والغريب أن أغلب الأفلام تتوقف أمام «الوجود النسائي» الجديد واللافت
للنظر متجاهلة في أحيان كثيرة نجوما شباب استطاعوا هم أيضا بفضل موهبتهم
وشخصيتهم واجتهادهم فرض أنفسهم بقوة علي جماهيرنا التي تعودت منذ زمن
علي«عبادة الفرد» وتقديسه .. والرغبة بطول بقائه وعدم التخلي عنه حتي لو
تخلي الزمن نفسه عنه. هكذا مثلا رأينا هذا العام ظهورا قويا احتفي به
النقاد والجمهور معا لـ«حورية فرغلي» و«أروي جودة» علي سبيل المثال.. بينما
قل الاحتفاء بالنجوم الشباب إلي درجة الاختفاء أحيانا رغم أن هناك مواهب
كثيرة أطلت برأسها وأثبتت وجودها بقوة وشموخ. ستار الاهمال هناك أسماء
قديمة بعض الشيء .. ألقي عليها ستار من الاهمال إثر تجارب سينمائية
وتليفزيونية فاشلة.. اخذت حقها بفرصة أخيرة فانطلقت هادرة قوية تثبت
اصالتها وقدرتها علي أن تبعث من رقادها كهيثم أحمد زكي الذي خذلته تجربتان
سينمائيتان لم يحكم قيادتهما فأطاحا به إلي الأسفل ولكنه جمع أنفاسه كلها
مرة واحدة لينطلق عملاقا حقيقيا في «دوران شبرا» وليثبت أنه قادر حقا إذا
أراد أن يتجاوز «أسطورة أبيه» ليكوّن لنفسه اسطورة خاصة به. هناك حالة
مماثلة للنجم الشاب «يوسف الشريف» الذي خسر الجولة في فيلمه الأول مع روبي..
واعتقدنا أنه لن يكرر التجربة مرة أخري ولكن عناده وإصراره وثقته بنفسه
جعلته يلاطم الأمواج ويحاول مرارا وتكرارا اثبات قدراته وحضوره الخاص..
ورغم «الصمت الظالم» الذي أحاط بأدائه لفيلم «العالمي» وسيطرة شخصية «خالد
صالح» علي شخصيته في فيلم يوسف شاهين «هي فوضي» إلا أن ذلك لم يخذله وكرر
بعناد اقتحام ميدان صعب يشعر أعماقه أنه أهل له وأن لديه الاستعداد
والموهبة والإصرار ليتبوأ مقعده الحقيقي بين النجوم الشابة التي تستند
إليها السينما المصرية القادمة وهكذا في فقرة واحدة في مسلسل «المواطن
x» استطاع «يوسف الشريف» أن ينطلق هادرا مؤكدا وجوده الفني بأداء عذب
رقيق يختلط فيه العنف بالشاعرية والصدق الحقيقي بالموهبة لقد عوض «المواطن
x» «يوسف الشريف» كثيرا عن احباطات سابقة
وفتح لها بابا واسعا للأمل والمجد معا. قمقم البنا هناك أيضا «إياد نصار»
الذي خرج من قمقم «البنا» بسهولة ويسر كما خرج قبلا من «قمقم» المأمون
وأثبت أنه رجل لكل العصور وأنه من هذه الطينة الخاصة من الممثلين الذين لا
يهابون دورا بل إنهم هم من يصنعون الدور وليس الدور هو الذي يصنعهم.. إنه
انطلاقة فريدة ومؤكدة لممثل من طراز خاص من شخصية خاصة نفتقدها كثيرا ونبحث
عنها دائما في سينمانا الجديدة. لقد استطاع «نصار» في أدائه لدور رجل
المباحث في «المواطن
x» أن يجمع بين الخاص والعام في بوتقة واحدة صهرها بنار إنسانية حادة
جعلته يخترق القلوب كلها بيسر ونعومة وتؤكد مكانته كواحد من كبار ممثلي
جيله. في إطار هذا المسلسل نفسه علينا أن نتوقف أمام موهبتين تتحفزان
بدرويهما للانفلات من الإطار المحدود الذي وضعه المنتجون لهما ليتحولا إلي
«صمام أمان» لسينما جديدة مختلفة وهما «أمير كرارة» الذي رمي خلفه كل
أدواره النمطية السابقة وكشف لنا وجها جديدا مختلفا تتصارع فيه شتي العواطف
بتوازن دقيق ومحسوب. عمرو يوسف الذي ينطلق بتؤدة خطوة خطوة نحو بطولات يحلم
بها ويشعر أن بإمكانه تحقيقها، وإن كان عليه أن يأخذ الحذر الشديد من زيادة
الوزن التي بدأت تشكل في الفترة الأخيرة تهديدا كبيرا لانطلاقته. أداء مبهر
ويبقي أن نقف طويلا أمام الأداء المبهر لأحمد حلاوة في دور جاكوب اليهودي
في مسلسل «عابد كرمان» الذي لم يوف حقه من الإعجاب الذي يستحقه. حلاوة في
أدائه لدور اليهودي العاشق الحريص والمتلون والطيب القلب أحيانا والشرس
أحيانا أخري.. استطاع أن يقدم صورة مختلفة بعيدة عن النمطية لشخصية
