الكاميرا
حين تقرر أن تصور فيلما فإنها تنفذ داخل الواقع، لتظهره وتعريه في أدق
تفاصيله التي
لا تلحظها العين بسهولة، فالصور كانت لاستحضار ما هو غائب،
لكنها بالتدريج استطاعت
الصورة أن تعمر بعد زوال ما تصوره فهي ليست سوى خلق الواقع في الواقع حسب
رأي
بازوليني. تأسيس لذاكرة الواقع في كل الأزمنة الماضية والحاضرة
والمستقبلية، إنها
تحاول أن تكتب تاريخا عبر الصورة. ومن هذا المنطلق على ما
أعتقد كان تعاطي الشباب
في الآونة الأخيرة الاقتراب من القيام بإنتاج الأفلام بإمكاناتهم الخاصة،
مثل حسني
الرفاعي، محمد جناحي، عمار الكوهجي، محمود الشيخ، أسامة ماجد، عائشة
المقلة، وهناك
من حصل على دعم من مؤسسات تحاول تأسيس هذا الجانب من الفنون
''الأفلام القصيرة''
مثل شركة البحرين للسينما أو مؤسسة عمران للإنتاج، والأفلام التي كانت ضمن
الدعم
فيلم ''مريمي'' من خلال مؤسسة عمران وفيلم ''البشارة و''زهور تحترق'' من
خلال شركة
البحرين للسينما، لما لهذا الجانب الفني من أهمية ودور لإبراز
وجه البحرين الثقافي
والحضاري، على المستوى الخليجي والعربي والإنساني العالمي، فإنتاج الأفلام
القصيرة
قد تكون بادرة لإنتاج الأفلام الطويلة وطريق للخبرة والممارسة والاقتراب
للتعرف على
التقنيات وغيرها وهي طريق ووسيلة للتعبير عن الذات والحوار مع العالم
الفسيح
والتواصل والاحتكام، وخلق نوع من الحوار بين الذات والذوات
الأخرى، من خلال
المشاهدة والكتابة.
وقد شاركت البحرين وللمرة الثانية في مسابقة الخليج
السينمائي عبر مجموعة أفلام تطرح موضوعات مختلفة ولها رؤى متعددة، وأجمل ما
في
البحرين أنها لا تملك شيئا تخجل منه لذا هي لا تضع المعوقات الرقابية أمام
الشباب،
ولا تفرض عليهم إنتاج نوع معين من الأفلام، المملكة مفتوحة
أمام الشباب وهم يختارون
الموضوعات التي يتطرقون إليها حسب قناعاتهم ورؤاهم لأنها تدرك إدراكا كاملا
حب
الشباب لبلدهم ''مملكتهم''، وإلا ما أنتجوا أفلاما لإظهار اسم المملكة مع
الدول
الأخرى في المحافل الدولية، فالدافع إذا هو الحب أولا، والعمل في نور الشمس
الساطعة، فالتعبير مكفول لكل واحد، والفن إحدى أساسيات التعبير
والإصغاء إلى النفس
والوجدان، والتفكير الإنساني الإيجابي، فإذاً لامس الفنان بعض السلبيات عبر
ما يرى،
فالمنطلق هو الحب لأن الفن دائما ما يسعى إلى الكمال أو البحث عنه عبر
النقد،
والكمال لا يدرك لكن السعي إليه هو إحدى أحلام الإنسانية
الأساسية، ولأن الفيلم لا
يخرج إلى النور إلا بشق الأنفس والخوف كل الخوف أن يصاب الشباب بخيبة الأمل
من خلال
عدم دعم تلك التجارب عن طريق المؤسسات التي تمتلك المال والمعدات التقنية
والحب لأن
يكون لهذه المملكة ذاكرة صورية فلمية باعتبارها إحدى الضرورات
العصرية لهذا الزمن،
فالشباب بجهودهم الشخصية وحبهم وتطوعهم لعمل الأفلام ليست كافية، خصوصا أن
المال
والشروط الأخرى كتوافر المعدات والأماكن مهمة لإنجاح مشروعاتهم، وأذكر أن
مسرح
الصواري حينما امتلك كاميرا تصوير استطاع أن يقيم مهرجانا
للأفلام، وكانت بادرة
سباقة والتفاتة مهمة في ذلك الزمن، وأرى أن الشباب الفنانين بدأوا يزدادون
تألقا
وأخذت الأفلام سمات أكثر جدية ووعيا، وهذا يحتم على الثقافة ومؤسسات مثل
شركة
البحرين للسينما وشركة عمران لما يمتلكون من سيولة ألا يدعوا
هذه الفرصة الذهبية
تضيع وتذهب أدراج الرياح، فمسؤوليتهم وحبهم للمملكة يحتم على ما أعتقد
الوقوف بجانب
تجارب الشباب الفلمية لرفع مستوى الجودة، ودعم الشباب الموهوب لإنتاج
أفلامهم، فهي
في نهاية الأمر تكون في رصيد المملكة أمام المحافل الدولية
للوقوف احتراما وتقديرا
ومعرفة بالبحرين الغالية، على قلوب المسؤولين والتجارب والمؤسسات فحينما
يكون للبلد
سينما راقية وهادفة وحرة تظهر وجه المملكة الحضاري ومواكبة حركة التطور
الإنساني،
لأن الفن يجمع البشرية في بوتقة الإنسانية الواحدة، ويظهر قيمة
الإنسان التي قد
تكون مغيبة في الشؤون الأخرى. قولي هذا نابع من قربي وتحسسي لتجارب الشباب
ومعاناتهم لإنتاج الفيلم، فكم عانى حسين الرفاعي مضطرا لتأجيل التصوير وكم
عانى من
تحول أمكنة التصوير لظروف خارجة عن سيطرته، كم كان ياسر القرمزي فنانا
إنسانا
بارتفاعه على ألمه لموت جدته التي أعرف مدى ارتباطه بها، فقد
واصل التصوير رغم موت
جدته كي لا يضيف مبالغ أخرى لإتمام الإنتاج في فيلم ''القفص'' وكم عانى
الفنان عمار
الكوهجي من ضيق الوقت لإنتاج فيلمه في حد أقصى ثلاثة أيام لتسليم الكاميرا،
التي
يتم استأجارها لمدة محدودة للتقليل من نفقات الفيلم، وقضايا
أخرى قد يقول القارئ
وما دخلي فيها، وقد يكون معه الحق، لكن في الوقت نفسه وحفظا للتاريخ أن
نعرف الظروف
التي يمر بها العمل الفني حتى يصل إلى صالات العرض، فمهما كانت الكلفة إلا
أنها
تحتاج لخبرة إدارتها بشكل لا تكلف الفنان ما لا يطاق، وقد حكى
لي الفنان محمد
إبراهيم الذي أنتجت له سينما البحرين فيلم ''زهور تحترق'' اضطر أن يدفع
مئتي دينار
أخرى من جيبه الخاص، وهو طالب فأعتقد أن مئتي دينار تشكل عبئا على طالب
فإذا
تنازلنا نحن الممثلين والاستاذ الكبير حسن كمال عن حقوقنا
المادية لاحتفائنا بموهبة
شابة مقبلة هذا بالنسبة لنا يشكل فخرا واعتزازا قد لا يمكنه أن يواصل إذا
وضعت
أمامه أعباء مالية ترهقه، أما بالنسبة لفيلم غبار فقد كان عملا تطوعيا من
جميع طاقم
العمل بما فيها الكاميرا والمونتاج حيث قام بهما مشكورا عبدالله رشدان الذي
لولاه
لما تحقق مشروع غبار.
