الدنيا جرى فيها إيه!
لم يعتد نجيب إلياس ريحاني أن يطأطئ هامته أمام أي خطب مهما كان
قاسياً أو صعباً، فلم يناقش والدته في أمر بقائه في المنزل، خرج منه للمرة
الأولى في حياته مطروداً، لا يعرف إلى أين سيذهب، أو ماذا سيفعل؟ فقد تعود
منذ طفولته أن يظهر أمام أقرانه بمظهر المستغني، حتى لو كان لا يملك قوت
يومه، الأهم عنده هو مظهره، لذا فقد حرص قبل أن يغادر بيت والدته على أن
يأخذ معه حقيبة ملابسه التي كانت لا تزال كما هي منذ عودته من نجع حمادي،
وقروشاً بسيطة كانت كل ما تبقى معه من راتبه، لم تكن تكفي لاستئجار حجرة في
أحد فنادق منطقة “العتبة الخضرا” أو شارع “باب البحر”، أو حتى حجرة فوق أحد
أسطح المنازل القديمة في المنطقة لمدة يوم، وسرعان ما أنفقها ليصبح خالي
الوفاض، بلا مأوى، ولا مال، ولا مستقبل ينتظره، ومع ذلك لم يحن رأسه ولم
تذل نفسه، وبقي كما هو، ولكن كيف يمضي نهاره؟ وأين يبيت لياليه؟
لو كان الأمر مقصوراً على الجوع وحده لهان الأمر، لكنه لم يجد مكاناً
يأوي إليه كلما جن عليه الليل، فما إن تقترب عقارب الساعة من الثانية عشرة
عند منتصف الليل، حتى يبدأ قلقه وتوتره، حيث تخلو الشوارع من المارة، ثم
يتسرب زبائن مقهى الفن أو إسكندر فرح واحداً تلو الآخر، حتى إذا ما جاءت
الثانية بعد منتصف الليل يكون المقهى قد خلا تماماً إلا منه:
ـ يا نجيب أفندي… نجيب أفندي.
* هه… أيوه يا سيكا… فيه حاجة؟
ـ بعد إذنك.
* إذنك معاك يا سيدي… اتفضل مع
السلامة.
ـ اتحرك يا نجيب أفندي من ع الكرسي.
* إيه فيه إيه… انت محسسني إني دايس على ديلك.
ـ أنا ليا ديل… الله يسامحك يا سي نجيب… بعد إذنك بقى الكرسي علشان
هنشطب… خلاص تشطيب.
* طب قول كده يا أخي من الصبح… يا نجيب أفندي وعن إذنك… وحاسب ديلي…
اتفضل يا سيدي الكرسي… زي ما يكون كرسي العرش جاتك البلا.
يغادر المقهى من شارع عبد العزيز متجهاً إلى ميدان الإسماعيلية (ميدان
التحرير حالياً) ومنه إلى كوبري قصر النيل، سائراً في اتجاه الجيزة على
قدميه، حتى إذا أعياه التعب اتخذ من “حشائش” إحدى الحدائق سريراً، وتوسد
حجراً من أحجار الطريق يضع عليه رأسه، ويروح في نوم عميق إلى أن ترسل الشمس
أشعتها، فيستيقظ من نومه ليعود أدراجه إلى المقر الرسمي حيث “مقهى الفن” في
شارع عبد العزيز.
أمضى نجيب 48 ساعة لم يذق خلالها للأكل طعماً، ليس زهدًا منه، ولا
أسفًا على شيء، فلم يعتد نجيب أن يأسف على شيء ضاع، لكن لأنه لم يجد وسيلة
يكتسب بها ثمن “لقمة العيش” بما يكفي لسد جوعه، فلم يكن يهنأ بنومه قط، ليس
فقط لأنه ينام في العراء يلتحف السماء، لكن لسبب أهم، وهو شدة الجوع.
استيقظ نجيب من نومه كعادته وقد قرص الجوع بطنه، ليلتفت بجواره تحت
وسادته، الحجر الذي يضع رأسه عليه، فإذا به يجد كنزاً ثميناً قد لا يعرف
قيمته إلا المفلسون!!
وجد نجيب “قرش تعريفة” خمسة مليمات، جزء من مائتي جزء من الجنيه، يا
لها من بشرى:
* يا فرج الله… تعريفة حتة واحدة!! يا ما أنت كريم يارب… جت في وقتها.