«اليهودي» وأن يسبغ عليها رداء إنسانيا حلوا وأن يدفعنا أحيانا إلي التعاطف
معه.. لقد جمع بين رقة شاعرية تختفي وراء ستار من العادات والتقاليد التي
تحيط عموما بشخصيات اليهود خصوصا في أفلامنا ومسلسلاتنا.. أداء يستحق
الوقوف أمامه طويلا لأنه نتيجة مخزون وتجارب كثيرة عاشها الممثل في طريقه
الفني وجمعها أخيراً في بوتقة واحدة شديدة الاتقان والتأثير. كذلك لا يمكن
المرور بسهولة علي أداء «أحمد كمال» لدور مسئول من المخابرات في «دوران
شبرا» دور صغير استطاعت موهبة «أحمد كمال» أن تجعله دورا تاريخيا لا ينسي،
وشهادة إنسانية مدهشة عن عصر وزمن وأخلاق سادت حينا في مجتمعنا.. أداء
يستحق أن يعتبر درسا لكل من يعتقد أن الأدوار الصغري في عمل فني ما، يمكن
أن تمر مرور العابرين وأن تجربة أمينة رزق في «أريد حلا» و«ناصر» يمكن أن
تتكرر طالما هناك موهبة مضيئة وفنان كبير. الشوارع الخلفية كذلك يمكننا
التوقف أمام أداء «محمد الصاوي» في «الشوارع الخلفية» دور الحارس الصعيدي
الأمين لثلاثة إخوة جاءوا إلي القاهرة للعلم، وأرسله والدهم لرعايتهم
وحراستهم وتصريف شئونهم والذي يقع في حب خادمة تعمل في أحد الأدوار العليا
ويكتم حبه ثم يعلنه ثم يحبسه في أعماقه أو ينطلق به في لحظة نسيان هادرا
هائما معلنا عن نفسه.. دور شديد الدقة والصعوبة قدمه «الصاوي» بمقدرة فائقة
واستطاع أن يجذب إليه القلوب والتعاطف والفهم. لقد جعل الصاوي شخصيته في
المسلسل تمر وكأنها لحن كمان حزين ومؤثر يتخلل الأحداث ويسرقها أحيانا من
أصحابها الحقيقيين. أما «أحمد داوود» فهو يملك السر في عينيه وقدرته علي
التعبير من خلالهما ليثبت مقولة الراحل حسين كمال «أن الممثل هو قبل كل شيء
عينان تتكلمان» اسم داوود في «الشوارع الخلفية» انطلاق حقيقي لما نريده
دائما من فنان شاب وحضور قوي ووسامة داخلية وظاهرية احساس قوي دفين وشعور
عارم بالشخصية التي يجسدها ثم براءة حلوة تنطلق في الوجه والتعبير وتفتح له
دروبا ومسالك في قلب كل من يشاهده إنه خامة مدهشة تضع نفسها تحت تصرف
الأيدي الرصينة في سينمانا لتخلق منها ما تشاء ونافذة للأمل مفتوحة علي
اتساعها أمامه. لابد لي أن أتوقف أيضا أمام «محمد رمضان» الذي بدأ مشواره
الفني مقلداً أعمي للراحل «أحمد زكي» مستغلا سمرة بشرته ودقة ملامحه ولكنه
سرعان ما أحس أن هذا الشبه يشكل عبئا عليه وليس قوة يستند إليها فخرج إلينا
في أدائه الأخير في «دوران شبرا» يحمل خبرة خاصة واحساسا خاصا ورؤية مختلفة
للشاب الأسمر النحيل الذي يحمل في أعماقه غضب جيل بأكمله.. وليعبر بنظرة
واحدة عن كل ما في نفسه وعن كل ما يثيره أو يدفعه للصراع. لقد حرر «خالد
الحجر» في فيلمه «شوق» محمد رمضان من أسره إلي حد ما ولكنه في «دوران شبرا»
أطلقه «وحشاً» حقيقيا قادرا علي التهام كل من يحيط به. صور ممسوخة لقد نجح
«رمضان» في الخروج من قمقم «أحمد زكي» لينطلق وحده شابا لامعا ومثلا يحتذي
.. دون أن يكون مقلدا باهتا وصورة ممسوخة. وأختتم حديثي بالدهشة المدهشة
التي اصابتني لرؤية تجسيد «إبراهيم يسري» لشخصية طه حسين في مسلسل «إنعام
محمد علي» «مشرفة» أداء جدير بكبار ممثلي العالم، لقد استطاع يسري أن يعبر
عن شموخ طه حسين وكبريائه وإنسانيته وعمق ثقافته وثورته الحقيقية وعناده
الأدبي والإنساني في حركته وطريقة سيره ونظراته التي تشتعل نارا من وراء
نظارته السوداء، لقد أعاد لنا وللحياة طه حسين بكل ما تحمله هذه الشخصية من
كبرياء وثورة.. استطاع أن يتفوق علي كل من سبقه في تقديم هذه الشخصية
الأسطورية ووضع بذلك ختما من نار علي شهادة استحقاقه كواحد من كبار ممثلي
جيله بل ومن كبار الممثلين في كل مكان.