والمهم جدا لدخول عالم الفيلم دراسة لغته أو لغة السينما
فما هي لغة السينما؟ إنها لغة الصور المتلاحقة ومن هذه الصور ينبثق ويتفجر
الفيلم
في ارتباطه بالواقع، فالسينما أساسا هي قدرة الكاميرا في نقل الواقع أو
الخيال
والإيهام به لتقرب لنا الحياة وتقذفنا في أعماقها، ما استحقت
الحياة أن نعيشها إذا
لم نتأملها جديا على رأي سقراط، والفيلم إحدى وسائل المهمة لتأمل الحياة،
لذا فإن
دراسة السينما وفهمها يتوقف على دراسة وفهم ''الكادر''.
«اللقطة»
في الأساس
الأول
واللقطة وإن كانت عالما قائما بذاته لكنها ليست بمعزل عن وسائل التعبير
الأخرى في الفيلم، إنها الصورة التي نراها أمامنا ونحسها في
أعماقنا، فهناك ارتباط
عميق بين المرئي واللامرئي، في السينما هناك ارتباط جدلي بين السينما
والإنسان،
بحيث السينما ترويه حياته ومستقبله وإحباطاته، وفي السينما وفي خصوصيتها
أكثر
من
حاسة تشترك في الرؤية، إنها تحل محل أبصارنا عن طريق عالم يطابق رغبــاتنا
وتــذهب
بنـا بعيـدا في لاوعي الإنسان وتعكسه في عمق المساحة المنبثقة ضمن الكادر.
ومع
انتقالات الكاميرا ننتقل وجوديا داخل الكادر، إننا ننسى وجودنا الآني،
ونكون وجودا
داخل الكادر، فرؤية الفيلم تجربة شعورية نفسية نمر بها من خلال
الشاشة وكلما توغلنا
نكتشف شاعرية عالم الكادر، والذي يؤثر فينا ليس الموضوع فكثير من الأفلام
ذات
الموضوعات الجيدة لم تستطع أن تجعل من المتفرج مشاركا ومنفعلا، لأن الذي
يؤجج
التوتر والشعور الدرامي هو التأثير المباشر على الشعور والبصر
والسمع بفعل تكوين
الكوادر وحبكتها والصوت المرافق لها كما يقول ''الآن رينيه'' فحدود الكادر
تتشكل
بواسطة أبعاد وعمق الرؤية لكن الكاميرا تتفوق على العين البشرية لأنها ترى
أشياء
وأحداثا قد لا تراها العين التي تبتعد غالبا عن التفاصيل والجزئيات
الصغيرة، فعند
النظر إلى منظر ما نرى أبعادا عدة إضافة إلى بعد الموسيقى وبعد
الإضاءة، وتلك
الأبعاد مجتمعة تشكل دراما اللقطة، أو دراما الكادر، ودراما اللقطة هي
التكوين
التشكيلي والحركة الذي يخلق إحساسا جماليا ونفسيا لدى المشاهد، ''السدادة''.
فلم
عائشة المقلة وهو من الأفلام القصيرة جدا، ويبدو أنه معمول ليكون ضمن أفلام
حقوق
الإنسان، ولا تحاول المخرجة الذهاب بالفكرة إلى حدود عميقة
إنما تكتفي أن تقرن حقوق
الإنسان والديمقراطية في حالة أحادية كما سطرها الإعلام وهي أن الديمقراطية
هي حرية
التعبير، فمن خلال شخصين في مقدمة الشاشة في زجاجين أحدهما مسدودة بسدادة
وهذه
السدادة تمنع وصول صوته والتعبير عن نفسه بشكل واضح أما
الزجاجة الأخرى فهي بلا
سدادة مما يمكن للإنسان بداخلها من التعبير عن نفسه في إطار الديمقراطية
والحرية،
والفيلم يكتفي بهذه المقولة من دون الدخول في الاسئلة الديمقراطية الشائكة
وفي هذه
الحدود هو فيلم جميل.
؟ حسين الرفاعي الذي قدم فلمه الثاني ''القفص'' بعد فيلمه
الأول ''العشاء'' وكلا الفيلمين من سيناريو أمين صالح، وكلا الفيلمين
يتناولان
قضايا أسرية تكون بطلته فتاة تمر في علاقات أسرية مطمئنة تمر في منعطف يجرف
حياتها
الهادئة لتقودها إلى المأساة ''العشاء'' وكأنه العشاء الأخير
للفتاة التي عادت إلى
منزل أهلها بعد أن وقعت ضحية شاب تخلى عنها بكل حقارة تاركا إياها مع
العار، وكان
اهتمام حسين منصب على تقديم الشخصيات من دون رتوش جمالية، إنما محاولة
لتوصيل
المأساة بشكل عار علها تكون أكثر صدمة للمشاهد، وكان السيناريو
أقرب إلى فيلم
تلفزيوني منه إلى فيلم سينمائي، لأنها كانت تجربة جميلة، ورغم ما شابها من
بعض
القصور استطاع الفنانين أحلام محمد، إبراهيم خلفان، هيفاء وحسن بالقيام
بأداء
أدوارها بشكل ملفت، وكان حسين يضع أول لمساته التي يحاول من
خلالها تحسس طريقه في
تجربة ''قفص'' يتقدم بخطى أكثر ثقة ورسوخا اتجاه التعبير عن ذاته من خلال
لمسات
أكثر إبداعا وجهدا واضحا وثقة في النفس تعامل أكثر إبداعا مع الموسيقى التي
يحققها
محمد حداد، ويبدو أن هناك حوارا بين المخرج الرفاعي والحداد
وحسين لا يهمه أن يقدم
للمتفرج أي نوع من التبرير، فنحن لا نعرف لماذا يقوم الأخ بهذا الدور ضد
أخته؟ هل
يحبها حبا يجعله لا يتخيل فراقها ولا يتركها تتزوج أم أنه يحبها حبا جنسيا
تملكيا
أم أنه يحميها لكن مماذا أم أنه يتصرف هذا التصرف الوحشي لأنه اتخذ موقفا
من
المجتمع فآثر الوحدة وآثر أن يكون حارس السجن ''القفص'' أم خوف
الوحدة والعزلة
تجعله ينطلق في هذا التصرف ويتمسك بالأخت بسجنها في قفص كأي طائر محروم من
حريته
ليضفي بتغريده السعادة على السجان. والفيلمان عشاء والقفص لحسين يشتركان في
موضوع
واحد وهو موضوع الأسرة التي تعيش حياة مطمئنة وسعيدة ما تلبث
أن تنقلب أوضاعها رأسا
على عقب من خلال تدخل خارجي في العشاء يكون السبب الشاب الذي تخلى عن
الفتاة بعد
ممارسة الخطيئة ونلمس تلك السعادة الأسرية في مشاهد عدة فلاش باك، وفيه
تنقلب حالة
الأسرة بعد حادث موت الأب والأم ونلمس سعادة الأسرة في مشاهد
عامر وهو يطير الطائرة
الورقية وفتاة مع أمها، وكلا الفيلمين ينحازان للمرأة ومعاناتها، وقد
استفاد حسين
الرفاعي من خلال المسرح ومشاهداته السينمائية وقراءاته وتواصله مع
التلفزيون في
الإنتاج ومساعد المخرج ويظهر موهبة سيكون لها شأن إذا واصلت.
