حالة من الوعي انتشرت في أنحاء الوطن العربي، ليصبح الجمهور ضليعاً في
السياسة، والكل يتفاعل مع الأحداث ويتابعها على المحطات كافة، والبعض يكاد
لا يفارق الشاشة إلا عند الضرورة .
الكبار والصغار تحلقوا حول الشاشة لمشاهدة الأخبار والبرامج السياسية وليس
لمتابعة مسلسلات وأفلام .
أجرينا استطلاعاً شمل 50 شخصاً على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم وخلفياتهم
الثقافية، فأكد لنا أن اتجاهات متابعة التلفزيون قد تغيرت اليوم، حيث أصبحت
الأخبار والأحداث السياسية حديث الساعة، وتربعت على عرش أكثر الفئات
متابعة، لتحصد ما نسبته 78%، ما أثر بالتالي في نسبة متابعتهم للدراما
وبرامج الترفيه التي قلت بنسبة 88%، وتظهر بالتالي أصوات وصلت نسبتها إلى
74% تطالب أغلب القنوات المحلية والعربية العامة بتغيير خطتها البرامجية،
لتتفاعل مع هذه الأحداث وتجاريها، لأن أغلب هذه القنوات استهانت بعقول
المشاهدين، الذين رفضوا هذا الأمر بالبحث عن قنوات تحترم عقولهم وتقدر
وعيهم وتقدم لهم ما يبحثون عنه، ولا تعزلهم عما يحدث في وطنهم العربي
الكبير .
الاستطلاع تناول محاور عدة، كان أهمها ماذا تشاهد اليوم، وهل تغير اتجاه
مشاهدتك للتلفزيون بعد الأحداث السياسية الأخيرة أم لا، وهل تأثرت مشاهدتك
للبرامج الترفيهية وفقاً لذلك، وما أفضل وقت لمتابعة التلفزيون، وهل تكتفي
بمتابعة الخبر من التلفزيون أم تلجأ للإنترنت للتأكد من مصدر الخبر والحصول
على تفاصيل أخرى، وهل تشارك بتعليقاتك عبر الإنترنت، وهل زادت متابعتك
للبرامج التحليلية التي تستضيف المختصين في مجال السياسة، وما القناة التي
تفاعلت معك بصدق، وما البرنامج الذي أجبرك على مشاهدته، وهل أنت مع تغيير
القنوات لخطتها البرامجية مع الأحداث السياسية أم لا؟
وأتت الإجابات على النحو التالي:
78% أكدوا أنهم اليوم يتابعون الأخبار والأحداث السياسية، فهي الخيار الأول
والوجبة التي يبحثون عنها بنهم، فيما حققت الأفلام ما نسبته 18% من
المشاهدات، وتبعتها المسلسلات بنسبة 12%، وحصلت الرياضة على نسبة 10% من
مشاهدات عينة الاستطلاع .
وعما إذا تغيرت اتجاهات مشاهدة التلفزيون بعد الأحداث السياسية مؤخراً، أتت
الإجابة ب “نعم” بنسبة 82%، وب “لا” بنسبة 18%، فقد زاد الإقبال على متابعة
الأخبار بنسبة 88% وقل بالتالي الإقبال على متابعة البرامج الترفيهية بنسبة
12% .
واختارت نسبة 76% من عينة الاستطلاع فترة المساء كأفضل وقت للمتابعة، فهو
الوقت الذي تعرض فيه القنوات أفضل وأقوى ما لديها من برامج وتحليلات
سياسية، فيما اختارت 18% الصباح كأفضل وقت للمتابعة رغبة في التعرف إلى
الجديد صباح كل يوم، فيما وجدت 6% من العينة كل الأوقات مناسبة لمتابعة
التلفزيون .
وفي حين اعتبرت أصوات كثيرة أن التلفزيون وحده يكفي لمعرفة كل الأخبار
والتفاصيل، واكتفت به كمصدر تستقي منه كل معلوماتها بنسبة 40%، إلا أن 60%
رفضوا الاكتفاء به واتجهوا لشبكة الإنترنت للحصول على معلومات وتفاصيل
أكثر، من خلال التنقل بين المواقع المختلفة وقراءة الردود وتعليقات
الجمهور، وأكد 62% منهم أنهم يكتفون بقراءة هذه التعليقات ولا يشاركون
بآرائهم وتعليقاتهم الخاصة، فيما أكد 24% ممن شاركوا بالاستطلاع أنهم
يشاركون بآرائهم وتعليقاتهم في هذه المواقع .