للمرة الأولى منذ ثلاثة أيام ينزل طعام في جوف نجيب، فكان لا بد من أن
يستغل الكنز الذي عثر عليه أفضل استغلال، فطلب وجبة دسمة عمادها “الفول
المدمس والسلاطة والفلافل”… أما الشاي فكان كالعادة… حين ميسرة.
نفذ نجيب ومحمود صادق فكرة لم تنقذهما فقط من الموت جوعاً، بل أيضاً
من النوم في الشوارع والحدائق العامة، فقد كان صاحب مكتبة المعارف يملك
فندقاً صغيراً أعلى المكتبة، فاتفق معه نجيب وصادق أن يستأجرا غرفة في
الفندق، بحجة التفرغ للترجمة والكتابة، على أن يخصم أجرة الغرفة من أجرهما
عن الترجمة والكتابة، فوافق الرجل على إتمام هذه الصفقة التي خرج منها
رابحاً مرتين، الأولى ترجمة الرواية وكتابتها بأسلوب أدبي شيق لنشرها في
مكتبته، والثانية أنه ضمن إشغال حجرة في فندقه بشكل دائم، وقبض الأجر
مقدماً.
مترجم وممثل
كان نجيب يعرف أنه دخل صفقة خاسرة، فقد كان يعمل مقابل الأكل والنوم
فقط، وغالباً يكون مداناً لأسابيع مقبلة مضطراً إلى أن يعمل مقابل سداد
أجرة الحجرة، ولم ينقذه من هذه الصفقة سوى الصدفة التي قادته لمقابلة صديقه
الفنان مصطفى سامي في مقهى إسكندر فرح:
ـ نجيب. ابن حلال كنت لسه بفكر فيك.
* معذور… ماهو أصل أنا حليوه وأستاهل تفكر فيا.
ـ بلاش هزار وخلينا في الجد.
* يا سيدي هزر محدش واخد منها حاجة.
ـ لا اسمع بجد… أنت عارف أن أخويا الشيخ أحمد الشامي عنده فرقة.
* أنعم وأكرم.
ـ هو دلوقت بيدور على مترجم يترجم له روايات من الفرنسية للعربية
علشان الفرقة.
* أي روايات والسلام؟
ـ لا طبعا… روايات كوميديا فودفيل.
* زي إللى كان بيعربها عزيز عيد لفرقته.
ـ بالظبط كده… وأنت هترجم رواية في الشهر.
* مفيش مانع… بس يعني… كده أرديحي؟
ـ لا طبعا هتاخد أجر.
* ياسيدي مش القصد… أنا قصدي يعني إن طباخ السم بيدوقه.
ـ مش فاهم تقصد إيه؟
* يعني نترجم الروايات… ومفيش مانع ناخد دور فيها… أنا مش طماع مش
لازم البطولة.
ـ أوي أوي… هو هيلاقي أحسن منك فين يا نجيب… ويا سيدي أجرك عن الترجمة
والتشخيص أربعة جنيه في الشهر.
* عال… عال قوي.
التحق نجيب بالفرقة، وسرعان ما أصبح أحد أعضائها البارزين، وبدأ
بترجمة رواية “الابن الخارق للطبيعة”، ولأن الفرقة جوالة راحت تجوب مدن
القطر المصري من أقصاه إلى أقصاه، وكانت بطبيعة الحال إذا نزلت في بلدة
اضطرت إلى البقاء فيها أياماً عدة، وإذا صادفها النجاح في هذه البلدة ربما
استمرت أسابيع. بالتالي، فإن نزول أفراد الفرقة في فنادق كان سيكلف الفرقة
مصاريف باهظة، ومن ثم كانت الإدارة تعمد إلى استئجار أحد منازل البلدة ينزل
فيه الجميع ويطلق عليه اسم “بيت الإدارة”، غير أن هذه المنازل لم يكن بها
سوى الأثاث فقط، فكان لزاماً على كل فرد من أفراد الفرقة أن يقوم بتجهيز ما
يلزم من “فرش وغطاء” في رحلته، وهو ما قام به نجيب حيث وقف يحمل متاعه مثل
بقية أعضاء الفرقة في محطة سكك حديد مصر:
* هنفضل ملطوعين كدا كتير يا سي أمين أفندي مش نعرف رايحين على فين.
