لأي مسلسل رمضاني،
ولا
تنتظر حتي أن أقدم رؤية عامة لمعظم الأعمال الدرامية، فقط اختلط لدي الحابل
بالنابل، ودخل “ابن
الإرندلي” في “ماتخافوش”، وامتزج “هدوء نسبي”
بضجيج “أفراح إبليس”، وتداخل تهريج “رامز جلال” في “رامز حول العالم”
بقصة الحب التي يرويها
“مصطفي حسني”، واختلط “أبوضحكة جنان” مع “حرب
الجواسيس” و”أنا قلبي دليلي”، وأحاطت الإعلانات بالصورة كلها حتي اقتحمت
مسلسلات إذاعة الشرق الأوسط التي اتابعها منذ الطفولة بحكم العادة والأعجب
أن
الإعلانات امتزجت معًا فدخلت عبارات الدعاية للسمن والزيت وأسعار مكالمات
المحمول
مع حكايات الضرائب العقارية والفواتير المستخبية وقطارات السكة الحديد التي
يجب
الحفاظ عليها..
وعدم التسطيح فوقها!
أنا من الآخر متفرج عشوائي
رمضاني، ومستمع عشوائي أيضًا لمحطات الإذاعة يدير مفتاح الراديو، أو يضغط
علي
الريموت كونترول كيفما اتفق،
وكل ما أحلم به هو أن أسجل لك ملاحظات سريعة علي
هذا
الطوفان المسلسلاتي أو البرامجي،
وفي أحيان كثيرة كنت أشاهد جزءًا من حلقة
واستكملها من قناة أخري في وقت آخر،
وأي وسيلة أخري للمتابعة يمكن أن تفضي
بالمتفرج إلي الجنون،
أو تقوده إلي أن تظهر المسلسلات بإعلاناتها داخل أحلامه أو
لحظة عبوره للطريق العام!
خذ مثلاً هذا التكدس الإعلاني الذي دفع “طارق
نور” أن ينشئ له محطة فضائية خاصة هي “القاهرة والناس”
لقد توحشت
الجرعة الإعلانية، وخرجت من الشاشة الصغيرة إلي الشوارع والميادين من خلال
الملصقات الضخمة التي تذكرك بأفيشات الأفلام،
كما حجزت مساحات ضخمة لتقديم خرائط
المشاهدة لكل محطة فضائية،
والطريف أن بعضها حمل أخطاءً
لغوية مخجلة بسبب
السرعة أو الجهل أو كليهما،
وقد ضحكت كثيرًا من ملصق ضخم انتشر في الشوارع
يظهر
فيه أحد الدعاة فاتحًا كتابًا وبجواره صفيحة من السمن،
وفي مكان آخر استبدل
بالصفيحة أحد أكياس السكر العملاقة،
وانطلقت الإعلانات علي البرامج والمسلسلات
لدرجة تفسد أدني قدر من المشاهدة،
وفي برنامج مثل “الكابوس”
الذي يحكي قصة
حياة الإعلامي الافتراضي “سيد أبوحفيظة”
من العسير حقا أن تصمد للمشاهدة حتي
النهاية،
ومن الأكثر صعوبة أن تتذكر ما جاء في كل حلقة من الحلقات رغم أنه عمل
مليء بالخيال وبالحرية في السرد،
وتشارك فيه شخصيات حقيقية أعجبتها اللعبة
والتجربة الغريبة.
خذ أيضًا ثورة المسلسلات لدرجة أن بعض المحطات
تحدثت عن مسلسل كل ساعة، كيف ومتي وبأي منطق يمكن أن يجد أي متفرج متفرغ
أو
غير متفرغ الوقت أو التركيز لمشاهدة هذا الطوفان الدرامي؟ هناك أعمال ستظلم
بالتأكيد في المشاهدة أو في التقييم، ولن تكون هناك فرصة للدراسة إلا لعدد محدود
من المسلسلات في الوقت الذي تخلو فيه معظم أوقات العام من الدراما الجيدة،
وستبقي
الفرصة فقط لكتابة ملاحظات سريعة مثلما سجلت هذه النقاط في آجندة صغيرة
أثناء
الفواصل القصيرة لالتقاط الأنفاس.
