اصابع الاتهام تتجه نحو الفضائيات الدينية كمنابر لبث التطرف
وتأكيد الهوية الطائفية ووسيلة سياسة لإلهاء الشعوب عن قضاياها.
دخلت القنوات الفضائية الدينية سواء منها الإسلامية أو المسيحية
بالمجتمعات العربية والإسلامية في الشرق أو الغرب مرحلة جديدة، من الدعوة
للتشدد والتطرف والفتنة الطائفية، ومن ثم العنف والإرهاب، حيث ارتكزت في
خطاب شيوخها وقساوستها غير المؤهلين دينيا وعلميا وتربويا على التزمت وغرس
بذور الفتنة والفرقة ومناهضة تطورات العصر.
وقد دفع غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفقر والبطالة وتفشي الأمية
واضطهاد الأقليات وغياب دولة القانون والأزمات والمشكلات الاجتماعية في
العديد من البلدان العربية إلى انتشار هذه القنوات والتفاف الشباب حولها،
الأمر الذي مكن هذه القنوات من توظيف طاقات الشباب المتحلق حولها وتوجيهها
نحو العنف ومواجهة الآخر، وها هم يمثلون وقودا لأفكارها المتطرفة.
"ميدل إيست أونلاين" استطلعت آراء نخبة من المثقفين والمبدعين العرب
تنشرها على حلقات. ففي هذه الحلقة تكشف الآراء أن هذه القنوات تتغذى على
الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي الراهن وما يشهده من جهل
وبطالة وفقر وأمية وتشرذم، ومن التدخل الأميركي في المنطقة المساند للسطوة
الإسرائيلية، وأمور أخرى نتعرف إلى تفاصيلها في السطور التالية.
د. جورج قرم: تحليل الأمور من منظور هويات طائفية ومذهبية واتنية ضيقة
المفكر اللبناني والوزير الأسبق د. جورج قرم صادق على رؤيتنا حول
خطورة الجو الديني الذي تبثه الفضائيات العربية الدينية أو غير الدينية،
وقال "هي تعكس الجوّ العام حيث يتمّ تحليل كل الأمور الدنيوية من منظور
هويات طائفية ومذهبية واتنية ضيقة، وقد يتحمل العديد من المثقفين
والإعلاميين العرب مسؤولية كبيرة في هذا الوضع الذي يكرس الطروحات
الاستعمارية الأميركية- الأوروبية بان الغرب والمسلمين في حالة حرب بينهما،
وكما كل حرب يقوم الطرفان باستنفار شعور متأجج لتبرير المواقف العدائية
المتبادلة: تعميق الشعور بالانتماء إلى عروبة إسلامية عندنا أو إلى يهودية-
مسيحية غربية صهيونية الهوى في أميركا وأوروبا".
ورأى د.جورج قرم أن المعالجة "طويلة الأمد وتتطلب مزيدا من جهود
العقلاء العلمانيين ونشر الثقافة النقدية ليس فقط لما يحصل في الغرب إنما
أيضا لما يحصل في وطننا العربي".
د.عمار علي حسن: لا تربي نفسا، ولا تبني عقلا، ولا تشبع ذائقة
ويرسم الروائي والباحث المصري في علم الاجتماع السياسي د.عمار علي حسن
خارطة القنوات ويرى أن هناك العشرات من الشاشات التي تطل على عيون
المشاهدين العرب، وتسكب في آذانهم العقيدة والفريضة والتعاليم والطقوس
والقيم الإسلامية، عبر برامج عديدة، "بعضها تقدمه قنوات دينية صرف، وبعضها
تجود به القنوات العامة والمنوعة، التي لا يمكنها أن تهمل هذا الصنف من
البرامج الذي تنجذب إليه جماهير غفيرة من المحيط إلى الخليج".