؟ محمد راشد بوعلي
يتميز عن بقية الشباب بأنه الوحيد من بينهم الذي كان له تواصل مع السينما
عبر
الكتابة عن الأفلام وعن السينما من خلال صحيفة الوطن لوقت
قصير، ثم ما لبث أن انتقل
للتعبير عن ذاته عبر إخراج أفلام قصيرة عدة وأذكر أنه قال لي في حديث عابر
حين كان
يعمل على فلمه الأول ''بينهم'' بأنه تأثر بفلم المخرج ''كريستوفر نولان''
خصوصا
(memento)
له آراء في أفلام شباب الإمارات يصرح بها وينتقدها من منطلق أن تلك
الأفلام تسعى دائما لطرح موضوعات تراثية، إلا أن محمد بوعلي في الآونة
الأخيرة بدأ
يتجه إلى أفلام هي أقرب إلى التراث، رغم أنها تحاول الاقتراب
إلى موضوعات إنسانية
ذات صبغة فلسفية، مثل موضوع الوحدة، الغياب، الانتظار، الإنسان يغادر
ويندثر المكان
ويتغير الزمن ويغيب موت الأحبة ويعيش الإنسان وحيدا يعاني حرقة الفراق
والوحدة،
وتتغير ملالمح المدينة لتنتقل إلى مدن خرسانية عصرية بكل
ترسانتها الاصطناعية،
وتتباعد الأجيال الجد، الابن، الحفيد جيل التخاطب عبر الماسنجر في الواقع
الافتراضي، والتواصل الوهجي البارد، كما نرى في فيلمه الأخير ''البشارة''،
ومن
إيجابات الفيلم الأساسية هي النبش في ذاكرة الحركة الوطنية
وحركة الإنسان ومعاناته
في بناء الجسر وهذا ما يركز عليه السيناريو ويهدي الفيلم لمن قاموا ببناء
الجسر
القديم.
ومحمد بوعلي لديه رغبة حقيقية لتقديم شيء مختلف وجاد ومحاولة للبحث
وتجريب الذات أمام حالة التكوين السينمائي ومحاولة تجاوز الذات
ونقاط ضعف الأفلام
من تجربة إلى أخرى لتدريب المخيلة على التعامل مع البناء الفيلمي والوقوف
على
الواقع الفني في الفيلم وأعتقد أن استمرار محمد بوعلي سوف يجعله يتجاوز
نقاط ضعفه
في بناء الأفلام وتحريك الكاميرا واختيار زوايا التصوير.
الوقت البحرينية في
30/07/2009
الصورة
يمكن أن تبقى بعد
زوال (2)
عبدالله السعداوي:
الكاميرا
حين تقرر أن تصور فيلما فإنها تنفذ داخل الواقع، لتظهره وتعريه في أدق
تفاصيله التي
لا تلحظها العين بسهولة، فالصور كانت لاستحضار ما هو غائب،
لكنها بالتدريج استطاعت
الصورة أن تعمر بعد زوال ما تصوره فهي ليست سوى خلق الواقع في الواقع حسب
رأي
بازوليني. تأسيس لذاكرة الواقع في كل الأزمنة الماضية والحاضرة
والمستقبلية، إنها
تحاول أن تكتب تاريخا عبر الصورة. ومن هذا المنطلق على ما
أعتقد كان تعاطي الشباب
في الآونة الأخيرة الاقتراب من القيام بإنتاج الأفلام بإمكاناتهم الخاصة،
مثل حسين
الرفاعي، محمد جناحي، عمار الكوهجي، محمود الشيخ، أسامة ماجد، عائشة
المقلة، وهناك
من حصل على دعم من مؤسسات تحاول تأسيس هذا الجانب من الفنون
''الأفلام القصيرة''
مثل شركة البحرين للسينما أو مؤسسة عمران للإنتاج، والأفلام التي كانت ضمن
الدعم
فيلم ''مريمي'' من خلال مؤسسة عمران وفيلم ''البشارة و''زهور تحترق'' من
خلال شركة
البحرين للسينما، لما لهذا الجانب الفني من أهمية ودور لإبراز
وجه البحرين الثقافي
والحضاري، على المستوى الخليجي والعربي والإنساني العالمي، فإنتاج الأفلام
القصيرة
قد تكون بادرة لإنتاج الأفلام الطويلة وطريق للخبرة والممارسة والاقتراب
للتعرف على
التقنيات وغيرها وهي طريق ووسيلة للتعبير عن الذات والحوار مع العالم
الفسيح
والتواصل والاحتكام، وخلق نوع من الحوار بين الذات والذوات
الأخرى، من خلال
المشاهدة والكتابة.
في هذه الحلقة نستكمل الجزء الثاني من كتابة المخرج عبدالله
السعداوي حول تلك الافلام.
عمار الكوهجي مخرج فيلم ''الأمس'' الذي مثل بطولته
فهد مندي في دور خليل الشاب المحب للكاميرا.
وبروين التي قامت بدور الأم بشكل
جيد، ومن خلال السيناريو الذي اشترك في كتابته فريد رمضان وبهذا يكون فريد
رمضان
شارك في كتابة سيناريو ''البشارة'' و''بالأمس'' مع حسام أبوصبع الذي يدخل
عالم
كتابة السيناريو ليضاف إلى الكتابة الصحافية وتأليف الكتب،
وهذا أول سيناريو لحسام،
حيث يركز السيناريو المشترك على قصة الشاب خليل وهي قصة حقيقية ضمنها فريد
رمضان في
قصته التابوت والكاميرا تدور بنا حول الحلم وضياع الحلم حلم خليل وموت خليل
وفي
مشهد أعتقد أنه من أجمل مشاهد الفيلم لحظة حركة الكاميرا ذهابا
وإيابا بين البطل
خليل وحبيبته ثم ما تلبث أن يتحول المشهد ذاته إلى مشهد بين خليل والصديق
عبدالله
سويد عند شاطئ البحر ومشهد طيران الحمامة من القبر وفي ندوة نادي السينما
أقر
المخرج ببعض الضعف الذي شاب التجربة واعتبرها تجربة أولى له في
الإخراج للأفلام
القصيرة وهذا الضعف وتلك الأخطاء لابد أنه سوف يسعى لتجاوزها في تجاربه
الأخرى رغم
أن تجربة عمار الكوهجي كانت مفاجأة سارة بالنسبة لي حقا إنها مفاجأة جميلة
خصوصا
أنها أول تجربة يقدمها عمار الكوهجي وبهذه الجدية أما مسألة
الأخطاء فأعتقد أنه
يمكن تجاوزها في المرات المقبلة.
