عدد غير قليل من المهتمين بالسينما أو صناعها يتبنى وجهة نظر تقول إن
السينما (فن للتسلية)، ويرون أن عمل فيلم من أجل تسلية الجمهور فقط هدف
نبيل، هذا هو الاتجاه الذي سيطر على السينما المصرية سنوات ، تحت ما سمي
بموجة المضحكين الجدد، بدأت بمحمد هنيدي في فيلم (إسماعيلية رايح جاي)،
ونجحت من خلالها أسماء كثيرة، علاء ولي الدين، أحمد عيد، هاني رمزي، احمد
رزق، واستثمرها محمد سعد، وأحمد حلمي الذي استطاع أن يخلع عباءته منها،
ليعزف بشكل آخر خارج هذا السرب.
وبفيلم «طير انت» الذي عرض في نهاية الموسم الصيفي للسينما المصرية، والذي
تعرض أيضاً للقرصنة وموجود على مواقع شبكة الإنترنت، يواصل أحمد مكي أسلوب
سابقيه نفسه، ويؤكد أنه اختار طريق محمد سعد، فشخصية (هيثم دبور) التي
اشتهر بها في مسلسل الست كوم (تامر وشوقية)، هي شخصية بطل فيلم (إتش دبور)
نفسها، ومنها الكثير في شخصيات فيلم (طير انت)، تماماً مثلما فعل محمد سعد
مع (اللمبي) بمشتقاته (بوحة ـ عوكل ـ كركرـ كتكوت)، على الرغم من أن سعد
ومكي يملكان موهبة تمثيلية، وإن كان (سعد) يتفوق في التمثيل، بينما يضاف
إلى (مكي) أنه مخرج كوميدي جيد، وكلاهما وضع موهبته (على جنب) ونظر إلى
السوق والنجومية.
يجسد أحمد مكي في فيلم (طير انت) شخصية (بهيج) الشاب الذي تخرج من الجامعة،
وبدأ يبحث عن فرصة عمل، ومن خلال رحلة بحثه يواجه الكثير من المشكلات
والأزمات، فلا يجد بجانبه سوى إحدى الصديقات التي تقف بجانبه.
وأحداث الفيلم تدور في قالب كوميدي، من خلال مجموعة مواقف تعتمد على
كوميديا الموقف، والشخصيات المتنوعة التي يقدمها مكي بالباروكة الشهيرة،
والتي عرفه الناس من خلالها.
سيناريو (طير انت) ضعيف مثل سيناريو الفيلم الأميركي المقتبس عنه (BEDAZZLED) وترجمته االمفتون، فهو يشبه مجموعة من الصينيين يقفون في صف واحد،
فإذا أعدت ترتيبهم بأي طريقة لن تشعر بفرق، ولو حذفت بعضهم أيضاً لن يحدث
تأثير سوى في طول الصف، أي مدة الفيلم، فإذا تقدمت، أو تأخرت، مشاهد شخصية
(الصعيدي) في السيناريو على أي من الشخصيات الأخرى: (فتى الساحل) أو
(الهندي) أو (المطرب الحساس) أو (حسن شحاتة) أو (دبور) أو (الخليجي) فلن
تشعر بفرق.
كما لو حذفت أي شخصية منها ووضعت أخرى بدلاً منها لن يختل السيناريو، الذي
تم فيه استبدال (إليزابيث هيرلي) التي لعبت دور الشيطان في الفيلم الأصلي
وظهرت في صورة فاتنة، ب(ماجد الكدواني) العفريت (مارد) الذي نزل إلى الأرض
ليحل مشكلة رسوبه في الإعدادية لمدة 112 عاماً.
وطالما نتحدث عن عفريت، فلا يهم أن يكون سبب نزوله أو اختياره ل(بهيج)
مقنعاً أم مفتعلاً، على الرغم من أن شخصية (بهيج) تصلح لكتابة فيلم كوميدي
جيد، يكشف معاناتها في مجتمع يهتم بالشكل أكثر من المضمون، ويحول الخيانة
واستغلال الوظيفة إلى سلوكيات طبيعية، لذلك يهرب (بهيج) إلى مجتمع
الحيوانات الذي يراه أكثر نقاء، لأنه (لا يوجد كلب بلدي يتزوج كلبة ألمانية
للحصول على الجنسية)، مثلما قال في أحد المشاهد، والحقيقة التي لا يمكن
إنكارها أن الفيلم فعلاً مسلٍ، و(إفيهاته) خفيفة الدم ومبتكرة، ولا يوجد
فيه (استظراف) من الممثلين جميعاً، لذلك فهو جماهيري ويحقق إيرادات كبيرة،
كما يحسب لمخرجه تعدد أماكن التصوير والديكورات التي ساعدت في عدم إحساس
العين بالتكرار والملل.