ويرصد د.عمار القاسم المشترك بين الأغلبية الكاسحة من هذه البرامج،
ويقول " يدور حول أمرين أساسيين، الأول هو استخدام التلفزيون بوصفه مجرد
إذاعة مسموعة، حيث يطل على الناس من الشاشة رجل واحد، يتحدث إليهم بصوت
جهير، أو يخطب فيهم بلغة حماسية، أو يتلقى أسئلتهم وملخص مشكلاتهم ثم يجيب
عليها حسب رؤيته وتقديره ووفق ما تسعفه به الذاكرة من أسانيد 'شرعية'،
ويطلق أحكامه من طرف واحد، وليس أمام السائل والمستفسر الذي يرى شفتي الشيخ
ويسمع الحروف الخارجية منهما سوى أن يهز رأسه، أو يصمت، أو ينصرف إلى شيخ
آخر، في بحث نهم عن الفتاوى. والثاني هو اعتماد من يقدمون هذه البرامج على
إعادة طرح ما هو موجود على صفحات الكتب القديمة، بحيث يتحول الشيخ أو
الواعظ إلى مجرد ببغاء يردد ما قرأ وحفظ، فتأتي لغته قديمة مهجورة، وأفكاره
وتصوراته بعيدة عن مجريات واقع يتجدد باستمرار".
ويرى أنه "رغم رسوخ أقدام بعض القنوات الإسلامية والمسيحية، ومع ظهور
برامج دينية ثابتة في فضائيات كثيرة، فإن الأغلب الأعم يفضل التقليد على
التجديد، وإرضاء العوام على إيقاظهم، والنيل من المخالفين في الرأي
وتجريحهم بدلا من الدخول في حوار بناء معهم. ومن ثم فإن الطاقة الإعلامية
الإسلامية الجبارة التي تضخها الشاشات الزرقاء تبدو وكأنها حرث في ماء، لا
تربي نفسا، ولا تبني عقلا، ولا تشبع ذائقة، لينحصر دورها الأساسي في جذب
المشاهدين واصطيادهم، ليتحولوا إلى زبائن أو مستهلكين للبضائع التي ينتجها
شيوخ، ينظر كثير منهم إلى الأمر برمته على أنه تجارة بحتة".
ويؤكد د.عمار على أن الأغلبية الكاسحة من هذه البرامج تهمل القضايا
الأساسية والملحة التي يجب على الدين أن يتصدى لها، ويخوض غمارها، ويجيب
على أسئلتها كافة، ويقدم في هذا ردودا شافية كافية، لا تغادر سقما. و"هذه
القضايا جديرة بأن يلتفت إليها شيوخ الفضائيات بدلا من تكرار ما قيل آلاف
المرات من قبل، وإلا سنظل نحرث في ماء، وسنجني ربما من غير دراية ولا قصد
على الدين. لكن هؤلاء لا يستجيبون لهذا التوجه، ومن ثم تظهر أهمية وجود
برامج بديلة، تضيف وتنير وتهدي وتطلق الحوار حول المسائل الدينية من منظور
عصري، بعيدا عن إنتاج التزمت الذي يقود إلى العنف".
سمير عبيد: بين فضائيات دينية وفضائيات "مهند"
ويثير الكاتب العراقي سمير عبيد وجهة نظر مختلفة، فهو بعد التأكيد على
أنه من الأقلام والحناجر التي تحارب الطائفية، والإسلام الأميركي ومشروع
الصهيونية تساءل "بعيدا عن الغلو وبعيدا عن التشدد، هل سأل أحد الخبراء في
الإعلام أو السياسة نفسه سؤالا: لماذا جميع المخرجين والفنيين والمصورين
والمشرفين من المسيحيين المنفلتين المرتبطين بالدوائر الأميركية
والصهيونية؟"
وأضاف "هؤلاء هم الخطر والبنية التحتية للإعلام العربي الممول أميركيا
وصهيونيا، فبسبب الفضائيات الدينية وبرامج الفن والعري والجمال والميوعة
أصبحنا أمة 'مهند' ولم نبق أمة 'محمود'، ومهند نسبة للفنان التركي الذي كان
سببا بارتفاع نسبة الطلاق في العائلات الإسلامية". وقال "هناك وكالة
التنمية الأميركية هي التي تمول الإعلام العربي وتحديدا الخليجي، وهناك
مكتب إقليمي خاص في البحرين، وتشرف عليه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة
أولبرايت، فالمخطط كبير للغاية ولن يتوقف بعد أن أصبح السفراء الأميركان في
بلداننا هم الحكام الفعليون وما الأنظمة إلا عصابات يرعاها السفراء
الأميركان، وبالتالي نحن مجتمعات عبارة عن عينات لمختبرات وكالة التنمية
الأميركية".
