لأنه دائما يبحث عن التميز والاختلاف، ويمتلك مقومات النجاح، لم تشغله
آراء المعارضين لتجسيده شخصية عالم الذرة المصري مصطفي مشرفة، ولأنه نجح
باقتدار في أن ينقل للمشاهد روح الفنان الراحل فريد الأطرش في مسلسل
"أسمهان" دخل السباق بثقة هذا العام وراهن علي رومانسية وعبقرية عالم جليل
بحجم مشرفة حاملا معه من مقومات النجاح بضع لغات يجيدها بطلاقة وقدرة علي
عزف الموسيقي باحتراف مع روح فنان قادرة علي التحدي لمثل هذه الأدوار التي
تحتاج لفنان حقيقي. في حوارنا مع الفنان أحمد شاكر عبداللطيف، يروي لنا
تفاصيل المغامرة التي تفرغ لها أكثر من عامين وسر الكيميا التي جمعته
بالمخرجة إنعام محمد علي كما تحدث عن مفاجأة يحضر لها مع نفس المخرجة عن
شخصية أثارت الرأي العام والعالمي طوال ثلاثين عاما، بدأت من المجد وانتهت
خلف الأسوار.
·
منذ عدة سنوات وأنت تتجه لتقديم
أعمال السير الذاتية، وكان آخرها شخصية العالم المصري مصطفي مشرفة .. هل
كان هذا مصادفة أم تخطيطا مسبقا ؟
تعلمت من التاريخ الفني الطويل للفنان الراحل أحمد زكي ان الادوار
التي تصنع تاريخا للفنان هي أدوار السير الذاتية وهو ما فعله الراحل مع طه
حسين وعبدالحليم وعبدالناصر والسادات وغيرهم وأري أنه لون مهم جدا في
الدراما، لأن الشعب العربي يعشق التاريخ ويتعلم منه الدروس والعبر وهذا ما
توفره اعمال السير الذاتية إضافة إلي أنها تضع قدرات الفنان في امتحان صعب
وعن نفسي أعشق التحدي والأدوار المركبة والصعبة.
·
لكن حياة عالم كبير بحجم مشرفة
لم تكن لتجذب سوي طلاب العلم فقط؟
كل دور وله صعوبته فعندما قدمت شخصية "فريد الأطرش" حرصت ان تكون كما
رآها الناس من خلال وجهة نظري الشخصية اما في حالة مشرفة فأنا أقدم وجهة
نظر بحتة، خاصة أن مشرفة ليس له صور كثيرة أوتسجيلات او افلام فاستبدلت
خوفي بالإيمان بدور مشرفة وقيمته واحببت الشخصية عندما قرأت عنها واستبدلت
الصورة التي كونتها بذهني عن حياة العالم الجافة فاكتشفت أن حياته مليئة
بالتفاصيل والمواقف الطريفة جدا من خلال قصص حب وسفر وعلاقات انسانية دافئة
لعالم كان يكتب الموسيقي ولديه تأملات بالحياة من النواحي الدينية
والسياسية فشعرت وقتها أنني وقعت في غرام هذه الشخصية التي أرفع لها القبعة
احتراما.
·
كيف وصلت ــ كما شاهدنا ــ إلي
روح الشخصية شكلا و مضمونا؟
عندما أشاهد نفسي في أي دور قدمته من ادوارالسير الذاتية، اكتشف أنه
لو طلب مني اعادة تمثيل الدور فلن استطيع ان اصل لدرجة الاجادة، فأنا كفنان
أضع نفسي مكان الشخصية، فأصل إلي عمقها وهنا تحضرني كلمة رائعة قالها
الكاتب الراحل اسامة انور عكاشة علي الهواء بعد نجاحي في دور فريد، قال لي:
برافو يا أحمد فرديت عليه التمثيل عجبك فقال :لا طبعا اللي عجبني أنك عرفت
ازاي تحضر روح فريد ومن وقتها اعتبر تمثيل الادوار الذاتية هي اعادة
استحضار للروح بشكل جمالي وممتع.
