ماذا يعني أن تكون مخرجاً لأفلام بمستوى «افاتار» و«تايتانيك» و«ترمنيتور»
و«الأعماق» و«الغرباء» وغيرها من النتاجات السينمائية التي ذهبت بعيدا في
حصادها الجماهيري والمادي والفني.. خلف تلك الأعمال يقف مبدع كندي ألا وهو
جيمس كاميرون، الذي أصبح ملكاً لهوليوود.. ولعل النسبة الأكبر من جمهور
السينما العالمية، يتذكرون ذلك المشهد الذي يجمع بين ليوناردو ديكابيريو
وكيت وينسليت على ظهر السفينة «تايتانيك» حينما يصرخ «ليو».. «أنا الملك»
وهكذا يصرخ جيمس كاميرون كلما حقق فيلما.. وراح يحصد الملايين والجوائز..
وهو يستحق ذلك اللقب لأن عوائد أفلامه تجاوزت العشرة مليارات دولار.. وهو
أمر يضيف الكثير لخزينة هوليوود وصناعة الفن السابع.
سينمائي يذهب دائماً الى (التجديد) فمع كل تجربة سينمائية هنالك تقنية
جديدة، فكان في طليعة الصناع، الذين استخدموا التقنيات العالية في التصدير،
وكان ذلك في مرحلة متقدمة من الثمانينيات مع فيلم «ترمنيتور» والذي يتكون
من أجزاء عدة.
سينما جيمس كاميرون لا تذهب الى المغامرة بشكل عشوائي بل تحرص كل
الحرص على تحقيق تلك المعادلة الصعبة من التشابكات بين الانسان بكل ما
يمتلك من احاسيس ومشاعر، في مقابل سيطرة الآلة بكل أنواعها، من الإنسان
الآلي الشرير الى السفينة تايتانيك حتى بقية مفردات الحضارة التي تحاول
السيطرة على الانسان.. والعالم.
وتعالوا نتعرف عن قرب على هذا «الملك» وفلسفته وايضا مسيرته
السينمائية التي شكلت مفردات تميزه، فهو مخرج ومنتج وكاتب سيناريو ومبدع في
مجال استخدام التقنيات في عالم الفن السابع.
جيمس كاميرون من مواليد 1954 في أونتيرا في كندا، والدته شيرلي لو،
وهي فنانة وممرضة ووالده فيليب كاميرون وتعود أصول أسرته الى المهاجرين
الأوائل من سكوتلندا.
عاش في كنف أسرته مع شقيقه داني. ودرس في مدرسة ستافورد بالقرب من
شلالات نيجارا حتى انتقال اسرته الى كاليفورنيا عام 1971، حينما كان في
السابعة عشرة من عمره حيث راح جيمس يدرس الفلسفة.. ثم اللغة الانكليزية،
ولكنه فصل قبل الكورس الاخير.. بعدها عمل في وظائف عدة، من بينها سائق
شاحنة، وايضا الكتابة حينما يمتلك الوقت، وخلال تلك الفترة علم نفسه فنون
المؤثرات والتقنيات الخاصة بهذا الجانب الفني الخصب.
كان حريصا على أن يظل قريبا بكل حالة لها علاقة بالسينما بالذات تلك
التي تتعلق بمجال التقنيات.
وحينما شاهد النسخة الاصلية من فيلم «حرب الكواكب» عام 1977، جاءت
لحظة التغيير عندها قرر أن يترك الشاحنة، والذهاب الى دراسة صناعة السينما،
فدرس السيناريو ليكون قريبا من كتابة النصوص حيث كانت تجربته الاولى مع نص
مدته 10 دقائق من الخيال العلمي.
ومن هناك كانت البداية.. ولكنها جاءت عفوية.. ومرتبكة.
بعدها التحق بمعهد روجر كورمان الذي أتاح له أن يحقق عددا من الأعمال
ذات الكلفة الانتاجية الصغيرة، مع الاعتماد ايضا على المؤثرات والتقنيات
البسيطة حتى جاءت الفرصة للحصول على عمل مع فريق فيلم «معركة خلف النجوم»
1980، كما قام بعمل المؤثرات الخاصة بفيلم «الهروب من نيويورك» مع المخرج
جون كاربنتر أحد أهم صناع أفلام الرعب والخيال.
وفي عام 1984 كتب سيناريو فيلم «ترامنيتور» حيث قرر ان يبيع النص الى
احدى الشركات.. وظل يحاول طويلا حتى حصل على موافقة «هامدل بيكتشرز» الذين
وافقوا على أن يقوم بالإخراج أيضا.
وهنالك حكاية طريفة تروى حينما قابل جيمس كاميرون جيل اني هورد، والتي
كانت قد أسست شركتها تلك للانتاج، فكان ان عرض عليها جيمس بيع سيناريو فيلم
«ترامنيتور» بمبلغ دولار واحد مقابل أن يخرج الفيلم.. وعندها وافقت جيل..