ـ أنا سمعت غبريال أفندي بيقول إننا طالعين على بني سويف.
* طالعين ولا نازلين… المهم نمشي من هنا بدل ما الرايح والجاي بيتفرج
علينا.
ـ يتفرجوا علينا ليه؟ إحنا فرجة.
* طبعا… كل واحد فينا شايل بقجة على رأسه فيها لحاف ومرتبة ومخدة…
عاملين زي المهجرين اللي ملهمش متوى.
ـ على قولك يا سي نجيب أنت برضه مرحتش بعيد. ماهو الأرتيست اللي زينا
ملهمش متوى… مطرح ما يحطوا ويقدموا فنهم تبقى بلدهم
* على قولك يا فيلسوف الغبرة.
أمضت الفرقة ثلاثة أسابيع في بني سويف، انتقلت بعدها إلى المنيا، ومن
بعدها إلى أسيوط ومنها إلى سوهاج، وهناك انتهى نجيب من ترجمة الرواية
الثانية “عشرين يوم في السجن”، التي لاقت نجاحاً كبيراً في سوهاج، لدرجة أن
الفرقة استمرت في تقديم عروضها هناك ما يزيد على الشهرين، حتى ضاق نجيب
بحياة التقشف، وتأخر دفع الرواتب، على رغم الأرباح الكبيرة التي تحصدها
الإدارة، ما جعل نجيب يصب جام غضبه عليها، ليس بسبب نقص في الطعام أو عدم
توافر المأوى، لكن حتى “مصروف الجيب”، ما حرم نجيب من ميزة غاية في الأهمية
بالنسبة إليه، وهي “كي ملابسه” فلم يعتد نجيب أن يرتدي ملابسه دون “كيها”
ما كان يسبب له مشكلة يومية حقيقية، فهو يرى أن أهم ما في الفنان هندامه
ونظافة ملابسه، على عكس أغلب المحيطين به الذين يرون في ذلك تكلفاً زائداً
لا طائل فيه، حتى اهتدى نجيب يوماً إلى حيلة تؤدي الغرض، وهي أن يضع
“بنطاله” أسفل “المرتبة” التي ينام عليها، من المساء حتى الصباح، فتفعل فيه
فعل “المكواة”.
عودة إلى الوظيفة
أتت الفرقة على أغلب محافظات الوجه القبلي خلال أشهر الشتاء والربيع،
وكان عليها العودة إلى القاهرة، ليس للراحة، ولكن لأن الموسم الصيفي على
الأبواب. بالتالي، لا بد من الانتقال إلى محافظات الوجه البحري
والإسكندرية، وفعلاً كانت البداية في مدينة “طنطا” التي انتقلت إليها
الفرقة وبدأت بإعادة رواية “عشرين يوم في السجن” لشدة نجاحها مع جمهور
الوجه القبلي، وفي الوقت نفسه إلى حين انتهاء نجيب من ترجمة الرواية
الجديدة.
وفي صباح أحد أيام شهر أبريل من عام 1911، وبينما كان نجيب لا يزال
يتمدد على “المرتبة الجوالة” التي يصطحبها معه من محافظة إلى أخرى ومن بلدة
إلى أخرى للنوم عليها، وإذا بمن يطرق باب الحجرة:
* افتح يا غبريال.
ـ يا عالم حرام عليكم… أنا مانمتش طول الليل.
* أنت برضه اللي مانمتش… معك حق… منمتش طول الليل من “السيمافور” اللي
بيصفر طول الليل في مناخيرك.
= خلي عنكم هفتح أنا.
قام أمين أفندي وفتح الباب، ويا لهول المفاجأة، إنها السيدة لطيفة،
والدة نجيب الريحاني، انتفض الريحاني من فراشه، وهو يحاول أن يداري نفسه،
بل ويتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه، تسمرت عيناه مكانهما بينما راحت عينا
والدته تتجولان في الحجرة التي يعيش فيها ابنها الفنان… حجرة فقيرة أتت
عليها الرطوبة، وعدد من المراتب مفروشة على الأرض، وملابس وأغطية مبعثرة،
مكان لا يرقى إلى عيش الآدميين.