·
ألم يزعجكم كصناع للعمل أن قاعدة
عريضة من المشاهدين قد لا يروقها متابعة مسلسل يتناول حياة عالم ذرة في ظل
وجود اعمال درامية وكوميدية واجتماعية خفيفة؟
بلاشك هذه المخاوف راودتنا منذ البداية كفريق عمل وبالتأكيد اي منتج
يقدم علي عمل يبحث عن شيء مليء بالعناصر الجذابة والجريئة، و يحسب لمدينة
الانتاج مجازفتها بالعمل وايمانا منا كفنانين، قررنا ان نكون قدوة للجمهور
العربي ولأن مصر تستحق أن تسير باتجاه افضل مما كانت عليه بعد ثورة يناير.
·
هل تري أن أحمد شاكر كان الأنسب
للدور أم أنها رؤية مخرجة فقط ؟
مدام إنعام حملتني مسئولية كبيرة جدا وكنت قلقا جدا عندما قالت لي
انني بحثت في جميع فناني مصر ووقع اختياري عليك فأرجو ألا تخذلني، لذلك
قرأت كثيرا عن حياة مشرفة لأن البطولة هذه المرة مطلقة فكان لابد أن ابذل
مجهودا مضاعفا عن كل ما قدمته من قبل .
·
معني ذلك أن ثقافتك واجادتك
للغات كانت من بين عوامل اختيارك للدور؟
درست في المدرسة الألمانية للغات وكنت " علمي علوم" وأدرس هذه المواد
الصعبة بلغتها الأصلية، وكنت اسأل نفسي ماذا سأستفيد من هذه الدراسة الصعبة
فقد كنت أشعر أنني سأكون فنانا، والآن اكتشفت أن هذه الدراسة أفادتني
كثيرا.
·
هل كانت الفرصة هذا العام أفضل
بسبب قلة الأعمال الدرامية المنافسة مقارنة بالعام الماضي؟
بعد الثورة وبعد توجه البلد نحو البناء والنهضة، اعتقد أن دور العلم
سيكون مهما جدا في هذه الفترة واعتبر أن سر جمال هذا العمل في أنه يبسط
معني وقيمة العلم بعيدا عن التعقيدات والطلاسم، فنحن دائما في مصر نخشي من
العلم ونشعر أنه شيء مركب ولأننا بطبعنا نميل للبساطة فكان كل ما يشغلنا أن
نسلط الضوء علي حياة العالم وانه بشر مثلنا وليس كائنا من نوع خاص، فهو يحب
ويسافر ويعزف الموسيقي ويسهر مع أصدقائه.
·
كيف كان استعدادك لتجسيد شخصية
مشرفة؟
استعنت بمذكراته الشخصية التي كتبها بنفسه، بالاضافة الي تعاون اسرته
معنا بامدادنا بكل ما نحتاجه من معلومات عنه وصور خاصة به شخصيا، وهو ما
ساعدني ايضا أن اقترب من ملامحه الشكلية أيضا .
·
بعد تجسيدك لشخصية مشرفة، كيف
يراه أحمد شاكر الانسان؟
هو انسان مبدع بالفطرة وعبقري، يمتلك قدرات تميزه عن غيره فكان لديه
مثلا احساس مبكر بالمسئولية بعد وفاة والده ووالدته وهولم يبلغ بعد 11عاما
وكان وقتها اكبر اشقائه وشعر وقتها بالمسئولية تجاه اسرته الصغيرة فبذل
اضعاف المجهود الذي يمكن أن يبذله شخص آخر وفي النهاية تحول شعوره
بالمسئولية تجاه اسرته الصغيرة إلي بلده الاكبر فقدم اشياء جليلة لمصر حيث
كان يتمتع بالمنح والعطاء لكل من حوله وليس العكس . ـ تعرضتم، دون تصريح
واضح، ومن خلال العمل للغز وفاته الحقيقي .. لماذا؟ حدث نوع من التلميح بعض
الشيء لاننا لا نريد بالنهاية أن نرهب الناس من دراسة علم الذرة، فالهدف من
المسلسل التأكيد علي قيمة العمل اكثر من أي شيء آخر.
