حين تفتح حواراً مع الكاتب والمخرج السوري سمير ذكرى تشعر بأنك أمام رجل
ممتلئ بالأفكار والأحلام.. وتكون سعيداً لأن هناك من يحاورك بجرأة واندفاع.
ولد سمير ذكرى في بيروت وعاش في حلب، أنهى دراسته السينمائية في موسكو،
وأنجز خلال الدراسة العديد من الأفلام الروائية القصيرة، قبل أن يقدم
العديد من الأفلام الوثائقية عن حرب تشرين - أكتوبر 1973 مثل (لن ننسى،
والشهود..).
في العام 1981 قدم فيلمه الروائي الطويل الأول (حادثة النصف متر) الذي فاز
بالجائزة البرونزية في (مهرجان فالنسيا). قدم بعدها العديد من الأفلام منها
(أحلام المدينة، ووقائع العام المقبل) الذي حاز الجائزة الثانية في (مهرجان
عنّابة) وجائزة المنظمة الكاثوليكية للسينما والتلفزيون (OEIE).. كما شارك في مهرجانات دولية وحصل على
العديد من الجوائز.
للحديث عن تجربته في السينما والوقوف عند شؤون وشجون السينما
السورية..الراية التقت الكاتب والمخرج السينمائي سمير ذكرى وكان الحوار
التالي:
·
هناك من يقول: لا توجد سينما
سورية بل أفلام سورية تُنتج من أجل مهرجان دمشق السينمائي، وهناك آخرون
أكثر تفاؤلاً.. أين تجد نفسك بين الفريقين؟.
- أولاً نحن عملنا منذ سنوات طويلة في السينما، أنا ومجموعة من السينمائيين
السوريين وقدمنا الكثير من الأفلام.. لكن السؤال هو أين تبخرت هذه
الأفلام؟!.
أما أننا نعمل من أجل مهرجان دمشق السينمائي فهذا أيضاً كلام خاطئ.. نحن
نعمل من أجل مهرجانات العالم كافة وليس مهرجان دمشق فقط. وهنا نتحدث عن
مشاكل السينما السورية وأولها مشكلة الصالات السينمائية القليلة جداً في
سوريا.. ومشكلة غياب جمهور السينما الذي نسي عادة الذهاب إلى السينما منذ
ثمانينيات القرن الماضي، انحسرت الحياة الاجتماعية عامة ومنها حضور
السينما.
إضافة إلى ذلك هناك المشاكل المادية التي يعاني منها الناس خاصة أن جمهور
السينما والمسرح والثقافة هو من الطلاب، وهؤلاء غالباً ما يعانون من
إمكانات مادية بائسة وكذلك حال المثقفين.
·
بعد كل ما ذكرته من مشاكل تعاني
منها السينما السورية.. على ماذا تعول هذه السينما من أجل بقائها في رأيك؟
- من المؤسف أن يكون لدينا إدارات تمتلك كل الصفات التي لا يمتلكها إداري
أمريكي مثلاً في المجال السينمائي.. فالإداري الأمريكي يصرف مبلغاً كبيراً
على الإعلان والدعاية للفيلم قبل عرضه بفترة لجذب الناس، ويختار كل حدث
كزواج الممثل من الممثلة أو طلاقه منها أو الجوائز كي يحدث ضجة إعلامية
وإعلانية للفيلم.. أما عندنا فقد يحصل الفيلم على جوائز وقد يحب البطل
البطلة.. وتبقى إدارة المؤسسة العامة للسينما ساكنة لا تحرك شيئاً، ثم تأتي
لتعرض الفيلم بعد فوات الأوان.. هذه واحدة من ميزات الاقتصاد السوري عموماً
يتولى الإدارة أشخاص لا يجيدون استغلال الفرص وغير مبالين.
·
كيف يمكن حماية السينما السورية
من التلاشي في ظل هذا الواقع الراهن؟
- المؤسسة العامة للسينما تعاقبت عليها عدة إدارات، وكلها كانت غير
مبالية.. وهنا أريد أن أطرح سؤالاً أجده مشروعاً على الدولة هو: لماذا
تعيّن أشخاصاً غير سينمائيين في مؤسسة سينمائية بحيث لا يكون للسينمائيين
قرار في هذه المؤسسة؟. مجلس إدارة المؤسسة يتكون من أشخاص غير سينمائيين،
هناك ممثل عن العمال مثلاً وليس عن السينمائيين!.