وقد أحرزت البرامج التحليلية التي تستضيف أساتذة ومختصين في المجالات
المختلفة وخصوصاً السياسية نسبة مشاهدة كبيرة وصلت إلى 78%، حيث حرصت هذه
النسبة على متابعة هذه البرامج لتكوين خلفية كاملة عما يجري على الأراضي
العربية، فيما أكد 22% ممن شاركوا بالاستطلاع أنهم لا يحرصون على متابعة
هذه البرامج .
ومع هذه الأحداث وتغير اتجاهات المشاهدة التلفزيونية، استطاع الجمهور أن
يكون فكرة عن القنوات التي تفاعلت معه بصدق، واحترمت وعيه، وقدمت له
الأحداث أولاً بأول، ليؤثر ذلك بالتالي في تصنيف القنوات من حيث أكثرها
مصداقية وتفاعلاً مع الجمهور، وفي هذا الجانب تربعت قناة “الجزيرة” على عرش
أفضل قناة بنسبة 72 %، لتأتي قناة “العربية” في المركز الثاني بنسبة 46%،
تلتها في المركز الثالث قناة “بي بي سي” العربية بنسبة 18%، وتحقق “الجديد”
المركز الرابع محرزة 10% من مجموع الأصوات .
وفي ما يخص البرامج فقد حافظ “الاتجاه المعاكس” على مكانته لدى الجمهور
ليحصد نسبة 18% كأفضل برنامج، ويتبعه كل من “العاشرة مساء” و”الحياة اليوم”
بنسبة 10% لكل منهما .
وفي المقابل نادت أصوات كثيرة بتغيير القنوات المحلية والعربية العامة
لخطتها البرامجية، لتكون أكثر صدقاً واحتراماً للجمهور، حيث طالب 74%
بضرورة هذا التغيير، حيث ظهرت هذه القنوات وكأنها تنقل أحداث كوكب آخر،
فيما طالب 22% ممن شاركوا بالاستطلاع بأن تبقى خطة القنوات كما هي ولا
تتغير، مكتفين بالقنوات التي استطاعت أن تنقل هذه الأحداث بكل صدق وبراعة
وحرفية .
وهذه آراء بعض من شاركوا في الاستطلاع:
أكد أحمد عبدالسلام، مدير شؤون إدارية بشركة بدبي، أن حساسية الأحداث جعلت
مشاهدة الأخبار والأحداث السياسية الخيار الأول والوحيد بالنسبة للمشاهد
العربي، وذكر أنه لا يكتفي بمعرفة الأخبار من التلفزيون بل يلجأ إلى
الإنترنت للتعرف إلى أخبار وتفاصيل أخرى، وقراءة آراء الناس وتعليقاتهم،
كما يشارك بتعليقاته وآرائه، وخصوصاً إن شعر بأن بعض الآراء تعمد إلى توجيه
الآخرين نحو اتجاه معين بغض النظر عن كونه مؤيداً أو معارضاً، وأكد أن
الأحداث السياسية الراهنة تستحق أن يشارك كل برأيه فيها .
ويحرص أحمد على متابعة البرامج التحليلية وتحديداً التي تستضيف مختصين يثق
بحياديتهم وعدم تبنيهم أجندة سياسية متطرفة، ويجد ضالته في قناة “العربية”
و”بي بي سي” العربية حيث يرى أنهما أقل انحيازاً وأكثر حيادية، ويحرص على
متابعة برنامج “بلدنا بالمصري”، ويؤكد أحمد أن قنوات كثيرة يجب أن تغير
خطتها البرامجية لتواكب الأحداث، إذا لم تفعل فلا تستحق المشاهدة بعد
انتهاء الأحداث . ونظراً لتفاعله مع الأحداث أولاً بأول، وتأثره بها بشكل
كبير، ارتفع ضغط دم المهندس أحمد الحسيني مدير قسم تقنية المعلومات في أحد
المصارف، ودخل المستشفى للعلاج من عدم انتظام ضربات القلب، حيث أصبحت
الأخبار همه الأول والأخير، فلا يكتفي بمعرفتها من التلفزيون بل يلجأ
للإنترنت حتى يتعرف إلى المزيد، ولا يكتفي بقراءتها بل يشارك بآرائه
وتعليقاته النابعة من إحساسه بانتمائه للوطن العربي الكبير، كما يحرص على
متابعة البرامج السياسية على جميع القنوات العربية . وأكد الحسيني أن
القنوات العامة يجب أن تغير خطتها البرامجية حيث لا يقبل أن يكون العالم في
واد وهي في واد آخر .