·
لكن أصابع الاتهام اتجهت نحو
الموساد الاسرائيلي وتورطه في مقتله .. أليس كذلك؟
فعلا وفاة مشرفة في وقت مبكر جدا وبدون اي سبب، كانت لغزا محيرا خاصة
أنه كان رياضيا ولا يدخن، كما كانت لديهم عاملة بالمنزل وجدوها في اليوم
التالي من هروبها مقتولة بشقتها وهذا لم نستعرضه خلال احداث المسلسل لأن
العمل ينتهي بوفاة مشرفة ولكن تلك الواقعة رويت علي لسان ابنته التي
أكدتها، وكل هذه مؤشرات تؤكد أن مشرفة تم اغتياله أو تسميمه داخل المنزل
ولكن لم يتم التحقيق في ذلك لأن الملك وقتها لم تكن علاقته بمشرفة جيدة فلم
يتم عمل تحقيق رسمي، وغابت الحقيقية الي الآن .
·
هل كانت المرأة تشغل جانبا مهما
وكبيرا في حياته؟
مبتسما .. واضح أن دور الست مهم جدا، لو كانت كويسة تخليه يبدع وقد
تساءلت كيف كان يعمل مشرفة وفي قلبه كل هذه المشاعر لامرأة، ويبدو أن هذا
كان سر عبقريته فقد كان رومانسيا جدا "برج السرطان" ورغم ارتباطه بقصة حب
عنيفة مع فتاة إنجليزية، نجده يتزوج في النهاية من امرأة مصرية تقوم علاقته
بها علي الحب والرومانسية، فعندما نشاهد العمل نستشعر كما لو انه عمل
رومانسي في المقام الأول .
·
تعاونت من قبل مع المخرجة إنعام
محمد علي .. كيف تري العمل معها؟
العمل معها مرهق جدا لأنها تبحث عن الاجادة، والتي لا تتحقق مع اول او
ثاني محاولة، فهي لديها دقة شديدة لصالح العمل وعلي الفنان ان يتحمل وهذا
ما جعلني اتفرغ لمدة عامين معتذرا عن أعمال اخري كنت البطل بها العام
الماضي ولكن الفكرة أنني أنظر دائما للكيف وليس للكم .
·
هل تري أن وقوف هنا شيحة أمامك
في بطولة مطلقة لها كانت مجازفة من إنعام محمد علي؟
إنعام محمد علي لا تستعين بالنجوم لكنها تصنع نجوما فهذه هوايتها
وتنافس بهم النجوم الكبار والدور دائما لديها مرتبط بالشخصية التي يلعبها
فلا تحب الاستسهال في عملها فاحيانا تجد لدي بعض النجوم شعور بالنجومية
أثناء العمل فيضعف الشخصية، أما هي فتتحدي من خلال كل دور تقدمه وتراهن علي
النجم كما حدث مع صابرين في ام كلثوم .
·
بعيدا عن مشرفة ألم تفكر في
الاتجاه للسينما؟
أري أنني حققت نجاحا في التليفزيون اكثر وعرضت علي ادوار في السنيما
ولكني ابحث عن الشكل الجديد الذي اظهر من خلاله فالسنيما لا تستوعب كل
مجهودي، والكرة الآن في ملعب الدراما التليفزيونية تقدم اعمالا قريبة من
واقع حياتنا اما السينما فيركز أغلبها علي الجانب الترفيهي برغم من ان هناك
اعمالا قٌدمت ذات قيمة ولكنها ليست بكثيرة إنما لو عٌرض علي عمل ذو مضمون
سأوافق علي الفور لأن دراستي في الاصل هي السينما.