فرانسوا باسيلي: امتداد للدروشة الدينية المعاصرة
الكاتب المصري فرانسوا باسيلي أكد أن ظاهرة الفضائيات الدينية في
العالم العربي هي امتداد وإفراز طبيعي لظاهرة أوسع وأقدم هي ظاهرة الدروشة
الدينية التي اجتاحت المجتمعات العربية منذ السبعينيات بتشجيع أو لامبالاة
من الحكام لأسباب سياسية، وقال "الدروشة الدينية هي الاستغراق في الانشغال
بشؤون الدين على حساب شؤون الدنيا والتوسع في ذلك الانشغال حتى يلتهم جل
فكر ووقت وجهد الفرد الذي يتحول من مواطن منتج مالك لأمر نفسه يدفع بعجلة
تطور مجتمعه إلى درويش مجذوب يتطوح مذهولا عن الدنيا لا ينتج شيئاً ينفع به
نفسه أو غيره، فيزداد فقرا على فقر، وإحباطاً فوق إحباط مما يجعله مستعدا
أن يفرغ إحباطه في شكل كراهية للآخر المختلف دينياً يصل في النهاية إلي حد
قبول العنف والإرهاب".
وأضاف "فضائيات التطرف الديني جاءت كفائض حاجة بعد أن استغرق الشأن
الديني مساحات كبيرة من برامج القنوات الرسمية والعامة بما لم يعد يسمح
بالمزيد. في يوم الجمعة الماضي مثلا كنت أتابع قناة 'دريم المصرية الخاصة'
فرصدت أربع برامج دينية مدة كل منها ساعة كاملة، مليئة بإجابات على أسئلة
في كل كبيرة وصغيرة من شؤون الدنيا التي كان من الأنسب أن يقدم إجابات لها
متخصصون في الطب الجسدي والنفسي والاقتصاد والتربية والتعليم وغيرها من
علوم العصر، فإذا بنا نقبل اليوم أن يكون مرشدنا في هذه كلها 'داعية' لا
يسأل أحد عن مؤهلاته! وهكذا تساعد هذه القنوات المفروض أنها 'معتدلة' على
نشر الدروشة الدينية وتجهيل المجتمع وإبعاده عن مصادر الحضارة والعلم
والقوة".
وقال باسيلي "قد لا يعلم الكثيرون أنه في الستينيات في بدء التلفزيون
المصري لم يكن يقطع الإرسال وقت الصلاة، إذ كانت مصر في عهد عبدالناصر دولة
مدنية تطمح لأن تدخل عصر العلم بكل قوة، وضعت الدين في مكانه الصحيح بعيداً
عن الغلو أو التوغل فيما ليس من الدين من شؤون الدنيا، كان 'العلماء' هم
أصحاب الدكتوراه في العلوم وليس أدعياء العلم من دعاة القنوات المهووسين
بفتاوى الحرام والحلال التي يريدون بها التحكم في كل ما يفكر فيه ويفعله
العباد".
وشدد باسيلي على أن القنوات العامة - قبل الفضائيات الدينية، هي جزء
من الكارثة التي تعانيها المجتمعات العربية اليوم إذ هي تزايد على موجات
الدروشة الدينية التي تجتاحنا بدلا من خوض المعركة الفكرية والحضارية
الضرورية لخلاصنا ونهضتنا.
ورأى أنه من المدهش أن هذا يحدث في دول تتحكم فيها النظم الحاكمة في
كل شيء في البلاد، وهناك من يرى أن هذه سياسة مقصودة لإلهاء الشعوب عن
حقوقها السياسية، وكان هذا صحيحا في مصر السادات، أما اليوم فلا أرى انها
بالضرورة سياسة مقصودة وإنما هي مزيج من البلادة الفكرية والسياسية وخمول
الإرادة وقصورها عن أية رؤية حضارية، بل وقصورها عن رؤية خطر هذه الدروشة
الدينية على المجتمع والدولة نفسها، واغتيال السادات دليل على هذا، والحل
هو في قيام إعلام عصري بديل له توجه حضاري علمي أساسي يقدم ما يفيد العقل
والروح من فكر وفن وعلم وإبداع، والامتناع عن الجرعات الدينية الزائدة التي
تقتل الإرادة الحرة والفكر الخلاق، ولكن هذا لن يحدث في ظل القيادات
الحالية التي أفرزت ما نحن فيه اليوم من انحدار نحو الخروج من العصر.