وحقق كاميرون فيلمه الأول الذي وزعته شركة «أوريون» وقد اختار لبطولة
الفيلم النجم مفتول العضلات أرنولد شوارزنغر وتكلف الفيلم مبلغ 6.5 ملايين
دولار ولكنه حصد مبلغ اجمالي قدره 78 مليون دولار.
في الفترة ذاتها، كان كاميرون قد كتب سيناريوهات عدة مهمة ومنها «ترامنيتور»
و«الغرباء» و«رامبو» (الجزء الأول - الجزء الثاني)، وقد قام سلفستر ستالوني
بإجراء بعض التغييرات على السيناريو، ما دفع كاميرون الى رفضها.
مع المخرج ريدلي سكوت حقق كاميرون فيلم «الغرباء» 1979، وهو من رشح
النجمة سيغورني ويفر لتقديم الشخصية الرئيسة.
وتوالت النجاحات حيث كان يقترن اسم جيمس كاميرون بالانجازات على صعيد
الكتابة.. أو الإخراج أو حتى استخدام التقنيات.
وفي عام 1989 قدم كاميرون «الأعماق» الى جوار النجم ايد هاريس.
ومضت مسيرة الحصاد والنجاحات، ليقدم «ترمنيتور» الجزء الثاني 1991،
وبعده «كذب حقيقي» 1994.
ثم تأتي الخطوة الأبعد والقفزة الأكبر لتشكل نهاية مسيرة المرحلة
الأولى مع فيلم «تايتانيك» عام 1997 مستعيناً بعدد من النجوم الشباب بينهم
ليوناردو ديكابيريو والبريطانية كيت وينسليت. وتكون المفاجأة أن عوائد هذا
الفيلم تجاوزت المليار وثمانمائة مليون دولار من جميع الأسواق العالمية.
وقد ظل المحور هو العلاقة مع الآلة حيث تلك السفينة الضخمة، تتحول الى دمار
يغرق به الجميع ويتحول الحب الى ذكرى.
في بداية الالفية الثانية، قدم كاميرون «الرجل الوطواط» وانتظر طويلا
حتى يحقق النقلة الثانية الأهم في مسيرته مع فيلم «أفاتار» بتقنية الأبعاد
الثلاثية ليحدث نقلة سينمائية جديدة، حتى باتت السينما كتاريخ تسجل في
مرحلة ما بعد «أفاتار»، مشيرين الى أن كلفة الانتاج تجاوزت الربع مليار
دولار، وذلك لكلفة التقنيات المستخدمة في رسم العوالم الخاصة بهذا الفيلم
المدهش على صعيد الشكل والمضمون، حيث محاولة الهيمنة على منطقة بعيدة في
المجرة، ولكن النتائج تعري التدخل الأميركي الصريح في مصير العديد من
الشعوب.
ويبدو ان جيمس كاميرون يعشق (المشاكسة)، فبعد كم من الأعمال والمشاريع
التي تتعرض بالنقد للهيمنة الأميركية فإنه يحضر حاليا لتصوير عمل سينمائي
مستمد من رواية الكاتب الياباني الشهير نوستومو ياماغوشي والتي تتناول
الاعتداء على (هيروشيما ونجازاكي) بالقنابل الذرية ابان الحرب العالمية
الثانية، في فيلم يتوقع ان يثير كثيرا من الجدل في رصيد كاميرون أكبر عدد
من الجوائز في مجال التقنيات والحرفيات الفنية وكم آخر من الترشيحات لأكبر
عدد من الجوائز عن أفلامه مثل «ترامنيتور» و«رامبو - الدم الأول»
و«الغرباء» و«الأعماق» و«تايتانيك» و«أفاتار».
تعاون مع عدد بارز من النجوم، إلا أن هنالك عددا من الأسماء لطالما
تعاون معهم ومنهم «أرنولد شوارزنغر، وبيل باكستون وسيغورني ويفر وليندا
هاملتون وغيرهم».
وعلى الصعيد الشخصي فإن جيمس قد تزوج أربع مرات شارون ويليامز (1978 -
1984)، وجيل أني هورد (1985 - 1989) وكيث بيفلو (1989 - 1991) وليندا
هاملتون (1997 - 1999).
وتؤكد الاحصائيات في هوليوود أن أفلامه قد حققت عوائد تجاوزت العشرة
ملايين دولار وهو انجاز مادي رفيع المستوى.. ولهذا يطلق عليه حتى خصومه
اللدودين بأنه «ملك هوليوود».
جيمس كاميرون ليس مجرد مخرج أو منتج تقليدي، ولهذا فإن من يعملون معه
ممن اقتربوا منه، يعرفون بأنه صعب المراس، لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا
يوافق الا على أقصى درجات التكامل والابداع والتميز، ولهذا فإن العمل معه
يتطلب كثيراً من الصبر والجلد والتعب والاحتراف.. ولكنه في المقابل سخي الى
ابعد الحدود، ومسرف في الانتاج.. ومن يشاهد أعماله يعلم جيداً بأنه أمام
مبدع ومفكر.. وملك حقيقي للفن السابع.
النهار الكويتية في
26/07/2012 |