ماذا تريد المرأة من الرجل حتى تحبه؟، الاحترام، الحنان، القوة، القلب
الجريء، الفلوس، الرجولة، الحماية، القدرة على القيادة، هذه الصفات حاول
الجن الطيب (مارد) الإجابة عنها من خلال تقمص بهيج لها، ليشحذ همته ويكتشف
بجهده الذاتي مفاتيح قلب حبيبته (ليلي). وترجم سيناريو الفيلم هذه الأسئلة
وحاول الإجابة عنها فنياً، بعدد من (النمر التمثيلية) حيث تحاكي كل واحدة
صفة من الصفات المطلوبة في الرجل كما يتصورها (بهيج)، وفي الوقت نفسه اختار
من الشخصيات الفنية القديمة.
ومن الشخصيات الإعلامية أو الرياضية أو الغنائية الحالية التي استقرت في
وجدان المجتمع المصري كرموز للوسامة والنعومة والعشق والقيادة والقوة،
وعالجها في فصول تمثيلية ساخرة تحاكي (الأصول) الواقعية أو الفنية، مثلاً
اختار (عتريس) في فيلم (شيء من الخوف) وحاكى مشهداً جيداً من الفيلم، وجسده
على نحو يمكن اعتباره دليلاً مقنعاً على قدرة المخرج وطاقم الفنيين على
إعادة إنتاج مشهد سينمائي قديم، وتحميله معاني وإفيهات جديدة تضع خطاً
فاصلاً بين مفهوم القوة بمعناها الإيجابي والسلبي كصفة كريهة ترفضها
المرأة.
وأدخل في صياغة المشهد وحواره المصطلحات الخاصة بعصر (التكنولوجيا) الذي
جعل امرأة (عتريس) في (طير انت) سيدة صعيدية تتعامل مع الإنترنت ورسائل
الموبايل، وتوظفها في تجميع الفلاحين المقهورين للثورة ضد الزوج الظالم
الخشن الذي تصر على هجرانه، فالفيلم لديه الكثير من الغمز واللمز السياسي
والاجتماعي.
وفي تقليده للولد (الكوول) المودرن، بالباروكة الشقراء والأداء الفرانكو
آراب المشوب بالخلاعة، والعاجز عن حماية الفتاة التي يعجب بها، قدم أحمد
مكي طبعة كاريكاتورية فكاهية عن نماذج من شباب ضلوا مفهوم التحضر والثراء
والتحرر وكانوا في جوهرهم سفلة وأوغادا.
ومن الموقف الساخر الفكاهي نفسه قدم الفيلم صورة لمعنى القيادة والحزم من
خلال تجسيده شخصية حسن شحاتة، لكنه عجز في الوصول إلى جوهر صفة القيادة،
لأنها لا تنطوي على عمل ديكتاتوري وإلا ضلت القيادة طريقها.
كما قدم صناع العمل من خلال عنصر التشخيص والماكياج والأداء الطريف والمعبر
لأحمد مكي، شخصية الرجل الخليجي القادم بصحبة خادمه الفلبيني داخل محل
الملابس، ثم في محل أدوات التجميل حيث البائعة المصرية الجميلة (دنيا سمير
غانم)، وقد تصور أنه يمكن شراؤها بماله والسيارة (الهامر) والانفاق السفيه
داخل المطعم، والأوراق المالية التي أمطر بها رؤوس الموجودين.
وحاكى المخرج الأفلام الهندية بسخرية وذكاء، في الاسكتش الهندي، الذي قدمه
مشيراً إلى طبيعة السينما الهندية التجارية في مفهومها التقليدي المستقر في
أذهاننا، على الرغم من أنها تطورت جداً، وأصبحت تغزو المدن الغربية وأميركا
بقوة نفاذ لا يستهان بها.
وفي نهاية (النمر التمثيلية) المطولة الخيالية يتضح ل(بهيج)، أنه لن يصح
سوى جوهر الإنسان وواقعيته في معالجة مشكلاته العاطفية، فعليه أن يكون نفسه
ويكتشف ملكاته ومصادر قوته، ولا يحاول أن يقلد أو يحاكي أو ينتحل صفات
الآخرين.