ميدل إيست أنلاين في
04/01/2011
أي دور للفضائيات الدينية (2)
إعداد - محمد
الحمامصي
الخطر الحقيقي الهجوم المتبادل بين العقائد، والقنوات 'المعتدلة'
تدعي الوسطية لكنها تسير على منهج التهييج والتحريض.
تواصل "ميدل إيست أونلاين" استطلاعها مع المثقفين والكتاب العرب حول
دور وتأثير القنوات الفضائية الإسلامية والمسيحية على المجتمعات العربية
والإسلامية سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا، في الدعوة للتطرف والعنف
والفرقة ليس بين الإسلام والمسيحية ولكن داخل الدين الواحد، نستطلع الرأي
في خطابها الذي يتهدد الجميع هنا أو هناك، خاصة وأنه خطاب يستهدف استقطاب
الشباب باعتبارهم الأقل خبرة وعلما بشئون دينهم، حيث تسعى هذه القنوات إلى
بث أفكارها السوداوية في عقول وأفئدة هؤلاء الشباب، الأمر الذي يسهل معه
قيادهم نحو التطرف والعنف.
وفي هذه الحلقة تؤكد الآراء على خطر هذه القنوات يتجاوز الاستعمار
كونه مدانا، حيث أنها توقع الفتنة بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد،
منبهين إلى خطر جهل الكثير من شيوخ هذه القنوات، دور البرامج الإخبارية
والدينية أيضا في القنوات الإخبارية والعامة في اضرام النيران، ومطالبين
بدور مستنير وواع للإعلام.
رشيد الخيُّون: فضائيات مهمتها التَّحريض!
يقول الباحث والمؤرخ العراقي الدكتور رشيد الخيُّون في ملاحظته عن دور
الفضائيات المعتدلة في الفتنة الدينية والطائفية، على خلفية ما حصل
بالأسكندرية من مجزرة في ليلة رأس السنة الميلادية، وما وقع من ضحايا من
المسيحيين وهم يصلون في كنيستهم، وما تأثير ذلك على المجتمعات "كان
التَّحريض على الفتنة بين الأديان والمذاهب يجري تحت أعواد المنابر،
فالسامعون لا يتعدون المائة، وفي أقصى الأحوال يُقدر عددهم بالألف أو
الألفين، يسحبهم المحرضون ويجولون في الشوارع، لكن لا يعبر الصوت حدود الحي
أو الحارة، أو المدينة. أما الآن فيمكنك التحريض مِنْ داخل دارك وتحشد
تظاهرة لإثارة فتنة بين الملايين، عبر كاميرات الفضائيات، التي مكنها
العلم، وما وصل إليه عقل الغرب، لا عقلنا طبعاً، مِنْ اختراق الأجواء
والفضاءات بين القارات، وهذا ما يُحذر منه. فالفتنة عمياء، قد لا تقف عند
حدود."
وأضاف "بعد حادث الأسكندرية المشؤوم، ومما سمعته مِنْ دور لقناة
الجزيرة بالذات عند المقابلة مع الدكتور محمد سليم العوا، الأكاديمي وصاحب
جمعية مصر للحوار والثقافة، أعدت سماع المقابلة لمجرد التأكيد. كانت
المقابلة مع برنامج بلا حدود ومقدمه أحمد منصور، وقيل أنه أحد الإخوانيين
الشباب. المقابلة كانت رداً على مقالة أجريت مع أحد رجال الدِّين الأقباط،
وهو الأنباء بيشوي، مع جريدة 'المصري اليوم'، والرد على أن الأخير قال
الأقباط هم 'السكان الأصليين والمسلمين ضيوف'. وهذه القضية - وهي إن صحت -
خطأ لا يبرر، لكن أن تجيش الجيوش عبر الفضائية ضد الأقباط ككل، وأن يبشر
بالفتنة تحت غطاء التحذير منها أمر يصعب تبريره أيضاً، ويصعب إعفاء تلك
القناة والدكتور العوا من التهييج وما حصل بالتالي بالإسكندرية من فاجعة."
