|
من موضات السينما المصرية الآن "سرقة التيمات".. وهي الأفكار الأساسية أو
الرئيسية في الأعمال الفنية.. وهو تغيير جديد لا شك يعتبر أرحم من مرحلة
استنساخ الأعمال بحذافيرها أو نقلها مشهداً مشهداً وكادراً كادراً!!
وفيلم "ألف مبروك" للمخرج أحمد نادر جلال يعتبر أحد الأفلام المقتبس "تيماتها"
وليست كلها من الفيلم الأمريكي "يوم تحت الأرض".. ليجتهد المؤلفان محمد
وخالد دياب في طرح بعض القضايا المحلية والتي بالضرورة هي قضايا إنسانية.
جسدها بحضوره الطاغي المشمول بالكاريزما أحمد حلمي في واحد من أهم أعمال
هذا العام وأبسطها في نفس الوقت والتي تحقق المعادلة الصعبة. التي تجمع بين
عمل سينمائي جماهيري جذاب.. وبين المضمون الذي يثري عقل ورؤية المشاهدين!!
الفيلم أيضا شبه بالأعمال الملحمية أو البريختية المسرحية الشهيرة حيث يضعك
من أول مشهد في دائرة التفكير العميق من خلال الكوميديا السوداء. أو
الفانتازيا المستمدة من عبثية الواقع الذي نعيشه. ونتعايش معه طوال الوقت..
والذي فرض علي الناس الذاتية والأنانية بسبب طلقات العولمة وارتفاع الأسعار
الجنوني. بينما المرتبات لا تستطيع أن تفي باحتياجات الناس الأساسية. فجعل
من الجميع جزراً منعزلة تقبض علي مصالحها بقسوة. رافضة مد يد العون لأقرب
إنسان لك.. فتكون النتيجة الوقوع في أسر الدنيا أو "الدناوة" حتي الموت بلا
رصيد!!
هذه كلمات كبيرة ومعان عظيمة يقدمها ممثل كوميدي آثر علي نفسه أن يكون
مختلفا في زمن عز فيه الاختلاف.. لتجيء المفاجأة الكبري أن عمله هذا يتكالب
عليه الناس. ويحقق الإيرادات المرتفعة.. ليضع الكل في موقف حرج أمام قضية
"الجمهور عايز كدة". ليزيد جنونهم من هذا الجمهور العجيب الذي يتزاحم علي
فيلم فلسفي!!
إن شخصية أحمد في الفيلم "أحمد حلمي" بورصجي كما يقول. أو يعمل بإحدي
الشركات المتعاملة مع البورصة ومع ذلك يخشي المجازفة. ويقنع بما يحققه
لنفسه فقط. مما يوقعه فريسة لمجموعة أحلام متتالية تنتهي كلها بموته في
نهاية الحلم كنتيجة طبيعية للحلقة المفرغة التي يدور فيها يوميا بلا هدف
لدنيا أو لآخرته!!
إنه يستعد للزواج. ولكنه يفاجأ بتكرار أحداث صباح يوم عرسه بشكل مستمر بنفس
نهايته الواحدة وهي مصرعه.. يضيق ذرعا بما يراه من نفس الأحلام بنفس
الأشخاص بنفس النهاية. فيقرر أن يغير الواقع ليجد نفسه في نفس الحلم الممل
دون حسم.. ولكنه في اليوم الأخير أو اليوم الحقيقي وليس الحلم يكتشف أن
قربه من الناس ومحاولة مساعدتهم هو التغيير الحقيقي الذي يبقي للإنسان قيمة
في حياته وبعد مماته.. فيساعد زملائه في العمل والناس في الشارع وأبيه كي
يعود لعمله بدلا من سحب أموال المعاش. ويساعد أمه للعلاج الحقيقي بدلا من
الأدوية المسكنة لكي توفر له. ويساعد شقيقته علي الارتباط بمن تحب.. ليموت
بعدها حقيقة وليس حلما مستريح البال والخاطر انه فعل شيئا بدون مقابل وكسر
شوكة الأنانية البغيضة!!
برع المخرج في دعم الموقف الدرامي بتنسيق بصري جذاب.. ماسكا بيديه جوهر
المشكلة الدرامية والتي قدمها بأسلوب واقعي. وآخر عبثي في نسيج واحد يضعه
في صفوف المخرجين الكبار.. كما برع أداء أحمد حلمي الذي خلا فيلمه من
"البطلة" التقليدية في السينما المصرية. واستبدلها بأسماء جديدة ماهرة مثل:
سارة ومحمد فراج وليلي عز العرب ومحمود الفيشاوي وأمير وغيرهم. وكان تشخيصه
أشبه بفأر التجارب الذي يدور في العجلة بلا هدف سوي معرفته بنهايته
المحتومة أو "سيزيف" الذي قدر له رفع الصخرة والصعود بها إلي الأبد!!
طبعا معظم السينمائيين يعلمون سر نجاح وإقبال الأهالي بالذات علي هذا
الفيلم.. وإلا يبقوا مش فاهمين صنعتهم.. ومع ذلك بيقاوحوا.. ليه.. ماتعرفش!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
06/08/2009 |