وتشاهد سلام نايف مرمش، أعمال حرة، الأخبار السياسية والفنية ومسلسل تركي،
وذكرت أنها غيرت اتجاه مشاهدتها للتلفزيون مؤخراً، حيث أصبحت أكثر حرصاً
على متابعة الأخبار في الصباح الباكر للتعرف إلى الجديد، وبعد التاسعة مساء
لمشاهدة البرامج التحليلية السياسية، واختارت “الجزيرة” كأفضل قناة
لمصداقيتها في نقل الأخبار، وتؤيد سلام تغيير القنوات العامة لخططها
البرامجية وقت الأحداث السياسية لتتفاعل أكثر معها .
وإلى جانب الأخبار يشاهد حمد العثامنة مهندس ميكانيكي، البرامج الرياضية،
ويؤكد أن اتجاهات مشاهدته للتلفزيون تغيرت بعد الأحداث السياسية الأخيرة،
فقل إقباله على مشاهدة الأفلام والمسلسلات . ويفضل العثامنة مشاهدة الشاشة
صباحاً ولا يكتفي بمعرفة الأخبار من التلفزيون، بل يلجأ إلى الإنترنت
ليشارك بآرائه مع الآخرين، وليتحقق من صحة الأخبار وكثير من الإشاعات
والأكاذيب التي تنتشر في مثل هذه الفترات، كما يتابع البرامج التحليلية
لأنها تساعد على التوصل للمعلومات الدقيقة وتوسع الأفق والمدارك . ويعتبر
حمد “الجزيرة” و”العربية” و”بي بي سي” العربية من أفضل القنوات، وخصص
“العربية” بالأكثر مصداقية . ورغم تفاعل العثامنة مع الأحداث السياسية إلا
أنه لا يؤيد تغيير القنوات لخطتها البرامجية وقت الأحداث السياسية كي لا
يؤثر ذلك في المشاهد ويؤدي بالتالي إلى إرهاق ذهنه .
اختارت أمل محمد أبوبكر، مدرسة في مدرسة دبي الوطنية الأمريكية، “الجزيرة”
كأفضل قناة بسبب تغطيتها الشاملة والدقيقة للأحداث، وتلجأ إلى الإنترنت
للتعرف إلى آخر الأخبار والمستجدات في الشارع العربي، ولكنها لا تشارك
بآرائها أو تعليقاتها، وترى أمل أن على بعض القنوات أن تراعي الأوضاع
الراهنة بأن تتفاعل أكثر في مجال نقل الأحداث وعدم الاكتفاء بنشرات الأخبار
الرئيسية .
ولأن الحياة لا تخلو من المتناقضات، فقد حصلنا من خلال الاستطلاع على آراء
تناقضت مع غيرها تناقضاً تاماً، فرغم تغير الحياة بشكل كامل لدى البعض إلا
أنها بقيت كما هي لدى البعض الآخر، هذا ما أكدته مها الحاج مديرة قسم
التأشيرات بالعربية للطيران، حيث أكدت أن اتجاهات مشاهدتها للتلفزيون لم
تتغير بعد الأحداث السياسية الأخيرة، ولم يقل بالتالي إقبالها على متابعة
المسلسلات والأفلام وبرنامج “Arabs
got talent” بغرض التسلية، واختارت العاشرة مساء كأفضل وقت لمتابعة التلفزيون،
وذكرت أنها تكتفي بمعرفة الأخبار من قناة “الجزيرة” الإخبارية ولا تتجه
للإنترنت لمعرفة المزيد، ورفضت تغيير القنوات العامة لخططها البرامجية في
فترات الأحداث السياسية .
