البنت الرقيقة الرومانسية.. والريفية البسيطة وابنة الذوات.. واللصة الهجامة.. والصعيدية.. والفلاحة والخواجاية.. وبنت البلد التي ترتدي الملاية اللف.. والزوجة.. والأرملة.. والأم.. والإنسانة غير السوية.. والكوميديانة.. أيضا خفيفة الظل التي تدخل قلوبنا من أول مشهد.. ومن أول طلة لها علي الشاشة الكبيرة السينمائية.. أو شاشة التليفزيون أو خشبة المسرح.. في كل الأدوار أحببناها وهي رشيقة.. وهي سمينة.. وهي ضاحكة.. وهي حزينة.. وهي غاضبة.. وهي هادئة.. والأهم من ذلك أن النجمة ليلي علوي ليست شخصية استفزازية.. تعرف كيف تختار عباراتها.. وتحرص علي شعور الآخرين .. وإذا اختلفت معهم لاتخسرهم.. وإذا فازت بجائزة فهي لاتتعالي علي الفنانات الأخريات.. بل تقول إن هناك غيرها لهن حق في تلك الجوائز.

كنت ألتقي بها في منزلها بمصر الجديدة من حين لآخر لأكتب مذكراتها.. إنسانة ملتزمة جدا لاتتركك تنتظرها في الصالون وتجيء الشغالة لتقول الهانم تشرب إيه؟ لكنها كانت تنتظرني في موعدها بل هي التي تفتح لي الباب.. ومنذ أن تلتقي بها وترتاح إليك تحس بالألفة والصداقة وتنكسر الحواجز.. وتحس بهذا الالتزام أيضا حين تدخل المنزل.. عمود كبير يحمل الفساتين التي أعدتها للدور الذي تؤديه.. كما تحس أيضا أنها تقدس الحياة العائلية.. مجموعة كبيرة من الصور العائلية .. هذه صورة الأب والأم يوم زواجهما .. وصورة الأخت وزوجها.. وصورة جميلة للأم التي تحبها وتعتز بها والتي لعبت أكبر دور في حياتها.. لفت نظري أيضا صورتها وهي تحمل طفلا جميلا هو ابنها »خالد« بالتبني.. والمعروف أن ليلي تتكفل بمصاريف مجموعة من الأيتام في الملاجيء.. تزورهم بين فترة وأخري وينادونها »ماما«.

وليلي علوي ليست متعصبة لجيلها.. بل تحترم الأجيال التي سبقتها وتعترف بأنها تعلمت واستفادت من قدامي المخرجين والممثلين والممثلات.. وبود صادق تتحدث عن ممثلات الأجيال اللاحقة.. لكل هذه الأسباب ظلت ليلي علوي محبوبة.. ومطلوبة.. ومرغوبة.. بعد أن أكدت بعشرات الأدلة أن جمالها لم يكن جواز مرورها إلي عالم الفن والأضواء.. فماذا يفعل الجمال الباهر بدون موهبة واجتهاد ومثابرة؟

أطلق عليها »الجميلة« لكنها لاتحب هذا اللقب: قالت لي : »ما أكثر الجمال.. ليس هناك أجمل من اللبنانيات والتركيات من ناحية الشكل.. وأنا من كثرة ماقيل عني.. العروسة الحلوة.. البنت الأمورة، كنت أريد أن أثبت لهم أنني لا أعمل لمجرد كوني حلوة أو أمورة.. أنا أشتغل لأني ممثلة.. ولست من النوع »الحنتوفة« فأهتم بالشعر اللي ييجي شعرة يمين وشعرة شمال.. والحلق »المدلدل« ليست هذه طبيعتي.. وحياتي أعمق من ذلك بكثير.