ويرى الخيون انه "قد يظهر لك الدكتور العوا أنه معتدل عندما يتكلم
ويحذر من الفتنة، لكن موقفاً شهدته للرجل جعلني أعيد التفكير بما يتكلم
ويكتب، والموقف كان ببيروت عند مشاركتي في مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي
(فبراير 2008). كان العوا يتعامل كهيلمان وصاحب سطوة، فعندما اعترض أحد
القسسة اللبنانيين على تسمية الدولة الإسلامية أو الدستور الإسلامي في
بلدان مختلطة. كان رد العوا صاعقاً، وعندما تمتم القس بعبارة 'مبروك عليكم'
زاد غضب العوا، وكنت أنتظر أن يصل به الحال إلى إخراج القس من القاعة. ولو
رد القس لحصل ذلك. مع أن المؤتمر كانت تحت عنوان 'الحوار الإسلامي -
المسيحي'! يمكن أن يكون هناك حق للعوا، من وجهة نظره، لكن أن لا يحاول
التغلب بفرض نفسه هو صاحب الأول والأخير في المؤتمر، وإن كان عضواً في
أمانة المؤتمر."
ويقول الخيون "لم تكن الجزيرة يوماً من الأيام معتدلة في شأن الدفع
بأحوال التعايش إلى الأسوأ، تحاول دائماً تغذية الاضطراب، ولا ننسى دورها
في العراق. كانت أسئلة أحمد منصور في مقابلته مع العوا تدور حول خطر
الأقباط، ومناكفاتهم مع المسلمين، ثم علاقاتهم بإسرائيل، وما قاله العوا من
تجميع الأسلحة في الكنائس لضرب المسلمين. أعتقد أن ذلك يكفي لتهييج ولفت
انتباه الجماعات المتطرفة ليحدث ما حدث بالإسكندرية في ليلة رأس السنة!"
ويضيف "لا يخفى عمل محطات الإعلام الإرهابي المباشر، المحرض منها أو
المتبني للفكرة، وهذا يسهل رصده، وتفسير مقصده واتخاذ موقف منه مِنْ قبل
قوى الاعتدال. لكن هناك محطات تدعي الاعتدال والوسطية، والفكرة ربما
مستقاةً من وسطية الشيخ يوسف القرضاوي الإعلامية، وهو الضيف المزمن في إحدى
أبرز تلك القنوات، وهي بالحقيقة أخطر من قنوات الإرهاب والتعصب الديني
نفسها، بأغلب برامجها التهييجية، ضرراً على المجتمعات، وليس هناك ضرر أكثر
من تفجير بيوت العبادة أو الأسواق تحت مبرر المقاومة. تحاول تلك القناة
دائماً تسميم الأجواء، تحت مبرر العداء لأميركا، لكن لو حسبنا الحساب كيف
تبث هذه القناة برامجها بالقرب من القواعد الأميركية، ولماذا التفجير
بالعراق أو بمصر على أنه مقاومة ونضال بينما يكون التفجير بمكان آخر إرهاب.
لابد من فعل شيء لتقليص هذا الدور الإعلامي الضَّار. أما سر ديمومة تلك
القنوات، وانتشارها فهو الأموال التي تدفع لهذه الغاية، من انتشار المكاتب
وانتشار المراسلين وتقنية البرامج، والسؤال: كيف ولماذا ماذا يُراد من هذا
التوجه، هل هو لأجل شد الجمهور عبر برامج التحريض، والتسفيه، مثلما هو
برنامج "الاتجاه المعاكس مثلاً، أم هناك أجندة تنفذ عبر تلك الوسيلة، ولا
تحسب حساب الضحايا بتهييج الفتن!
عزت القمحاوي: تصرفنا عن الحياة
الكاتب والروائي عزت القمحاوي رأى أنه إذا كان خطر القنوات الدينية
يقتصر على صرف الشعوب العربية عن الحياة وإشاعة الاتجاه إلى الاهتمام بما
بعد الموت فحسب؛ فهذا كاف بحد ذاته لاعتبارها وسائل خطيرة ليس على مستقبلنا
كشعوب فقط، وإنما على عزة الدين الذي يتصورون أنهم يدافعون عنه.