وتتابع رؤى العبدالله، طالبة طب بشري بجامعة الشارقة، الأغاني والمسلسلات
والأفلام الهندية والمصرية، وذكرت أن الأحداث الأخيرة لم تغير اتجاهات
مشاهدتها للتلفزيون، فلم يزد إقبالها على الأخبار ولم يقل على البرامج
الترفيهية، وأكدت أنها لا تهتم بالأخبار السياسية وتكتفي بسؤال والدها إن
أرادت أن تعرف شيئاً ما في مجال السياسية، وأكدت أن مشاهدتها لقناة
“العربية” ناتج عن مشاهدة والدها لها، ورغم عدم اهتمامها بالأخبار إلا أنها
تطالب القنوات العامة بتغيير خطتها البرامجية في أوقات الأحداث السياسية
لتلعب دوراً مهماً فيها حتى لو كان ذلك يناقض سياسة القناة .
ويتابع خالد سيد، مدير القطاع الهندسي بشركة الإنشاءات العربية، النشرات
الإخبارية والبرامج الحوارية، حيث لا وقت للأفلام والمسلسلات والمباريات،
ويحاول المتابعة قدر المستطاع فلا وقت محدد، ويلجأ خالد لجميع الطرق
والوسائل للتعرف إلى كل الأخبار وآخر المستجدات، وإلى جانب التلفزيون هناك
مواقع الإنترنت الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويشارك بآرائه
وتعليقاته عبر الإنترنت، ويفضل خالد متابعة قنوات “الجزيرة” و”بي بي سي”
العربية، و”العربية” و”أو تي في” و”دريم” واختار “العاشرة مساء” كأفضل
برنامج كونه يقدم ملخصاً جيدًا للآراء والأحداث اليومية، ويؤيد تغيير
القنوات لخطتها البرامجية لتحافظ على صدقها وجمهورها .
وتتابع غدير موحد، ربة منزل، الأخبار طوال اليوم على قناة “الجزيرة” كونها
القناة الأكثر مصداقية برأيها، وقد تغيرت اتجاهات مشاهدتها للتلفزيون
مؤخراً، حيث أصبحت أكثر حرصاً على متابعة البرامج التحليلية التي تستضيف
المختصين في السياسة، وأيدت تغيير القنوات العامة لخططها البرامجية وقت
الأحداث السياسية لتتواصل مع الشعوب العربية وتنقل ما يحدث في العالم بكل
صدق .
وشاركتها الرأي صديقتها أسماء البستنجي ربة بيت، التي أصبحت تتابع الأخبار
طوال الوقت، وقل إقبالها على المسلسلات والأفلام، ولا تكتفي أسماء بمعرفة
الخبر عن طريق التلفزيون بل تتجه للإنترنت لمعرفة المزيد، ولكنها لا تشارك
بآرائها في مواقع الإنترنت، واختارت أسماء “العربية” و”الجزيرة” كأفضل
قناتين لمصداقيتهما في نقل الخبر، وأيدت تغيير القنوات لبرامجها وقت
الأحداث السياسية حتى لا تكون بعيدة عن الجمهور .
ويقضي منذر أبو عاشور، مدير تجاري لمواد البناء بأبوظبي، ثلاث ساعات يومياً
أمام التلفزيون، وقد تغيرت اتجاهات مشاهدته بعد الأحداث الأخيرة، واختار
الثامنة مساء كأفضل وقت للمتابعة، ويلجأ بعض الأوقات إلى الإنترنت لمعرفة
المزيد من الأخبار إلى جانب التلفزيون، وهو في عملية بحث عن البرامج ذات
التحليلات السياسية، ويحرص منذر على متابعة “الجزيرة” و”الجديد”
و”المستقبل” و”الحرة”، وطالب القنوات العامة بتغيير خططها البرامجية وقت
الأحداث السياسية .
أساتذة علوم سياسية وإعلام عبّروا عن آرائهم أيضاً . .
الدكتورة ابتسام الكتبي، أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة
الإمارات، عبّرت عن سعادتها وفخرها بجيل اليوم الذي أظهر وعياً كبيراً
وتفاعلاً إيجابياً مع ما يدور حوله من أحداث سياسية، وذكرت أن تغير اتجاهات
مشاهدة الجمهور للتلفزيون دليل على هذا الوعي، وتقول: تفاعل الجمهور مع
الأحداث بشكل إيجابي، وعمل الفضاء التكنولوجي والمعلوماتي على رفع سقف
الوعي لدى فئات كثيرة، وأهمها فئة الشباب الذي يتعاطى مع التكنولوجيا،
وبرأيي أن ثورة المنطقة العربية فريدة من نوعها، فقد استخدمت أحدث منتجات
التكنولوجيا والثورة المعلوماتية والفضاء الافتراضي في حشد الطاقات نحو
مطلب التغيير والإصلاح والثورة . ولكن سعادة الكتبي لم تكتمل بسبب تجاهل
بعض القنوات لما يجري في الدول العربية، وعبّرت عن ضيقها من ذلك بقولها:
للأسف قنوات كثيرة بعيدة جداً عما يدور في الساحة العربية، فالعالم في واد
وهي في واد آخر، مشغولة ببث المسلسلات وبرامج الترفيه، ولم تكن مواكبة
لقضايا المجتمع العربي، وأرى أنها بذلك تستخف بعقول المشاهدين .