جريدة القاهرة في
11/09/2011
مسلسلات رمضان التليفزيونية .. شيء
من الأدب
بقلم : د. رفيق الصبان
تميزت دراما رمضان هذا العام برجوع بعض أعمالها إلي الأدب تستقي منه
مادتها الدرامية وشخصياتها النابضة بالحياة .. مما أعطي هذه المسلسلات قيمة
خاصة ميزتها عن غيرها وإن لم يكن النجاح دوما حليفها. من أوائل هذه
المسلسلات «وادي الملوك» المأخوذ عن قصة الكاتب الكبير «المنسي قنديل»
والتي كتب لها الحوار عبدالرحمن الأبنودي. قصة المنسي تعتمد في خطوطها
الكبري علي الكشف الأثري لمقبرة توت عنخ أمون وترسم من خلال هذا الكشف
وصاحبه الشهير وجوها لعديد من الشخصيات المؤثرة التي تتلاطم في بحر من
العواطف والتناقضات الحضارية والنفسية والاجتماعية. عقم درامي سار المسلسل
في طريق مواز للعمل الأدبي، وابتعد عن روحه الأصلية ولكن جاء الإنقاذ عن
طريق حوار شعري مدهش وضعه الأبنودي علي لسان الشخصيات فأنقذها من العقم
الدرامي الذي رماها به الإعداد ومنحها ضوء واشعاعا مميزا وفتح الباب واسعا
أمام أداء شديد الجودة لسمية الخشاب.. ولحظات درامية حلوة حققها إخراج حرص
كثيرا علي خلق قيم جمالية مؤثرة. ولكن تبقي قصة «المنسي قنديل» بجرأتها
وزخمها وشاعريتها وشخصياتها أرضا صالحة لبذرة أخري ولثمرة أكثر نضجا وعمقا
وتأثيرا. أما «في حضرة الغياب» فقد راح ضحيتها هذه المرة الشاعر نفسه الذي
أراد المسلسل أن يروي لنا حياته فجاءت الحلقات العشر الأولي تتحدث عن مرحلة
واحدة من طفولته.. وتروي المأساة الفلسطينية وقصة النزوح المأساوية من خلال
صور أحسن إخراجها «نجدت أنزور» ولمع فيها بشكل مؤثر الممثل الكبير «أسعد
فضة» في دور جد الشاعر الذي قاد خطواته الأولي نحو بحر الشعور والإبداع
الشاسع. ولكن كل ما جاء في هذه الحلقات جاء مكررا ومعروفا سبق لنا أن
شاهدنا مثيلا له في السينما وفي مسلسلات تليفزيونية سابقة، وعندما وصل
«المركب» إلي «محمود درويش» رجلا وشاعرا تغيرت المفاهيم كلها. محاولات
بائسة وبدأ المسلسل يتراوح بين الوثائقية الإخبارية وبين محاولات بائسة
لبعث خط درامي غير متواجد أصلا.. وتتابعت الشخصيات التاريخية والإعلامية
التي مرت في حياة درويش بدءا من إدوار سعيد وسميح القاسم وانتهاء بياسر
عرفات مرورا بالكاتبة رنا القباني التي ارتبطت بزيجة سريعة مع درويش انتهت
بطلاق هادئ. في كل هذا يسير الحدث بطيئا خجولا لا تسنده دراما قوية ولا
وجهة نظر محددة يدافع عنها بل هي مجرد أحداث متلاحقة «لا أدري إذا كانت
كلها موثقة جيدا أم لا؟» يسيطر عليها أداء باهت وضعيف من منتج العمل وبطله
الأول فراس إبراهيم الذي لا تربطه أية صلة فيزيولوجية حقيقية بالشاعر..
والذي يرتدي باروكة سوداء عجيبة أعطته طابعا كوميديا إلي جانب إلقائه
البارد والخالي من الروح أشعار درويش التي تتفجر شعاعا وبرقا وبريقا. كما
أدهشني «تفسير» شديد الخصوصية لكاتب السيناريو المبدع حسن يوسف لأداء درويش
وبعض مواقفه السياسية القابلة لنقاش كثير. حياة محمود درويش أيضا كقصة
المنسي قنديل بذرة صالحة لإعداد جديد بروح جديدة ورؤية جديدة وممثل كبير
قادر حقا علي تجسيد هذه الشخصية التي لمعت كالشهاب في سماء النضال