وقال "لننظر إلى اللاتوازن المرعب بيننا وبين إسرائيل التي تمتلك
السلاح النووي والطائرات بدون طيارين، وهي الثانية في العالم بعد أميركا
التي تمتلك هذه التقنية الجديدة".
وأكد "إذا كانت ثمار صرف الشباب عن الدنيا واضحة للعيان فإن الوقيعة
الطائفية بين أبناء الشعب الواحد تسارع من وتيرة هذا الانهيار؛ فهي أخطر من
الاستعمار، لأن الاستعمار مدان ويجمع الشعب على مقاومته، أما أن تكون فتنة
داخلية بين متدينين وعلمانيين كما حدث في الجزائر أو طائفية كما في لبنان
فالعراق ومصر في الطريق، فهذا هو الخطر مرتفع الكلفة الإنسانية
والاقتصادية".
وأوضح القمحاوي "لا أعرف إن كان من المفترض أن يكون الدين مجالاً
للإعلام العام، أم يجب أن يبقى في أماكنه الأصلية من المساجد والكنائس
والمعابد، وعلى الأقل وبصفة عاجلة يجب وضع ضوابط لهذا الإعلام. لم نر داعية
من دعاة الفضائيات يتحدث عن تزوير الانتخابات البين والفاضح، فلماذا يستأسد
على طائفة أخرى ويتحدث بالشائعات عن وجود أسلحة بالكنائس أو لماذا يتعرض
لعقائد الآخرين ليصفها بالخطأ، وادعاء العلمية، بينما العقائد محلها القلوب
ووضعها في مواجهة البراهين العلمية المحددة يضع ثوابت جميع الأديان في
مواجهة براهين العلم المتغيرة".
محمد صلاح العزب: قنوات مصرية على نايل سات تحرض ضد المسيحيين
ويرصد الكاتب الروائي محمد صلاح العزب الواقع المصري القلق حيث يقول
"منذ ما يقرب من أربعة أشهر كنت أتنقل بين القنوات، ففوجئت بهجوم شديد من
بعض القنوات على المسيحيين وتسفيه لعقيدتهم واتهامهم في عقولهم انطلاقا من
نقطة لا معقولية أن يكون الإله ثالوثا، وتعجبت حين وجدت أن هذه القنوات
مصرية وتبث على النايل سات، كان هذا في خضم أحداث ما عرف بأحداث كاميليا
شحاته".
ويضيف "وقتها أصابني قلق حقيقي على مستقبل مصر، وكنت أرى ما يحدث
حاليا بعين المستقبل، وحاليا أرى أن الأسوأ قادم لا محالة، فالسيناريو يعد
لحدوث اشتباكات كبيرة بين المسلمين والأقباط تمهيدا لتدخل أجنبي في أحلك
الأحوال، وأتمنى أن يعي المصريون من الجانبين هذا جيدا، حفاظا على بلدهم،
كما أرى أن الإعلام لابد أن يقوم بدوره بشكل مهني في هذه الفترة العصيبة،
بعيدا عن فكرة التسخين والمانشيتات والعناوين المثيرة، لكن ف الوقت نفسه مع
الاحتفاظ بحق المتلقي في معرفة الخبر، وأعتقد أننا أيضا بحاجة للتخلي عن
الحيادية قليلا لصالح إطفاء بوادر الفتنة، لأن الإعلام تحديدا يقع عليه عبء
كبير فيما وصلت إليه الأمور، وعليه أن يحاول تصويب بعض أخطائه".
السيد نجم: دخل الساحة كل 'من هب ودب'
ويرفض الكاتب والروائي السيد نجم التعلق بالقنوات الفضائية الدينية
"مسلمة- مسيحية" ويرى في ذلك تبسيطا وتهوينا لمشكلة كبيرة حقيقية، نلف
وندور حولها، ويقول "قبل الخوض في المشكلة، يمكن أن أجزم بأمرين: الأول أن
غاية مثل تلك القنوات الدينية بالعموم سوف يؤدى إلى طغيان ثقافة مناقضة،
والمطلوب التوازن، وثانيا: إن تقييمي لأية قناة فضائية دينية يعتمد على
مقدار تناول 'المعاملات' وليس الشريعة المتفق عليه".