جريدة القاهرة في
20/09/2011
منتجو الدراما يلقون الكرة في ملعب
الفضائيات
بقلم : سهير عبدالحميد
بعد خروج مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» من السباق الرمضاني الماضي ورغبة
عادل إمام في عرضه فور انتهاء تصويره جعلنا أمام موسم تليفزيوني قادم
بعيدًا عن حلبة سباق رمضان الفكرة قد تلاقي القبول خلال الأيام المقبلة من
جانب عدد من النجوم والمنتجين بعد اعلان كل من هيفاء وهبي والمنتج مجدي
الهواري رغبتهما في عرض مسلسل «مولد وصاحبه غايب» بعد رمضان كذلك منتج
مسلسل «كاريوكا» الذي سوف يستكمل التصوير بعد عيد الفطر للانتهاء منه قبل
بداية 2012 استعدادًا لموسم جديد. منتجو الدراما رحبوا بالفكرة لكن هل
تستجيب الفضائيات والمعلنون؟ المنتج عصام شعبان يتمني أن يكون هناك أكثر من
موسم بخلاف رمضان لأن المنتج يتعامل بمنطق المكسب والخسارة مع الأعمال التي
ينتجها، بمعني أنه يجب أن يحقق المسلسل ربحا بخلاف تغطية التكلفة التي تم
صرفها علي المسلسل وبهذا المنطق فإن الفضائيات لن تشتري المسلسلات بنفس سعر
رمضان ولو أن الدقيقة الإعلانية في رمضان بـ 10 آلاف جنيه فلن يستطيع
المسلسل أن يحقق ربع سعرها في الوقت العادي، لأن كل ما يهم المعلن هو كثافة
المشاهدة ونظر لأن الأعمال الرمضانية تتكلف مبالغ باهظة للغاية فالحل كما
يري شعبان هو أن تقوم شركات الدراما بإنتاج أعمال متوسطة التكلفة لهذا
الموسم كنوع من التجربة ولو نجح الموضوع تنتج أعمالاً بميزانيات كبيرة.