أكد الأستاذ الدكتور عتيق عبدالعزيز جكة، أستاذ الإدارة الحكومية بقسم
العلوم السياسية بجامعة الإمارات، أن الأحداث السياسية الأخيرة كشفت عن وعي
سياسي كبير لدى جيل اليوم، في وقت كنا نعتقد فيه أنه لا يمتلك أي وعي
سياسي، ويقول: أظهر شباب الإنترنت و”فيسبوك” أنه غير مغيّب عما يجري في
الأراضي العربية، ويعود الفضل لبعض القنوات الفضائية التي ساهمت مساهمة
فعالة في تعزيز هذا الوعي لدى المواطن العربي .
ويرى الدكتور عتيق أن القنوات الرسمية الحكومية ليست مواكبة للأحداث ويقول:
لهذا السبب لم يعد لها أي مصداقية لدى المشاهد فهي لا تقول الحقيقة أو
تقولها مشوهة . ويشارك الدكتور عتيق الجمهور في اختيار “الجزيرة” كأفضل
قناة، ويقول: ارتبط المشاهد ب “الجزيرة” للثقة بمصداقيتها، والتفاتها نحو
الشعب الذي شعر بأن هذه القناة تعبر عن رأيه، ورغم أن هناك قنوات حاولت أن
تتفاعل مع الأحداث إلا أن تبنيها للرأي الرسمي وليس الشعبي جعلها بعيدة عن
الجمهور .
وعن اتجاه الناس إلى الإنترنت للتعرف إلى المزيد من الأخبار، يقول جكة:
التلفزيون وحده غير كاف، فالأحداث الأخيرة ساخنة وسريعة ومتغيرة لحظة
بلحظة، ولذا اتجه الجمهور للتلفزيون الشعبي ال “يوتيوب”، لأنه قدم لهم ما
يبحثون عنه، وقد استطاع استقطاب عدد كبير من الجمهور . وتحدث الدكتور جكة
عن الإعلام العربي حيث قال: إعلام معلب ورسمي وغير متطور، ولا يستجيب أو
يتفاعل مع الجمهور، وغير مواكب للأحداث، ووجه رسالة لبعض القنوات المحلية
قال فيها: إن لم تستطيعوا مواكبة الأحداث العربية فركزوا على القضايا
المحلية فهي بحاجة إلى الاهتمام بها .
يرى الأستاذ الدكتور محمد قيراط، عميد كلية الاتصال بجامعة الشارقة، أن
الأوضاع الراهنة في الوطن العربي بما فيها من حراك سياسي واجتماعي أدت إلى
إثارة فضول المشاهد العربي، الذي كان إلى وقت قريب غير مبال بمعرفة ما حوله
بسبب حالة الركود والاستقرار السياسي، ليتخلص اليوم من لا مبالاته وتتغير
بالتالي اتجاهاته في مشاهدة التلفزيون حرصاً منه على مواكبة الأحداث
الجارية، ويقول: حين تسقط أنظمة ويثور شباب ويحققون أهدافاً ومطالب لا بد
أن يثير ذلك فضول المواطن العادي في محاولة للتعرف إلى التداعيات
والانعكاسات ووجهات النظر المختلفة وهذا ما أدى إلى زيادة نسبة مشاهدة
البرامج التحليلية السياسية، وزيادة الإقبال على الإنترنت للتعرف إلى أخبار
وتفاصيل أخرى .
وعن سبب لجوء نسبة كبيرة من المشاهدين إلى الإنترنت رغم تغطية القنوات
الفضائية الإخبارية للأحداث بشكل مميز يقول: نسبة كبيرة من المشاهدين لم
تكتف بمعرفة الخبر من التلفزيون لأنها تبحث عن تفاعل وتبادل للآراء
والمعلومات والتعليقات، فالإنترنت متوفر في أي وقت بما يحتويه من مواقع
إخبارية ومواقع تواصل اجتماعية، على عكس الفضائية التي تحكم المشاهد بوقت
معين تبث فيه الأخبار والدراسات والتحاليل، ولكن هذا لا يلغي دور ذاك،
فالعلاقة بين الاثنين تكاملية، ولا يستطيع أي منهما أن يحل محل الآخر .