ويضيف "الأهم والخطر هو قضية 'الخطاب الديني' المسكوت عنه، وأعنى أن
هناك من القضايا والمشاكل التي يتم ترديدها بين المسلمين حول العقيدة
المسيحية، وأخرى تتردد بين المسيحيين حول الإسلام، إما مغلوطة أو غير متفق
عليها بين الديانتين مثل 'التجسيد أو التثليث' في المسيحية و'تكفير كل ما
هو غير مسلم، وفهم الدين عند الله الإسلام' بالخطأ مع الدعوة إلى مقاتلة
غير المسلم".
"لقد وصلتني رسالة بالأمس، أقل ما يقال حولها أن تحمل بعض المفاهيم
الخاطئة حول معاني بعض الآيات القرآنية التي قد يكون البعض فهمها على أنها
دعوة لمقاتلة غير المسلمين! وهنا بيت لقصيد كما يقولون، المسكوت عنه يجب أن
يناقش ويشرح لبيان الدلالة والمعاني الحقيقية، وأظن يقينا أن للأزهر دوره
في هذا المجال بشيوخه الأجلاء بعد ن دخل الساحة كل 'من هب ودب'، لذلك اعتقد
أن القنوات الفضائية جزء من مشكلة أكبر واهم وأخطر وأعنى مناقشة المسكوت
عنه وشرحه لبيان سماحة الإسلام وأنه ليس دين لمعادة غير المسلمين".
صلاح بيصار: فضائيات الأسود والأبيض
ويتساءل الفنان التشكيلي صلاح بيصار ما الذي وصل بالمنطقة العربية
والشرق عموما إلى هذه الدرجة من التطرف والتعصب والتنابذ مع الآخر؟ ويقول
"أصبحنا نتحسر على تلك الفترة من الستينيات والتي كانت فيها رئيسة وزراء
الهند أنديرا غاندي أحد دعاة السلام في العالم، رغم ما تحمل من معتقد يجعل
من البقرة معبودا، ورغم هذا كانت تجد الاحترام والتقدير الكبير من كل زعماء
العالم، ففكرة المعتقد مسألة خاصة جدا بين الإنسان وربه أو ما يعتقد، فكل
الأديان السماوية وحتى الوضعية منها تحث على الحب والتآخي والسلام
والمودة".
ويضيف "القنوات الفضائية بكل صورها سواء دينية أو إخبارية أصبحت تمثل
نموذجا للانفلات والتعصب الشديد تجاه الآخر إلى حد التسفيه بالمعتقدات،
أصبحت تجسد الحياة في لونين: الأبيض والأسود، الأبيض الذي نتحفظ عليه كثيرا
والذي يتصورنه، والأسود الذي يمثل الآخر، حتى صارت تمثل صورة من صور العنف
والتطرف تتساوى مع دراما العنف من أفلام الفزع والرعب".
ويؤكد بيصار أن مخاطر هذه القنوات على الشباب عديدة، هي تبث العنف
والعنف لا يولد إلا العنف، خاصة مع هؤلاء الصغار الذين يحتاجون إلى القدوة
والمثل وإلى تمثل الديمقراطية واحترام الآخر، وهذه هي النهضة الحقيقية، ولا
شك أن فترة العشرينيات والثلاثينيات وهي الفترة التي عاشتها مصر في عقاب
ثورة 1919 كانت من أخصب الفترات في الإبداع على مستوى الفكر والأدب والفن،
ولنا أن نتمثل الشيخ محمد عبده كمنارة إسلامية نعتز بها والمسافة بيننا
وبينه أكثر من مائة عام ـ 1905 ـ وبنفس القدر تبدو المسافة بين أفكاره
وأفكار شيوخ القنوات الفضائية الآن، هو كان يبث الاستنارة والتسامح وهم
يبثون التعصب والجهل فيما يقدمون وفيما يعتنقون والأخر فيما يبثونه على
البسطاء من عامة الناس والشباب.
ميدل إيست أنلاين في
06/01/2011
أي دور للفضائيات الدينية (3)
إعداد - محمد
الحمامصي
فضائيات تفرخ إرهابيين يوميا لذا يجب قطع بثها جميعا معتدلة وغير معتدلة.