وأضاف شعبان أن المسلسلات التركية تعرض طوال السنة لأن أسعارها أقل
وبالتالي لن يضر القناة لو عرضت خارج رمضان ونفس الحال للفضائيات ومع هذا
فإن كثافة المشاهدة لها تجلب إعلانات كثيرة. أما المنتج والمخرج مجدي
الهواري فيرحب بالفكرة ويؤكد أن نجم السينما عندما يدخل التليفزيون لابد من
تقديمه خارج رمضان حتي يخرج من المنافسة الشرسة التي نجد خلالها كمًا
كبيرًا من المسلسلات التي تعرض في رمضان ومهما كانت جودة العمل فلن يستطيع
أن يحصل علي نسبة مشاهدة عالية ولكن لو تم عرضه في موسم آخر فإنه سيحصل علي
نسبة مشاهدة أكبر وبالتالي لو نمي إلي علم المعلنين أن نجوم سينما كبار
امثال محمد سعد أو عادل إمام أو عمرو دياب سوف يعرض مسلسلهم مهما كان
ميعاده سيتسابقون علي حجز الدقائق الإعلانية بضمان اسم وشعبية النجم وهذا
ما اخترته لمسلسل «مولد وصاحبه غايب» الذي تعاقدت مع هيفاء علي بطولته
وأعتقد أن الفكرة تستحق الدراسة وإذا تكاتف المنتجون لتحقيقها سننجح ونخرج
من عنق الزجاجة والعرض الرمضاني وتكون هناك مسلسلات جديدة طول العام. فيما
أكد المنتج خالد حلمي أن وجود موسم جديد للدراما بخلاف رمضان أمنية من
الصعب تحقيقها هكذا وأضاف قائلاً لأن المعلنين هم الذين يحركون السوق
الدرامية بمعني أن سعر الدقيقة الإعلانية في رمضان أغلي من أي وقت عادي لأن
كثافة المشاهدة تتركز في رمضان وعلي هذا الأساس، الفضائيات تحدد ثمن
المسلسل الذي تشتريه وبالتالي أنا كمنتج أعمل علي ردود أفعال المعلن
والفضائيات. وأضاف حلمي أن 60% من تكلفة المسلسل يتم تعويضها من تسويق
المسلسل في رمضان سواء كان العرض حصريا أو بالتزامن بين أكثر من فضائية
والدليل علي ذلك أن المنتج محمد فوزي عندما خرج من السباق الرمضاني العام
الماضي بمسلسلاته الأربعة رفض عرضها في الأيام العادية وانتظر وقام
بتسويقها لرمضان القادم. وإذا كان بعض النجوم يطالبون بعرض مسلسلاتهم في
موسم جديد بعد رمضان فإن هذا الأمر صعب تحقيقه لأن المعلن إذا كان يشتري
مسلسلاً لشعبية بطله فإن الثمن الذي يشتري به في موسم عادي لن تصل لنفس سعر
رمضان وبالتالي فإن اسم النجم مهما كانت شعبيته لن يجبر المعلنين علي دفع
دقيقة إعلانية بسعر رمضان. أما المنتج أحمد الجابري فقد أيد الفكرة بشدة
مؤكدا أنها لن تصلح إلا مع المسلسلات ذات التكلفة المتوسطة لأن مسلسلات
النجوم لا تصلح سوي للعرض الرمضاني خاصة أن أسعار رمضان تختلف عن أسعار
باقي شهور السنة والمنتج هدفه الأساسي هو الربح إلا أن هذا لا يمنع من
إنتاج مسلسلات ذات تكلفة بسيطة وبوجوه جديدة يتم انتاجها وعرضها في مواسم
أخري لخلق مواسم جديدة حتي لا يحدث التكدس الرمضاني الذي يحدث كل عام كما
أنها فرصة جيدة لاكتشاف مواهب جديدة وإعطاء الفرصة لشباب النجوم لاظهار
مواهبهم. أما بالنسبة للأعمال الضخمة فمكانها الوحيد رمضان لأن الفضائيات
هي المتحكم الأول في هذا الأمر من خلال الوكالات الإعلانية المسيطر
والمهيمن علي سوق الدراما. ومن جانبه رفض المنتج صفوت غطاس الفكرة جملة
وتفصيلا لأنه يري أن مسلسلات كبار النجوم لا يمكن عرضها إلا في رمضان لأن
الجمهور متعطش طول العام لرؤية نجمه المفضل الذي سيراه في رمضان أما إذا تم
فتح أسواق جديدة للدراما وتم زج مسلسل فمسلسل كل شهر لن يكون هناك أي جديد
ينتظره المشاهد كما أن المنتج سيخسر لأن نسبة المشاهدة تكون أقوي في رمضان
وبالتالي كم الإعلانات سيؤثر بشكل كبير مما سيؤثر بالتبعية علي أسعار بيع
العمل مقارنة بميزانية العمل الضخمة وهي خسارة كبيرة للمنتج.