مثل الأسرة، الطلاق، البطالة وغيرها من القضايا
عبر كوابيس تلاحق المواطن في حلمه ويقطته فيحاول الاقتراب من صناعة فيلم لا
يحتكم
للخطية في السير اتجاه المشاهد إنما يحاول إدخالنا في كوابيس عدة فلا نتبين
الفارق
بين الواقع والكابوس كي يشعرنا بأن الواقع عبارة عن كوابيس عدة
وهذه التجربة تعتبر
أحسن من تجاربه السابقة فمحمود يحاول أن يتعلم ويجرب ويتجاوز الأخطاء
السابقة سواء
في كتابة السيناريو أو الإخراج ويطرح سيناريوهاته للحوار مع المقربين منه
أمثال
محمد الصفار، إبراهيم خلفان للاستئناس بأرائهم وهذه البادرة
تحسب للفنان محمود
الشيخ الذي يحاول رفع قدراته الفنية الإبداعية وأن يتقدم بخطى أكثر وثوقا
وهذا
يحتاج إلى صبر وتواضع واطلاع ومشاهدة ولا أدري حقيقة لماذا لم يدخل الفلم
ضمن
مسابقة المهرجان رغم وجود أفلام أقل مستوى من فيلم محمود الشيخ
في
المهرجان.
محمد إبراهيم مخرج فيلم ''زهور تحترق'' في الماضي القريب كان محمد
إبراهيم مستعجلا من أمره وشديد التأثر إذا ما أبعد فيلم من
أفلامه من مسابقة ما،
وينقل عنه بعض المقربين أنه أراد عمل فيلم في خمس دقائق وهو في الطائرة.
إلا أن
محمد إبراهيم يثبت في هذه التجربة باستطاعته أن يتجاوز محمد إبراهيم السابق
لهذه
التجربة ففي هذه التجربة يتجه بشكل أكثر جدية إلى عمل فلمه
ويحاول بقدر الإمكان أن
يحبك السيناريو ويتناول قضية الفقر وهذه التجربة أكثر جدية وقيمة من تجاربه
السابقة
وأنضج على مستوى الإخراج وإدارة فريق العمل، صحيح أن هناك بعض النواقص التي
تشوب
التجربة لكن الذي تابع تجارب محمد إبراهيم السابقة يرى الفرق
كبيرا بين تلك التجارب
وهذه التجربة، إنه من خلال هذه التجربة نلمس تقدم المخرج محمد إبراهيم
والتي تبين
أنه مشروع مخرج حقيقي لمخرج شاب مقبل إذا عرف كيف يصغي وكيف يضع قدمه على
طريق
الإبداع السينمائي.
علي العلي أحد الشباب المهمين المتهمين بالسينما والأفلام
القصيرة وقد سبق له أن دخل في ورشة عمل في إحدى المسلسلات السورية وعمل مع
المخرج
السوري باسل الخطيب وله إلى جانب ذلك أفلام عدة وهو أكثر الشباب عملا في
الأفلام
بأشكالها المتنوعة وهذا راجع لطبيعة عمله في مؤسسة السيد عمران
الموسوي للإنتاج فهو
يعمل على أفلام تخص البيئة وأفلام تخص الصحة مثل مرض السكلر وغيرها ويحاول
أن يضفي
عليها لمسات جمالية من خلال صورة تكون ناعمة قدر الإمكان وأفلام دينية رغم
أن أحب
الأفلام إلى قلبه هي الأفلام الدرامية مثل شهوة الدم وفيلم
مريمي الذي شارك في
مهرجان الخليج وحصل على جائزة السيناريو وشهادة تقديرية للفنانة فاطمة
عبدالرحيم
وقد تم عرض فيلم مريمي في البداية بعرض تجريبي وقد أثار استياء مجموعة من
المشاهدين، أما في المونتاج الثاني وعرضه في مهرجان الخليج كان
أكثر تماسكا وأكثر
نعومة وجمالية والفيلم عند مشاهدته يجعلك تثق بأن وراء التجربة موهبة سيكون
لها شأن
في المستقبل فهو ذو حس سينمائي ينشد جمالية الصورة كما تدل مشاهده في
الفيلم مثل
مشهد فاطمة والفتاة الصغيرة ومشهد فاطمة وجمعان وحركة الكاميرا
على رجليهما ومشهد
جمعان والسمك المعلق وجمعان في البحر وغيرها من المشاهد. ويبدو أن علي
العلي قرر أن
يكون أحد الأرقام المهمة في سينما الأفلام القصيرة في البحرين أو الخليج
وعينه على
الفيلم الطويل وعلى المسلسلات التلفزيونية فطموحه يدفعه إلى
أبعد من الفيلم
القصير.
بعض القراء يهاجمون تصريحاته النارية ويعتبرون علي العلي مغرورا فلا
يعترف بانتقادات المشاهدين رغم أن علي العلي ينفي تلك
التصريحات ويعتبرها تقولات من
الصحافة في حقه والبعض الآخر يرى أن علي العلي مسكون بحالة الريادة حيث
يعتبر أن
مريمي هي الدافع وراء الأفلام القصيرة التي ينتجها الشباب، وأنها بوابة
الفيلم
السينمائي القصير، متجاوزاً الحقيقة والتاريخ الذي لا يغيب عن
أحد فإرهاصات الفيلم
القصير بدأت منذ فترة زمنية سابقة على فيلم ''مريمي'' في أفلام مجيد شمس،
عبدالله
حمد، خليفة شاهين، بسام الذوادي، فريد رمضان، علي شاهين، محمد جناحي، أمين
صالح في
التلفزيون مثل فيلم العربة، السعداوي وشباب مهرجان الصواري
للأفلام وغيرهم، ومهما
كانت مستوياتها إلا أنها تعتبر إرهاصات في البحرين لا يمكن إلغاؤها أو
طمسها ولا
يجوز.
أسامة ماجد تأثر بوالدة الأديب والصحافي محمد ماجد في الصحافة وكتابه
القصص القصيرة، ومن ثم أراد أن يوسع من تأثير القصة فلم يجد
سوى الفيلم القصير أو
ربما يسعى في المستقبل القادم من الحياة إلى الفيلم الطويل، فالسينما أقدر
بكثير من
القصة القصيرة على استيعاب مفهوم ''الكرونوتوب'' وإضاءته وتطويره، ذلك لأن
تعامل
السينما على أبعاد الزمان والمكان تعاملا مباشرا حسب ما يرى النقاد.
قدم أسامة
فلماً قصيراً جداً عن قصة فتاة صغيرة وهي ابنة أسامة ماجد مصابة بإعاقة في
أحد
الأرجل تمنعها من تحقيق أمنيتها في اللعب مع أقرانها الأطفال.