الفلسطيني. شوارع الشرقاوي وتبقي أخيرا قصة عبدالرحمن الشرقاوي «الشوارع
الخلفية» التي نقلها للسينما في أوائل السبعينات كمال عطية في واحدة من
تجاربه المميزة في ميدان السينما ومثلها نور الشريف وكان في بدء مسيرته إلي
جانب ماجدة الخطيب وسناء جميل ومحمود المليجي، وتروي «الشوارع» من خلال عدة
شخصيات تعيش في حي واحد، وفي شقق متقاربة .. حياة مصر وأهلها في ثلاثينات
القرن الماضي وهبة الشباب الحلوة في وجه الاستعمار الإنجليزي وترسم بدقة
روائية مشهودة اختلاط الخاص بالعام من خلال أحداث تتصالب بين أكثر من أسرة
ومن أكثر من شخصية. تعدد الشخصيات وكثرتها كانت سببا من الأسباب التي جعلت
الإعداد السينمائي يتعثر قليلا «رغم أنني أري أنه من المفيد لعشاق السينما
إعادة اكتشاف هذا الفيلم الذي أصابه سوء حظ كبير لا يستحقه» إلا أن تعدد
هذه الشخصيات جاء في صالح الإعداد التليفزيوني الذي وجد فيها مادة دسمة
لملء فراغ ثلاثين حلقة أو يزيد. وبالطبع تم التركيز في المسلسل علي علاقة
الضابط الأرمل المحال علي المعاش والذي يعيش مع ابنتيه .. بالأرملة الحسناء
التي تعمل «خياطة» لتعيل طفليها الصغيرين وما تسببه هذه العلاقة من تأثير
علي كل من يحيط بهما خصوصا الابنة الكبري لشكري «سميرة» التي تكن عشقا خفيا
لوالدها يذكرنا بعقدة الكترا ثم سقوطها في حب جارها طالب الطب الصعيدي الذي
يسقط بدوره في حب رجاء الفتاة الفقيرة التي تعمل مغنية في أحد الملاهي
الشعبية.. وتحيي بعض الحفلات في بيوت الأثرياء والتي تصاب بالسل مما يزيد
من تعلق الطبيب الشاب بها. وهناك أمين المخزن الذي تزوج فتاة طموحة تصغره
سنا ويضطر للانحراف لكي يرضيها حتي لو قاده هذا الانحراف للتعاون مع
الإنجليز. علاقات وليدة ثم السيد داوود من الأصل الشعبي الذي تزوج سيدة من
الوجهاء تعامله معاملة متعالية تدفعه إلي التعلق بخادمته الريفية والزواج
بها عرفيا. وهناك المغني الشعبي والبواب الذي يعمل مع المقاومة الفلسطينية
وزوجته النمامة التي تثير الاشكالات عن طريق ثرثرتها وتتسبب في «خنق»
الكثير من العلاقات الوليدة، وهناك شقة الأخوة الثلاثة القادمين من الصعيد
مع «حارس» وظفه أباهم العمدة لمساعدتهم ومراقبتهم والذي يكتم حبا جريحا
للخادمة «ألطاف» التي تزوجت سيدها. كل هذا يتحرك أمامنا بقوة وحرارة وامتاع
إلي جوار الجانب الآخر الذي يتمثل بمجموعة الطلاب الثائرين والمولعين بحب
مصر والذين يقفون صفا واحدا في مواجهة «الناظر» آداة الإنجليز والذين
يشكلون الروح الحقيقية لمصر المستقبل. كل هذا في خليط مدهش بين الخاص
والعام عرف المسلسل كيف ينظمه وكيف يسير به علي خط متصاعد ومشوق يساعده في
ذلك إخراج حازم من «جمال عبدالحميد» عرف فيه كيف يخلق الجو وكيف يستغل
الأجواء مستخدما الموسيقي والألحان الشائعة آنذاك والاكسسوارات الذكية
الموحية وتحريك الممثلين بقوة تحسب له ،يساعده علي ذلك سيناريو محكم عرف
كيف يرسم شخصياته ويحدد أحداثه. ليلي علوي متألقة بقوة مثبتة نفسها واحدة
من أكثر ممثلات جيلها موهبة وألقا وجمالاً أنها تعيش في شرايين شخصية سعاد
وتدفع الدماء حارة متدفقة في كل جملة تقولها أو نظرة تنظرها أو حركة