جريدة القاهرة في
20/09/2011
«أبواب
الخوف».. الواقع والخيال
بقلم : رشا ماهرالبدري
ليس كل ما يحدث حولنا أو لنا له بالضرورة تفسير عقلاني منطقي، فالنزعة
الإنسانية للحب نولد بها في هذه الحياة.. نشعر بألفة وأنس تجاه أفراد
بعينهم فيصبح الإنسان حيوانا اجتماعيا بالفطرة لا يستطيع أن يحيا بدون
الآخر، ونشعر بحنين وود تجاه فرد بعينه فيصبح الشبيه يدرك الشبيه، أو أطراف
المغناطيس المختلفة التي تتجاذب.. إلخ. هذا الأمر يعد مدخلًا شبه مباشر
للعالم الميتافيزيقي الواقعي الذي طرحه العمل الدرامي المصري المثير للجدل
"أبواب الخوف"، والذي يعد أول عمل عربي يؤصل دراما الرعب بنكهة محلية
عالمية تعزف علي أوتار الإنسانية. الخوف من المجهول الخوف غريزة أساسية لدي
سائر الكائنات، لكن غالبية المخاوف الإنسانية مكتسبة؛ الخوف من الألم، من
المواجهة، من المصير، الفقد، العوز، من ذكريات خانقة بغيضة، من موت مادي
ومعنوي، من الغيب، من جهل سديم وعلم شديد الخصوبة، من الوحدة، الاغتراب، من
الانصهار في آخر فنضحي فناء، من النسيان، الهزيمة، الفشل، المجهول المطلسم،
من الظلم، الخيانة، عقل يملؤه الكره، من الفراق.. ومن شر الزمان! هكذا
تتنوع حلقات عملنا الدرامي الخمس عشرة حلقة ما بين انتقام السماء من جحود
الأبناء وطمعهم، وأمومة اغتيلت ثمارها لتتجسد في لوحة تنتقم، وأرواح تم
استدعاؤها في لعبة ثلاثية نسائية لتنتقم ممن استحضرها، والخيانة الزوجية في
أرض نائية فتضحي الأرض المسكونة المرعبة والمهدرة للدماء والراغبة في
الدمار وإشعال النيران، والشعور بالذنب لأخذ ما ليس لنا كالشعر المستعار
المأخوذ عنوة من أصله الحزين. ومن أكثر الحلقات رعبًا علي مستوي الفكرة
والتصوير والبناء الدرامي ثمانية هي: الأولي "انتقام السماء" عن الجشع
والشغف بالمال فيقتل الابن أبيه المريض، والثانية "سيدة اللوحة"، والثالثة
"سنترال" عن الطمع والحاجة الشديدة لدرجة قتل النفس بغير حق والتخطيط
الدقيق لذلك، فيسكن المكان أرواح القتلي لتفشي بقاتلها. والخامسة "المسخ"
والتي تعد من أقوي الحلقات وأكثرها جمالًا في التصوير والأداء والتأليف،
فلم يفارقني مشهد البطل/المسخ/ أمير كرارة أثناء مواجهته مع النفس حينما
حلم بمساعدة مجموعة من الأفراد الغرباء بحمل كفن لدفنه في ليلة ممطرة حالكة
الظلام فإكرام الميت دفنه.. ليكشف عن الكفن حين دفنه فيجد نفسه/مسخه داخل
التابوت... وهذا يمثل صراع الإنسان مع مرايا نفسه، وهنا يتم علو النفس
الخيرة ودفنها لجانبها الشرير/المسخ. ثم تنتهي الحلقة بانفعال البطل في
موقف درامي ليغضب غضبًا عارمًا، فيوقظ المارد ليتجسد أمامه فيقتل الإنسان
معنوىًا ومادىًا، لينتصر. والسادسة "الاستحضار"، والثامنة: الأفاعي، الحية،
الرغبة، الغدر، الإغواء. الحادية عشرة "نباش القبور" الذي يأخذ أحرازاً من
الموتي، جزءاً من الأعضاء: شعر، ظفر، عقلة، ضرس، سِنة، جزءاً من اللسان أو
الأذن.. إلخ لفعل بعض الأسحار أو ما يسمي بالسحر الأسود. وأخيرًا، الحلقة
الرابعة عشرة "سر المرأة الممسوسة" ودفنها لأعمال سحرية مع الموتي. الدوامة
الكونية يري فيلسوف ومؤرخ يوناني يدعي كزانتزاكيس "أن الكون أشبه بإيقاع
ممتد دون انقطاع، من قبل ظهور الإنسان علي سطح الأرض.. هذا الإيقاع هو
مسيرة اللامرئي.. دوامة مركزها الإنسان". والفكرة الأساسية تعتمد علي العلم
بأمور أو العلم عامة غير القائم علي أسباب منطقية، وليس أيضًا وحيا كما لدي
الأنبياء وإنما علم قَدَري قائم علي حكمة إلهية غامضة ترحم بها البشر
فتختار أناس بعينهم تسقيها هذا العلم اللدني، كما في قوله تعالي عن أحد
عباده، سيدنا الخضر عليه السلام، «عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَىْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا» وهم
العارفون بالله تبعًا لتراثنا الصوفي خاصة والشرقي عامة. الفكرة تعتمد في