قالت لي:

كان أول درس تلقيته من محمود مرسي وعمري 11 عاما.. كنت أؤدي دورا في مسلسل تليفزيوني اسمه »دمعة ألم«.. فلا أنا طفلة ولا مراهقة وكانت مدام سميحة أيوب ومدام زيزي البدراوي.. وأحسست أن الموضوع ليس موضوع أطفال.. وأنني دخلت فجأة منطقة ثانية.. وحينما وقفت أمام الكاميرا ضاع صوتي.. وكان أول مشهد بالصدفة مع الأستاذ محمود مرسي.. وعندما أضاءت الكاميرا باللون الأحمر معلنة بداية التسجيل قلت الجملة التي أديتها بشكل تمثيلي فصاح محمود مرسي (ستوب) وأخذني من يدي.. ليه بتعملي كده؟ قلت عشان بامثل.. قال لي لا لازم تكوني طبيعية.. فالتمثيل مش إنك تمثلي.. كلميني كأنك تتحدثين إلي والدك..

»أما أول مشهد لي مع الأستاذ الكبير المرحوم يوسف وهبي.. كان مشهدا واحدا فقط. أذكر أن جاءتني ناهد فريد شوقي إلي المدرسة لتصحبني إلي مكان التصوير في فيللا يوسف وهبي بالهرم.. وبالرغم من صغر سني فقد كان جسدي فارعا.. لكن وجهي صغير.. أخذني يوسف وهبي لكي يزيل الرهبة والخوف وأخذ يتحدث إلي »إنتي في مدرسة إيه يا شاطرة«؟ كما تحدث معي بالفرنسية.. وسألني أي الأفلام تحبين؟ قلت له »إنني أحبك في « إشاعة حب.. فقال لعاطف سالم »إحنا جاهزين«.

ومعروف عن ليلي التواضع الذي صار نادرا هذه الأيام في الوسط الفني.. ولاتستطيع تقييم نفسها كفنانة »لكني عملت أفلاما أرضي عنها.. وحتي الآن لم أقدم عملا هاما مثل أفلام فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وشادية وماجدة من نوعية أفلام »ثرثرة فوق النيل« و»شئ من الخوف« و»بئر الحرمان« وليلي عمرها الفني أكثر من 25  عاما لكن كان أول فيلم يعرفها بالجمهور هو فيلم »خرج ولم يعد« في هذا الفيلم يتالق يحيي الفخراني بين نجوم القمة بموهبته وتلقائيته فقد خرج علي أوصاف فتي الشاشة المتعارف عليه. أما ليلي علوي فقد تخلت عن الماكياج وعن الجمال.. لترتدي الجلابية فوق السروال الفلاحي وتجمع شعرها في منديل.. وتغسل الحمار.. وتمسح يدها في جلبابها لتثبت أنها ممثلة وليست مجرد وجه جميل.. ورغم أنها مثلت قبل ذلك حوالي 15 فيلما إلا أنها تعتبر هذا الفيلم بدايتها الحقيقية.. تقول: »لقد أحسست أن السينما أكبر بكثير من أن تقف أمام الكاميرا وتتصور ويقولون حلوة أو برافو عليكي«.

وإذا كان فيلم »خرج ولم يعد« لمحمد خان هو البداية الحقيقية لليلي كممثلة محترفة ـ فإن فيلم »المغتصبون« لسعيد مرزوق هو مرحلة النجومية والتألق ونجمة الشباك. والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت الرأي العام والتي عرفت وقتها »باغتصاب فتاة المعادي« التي اختطفوها من خطيبها واغتصبها ستة رجال.

تقول: إن شخصية الفتاة شخصية من الصعب جدا أداؤها.. لكني استطعت أن أعيش بكل كياني في هذا الدور.. كنت متعبة نفسيا كما لو كان بداخلي ثأر قديم أريد أن آخذه ولإحساسي بقضية مهمة جدا يجب أن نفجرها.. فكان للحادثة تأثير ورد فعل جماهيري ضخم.. وكان للفيلم تأثير ضخم علي قانون الاغتصاب الذي وصل للإعدام.. وأعتقد أن الفيلم أقوي من الواقع رغم أنه لم تكن به لقطة واحدة تخدش الحياء.

لقد صور الفيلم منذ 20 عاما والآن كل يوم نسمع الكثير عن جرائم الاغتصاب.. والتحرش في الشوارع والتي تنشر في الصحف كل يوم.. بل إن هؤلاء الأوباش يدخلون المنازل ويخطفون النساء ويغتصبونهن في وضح النهار.

ولازالوا يعيشون ويعيثون في الأرض فسادا.

آخر ساعة المصرية في

19/08/2009