استقرت عينا السيدة لطيفة على عيني نجيب… الذي لم يقو على النظر
فيهما، فطأطأ رأسه خجلاً ما رأته والدته، وهو من كان يتحداها لأجل العمل
بالفن، فهل تحداها لهذا المنظر الذي يبعث على الحزن والأسى؟ هل تحداها وخرج
من بيته غاضباً لأنها رفضت أن يكون ابنها مجرد “مشخصاتي” أقرب إلى المشردين
في الشوارع؟!
فقد اجتهد من أجل أن يدخل في روعها أنه على أحسن حال في عمله من الفن،
وأنه ليس محتاجًا لخير يأتيه على يد أهله، ولكن أين ما كان يتحدث عنه، فقد
انكشف أمره وظهر جليا ما فعله به حبه للفن والتشخيص، وبدورها لم تدخر
والدته جهدا في إظهار نظرات من العتاب هي أقرب إلى الشماتة منها إلى أي شيء
آخر، ولم تنطق سوى بجملة واحدة تلقاها نجيب وهو ينظر في الأرض ثم هز رأسه
بالموافقة دون أن ينطق ببنت شفة:
ـ البس هدومك… وإذا لك حاجة هنا هاتها معاك… أنا مستنياك بره.
فقد وصل خطاب مسجل بعلم الوصول إلى نجيب إلياس ريحاني على عنوان منزله
“في القاهرة” من شركة السكر “بنجع حمادي” تدعوه فيه إلى العودة إلى استئناف
عمله بها.
حملت السيدة لطيفة خطاب الشركة وهي تطير فرحا، وبعد أن أضناها البحث
عن مقر الفرقة التي يعمل بها ابنها، والسؤال هنا وهناك، والتنقيب عن أسر
الممثلين، تسألهم عن أخبار أبنائهم، وأين يحطون الرحال، وأخيرًا اهتدت إلى
أنهم يقيمون في طنطا… فلم تتردد وهبت من فورها لاستعادة ابنها.
عاد نجيب ومعه متاعه، بصحبة والدته إلى بيته في حي باب الشعرية في
القاهرة، فلم تذهب السيدة لطيفة لمصالحة ابنها وإعادته بعد أن رق قلبها
لحاله أو إنها عرفت الظروف القاسية التي يمر بها، بل ذهبت لإحضاره لسبب آخر
أهم، فهي لا يهمها كيف يعيش بعيداً عنها، ولا كيف يأكل أو يشرب، فما دام
بلا وظيفة، فلا مكان له في بيتها، لكن عندما يصبح له وظيفة تبحث عنه بنفسها
وتعيده إلى بيته، فقد حدثت المعجزة وأرسلت إليه شركة السكر بنجع حمادي
خطاباً تخبره بأن الشركة قد أعادت تعيينه، وتطلب منه سرعة الحضور… حقاً
إنها معجزة… لكن كيف حدثت؟!
حدث خلاف حاد بين بعض موظفي الشركة وبين توفيق ميخائيل، غير أن الرجل
بما له من خبرة طويلة في مجال عمله، لم يترك خلفه خطأ يمكنهم الوقوف عليه
واستخدامه لفصله، بل إن رؤساءه وزملاءه أعياهم تصرفاته الصحيحة الملتزمة،
غير أنهم لم يطيقوه بينهم، ولا بد من البحث عن حيلة يبعدونه، فلم يجدوا سوى
إعادة غريمه المفصول نجيب إلياس ريحاني، فمن المؤكد أن عودته ستجعل توفيق
أفندي يقول: “حقي برقبتي” ويفر من الشركة مهما كانت الإغراءات أو الأسباب
التي تجعله يتمسك بها… لذا كان هذا سبب الخطاب الذي وصل نجيب لإعادته
للشركة.
لم يبت نجيب ليلته في القاهرة، بل استبدل ملابسه الرثة بأخرى نظيفة
مكواة، وتناول وجبة ساخنة حرم منها لأشهر طوال، وفي المساء كان جاهزاً
بحقيبة ملابسه، اتجه إلى محطة سكك حديد مصر، حيث وصل القطار إلى نجح حمادي
مع أول ضوء للنهار.
ما أن تسلم نجيب مهام عمله من جديد، حتى جلس إلى مكتبه ونظر إلى جدران
الحجرة، وأقسم بأنه لن يعود إلى التمثيل مهما حدث، ومهما كانت الأسباب،
وتكفي الليالي الطوال التي عاش فيها في الشوارع ونام فوق الأرصفة بلا مأوى
وبلا طعام!