إيضاحها علي درجة الإحساس وشدة الألم، وكأن هذه النوعية من الناس "وتر
مشدود" بين هذا وذاك.. بين الإحساس والألم. والكون كله فوق ميزان، أي حاجة
تحدث فيه تؤثر فينا، وليس لنا بالسؤال عن كيفية حدوث ذلك، لكن علينا أن
نعمل المفروض علينا عمله، فالعارف دوره مهما طال محدود، وعليه توصيل
الرسالة بطريقته الخاصة والباقي ليس من شأنه، فالأدوار مرسومة ومن يحاول
الخروج عنها أو لعب دور ليس له سيضر ذاته ومن يحاول مساعدته، وهذا عن لسان
الفنان رشوان توفيق/الدكتور إبراهيم رافع أحد العارفين بالمسلسل، وكأنها
ترمي لفكرة الخطة القدرية والمؤلف الأعلي. الباب الأخير إن العمل الدرامي
"أبواب الخوف" يسير في خطين دراميين في غاية التشويق وعلي نفس الدرجة من
الجوهرية، الأول حياة شاب(عمر واكد/آدم ياسين/ العارف الشاب) مترجم بجريدة
ما، له زوجة وابنة جميلة يهجرهم ليسكن في بيت جده( جميل راتب/ حسن
الكاشف/عارف عبدالنور/ العارف) بسبب الأحداث أو المكاشفات التي تحدث له،
فيأتي الخط الثاني وهي القصص التي يرويها ذلك الشاب علي صفحات جريدته،
ويجعلنا المخرج أحمد خالد في انتظار متابعة الجديد في الخطين. تتطور
الأحداث لدرجة انتقال روح البطل -علي نحو مكثف- داخل الأحداث التي يراها،
وأحيانًا يتجسد دور الضحية. وعلي مدار الثلاث حلقات الأخيرة تحذير مباشر من
محاولة التدخل في سير العملية-الحدث المرئي من جهة البطل/ العارف، علي غرار
"كل شيء مقدر لسبب"، وليس بالضرورة سبب منطقي. وفي شدة اليأس وغلق كل
الأبواب المألوفة أو المتعارف عليها، يصل العارف للباب الأخير. يوصد العمل
علي نهاية مفتوحة تجعلنا في شوق وحيرة مما سيحققه العارف الصغير/آدم ياسين
حينما يحصل علي كتاب جده الكاشف/العارف الكبير كتاب "الباب الأخير"، ذلك
الكنز الذي يحوي سر وقدرة تَحكُّم العارف في بعض الأمور التي بدورها ترتبط
بالزمن "ماضي وحاضر" وربما مستقبل.. أي أنه بفضل تطور خبراته ووعيه وطاقته
أو هبته من لدن عزيز حكيم، قد يستطيع معرفة بعض الأحداث والتحكم بقدر ما في
مسارها. أبواب الخوف عمل جماعي بطولة: جميل راتب، رشوان توفيق، رءوف مصطفي،
خليل مرسي، عمرو واكد، ريهام أيمن، رانيا شاهين، قصة وسيناريو وحوار: محمود
الدسوقي، أحمد خالد، محمد سليمان، موسيقي: سامي سيد، إخراج أحمد خالد..
وسأترك الحكم للنقاد الفنيين والمشاهدين.
جريدة القاهرة في
20/09/2011
«الجزيرة
مباشر» ضحية أم جاني؟
بقلم : سهي علي رجب
أثار قرار إغلاق مكتب "الجزيرة مباشر مصر" الكثير من اللغط والمشكلات
والجدال حول حرية الإعلام في مصر بعد الثورة، ففي حين أكد أسامة هيكل وزير
الإعلام، أنه لن يتم غلق أي قناة فضائية حاصلة علي التراخيص القانونية، نجد
بعض الأصوات تتعالي باتهامه بقمع الحريات وتكميم الأفواه. وهنا نرصد كل
الآراء من اتفقوا ومن اختلفوا مع رأي هيكل. في البداية أشار وزير الإعلام
إلي أن موضوع "الجزيرة مباشر مصر" أخذ أكبر من حجمه، وأن إغلاق القناة بسبب
عدم حصولها علي أي نوع من التراخيص القانونية، لا تراخيص المزاولة، ولا
المراسلين الأجانب، كما أنها لم تحصل علي التراخيص الخاصة بوحدة البث،
واصفاً من يتحدث عن إغلاق الجزيرة بأنه إرضاء لإسرائيل "بأنه مختل". أشار
"هيكل"، في تصريحات صحفية له علي هامش اجتماع مجلس الوزراء، إلي أن إغلاق
قناة "الجزيرة مباشر مصر" ليس له علاقة بمحتواها، وليس كما يشيع البعض بأنه
ردة عن حرية الإعلام، مشيراً إلي أنه ليس من المنطقي الحديث عن ردة في
الحريات في ظل ثورة قامت لتنادي بالحريات. طالب "هيكل" قناة الجزيرة
باللجوء للقضاء، ورفع دعوي قضائية ضد الحكومة إذا كانت لديها أي نوع من
تراخيص المزاولة أو البث. أضاف هيكل: "علي المتباكين علي قناة الجزيرة، أن
ينظروا إلي سيادة القانون، وهذا الموضوع ليس له علاقة بحرية الإعلام..