وملخص القول، (طير انت) فيلم خفيف، ولكن لا يصح أن يعامل باستخفاف نقدياً،
لأنه يعتمد على فكرة إنسانية يمكن تناولها بأكثر من طريقة، وعلينا فقط أن
نضع العمل في إطاره الصحيح ـ فهو تجاري ـ يتوجه إلى الجمهور العريض ويسعى
إلى استرضائه، ولم يلجأ مع ذلك إلى المشهيات السهلة مثل الجنس والعنف
والإثارة المصطنعة، ولم يسفه الفكرة الرئيسية التي تقول «إن الإنسان يمكن
أن يركب جميع الصعاب من أجل تحقيق أمنياته، وأن يتحالف مع الشيطان إذا كان
بمقدوره أن يحقق له حلم حياته».
البيان الإماراتية في
12/08/2009
مقعد في الصالة
أحمد مكي..طير انت فرحا!
كتبت ـ
ماجدة حليم:
الافلام التي تحقق الامنيات خاصة عندما يخرج العفريت من القمقم.. وهو
عادة يسمي ـ عفركوش الذي يحقق الامنيات قدمتها السينما المصرية في عدة
أفلام لفريد الاطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين.
أما فيلم( طيرانت) للمخرج أحمد الجندي فهو يقدم عفريتا جديدا.. عفريت
متعلم يسعي للحصول علي شهادة من انسان لكي ينتقل إلي صف اعلي.. وعفريتنا
هو ماجد الكدواني, اما الانسي فهو الدكتور بهيج( أحمد مكي) الذي يحظي
بشكل غير مقبول خاصة عند النساء وهو يتمني أن يصل لقلب الفتاة التي قابلها
صدفة ووقع في هواها, تقوم بالدور دنيا سمير غانم.. أما القصة مقتبسة من
الفيلم الامريكيBedazzled.. وايضا فهي منسوبة للزميل الصحفي عمر طاهر.. ويقال إن الجميع
اشترك في كتابة السيناريو.. والموسيقي لعمرو إسماعيل وتصوير أحمد جبر
ومونتاج سلامة نور الدين وديكور حمدي عبدالرحمن واستايلست مروة عبدالسميع.
أما العفريت اللطيف فهو يحقق لدكتور بهيج7 امنيات يصل بما إلي قلب حبيبته
ليلي.. وتختلف الامنيات بين القوة البدنية والمشاعر العاطفية وسطوة المال
والشهرة وغيرهما.. ويقدمهما المخرج باداء أحمد مكي في أسلوب ساخر لاجيال
الشباب الذين يتكلمون لغة ليست لغة.. وحتي السينما الهندية لم تفلت من
امنيات د. بهيج لينال رضا ليلي حبيبته.
لكنه يكتشف أن كل هذا وهم لا يصل بالانسان إلي أي نتيجة..إنما يحقق
الانسان امنيته اذا وثق في نفسه واكتشف ذاته وتأكد أن الطرف الآخر لابد أن
يقبله كماهو بكل مساوئه ومزاياه.
وهكذا تتحقق الامنية اخيرا ليفوز بليلاه.. لكن عفريته يؤكد له انه وراء
كل الاحداث.
الفيلم لطيف.. والجمهور يضحك.. رغم انني توجست في البداية انني وقعت في
مقلب جديد.. وشعرت ببعض الملل.
لكن اهم ما يميز الفيلم انه يدفعك كمشاهد أن تنظر لنفسك كما خلقك الله..
لاتغير كلامك ولامظهرك.. ولاتدعي الثراء.. إنما السر يكمن في أن تكتشف
ذاتك. وحين تجد نفسك تجد الحب يحوطك من الآخرين وخاصة التي تحبها أو
تحبه.
هذا هو ما اعجبني في فكرة الفيلم حتي لو كانت مقتبسة.. واظن أن كثيرا من
الشباب الذين شاهدوا الفيلم ستتغير نظرتهم لانفسهم وأمور كثيرة في
الحياة.
فهو الحب الذي يدفع كل الاحداث وكل الامنيات لكي تتحقق.. وبدونه يظل
الانسان يبحث عن عفريت يحقق له ما لايمكن حدوثه!
وقد لفت انتباهي الاستايلست وهي مصممة الازياء.. كما جاء المونتاج سريعا
في النصف الثاني مما دفع المشاهد للانتباه أكثر من النصف الاول.. وطبعا
مدير التصوير يحسب له دوره المميز في الاحداث مع تميز الديكور مع الصورة
وهذا الفيلم لم يكن أحد ينتظر له النجاح.. لكنه حاليا يطير فرحا
بنجاحه.
الأهرام اليومي في
12/08/2009 |