تحركها. جمال سليمان يملأ دوره بثقة وقوة وجلال، ولم أفهم حقا سر الهجوم
غير العادي علي «لهجته» التي بدت لي شديدة الانسجام مع شخصيته. أما الكنز
الحقيقي في هذا المسلسل فهو مجموعة الوجوه الجديدة التي قدمها وعلي رأسها
«أحمد داوود» بشخصيته القوية وابتسامته العذبة وحضوره الطاغي و«أحمد مالك»
في دور الطالب الثوري بوجهه الملائكي وخامة صوته الخاصة وطريقته في السير
والحركة والاطلالة الحلوة التي تملأ الشاشة في كل مرة يظهر بها. مريم حسن
في دور سميرة وشقيقتها الصغيرة تبدوان وكأنهما خلقتا لأداء هذين الدورين
حساً وحساسية وتأثيرا، أما حورية فرغلي في دور «ميمي» الطموحة المنطلقة
والشديدة التزمت داخليا رغم مظهرها وتصرفاتها إلي جانب المجموعة الأخري
كلها التي كم أود لو ذكرتها فردا فردا والتي أعطت هذا العمل الجميل
مصداقيته وقوته وتأثيره. الشوارع الخلفية عمل فني متميز.. يعود فيه
التليفزيون المصري إلي تألقه ويثبت أن العمل الأدبي يظل دائما.. كنزا
حقيقيا للدراما إذا أحسن فهمه واستغلاله ونقله من دنيا الكلمة المحدود إلي
عالم الصورة الرحب واللامتناهي
جريدة القاهرة في
11/09/2011
الإعلانات في مصر.. تدخل جدول
الأسلحة البيضاء!
بقلم : سيد هويدي
بعد أن تسللت إلي أعماقنا الإعلانات في مصر.. تدخل جدول الأسلحة
البيضاء! الإعلان نصل تسلل من الهامش إلي المتن في مصر < الإعلان هو قمة
هرم النشاط الرأسمالي ونظامه في العالم كله لأن مشوار الثورة، طويل..
فمازالت لم تقترب من البني الاجتماعية التي استفادت من نظم الفساد الممنهج،
وسوق الاعلان في مصر، باب خلفي للفساد، والغريب ان اول اشارات بداية سقوط
النظام، بدأت من الاعلان، والاحتكار، واستخدام الاعلان في التدليس، في
برامج التوك شو، والدعاية الزائفة. والدليل علي ذلك ما تعرض له الانسان
المصري في شهر رمضان من صدمات بصرية، مفاجئة، مباغته، في شكل رسائل اعلانية،
يفوق حد التخمة، والمعقولية، كم يفوق المنطق، لدرجة اننا نكاد نسمع صوت
هجوم، علي لسان كل مقدمي البرامج، في التليفزيون، ولم يسلم مكان او شارع او
ميدان او ساحة، او وسيط من هذه الهجمة، الغريب اننا كنا قبل عدة سنوات نرجم
الفنانين الذين يشاركون في اعلان وتلاحقهم اللعنات علي انهم تردوا وشاركوا
في اعلان مفضلين سطوة المال، علي سمعة الفنان، صاحب الرسالة المجتمعية،
ونتذكر ما تعرض له عمر الشريف، وحسن عابدين، في هذا الصدد، بينما المجتمع
كان يعتبر الاعلان ترف زائد، وفلكلور، ومصدر للبهجة، بصرف النظر، قبوله
الناس للسلعة المعلن عنه، ا. فساد مدفوع الأجر واذا كان الاعلان هو قمة هرم
النشاط الرأسمالي ونظامه، والعبء المحمل علي ثمن السلع والخدمات، والوسيلة
المستفزة، التي يدفع ثمنها الزبون المستفز، والاعلان هو النصل الذي ظل
يتسلل، من الهامش إلي أن اصبح المتن، فان كان كذلك، فهو الفساد المدفوع
الأجر، فقد جاءت الهجمة الاعلانية الرمضانية، في الوقت الذي يعيد فيه
العالم الصناعي، النظر في جدوي الاعلان، واحتمالات سقوطه، بعد ان فقد دوره
الذي كان يقوم به قبل ثلاثين عاما، نتيجة اهتزاز ثقة الناس في المجتمعات
الحديثة، في كل شيء، فقد كشف كتاب (سقوط الإعلان وصعود العلاقات العامة)،