وإنما يخص السيادة فقط". أوضح، أنه لدينا 200 مكتب خارجي حاصل علي التراخيص
الخاصة، و925 مراسلاً أجنبياً حاصلين علي التراخيص الخاصة من هيئة
الاستعلامات، كما أن القنوات التي تؤسس كشركات مساهمة تحصل علي التراخيص
الخاصة بها من الهيئة العامة للاستثمار، معترفا بتعدد الجهات المانحة
للتراخيص. في سياق مختلف، أكد "هيكل"، أن تفعيل قانون الطوارئ مرتبط
بالأحداث التي تشهدها مصر في الوقت الحالي، مناشدا القوي الوطنية بعدم
الانسياق وراء إثارة الفتن، مشيراً إلي أن مجلس الوزراء "أوصي" خلال
اجتماعه اليوم بإحالة المتهمين في قضايا البلطجة إلي محاكم أمن الدولة
العليا طوارئ بدلا من المحاكم العسكرية. وصف وزير الإعلام، الذين قالوا إن
إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، جاء لإرضاء إسرائيل، بأنهم مختلون عقليا،
مشيرا إلي أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، لأن الإغلاق تم بسبب عدم حصول
القناة علي التراخيص القانونية، لا تراخيص مزاولة المهنة ولا المراسلين
الأجانب، كما أنها لم تحصل علي التراخيص الخاصة بوحدة البث. وأضاف هيكل أن
إغلاق القناة ليس له علاقة بمحتواها، وليس كما يشيع البعض، بأنه ردة عن
حرية الاعلام ، مشيراً إلي أنه ليس من المنطقي الحديث عن ردة في الحريات،
في ظل ثورة قامت لتنادي بالحريات، ودعا الوزير قناة الجزيرة إلي اللجوء
للقضاء، وإقامة دعوي قضائية ضد الحكومة، إذا كان لديها أي نوع من تراخيص
المزاولة أو البث. تراجع الحريات من جهته أكد أحمد زين رئيس قناة الجزيرة
مباشر مصر أن قرار إغلاق القناة هو عودة لسياسات النظام السابق بكل آلياته
ووسائله القديمة. وأرجع زين سبب إغلاق القناة لرفع قضيتين علي القناة
أولهما من أحد الجيران والذي ادعي أنه متضرر من وجود الجزيرة في البناية
مقر القناة بجانب أحد المحامين المغمورين والذي رفع قضية علي القناة مدعيا
تضرره من وجودها في مصر لدعوتها للاعتصام والتظاهر ووقف عجلة الإنتاج. أشار
زين أن ذلك الأسلوب هو نفسه أسلوب النظام السابق الذي يصدر أحد المحامين
المغمورين من أتباعه ويتخذهم حجة لإحكام القبضة الحديدية علي الإعلام حتي
لا يظهر في الصورة بشكل المانع لحرية الرأي والتعبير. في سياق متصل أكد زين
أن القناة الإخبارية للجزيرة مصر أزعجت السلطات الحاكمة متوقعا شيئا يحاك
في الظلام لمستقبل البلاد ويرجي منع وسائل الإعلام من كشف الحقيقة
للمصريين. أكد زين علي عودة القناة للبث خلال ساعات مشيرًا إلي أن جميع
إجراءاتهم قانونية و سليمة وهناك موافقات من مدينة الإنتاج الإعلامي. في
حين أكد زين أن الجزيرة تتابع الأحداث في مصر دون عائق من خلال مكاتبها
بالدول العربية مضيفا :''مستمرون في اتخاذ الاجرئات القانونية لإعادة فتح
القناة من جديد في مصر حفاظا علي أرزاق أكثر من 70 عاملا وموظفا وصحفيا في
القناة''. أما الدكتورة إيناس أبو يوسف -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- فقد
قالت إن اقتحام مكتب الجزيرة بالقاهرة وأخذ جهاز البث أمر مرفوض تحت أي
مسمي وهو بالفعل تراجع عن حرية الإعلام رغم نفي الوزير فحتي مع عدم استكمال
التراخيص المطلوبة لايجوز أن يتخذ قرار إغلاق مكتبهم والإجراء الصحيح هو
إرسال إنذار مرفق بمهلة محددة لاستكمال الإجراءات القانونية ، يوسف أضافت
أنه من المخجل أن يستمر الوزير في الدفاع عن القرار رغم عدم صحته وفقا