وقد قامت الممثلة
الصغيرة بالدور بشكل مقنع ودلالة على أنها موهوبة.
جمال الغيلان هو أحد الشباب
المسرحيين المهمين في مسرح أوال له تجارب عدة تعتبر من ضمن الأعمال الجيدة
والتي
تحسب لمسرح أوال، لازال يواصل العمل المسرحي، ويصطف ضمن الجيل الجديد
للمسرح يرفع
لواء الدفاع عن جيله ضد اتهامات الجيل السابق له. فهو يرى جيله
جيلا جادا وهو
الوقود الرئيسي للمسرح رغم كل المعوقات. طرق في الآونة الأخيرة باب الفيلم
القصير
وأخرج أكثر من فيلم، وكان آخر أفلامه ''ياسين'' من إنتاج مسرح أوال. يقول
عن تجربته
إنها في بداية الطريق، وأنه يحاول من خلال إخراج الأفلام التعلم
والاستفادة، وأنه
ليس في عجلة من أمره.. إنما يعمل على نار هادئة، وأنه سوف
يستطيع أن يكون من ضمن
المنافسين بعد تجارب كثيرة، تصقل تجربته الفيلمية لتضعها على سلم النضوج.
وفيلمه ''ياسين'' أظهر من دون شك أنه يتدرج في سلم
ذلك النضوج فقد جاء الفيلم أكثر تماسكاً
وإقناعاً عن تجربته السابقة، رغم ما يشوبها الكثير من النواقص
على مستويات عدة (السيناريو،
حركة الكاميرا، المونتاج).
فيلم غبار كان عملاً مميزاً حسب قول
المشاهدين وأشاد النقاد به كثيراً، واعتبره البعض فيلماً جميلاً إلا أنها
تجربة
مشتتة، البعض الآخر تحفظ على الارتجال في الفيلم، وقد تم عرض الفيلم على
نوعيات
مختلفة من المشاهدين وأثار اهتمامهم وتساؤلاتهم، وكذلك أثار
جدلاً في مهرجان
الخليج، والفيلم كما عبر عنه الناقد السينمائي عبدالله حبيب - أنه شكلاني
المذهب،
بريختي المنزع، جوداري التوجه لكن بنكهة بحرينية. والشكلانية هي إحدى
التوجهات
النقدية ظهرت في روسيا، ويمثلها الروسي ''شكلوفسكي'' الذي
''أضافه الغرابة''
محاولاً بذلك التفريق ما بين الإدراك الجمالي والإدراك الأتوماتيكي.
أما بريخت
فهو مخرج ومؤلف مسرحي ألماني وأحد الذين اهتموا بالمتلقي في المسرح، عن
طريق طرح
فكرة التغريب والذي هو ضد الاندماج والتطهير الأوسطي.
التغريب هو المنهج الذي
تبناه بريخت وأدخله المحيط المسرحي بشكل فعال، بتأكيده على المضامين
السياسية
والاجتماعية والاقتصادية، والتغريب هو جعل الشيء المألوف
غريباً. الصورة المغربة هي
عبارة عن عرض شيء أو موقف مألوف لنا، في إطار من القول أو الفعل يظهر
غريباً وغير
متوقع وهذا يسبب صدمة المعرفة التي يحدثها الفن. إنه القوة التي تجبر
المتفرجين على
رؤية أو إدراك شيء مألوف، كما لو كان جديداً، ويرى لأول مرة. بمعنى أنه
عندما نتعود
على رؤية أو سماع شيء تعوداً تاماً. يصبح من السهل الاعتقاد بأن هذا الشيء
هو
دائماً هكذا. وبأنه سيبقى كذلك إلى الأبد، ولأننا نؤمن بحتمية
وجود ما نتعود عليه.
والهدف من التغريب هو جعل المتفرجين في حالة يقظة عقلية واعية، مستعدة
للجدل
والنقاش، وهذا الحرص راجع إلى مواجهة المتلقي بقضايا إنسانية جادة تطلب
التقييم،
والحكم والسعي إلى تغييرها. فالفن لإدراك الواقع لتغييره وليس
لتحليله.
أما جان
لوك جودار فهو أحد أهم من كون الموجة الجديدة في السينما الفرنسية مع
مجموعة أمثال
فرانسوا تروفو، أندريه بازان، كلود شابرول، ايرك رومير، جاك
ريفيت وفي ألمانيا ظهرت
الآثار لدى راينر فرنر فاسبندر، في إيطاليا بيير بازوليني بأشكال مختلفة
مما جعله
حلماً جماعياً لدى مجموعة من المشاغبين يطرحون أفكاراً جديدة وجدالات واسعة
لثقب
الجدار السينمائي في العالم. عكف جودار في بداية حياته على كتابة المقالات
النقدية
في السينما لمجلتي ''فنون'' و''دفاتر السينما'' باسم مستعار ''هانس لوكا''.
وقد دخل
في جدل مع أندرية بازان الذي كان يراهن على تقنية اللقطة الكبيرة ذات
التركيز
البؤري العميق التي ابتدعتها السينما الأميركية، والتي توازي
فلسفياً وجمالياً
الرؤية الإلهية النافذة والشاملة للكون والموجودات''. أما لدى جودار فيكون
مجال
المونتاج هو الزمان، بينما مجال التركيب المشهدي هو المكان.
وكان وراء ظهور
الموجة الجديدة دافع فلسفي وفكري، فقد ظهر المذهب الوجودي والشعور بالخوف
من
المستقبل، وعدم الثقة بالغد، كما ظهرت في مجال الأدب بعض
الاتجاهات الجديدة في
أسلوب كتابة الرواية، حيث الاهتمام بتحليل اللحظة أو الموقف من دون
الاهتمام بتقديم
حبكة درامية متكاملة، كذلك الاتجاه نحو إثارة الاسئلة والقضايا للقارئ،
وتركها بلا
إجابة، وعليه بتأملها وتقرير إجابته الشخصية عنها.
والوجودية: ظهرت من وجود وهي
أحد أهم التيارات المثالية الذاتية في الفلسفة البرجوازية المعاصرة وتتسم
بنزعتها
اللاعقلانية.. أما جذورها الفكرية فتضرب في مذهب كيركيجورد الديني الصوفي،
وفي
الفينومينولوجيا وفلسفة الحياة.
وقد ظهرت الأفكار الوجودية في روسيا بعد فشل
ثورة 1905 وبعد الحرب العالمية الأولى، نمت الوجودية في ألمانيا (ياسبرز،
هايدغر)
وبعد الحرب العالمية الثانية صارت اتجاهاً
فلسفياً رائجاً وانتابتها في الوقت ذاته
أزمة عنيفة، وراحت تمزقها التناقضات الداخلية، فتبلورت
الوجودية في تيارين يعنى
أولهما بالقضايا الدينية'' في حين يعلن ثانيهما قطيعته معها، الوجودية
الملحدة (هايدغر، سارتر) وقد مارست الوجودية تأثيراً
كبيراً على الأدب والسينما والمسرح في
البلدان الرأسمالية ويشكل الوجود أهم مفاهيم هذه الفلسفة وهو
يعني الوجود الداخلي
للإنسان ''اختر نفسك بنفسك''، فالإنسان وحده الذي يحوز الوجود''.