لمؤلفه: آل ولاورا رايز، عن نتائج استطلاع يبين أنه لم تعد الممرضات
والصيادلة والأطباء ورجال الدين في قمة الشرائح التي يثق بها المجتمع، لكن
المدهش ان أخصائي الإعلان لم يحظوا سوي بثقة 10% من الذين تم استطلاع
آرائهم ليحلوا في المرتبة قبل الأخيرة حيث لم يأت خلفهم سوي الباعة
المتجولين في آخر الذيل بنسبة 9%. سطوة الإعلان ومع ذلك الاعلان من زمن
الانفتاح الاقتصادي الميمون، في منتصف سبعينات القرن العشرين، ظل ينمو إلي
ان اصبح عقيدة في زمن الافقار المتعمد، والزبون فيه فريسة، بعد ان حاصره
بالإعلان في الشوارع والميادين، والساحات علي الطرقات، في الصحف، في
الراديو، واخيرا علي شاشات المحمول، والتليفزيون، الذي منح سطوة، للإعلان
تتجاوز المادة الاعلامية الاساسية، التي اقيم من أجلها الجهاز السحري،
التليفزيوني الذي تسلل إلي غرف النوم، وتمكن من ان تكون شاشته مكونا اساسيا
من مكونات الثقافة المصرية، باتباعه طريقة تجعل من المادة المقدمة، مزيج
يجمع بين المعلومة والرأي والترفيه في وجبة سامة في الغالب، بدون رؤية
وطنية، او قومية. فإجراء تحليل مضمون بسيط للإعلانات، نجدها تنطوي علي
توجهات ورسائل سلبية، تصل في بعض الأحيان إلي حد الجرائم، وهدم قيم
مجتمعية، وتشجع علي ثقافة الاستهلاك فقط، واذا كان مبرر ظهور الاعلان هو حل
مشاكل التسويق، فيتراء لي رجل الاعلانات، مثل عامل لا يوجد في حوزته سوي
مطرقة لذا يحلو له أن يري كل المشاكل علي أنها مسامير. بل ان وكلاء الإعلان
قلما يتجهون لحل أزماتهم هم بالإعلان عن أنفسهم. الملابس الداخلية لكن
الاعلان المرئي، هذا العام في رمضان، بلغت سطوته انه اصبح الأساس، بينما
المواد الاعلامية والدرامية، هي الاستثناء، فهل «زجزجت النهارده»، كما يقول
الاعلان، وهل اخترت الذي تقدر تعتمد عليه، بعد ان كشف الممثلين الشباب
ملابسهم الداخلية، في اعلان، رغم ان الاعلان عن سلعة وطنية، كانت مصر تمتلك
فيها ميزة نسبية، وحدث ولا حرج عن اللغة المستخدمة، فهي.. اختراع يا كوتش،
لكن اللي جنن ميدو انه كسب جهاز لعبة، انه عالم الاعلانات، سراميك، سيارات،
مشروبات غازية، وتبرعات كمان. وعلي الرغم الاشهار وسيلة قديمة، وفن الاعلان
ليس من الفنون المستحدثة وإنما يرجع إلي اوقات مبكرة من التاريخ، فقد بدأ
الاعلان علي أشكال تطورت بمرور القرون حتي أصبح فن الاعلان كما نعرفه الآن،
والآن ساهم الكمبيوتر، في تطور الاعلان تطوراً ذاتياً بالتطور التقني، فقد
أصبح تصميم الاعلانات وإخراجها به من التطور والجاذبية الشيء الكثير، لكن
المدهش هو الإعلانات علي شبكة إنترنت، (مسموع، مرئي، تفاعلي) بعد ان زادت
أهمية شبكة المعلومات العالمية كوسيط إعلامي هائل وتطورت اعلانتها حتي وصلت
إلي المستوي المتقدم الذي نراه اليوم، والإعلانات علي شاشة الهاتف الجوال
بعد ازدياد عدد مستخدميه حول العالم فأصبح وسيلة إعلانية مهمة. كل ذلك يصب
فوق دماغ مستهلك، عاني من اوضاع اقتصادية دفعته للثورة، فماذا يفعل في
مواجهة هذا السونامي الإعلاني، اظن ان تكلفة الاعلان واضافته إلي سعر
السلعة يحتاج إلي مراجعة، بما يرفع عن كاهل المستهلك عبء تكلفته.
جريدة القاهرة في
11/09/2011 |