للقانون الذي يبرر به قراره. مؤامرة فيما دعا حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة
المصرية لحقوق الإنسان الحكومة للالتزام بتعهداتها الطوعية فيما يخص حماية
حرية الرأي والتعبير والصحافة. وشدّد علي "ضرورة قيام الهيئة العام
للاستثمار بتحديد قواعد واضحة ومحددة تلتزم بها القنوات الفضائية". أما
"سعيد عبدالحافظ" - مدير ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الانسان - قال : "إننا
توقعنا قيودا علي حرية الإعلام والرأي والصحافة منذ قرار الحكومة بإعادة
منصب وزير الإعلام،وبعد المطالب الجماهيرية التي طالبت بإلغائه"، واصفا وقف
تصاريح بث قنوات جديدة إلي جانب الحملة الإعلامية ضد منظمات المجتمع
المدني، ووقف بث قناة الجزيرة، واقتحام مكتبها، ما هو إلا عودة للسياسات
السابقة، مؤكدا علي أن هناك موقفا معاديا من قبل الحكومة الحالية لحرية
الإعلام والصحافة الذي يعلم الجميع أنها تلعب دورا مهما في مرحلة الانتقال
الديمقراطي. أضاف "عبد الحافظ" أنه من الضروري أن تقوم الجماعة الصحفية
والإعلامية وأن تمارس حقها في تداول المعلومات وحرية الحصول عليها ونقلها
دون قيود، بجانب أن يقوم المجتمع المدني بدوره في الدفاع عن الإعلام وبأن
يسمح له بأداء رسالته وتوعية المواطنين بأهمية دور الإعلام في مختلف مشكلات
المجتمع والسعي لحلها من خلال وسائل الإعلام المختلفة. فيما اعتبرت
الإعلامية "بثينة كامل"- والمرشحة المحتملة للرئاسة - أن ما يحدث ما هو إلا
مؤامرة أكبر من الإعلام، موضحة أن المؤامرة ليست من العسكر فقط، وإنما
بالاتفاق مع مجموعة من الإعلاميين والمثقفين، مشيرة إلي الهجوم الذي تم علي
منظمات المجتمع المدني، موضحة أن المخطط الرئيسي هو استمرار حكم العسكر،
مثلما حدث بعد ثورة يوليو، مدللة علي ذلك بحملة تكميم الأفواه، والقبض علي
الثوار، ثم غلق القنوات. هروب القنوات قال المحامي والناشط الحقوقي "نجاد
البرعي" : "إن المجلس العسكري الآن في حوار بمفرده ونحن نواجهه، لكن بدون
فائدة، نحن في وضع لابد من التحالف لمواجهته والتصدي له وإلا سنكون جميعا
داخل السجون، مؤكدا أن أسوأ مخاوفنا قد تحققت، وهي التعرض لأزمات تذكرنا
بأزمات عصر مبارك، عصر تكميم الأفواه، مضيفا أن الحل الوحيد هو إجراء
الانتخابات في أسرع وقت". أما "محمد فائق" - رئيس المجلس القومي لحقوق
الإنسان - قال : "إن وقف بث محاكمة مبارك وجلسة موقعة الجمل وأخيرا إغلاق
مكتب الجزيرة، من الممكن أن يكون له تداعيات ولابد من وقفة جادة"، واصفا
الموقف بالخطير للغاية، مشيرا إلي أن فكرة إلغاء القنوات سيترتب عليه تهرب
القنوات من طلب البث وبالتالي يتم الإغلاق علي أنفسنا بدلا من الانفتاح
وتداول المعلومات بشكل أسهل. وأشار فائق إلي أن المجلس القومي لحقوق
الإنسان سيجتمع لدارسة هذا الأمر والوقوف علي أسبابه الحقيقية. فيما أشار
الخبير الإعلامي أحمد حافظ إلي أن "جميع المهتمين بالشأن العام المصري قد
اتفقوا علي أن التناول الإعلامي لبعض هذه القنوات للقضايا ذات الأبعاد
الطائفية قد ساعد علي تأجيج مناخ الطائفية". وأضاف أن "الجميع فخور بأن
الإعلام الخاص أصبح له مكانة في المجتمع وأصبح يؤدي دوره في رفع سقف
الحريات، إلا أن الإعلام يجب أن يكون مسئولاً وغير محرض علي العنف وكره
الآخر، بل يجب أن يكون لاعباً في مكافحة الإرهاب وليس لاعباً في تربيته".
جريدة القاهرة في
20/09/2011 |