ممثلة بارعة
لفتت
نظري حلقات
“هدوء نسبي” التي كتبها “خالد خليفة” وأخرجها التونسي “شوقي
الماجري”
الموضوع مختلف عن معاناة المراسلين الصحفيين في العراق في أواخر عصر
صدام وفي بدايات الغزو الأمريكي، وهناك توليفة من الممثلين من عدة دول عربية حيث
تشارك من مصر “نيللي كريم”
و”أميرة فتحي”
ومعهما المذيع “كريم كوجك”،
وهناك مدير تصوير أجنبي قدم صورة مختلفة
أقرب إلي الصورة السينمائية من حيث
الإضافة إلي الدراما وخلق الجو العام،
ربما كانت المشكلة الواضحة في طريقة
استخدام الموسيقي بصورة عشوائية مما أحدث
ضجيجًا أحيانًا في شريط الصوت، كما هبط
إيقاع بعض المشاهد دون ضرورة،
ولكن المفرح حقًا هو أداء
“نيللي كريم” التي
تثبت في كل اختبار أنها ممثلة بارعة، وليست مجرد وجه جميل أو راقصة باليه محترفة
ومتمكنة.
آداء فاتر
ملاحظة واضحة في حلقات “ابن
الأرندلي”، فقد أرادت المخرجة “رشا شربتجي”
أن تتخلص من مبالغات الأداء
المسرحي التي مازالت تحاصر أداء الممثلين في الدراما المصرية، فاختارت أن
يكون
الأداء طبيعياً
وبسيطًا وبدون انفعالات جادة، ولكن المشكلة أنه جاء في الحلقات
الأولي أهدأ مما يجب، وأقرب في مشاهد كثيرة إلي الفتور وفي بعض المشاهد كنت أجد
صعوبة في سماع صوت “يحيي الفخراني”
أو
“يوسف داود” رغم نبراته الجهيرة،
كما بدا الأداء الهادي
غير مناسب لمواقف محددة، هل يمكن أن يستقبل زوج مصري
خبر القبض علي زوجته مثلا بهدوء؟ وكيف حافظ “عبد البديع الأرندلي”
علي هذا
الهدوء وهو يساوم صاحب المدرسة لإطلاق سراح زوجته؟!
إذاعة “تيك
أواي”
إذاعة الشرق الأوسط هي محطتي الإذاعية المفضلة لأسباب
عاطفية حيث كانت جزءًا من بهجة رمضان في الطفولة، هذا العام أصبحت المحطة
أسيرة
الإعلانات والرعاة الذين يقتحمون المسلسلات
والبرامج.
عمومًا كانت الدراما مليئة
بالنجوم الشباب مثل “هنيدي”
و”غادة
عادل” في حلقات “شريف ربّي لنا
الخفيف”، و”أحمد حلمي”
و”حنان ترك” في “اطلبني من بابا”
و”يسرا”
و”حسن حسني”
في “عيلة كويسة” غنية مفلسة، و”أحمد السقا” في حلقات “من
قتل تامر وزة؟”
ولكنها أعمال “تيك أواي”
تفتقد تمامًا رشاقة الدراما التي كان
يقدمها الراحلان
“محمد علوان” و”سمير عبد العظيم”.
الأفضل في المحطة الشهيرة
هي بعض البرامج مثل “معانا علي الإفطار”
من تقديم “عمرو عبد الحميد”،
وحلقات
“آلو ياجو” من تقديم “يوسف معاطي” الذي نجح بمصاحبة الموسيقي
والمؤثرات الصوتية في تقديم مشاهد مصرية
ظريفة، وبعيدًا عن الشرق الأوسط فقد
اعجبتني حلقات برنامج “عازم والاّ معزوم”
علي البرنامج العام، والفترة
المفتوحة التي قدمها أحمد شوبير علي الشباب والرياضة.
”إسماعيل”
و”ليلي”
تقديم شخصيات معروفة
وشهيرة مثل
“إسماعيل ياسين”
والرائعة “ليلي مراد”
عمل محفوف بالمخاطر،
وللأسف فقد وقع “أشرف
عبدالباقي” - وهو مشخصاتي مجتهد للغاية -
في فخ تقليد
المظهر الخارجي لشخصية
“إسماعيل ياسين”، بل إن نبرة صوته الغليظة لم تكن
إلاّ في سنوات “إسماعيل الأخيرة”، والمشكلة نفسها ستجدها مع صفاء سلطان في “أنا
قلبي دليلي”
حيث العناية بالمكياج والملابس وتسريحة الشعر مع
غياب سحر
وحضور الرائعة الراحلة،
وبالمناسبة فإنني ممن لم يعجبهم أداء
“سلاف فواخرجي”
لشخصية “أسمهان” هناك اجتهاد، وليس هناك إبداع وإمساك بروح ومفتاح
الشخصية.
روز اليوسف المصرية في
08/09/2009 |