وفيلم غبار
تقاطع مع سينما جودار حيث تخفف من كل ما له علاقة بالحبكة الدرامية ذات
البنية
التقليدية والقص بالمعنى المألوف، وخلق مسافة بين الفيلم
والمشاهدين، مستعيراً منهج
التغريب البريختي الجوداري الشكلوفسكي، واستعار ما يطلق عليه اللقطة
واللقطة
المعاكسة ذلك المبدأ القواعدي الأساسي للسينما عند جودار، رغم أن هذه
اللقطة يمكن
رؤيتها في أفلام ''هورد هوكس'' لكن جودار يعرف بها السينما
تعريفا مربكاً ويتجاوز
بها هورد هوكس ليعكس مفهومه على التاريخ، إذ نرى ذلك في فيلمه ''موسيقانا''
حيث نرى
في لقطة جودار يمسك صورة فوتوغرافية شهيرة لوصول اليهود إلى فلسطين عبر
البحر في
1948
وبعدها يمسك بصورة أخرى نرى من خلالها خروج الفلسطينيين من فلسطين.
هاتان
الصورتان التقطتا في اللحظة نفسها من التاريخ، لكن لا تعني الصورتان الشيء
ذاته.
إن الصورة الثانية هي اللقطة العكسية. وفيلم غبار حين يستعير يُغيِّر من
اللقطة المعاكسة إلى المشهد والمشهد المعاكس.. صورة الوزيرة
الإسرائيلية وهي تصافح
الوزير العماني في قطر ثم نرى مشهدا آخر عكسيا هو مشهد في التلفزيون لفيلم
الجدار
العازل في فلسطين تتبع مشاهد القتل والدمار عبر صور وكتابة وصوت يقرأ،
لتعمق الصورة
أكثر.
ويتقاطع الفيلم غبار مع السينما السرية أو سينما تحت الأرض التي أسسها
الأميركي (جون ميكاس) الذي كتب في بيانه العام 1962 قائلاً
''إن الفنانين آخذون
بالتخلي عن الحكايات الجميلة والسعيدة والمسلية التي تبرز الأفلام أهمية
قصصها، وقد
باشروا التعبير بطريقة أكثر جلاء وصراحة عما يقبض على صدورهم.. وهم يبحثون
عن شكل
أكثر حرية، شكل يتيح لهم أن يعبروا عن سلم علاقات انفعالية
أوسع، وعن تفجير
الحقائق، وصخب وصيحات التحذير والإنذار وتراكمات الصور، ليس بقصد إخراج
سيناريو
مسل، ولكن بغرض التعبير عن الحيرة والتردد في وجدان الإنسان بشكل كامل،
وبهدف أن
نجابه وجهاً لوجه روح الإنسان الحديث. كما جاء في كتاب ''بان
ميتري'' ''السينما
التجريبية''. حيث ظهرت تلك السينما في الستينات إذ اكتست فيها الفنون
إحساساً
بالرغبة في الحرية والارتجال وانعدام المعنى والهدف وزاد دور المصادفة في
الفيلم
ومن هذه النواحي ناحية المصادفة والارتجال يتقاطع غبار مع تلك السينما. حيث
كانت
الأمور العابر والمصادفة والارتجال إحدى أساسيات فيلم غبار.
ويتقاطع فيلم غبار
مع سينما الحقيقة أو المباشرة التي ظهرت في ثلاث دول مختلفة هي كندا،
فرنسا،
الولايات المتحدة. في فرنسا لعب ''جان روش'' دور الرائد، وفي
الولايات المتحدة كان ''روبرت
دور'' و''ريتشارد ليكوك'' هما أول من أطلق الشرارة. فسينما الحقيقة وبعدها
السينما المباشرة أثرتا تيار السينما التسجيلية ومن بعد على التقارير
والريبورتاجات
المصورة تلفزيونياً وهو ما أكده ''روبير لافون وجرامون'' في
كتاب ''السينما
المعاصرة''.
وأقوى ما اهتمت بها سينما الحقيقة أو المباشرة بـ ''اللحظات
المتميزة'' وهي اللمحات والإيحاءات الموجزة من الحقيقة، والتي
يشعر أمامها بأن
الشاشة قد اختفت، وحل محلها الحدث الحقيقي نفسه، لما تمنحه من حميمية
وأصالة
ومصداقية، وتلك قوة يمتلكها الواقع، وتلك اللحظات المميزة. يمكن مشاهدة ذلك
في مشهد
ازدحام السيارات على الجسر، التي كنت أعاني منها يومياً في ذهابي إلى العمل
صباحاً،
وهي من اللقطات التي ممكن أن يستشعر بها المواطن مثلي عند
الصباح.
ويتقاطع مع
بعض قواعد العفة في سينما (الدوجما 95) الذين يرون أن فن السينما في ذاته
ذو طابع
تسجيلي قوي، فالسينما تعالج ما هو واقعي (الناس، الأماكن، الأحداث الحقيقية)
فالجمال يكمن في تسجيل الحدث الأصلي، وأن الأفلام يجب أن توحي بالعشوائية
الظاهرة
في الحياة ذاتها، وأن تكون ثورية في استخدامها للتقنيات، وليست تقليدية.
إضافة إلى
المضامين التي تعالجها شرط أن لا تهيئ للهرب من الحقيقة، بل
تدفع إلى مواجهتها.
فالمادة الخام للسينما يجب أن تكون العالم الحادي والأشياء والأماكن والناس
الحقيقيين حجي عباس، وموت حجي عباس حقيقي، الأشخاص وأماكن المقهى حقيقية من
دون
رتوش أو إضافة.
الوقت البحرينية في
06/08/2009
الصورة يمكن أن تبقى بعد
زوال (3)
عبدالله السعداوي:
الكاميرا
حين تقرر أن تصور فيلما فإنها تنفذ داخل الواقع، لتظهره وتعريه في أدق
تفاصيله التي
لا تلحظها العين بسهولة، فالصور كانت لاستحضار ما هو غائب،
لكنها بالتدريج استطاعت
الصورة أن تعمر بعد زوال ما تصوره فهي ليست سوى خلق الواقع في الواقع حسب
رأي
بازوليني. تأسيس لذاكرة الواقع في كل الأزمنة الماضية والحاضرة
والمستقبلية، إنها
تحاول أن تكتب تاريخا عبر الصورة. ومن هذا المنطلق على ما
أعتقد كان تعاطي الشباب
في الآونة الأخيرة الاقتراب من القيام بإنتاج الأفلام بإمكاناتهم الخاصة،
مثل حسين
الرفاعي، محمد جناحي، عمار الكوهجي، محمود الشيخ، أسامة ماجد، عائشة
المقلة، وهناك
من حصل على دعم من مؤسسات تحاول تأسيس هذا الجانب من الفنون
''الأفلام القصيرة''
مثل شركة البحرين للسينما أو مؤسسة عمران للإنتاج، والأفلام التي كانت ضمن
الدعم
فيلم ''مريمي'' من خلال مؤسسة عمران وفيلم ''البشارة و''زهور تحترق'' من
خلال شركة
البحرين للسينما، لما لهذا الجانب الفني من أهمية ودور لإبراز
وجه البحرين الثقافي
والحضاري، على المستوى الخليجي والعربي والإنساني العالمي، فإنتاج الأفلام
القصيرة
قد تكون بادرة لإنتاج الأفلام الطويلة وطريق للخبرة والممارسة والاقتراب
للتعرف على
التقنيات وغيرها وهي طريق ووسيلة للتعبير عن الذات والحوار مع العالم
الفسيح
والتواصل والاحتكام، وخلق نوع من الحوار بين الذات والذوات
الأخرى، من خلال
المشاهدة والكتابة. في هذه الحلقة نستكمل الجزء الثالث من كتابة المخرج
عبدالله
السعداوي حول تلك الافلام.