ويأسف الدكتور قيراط على حال قنوات كثيرة كانت تدور في فلك والشعب يدور في
فلك آخر، ويقول: قنوات كثيرة كانت بعيدة كل البعد عن الحدث الرئيس في
العالم العربي، متبعة بذلك الموقف الرسمي لدولها من تلك الأحداث، من حيث
انتهاج الصمت والرغبة في عدم التدخل والإعلان بشكل صريح عن موقفها تجنباً
للمشكلات، وكان على هذه القنوات أن تتأقلم مع الواقع الفعلي على الأرض
العربية وتكون أكثر جرأة ومصداقية وتفاعلاً مع الأحداث والمشاهد .
ووجه الدكتور قيراط رسالة قال فيها: حان الوقت لأن يكون الإعلام السلطة
الرابعة بحق، ليكشف بذلك عن الأخطاء والتجاوزات، وعلى الإعلام العربي أن
يعيد النظر في ما يقدمه ليفرض نفسه كإعلام فاعل وليس مفعولاً به، ويكون
مؤسسة تنفع المجتمع والمواطن العربي .
أيد الدكتور عصام نصر، رئيس قسم الاتصال الجماهيري بجامعة الشارقة نتائج
الاستطلاع، فقد كانت في رأيه تعبيراً دقيقاً عما يحصل في الشارع العربي،
وعن تغير اتجاهات مشاهدة التلفزيون وانحيازها لمصلحة الأخبار يقول: السبب
في ذلك يعود لحالة الوعي السياسي التي بدأت تزداد في الوطن العربي، فهي
المرة الأولى التي تشهد الساحة العربية فيها ولادة أحداث تاريخية، ويتابع:
بالرغم من حالة التضييق على وسائل الإعلام إلا أن ظهور إعلام المواطن أشعر
المواطن الآخر بأنه على الشاشة، لتحدث عملية اندماج بينه وبين ما يراه على
الشاشة، ما يفسر حالة الالتصاق بالشاشة وبمتابعة الأخبار والأحداث السياسية
أكثر من غيرها .
وعن سبب لجوء الكثيرين إلى الإنترنت وهل يعني ذلك أن التلفزيون غير كاف
لتقديم المعلومة يقول: تباين مواقف الفضائيات العربية من الأحداث كان
كبيراً وواضحاً، فبعض الفضائيات واكبت الأحداث لحد التحريض، وبعضها واكبها
على استحياء، والبعض الآخر كان فقد حواسه تماماً أثناء الأحداث، وهنا لجأ
الجمهور للإنترنت كوسيلة للتحقق مما يجري على أرض الواقع، فقد أجبرت حالة
الحيرة التي فرضتها الفضائيات على المواطن أن يبحث عن الحقيقة في مصدر آخر،
كما أن لكل فضائية أجندة تقدم من خلالها مضامينها الخاصة، ولكن الإنترنت هو
المكان الذي يصنع الشخص فيه أجندته . وهنا كان الدكتور نصر مؤيداً للكثيرين
في مطلبهم للقنوات بأن تغير خطتها البرامجية لتواكب المستجدات حيث قال: لم
يعد هناك وقت لتبقى تلك القنوات ملتزمة بتصوراتها وأفكارها وطرق خطابها
الرسمي القديم، ولتصحو من غفوتها لتكون على قدر المسؤولية الملقاة على
عاتقها .
وذكر الدكتور نصر أن لجوء الكثيرين للبرامج السياسية كان بسبب حالة الغموض
تجاه ما يجري في الشارع العربي، ويقول: وقعت وسائل الإعلام في حيرة شبيهة
بحيرة المشاهد، فالأحداث جرت بسرعة وبشكل غير قابل للتصديق، احتاجت لشرح
وتفسير، فلجأت وسائل الإعلام ومعها المشاهد لبرامج التحليل السياسي في
محاولة مساعدة نفسها لفهم ما يجري، ما يفسر زيادة الإقبال على البرامج
التحليلية.
الخليج الإماراتية في
30/03/2011 |