تسلم نجيب عمله في شركة السكر، لكن ليس كسابق عهده، فعلى رغم أنه خرج
من الشركة مطروداً بفضيحة مدوية، إلا أنه عاد إليها مديراً للحسابات، فقد
رأى رؤساؤه إمعاناً في التضييق على توفيق أفندي، أن يكون نجيب هو رئيسه في
العمل وأن يكون من اختصاصه مراقبة أعمال توفيق، على عكس ما كان، كذلك لم
يدخر الرؤساء توصية قدموها إلى نجيب لأجل “تطفيش” توفيق أفندي.
وجد نجيب الفرصة سانحة أمامه، ليس فقط للانتقام من توفيق أفندي، بل
لينال رضا رؤسائه وتثبيت قدميه في هذه الوظيفة التي لم تكن تخطر له على
بال، ولو في الأحلام… وبدأ على الفور في تنفيذ مخطط قيادات الشركة، وبدأت
أحداث مسلسل “تطفيش” توفيق أفندي… غير أن نجيب لم يتوقع ما رأه.
(البقية في الحلقة المقبلة)
رفيق الشارع
في إحدى الليالي، وبينما كان يقطع رحلته اليومية من مقهى الفن إلى
منطقة الجزيرة في نهاية كوبري قصر النيل، وبينما يتلمس مكانه اليومي الذي
ينام فيه، تعثرت قدمه بشيء تحسسه فإذا برجل آخر سبقه، فنام إلى جواره من
دون أن يوقظه، وفي الصباح نظر إلى جواره ليتبين النائم، فإذا به يجد أحد
أقرب أصدقائه، الكاتب محمود صادق سيف:
* يادي الداهية السودة… محمود صادق؟ إيه اللي جابك هنا؟
ـ اللي جابني هو نفس السبب اللي جابك يا سي نجيب!!.
* عال قوي… أدي إحنا بقينا في فندق واحد… هاهاهاها.
وجد نجيب إلياس ريحاني رفيقاُ للرحلة اليومية، بل وأنيساً يمضي معه
الليل في هذا العراء، يوماً بعد يوم راح كل منهما يشكو حاله وسوء طالعه
للآخر، يلتقيان معا عند منتصف الليل في المقهى، يسيران معاً إلى حيث
ينامان، ويمضيان الليل في السمر والضحك والحديث حول الفن والتمثيل والكتاب
والأعمال العالمية، حتى يغلبهما النعاس، ويفترقان في الصباح، كل إلى طريق،
إلى أن جاءه صادق يوماً وهو مبتهج متهلل:
* اسمع يا نجيب عندي لك موضوع هيطير عقلك.
ـ اسم الله يعني هو ناقص… ما البرج اللي كان فاضل طار من النوم ع
الرصيف… وعلى كل قول ياسيدي… خير؟!
ـ الراجل صاحب “مكتب المعارف” يعرفني وكنت بتردد عليه من وقت للتاني…
لأنه كان ساعات بيكلفني أكتب له حاجات كده.
* القصد. وبعدين زهق منك يعني؟
ـ لا يا أخي اصبر بس. النهارده فاتحني في موضوع قلت له سبني أدورها في
دماغي وأرد عليك.
* خير يا سيدي.
ـ جاب لي رواية بتصدر في سلسلة اسمها “نيكولا كارتر” مكتوبة
بالفرنسية… وطلب مني أترجمها.
* عال… كده ضمنا أن “مكتبة المعارف” هتقفل.
ـ اسمع بس يا أخي بلاش تريقة… أنت عارف أني مليش في الفرنساوي.
* ما أنا برضه بقول كده.
ـ ما هو علشان كده أنا فكرت… إن أنت تترجم وأنا أصيغها بشكل أدبي… كل
أسبوع جزء من السلسلة… وهو هيدفع في الجزء ميه وعشرين قرش… أنت ستين قرش
وأنا ستين قرش… إيه رأيك يا أبو الأنجاب؟!
* ودي بدها رأي… أنت تستاهل ستين بوسة… لا يمني ع الجزء الأول.
الجريدة الكويتية في
25/07/2012 |