وظهر تيار سينما الدوجما 95 في مارس/ آذار العام
1995
على يد أربعة مخرجين من كوبنهاجن وهم ''لارس فونترير'' رائد الحركة،
و''توماس
فنتربرج''، وانظم إليهما كل من ''كريستيان لفرينج'' و''سورن كراج جاكوبسن''
ووضعت
لها ما يطلق عليه ''قواعد العفة'' والتي تنص على عشرة شروط رئيسية:
1-
يجب أن
يتم التصوير في الموقع الأصلي الخاص بالحدث، الديكورات والاكسسوارات
ممنوعة، وإذا
كان هناك احتياج إليها في القصة فيجب اختيار موقع تصوير تكون
موجودة فيه
بالفعل.
2-
لا يجب الفصل أبداً بين الصوت والصورة عند التصوير، فالذي يسجل في
أثناء التصوير هو الصوت النهائي للفيلم والموسيقى لا تستخدم
إلا إذا كان لها مصدر
في أثناء التصوير.
3-
يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد، فمكان وقوع أحداث
الفيلم هو الذي يحدد وجود الكاميرا، وليس العكس.
4-
يجب أن يكون الفيلم
ملوناً.
5-
المؤثرات البصرية والمرشحات الضوئية ممنوعة.
6-
لابد ألا يحتوي
الفيلم على أية أحداث مصطنعة، مثل القتل أو استخدام الأسلحة.
7-
الإيهام الزمني
والجغرافي غير مسموح به، ويجب أن يحدث في الفيلم المكان والآن.
8-
أفلام النوع
غير مقبولة.
9-
مقاس الفيلم لابد أن يكون المقاس الأكاديمي 35 مم.
10-
لا فضل
لاسم المخرج بالنسبة إلى الفيلم الذي يخرجه.
أفلام الدوجما 95 تصور بـ 16 مم أو
فيديو ثم يتم نقلها إلى 35 مم بمعنى أن القاعدة الأساسية لجماليات الصورة
في سينما
الدوجما ترتبط في الأساس بالعرض أكثر منها بالتصوير، فيجب أن تكون الصورة
النهائية
المعروضة على أفلام 35 مم بغض النظر عن وسيلة التصوير سواء 16
مم أو
ديجيتال.
وهناك 8 شروط لسينما الدوجما 95 التسجيلية
1-
لابد أن تكون أماكن
التصوير معروفة (عن طريق كتابة توضع على الصورة).
2-
بداية الفيلم لابد أن يحدد
فيها الإطار العام للفكرة، وهدف المخرج، وهذا لابد أن يكون واضحاً
للممثلين، وطاقم
العمل قبل بداية التصوير.
3-
تحتوي نهاية الفيلم على دقيقتين تتحدث فيهما
الشخصية التي يدور حولها الفيلم أو الضحية بحرية عن المحتوى والنهاية، وإذا
لم يكن
هناك مثل هذه الشخصية، ولا توجد أية معارضة من المشاركين في العمل، يوضع نص
مكتوب
في نهاية الفيلم.
4-
كل اللقطات لابد أن يشار إلى بدايتها بكادرات سوداء (6-12
كادراً).
5-
التوظيف الجمالي للصوت والصورة مرفوض. وكذلك استخدام الفلاتر أو
الاضاءة أو أية مؤثرات.
6-
لابد من تسجيل الصوت في أثناء التصوير فقط، وعدم
إضافة أية أصوات أو موسيقى فيما بعد.
7-
كل استخدامات الكاميرا المختفية
مرفوضة.
8-
عدم استخدام أية لقطات أرشيفية كانت معدة لأشياء أخرى. وهذه القواعد
قريبة من قواعد العفة وفي فيلم غبار لم تستخدم الإضاءة إلا مرة
واحدة في لقطة قصيرة
فقط، أما باقي الفيلم فكان الاعتماد على المصدر الأساسي لضوء الشمس وفي
أوقات
مختلفة، أو إنارة الشوارع الحقيقية، استخدمت في مشهد حسين مبشر وهشام
الكاميرا
المحمولة والمهتزة.
والتقاطع مع الدوجما 95 من خلال طريقة السرد أو خصائصه
فخصائص السرد في فيلم غبار هو الذي يحدد شكل سير الحدث وتطوره ويرفض السرد
التقليدي، فعبارات مثل البداية والنهائية والأزمة والانفراج أو الحل
والانكشاف أو
التعرف لم يعد لها مكان ويقترب السرد في فيلم غبار للسرد في
أفلام الدوجما 95 من
عشوائية الحياة، وعدم ترابطها حيث لا يمكن التعبير عن تلك العشوائية في
الواقع
والحياة ضمن البناء الكلاسيكي ذي الحبكات التقليدية.
فالسرد الحديث أو الأخبار
هو كمنتج وعملية وهدف وفعل وبنية وعملية بنائية لواحد أو أكثر من واقعة
حقيقية. أو
خيالية، الأسلوب داخل فيلم غبار هو الذي يحرك مكونات الفيلم وهو الذي يخلق
الحالة
الشعورية والجو النفسي الخاص لتشكيل الرؤية الفلمية، فيلم غبار
تغلب فيه فكرة
الحالة على فكرة الدراما.
محمد جناحي الذي كان أحد أعمدة فلم غبار هو من أوائل
المهتمين بالفيلم القصير وكانت له مشاركات في مهرجان الصواري وله أكثر من
فيلم قصير
اهتم بالواقعية ومحاولة تسليط الضوء على المهمشين، حاصل على جوائز عدة لبعض
أفلامه
القصيرة عند مشاركته بها عن طريق تلفزيون البحرين، شارك في
ورشة في بناء فيلمي في
سوريا وكان متميزاً فيها: له بعض الأفلام قديمة لازالت حبيسة مكتبة
التلفزيون لم
يشاهدها المشاهدون، كذلك له برامج حبيسة هي الأخرى في مكتبة التلفزيون،
يخالجه شعور
بأنه محارب وهناك محاولات لإبعاده فقد تم كما يقول صد الفرص في
وجهه، حيث قد سبق له
أن قدم للتلفزيون سيناريو أمين صالح ''أيام يوسف الأخيرة'' لكنها أعطيت
لمخرج آخر
بعد أن تم إبعاده، ويشعر بالشعور ذاته في تجربته مع شركة بحرين للسينما حيث
يرى أنه
تم إبعاده لتحقيق سيناريو فيلم ريح العتمة لعبدالله السعداوي
رغم أن الفرصة أعطيت
لأكثر من
واحد جاء بعد تقديم مشروعه.