·
تم إنتاج فيلم (علاقات عامة) في
العام 2005.. لماذا يتم عرضه في صالات المدن السورية الآن، أي بعد مرور
أربعة أعوام على إنتاجه؟
- عُرض الفيلم في العديد من المحافظات السورية وعُرض في صالة سينما
(الكندي) بدمشق لفترة جيدة، وسيعرض أيضاً في بعض النوادي الخاصة.. كما أنه
يُعرض في خارج سوريا بشكل ممتاز، وسيشارك في عدة مهرجانات مما يعني أننا
نعرّف بثقافتنا بهذه الوسيلة.. نحن نتصرف حسب إمكانياتنا خاصة أن لدينا
صالات سينما (الكندي) في دمشق وحمص واللاذقية.. التابعة للدولة والمجهزة
بوسائل عرض حديثة وبكراسي مريحة وهي غير مكلفة بالنسبة للمشاهد.
·
قيل عن فيلم (علاقات عامة) إن
الحقيقة ليست على النحو الذي عرضها.. وعلى الرغم من أن الفيلم يحمل الكثير
من الحقيقة لكن عرضك لها بطريقة مبالغ فيها أفقدها هذه الصفة.. أليس كذلك؟
- الفن ليس هو الحقيقة.. وأصلاً من هو الذي يمتلك معرفة الحقيقة؟.. مرة
التقيت بالسيدة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية وسألتها عن انطباع الرئيس
الراحل حافظ الأسد حول أفلامنا السورية... فقالت إنه كان يضحك.. سألتها ألم
يكن ينزعج من الأفلام الناقدة.. فقالت ما يعرفه الرئيس أكثر بكثير مما
تعرفونه وتطرحونه في أفلامكم، فهو الرئيس ويعرف كل شيء يجري وتصله تقارير
لا تصل إليكم.
أعود لأتحدث عن العمل السينمائي.. أنا حين استخدم الترميز والمبالغة قليلاً
أحرك في المشاهد مستوى ما يعرفه، فمن يعرف الكثير يقول إن الفيلم قد وضع
يده على القضية، ومن يعرف أقل يقول إن الفيلم قد وضع يده على شيء أكبر من
مستوى معرفتي، وهذا هو العمل الصعب أي أن أعطي الفيلم قراءات متعددة حسب
مستوى فهم المشاهد، أنا أفضّل ترك مساحة واسعة للتفكير والترميز والتلميح
في الفيلم الذي أصنعه بحيث أحرك تفكير المشاهد.
·
قال البعض إن هذا الفيلم مسَّ
بعاداتنا وبيئتنا وإرثنا.. ما رأيك بذلك؟
- أقول بأنني رسخت إرثنا الحضاري عبر أجمل تصوير لآثار سوريا كما لم يصور
سابقاً.. هذا هو إرثنا.. أنا أردتُ أن أقول من خلال هذا الفيلم وعبر أبطاله
الانتهازيين الوصوليين الفاسدين، أتريدون أن تنشروا الفساد على هذا المسرح
الحضاري العريق؟!..
·
نحن معتادون على نمط السيرة
العربية المتماسكة، وقد خرجتَ في (علاقات عامة) كثيراً عن ذلك النمط من
خلال الأم التي تزوجت من شخص وأحبت آخر، والبطلة ذات الزوج العرفي
الوصولي.. ألم تشطح كثيراً في خيالك؟
- صحيح أننا معتادون على نمط معين، لكن من قال إن هذا النمط مستمر أو يجب
أن يبقى؟ ومن قال إن الأسرة العربية ظلت كما كانت؟.. أنا أعتقد أن الأوان
قد حان كي نفتح عيوننا على ما نحن عليه وليس على ما نتصور أننا عليه. هناك
تفكك في الأسرة العربية وفي القيم الناظمة لهذه الأسرة وفي تفكير الفرد..
حتى القيم الأخلاقية ليست ثابتة، فالتغيير يطرأ على كل شيء وهناك معايير
جديدة تظهر.. أنا ضد النفاق وأردت في هذا الفيلم أن أدعو لرؤية أنفسنا كما
هي. وبالنسبة للأم فقد وجدت نفسها في علاقة زوجية لا تريدها فثارت على ذلك
وهي امرأة جريئة.
الراية القطرية في
27/08/2009 |