يمتلك حسا سينمائيا وقدرة على الإخراج
والتصوير، ويتفوق على الشباب الباقي من خلال حسه وتعامله ومعرفته وبحرفية
الفيلم،
يمتلك خبرة حصل عليها من المشاهدات والعمل الميداني في داخل مملكة البحرين
والخارج،
يقول عنه بعض الذين عملوا معه كمصورين وهو المخرج إنهم
استفادوا منه كثيراً،
ويرتاحون للعمل معه فهو يعتبر بالنسبة لهم بمثابة المعلم.
لجنة التحكيم
كانت
لدى مجموعة من لجنة التحكيم تحفظات على الأفلام باعتبارها معمولة بكاميرات
رقمية،
لذا كانوا يرون أنه يجب أن تقدم الأفلام بالكاميرا السينمائية العادية ولا
أدري كيف
يمكن ذلك بالنسبة للشباب الذين يريدون التعبير عن رؤاهم، وإنني
أتفق مع الناقد
عرفان رشيد الذي رأى أن التكنولوجيا الجديدة ''وفرت لعشرات الشباب
الخليجيين فرصة
ولوج عالم الإنجاز السينمائي والتلفزيوني، وتجريب الأدوات أولاً، والطاقات
والرؤى
ثانياً''.
وفي حقيقة الأمر كما أرى أن كاميرات الفيديو والتكنولوجيا الرقمية
الحديثة هي ليست ملاذ الخليجيين فقط، إنما أصبحت الملاذ الوحيد
للمبدعين الشباب
السينمائيين لإنتاج نوعية خاصة من الأفلام ذات الكلفة المحدودة للتعبير عن
آرائهم
وأفكارهم حدث في كل مكان حيث أصبح بعض المخرجين الشباب مواكبين في ذلك
الحركات
السينمائية المستقلة التي انتشرت على مستـــوى العالم.
إن تقنية الفيديو الرقمية
تحمس لها كبار الفنانين مثل جودار وعمل بها أفلاما كبيرة وعالمية وعربية،
فهذه
التقنية الرقمية لها محتمل ديمقراطي في أنها نخبوية السينما الإنتاجية
والعرضية.
فإذا كانت تشكل معضلة جمالية وفلسفية للكثيرين في الثمانينات، فإن الأمر لم
يعد
كذلك ولا ينبغي أن يكون كذلك بسبب تقدم التقنيات وزوال الحواجز حتى أصبحت
هذه
التقنية عنوان إحدى الإنثولوجيات المهمة التي يتم تداولها
وتدريسها الآن أكاديمياً
في العالم وهي مؤشر على نهاية السينما بالصورة التي عرفناها بها ربما هو
كذلك.
وتأثيرات التكنولوجيا الرقمية لا تكون عند مرحلة التنفيذ فقط، ولكنها تبدأ
من مرحلة السيناريو. فالكاتب حينما يكتب يتراءى له الفيلم في
مخيلته، ومن ثم فإنه
وهو يكتب تكون في مخيلته إمكانيات الفيديو، فذلك يمنحه شعوراً بالمرونة
الكافية
لتصوير السيناريو، والحرية في الكتابة والتعبير والارتجال، فالمقارنة بين
التصوير
السينمائي والتصوير بالفيديو نجد أن التصوير بالفيديو الرقمي له قدرة على
تصوير
اللقطات الطويلة، وهذه لا تتوافر للكاميرا السينمائية، فهناك
قدر يتيحه طول الفيلم
الخام، الذي يمكن للكاميرا السينمائية استيعابه والذي لا يتجاوز عشر دقائق.
كذلك
هناك خفة الكاميرا الـ (ض) التي لا تحتاج إلى أكثر من شخص واحد بدلاً من
ثلاثة
فنيين لكاميرا 35 مم، وكذلك إمكانية التصوير بأكثر من كاميرا،
حيث يمكن تصوير
الرؤية وعكسه في الوقت نفسه وهو ما يصعب تحقيقه بالكاميرا 35 مم بسبب
الاضاءة. كذلك
عملية التصوير العادية تحتاج لضبط الإضاءة التي تستغرق نحو ساعتين، وهذا
يفرض على
الممثلين الانتظار ساعتين لتصوير لقطة أخرى، أما في التصوير
الكاميرا الرقمية فلا
يحتاج الطاقم للانتظار كل هذا الوقت.
والعمل يكون ضمن فريق محدود العدد، وخفة
الكاميرا، وسرعة نقلها وحميميتها بشكل أكثر. وكان هناك دائماً التأثير
والتأثر بين
التيارات السينمائية والتكنولوجيا، حيث استفادت من التطورات التكنولوجية
بدءا من
آلة التصوير الخفية المحمولة، وأجهزة الصوت المتزامنة المتنقلة
والأفلام الخام
الشديدة الحساسية وصغر حجم المعدات مما مكن الفنانين وأدى إلى سهولة حركتهم
وسرعتها.
وفي نهاية المطاف هل يبقى الشباب في انتظار المهرجان ليقدموا أفلامهم
أم أن عمل الفيلم يشكل لهم هاجسا إنسانيا حقيقيا يكون جزءا
أصليا في كينونتهم
وموقفهم من الواقع والعالم والكون؟ وهذا يحتم تطوير ذواتهم واستنفار وعيهم.
هل
يكتفي نادي السينما بعرض أفلام الشباب فقط أم أنه يضطلع لعمل مسؤولية
السينما
وتأسيسها وتأسيس الشباب وانطلاقهم من النادي حيث كثيرون
تساؤلوا في الندوات إلى أين
يتجه وكيف يصقل مواهبه؟ فهل لنادي السينما رؤية استراتيجية يمكن أن تظهر في
المستقبل المقبل؟ وهل لدى الشباب السينمائيين جدية في التعامل مع النادي؟
أم أنهم
يفضلون العمل الفردي بعيدا عن الحوارات والنقاشات والتفاعلات
بكل أشكالها فيما
بينهم؟
هل الشباب يشعرون بأنهم اكتفوا ووصلوا إلى القمة والمعرفة النهاية أم
أنهم يشعرون بأن عليهم التواضع والجري وراء التعلم والمزيد من
البحث والقراءة
والمشاهدة. هل يسأل الشباب أنفسهم ماذا أشاهد؟ وماذا أعرف؟ وكيف أشاهد؟ فأي
موهبة
قد تكون معرضة للسقوط والانتهاء إذا لم تحسن صقل الموهبة وتغذيتها بما
تحتاج.
الوقت البحرينية في
13/08/2009 |