تشكل القنوات الدينية بأفكارها الظلامية والرجعية العنصر الرئيسي في
تخصيب مفردات الفتنة الطائفية في مختلف الدول العربية والإسلامية كما يرى
الكتاب والمثقفين في هذه الحلقة من الاستطلاع الذي تجريه "ميدل إيست
أونلاين". كما تشكل رأس حربة ذهنية وفكرية للتطرف والإرهاب، بل وتعد مفرخة
يومية للإرهابيين هنا وهناك في أرجاء الوطن العربي والإسلامي الكبير.
والأخطر من ذلك اعتبارها أدوات سلطة بها تنفتح أبواب الحكم في السياسة وحكم
المجتمع والدول.
هذا الوعي الذي تشكل آراء المثقفين والكتاب يطرح تساؤلا آخر ربما
عالجته بعض الآراء سابقا أو لاحقا في استطلاعنا عند إشارتها لدور كبير
للأنظمة العربية في ذلك، لكنه يستحق استطلاعا منفصلا: لماذا يتم عمدا مع
سبق الإصرار والترصد نفي وتحجيم الآراء المستنيرة في بلداننا العربية
والإسلامية؟ في الوقت الذي يتم تفتح فيه الأبواب على مصراعيها أمام الآراء
المنغلقة والسوداوية والظلامية المتطرفة والعنيفة؟ لماذا؟
رفعت سلام: رأس الحربة الذهنية/الفكرية في التطرف والإرهاب
الشاعر والمترجم المصري رفعت سلام أكد أن هذه القنوات الفضائية هي رأس
الحربة الذهنية/الفكرية في التطرف والإرهاب، وقال "هي صانعة المناخ العام
والذهنية العامة المتطرفة، وخاصةً لدى الشباب، الباحث عن طريق أو الضائع
بين الطرق، الذي لا يجد أفقا مفتوحا أمامه؛ فيتلقفه المشايخ ودعاة
الفضائيات بالسم في العسل. ولا فرق بين ما ترتكبه- في هذا السبيل- فضائية
"دينية" متخصصة، وما تبثه فضائية إخبارية تدعي المهنية والاحتراف، حين تذيع
على مدى أسابيع محاضرات- بلا نقاش- لمحمد سليم العوا في دق إسفين بين مسلمي
وأقباط مصر".
وتساءل سلام "هل نحن في زمن الجاهلية ليقوموا بهداية الشعب العربي
'الكافر' إلى الإسلام؟ أبكل هذه الكثافة؟ أم أنها العملة الرائجة- وسط
الظروف البائسة التي يعيشها الإنسان العربي- التي تجلب المنفعة والملايين؟
لقد غبت عن مصر أربع سنوات، في الخارج، وحين عدت، وجدت خطباء المساجد
ومشايخ الفضائيات هذه يصرخون بالفضيلة وينددون بالعُري الذي يملأ الشوارع
ويهددون بضرورة 'الحجاب قبل الحساب'؛ فتخيلت أن القاهرة قد أصبحت- خلال
السنوات الأربع- دار دعارة كبيرة، لا أقل. وحين تجولت في الشوارع، وجدت
جميع النساء محجبات أو منقبات فعلا! فذهلت من هذا الإرهاب 'الديني' الفكري
والذهني التي تسلط على قاهرة المعز".
وأضاف "المفارقة أن أحدا من هؤلاء الدعاة- المشايخ أو الدعاة الجدد-
لا يستطيع أن ينطق بحرف ضد الفساد المستشري في كل أنحاء الحياة، فلا يجد
أمامه سوى المواطن العادي- والشاب العاطل البائس- ليجلدوه بسياط الدين آناء
الليل وأطراف النهار".
وشدد سلام "لقد صنعوا مناخا إرهابيا باسم الدين، والتهديد بالكفر
والمروق، إلخ، فيما العالم مشغول باكتشافاته العلمية والبحثية التي لا
تنتهي في هذا المناخ، تصبح الحياة عبئا لا يطاق، وكآبة لا تنتهي، وحالة من
اليأس التي تدفع إلى اختيار الطرق المنحرفة، وهذا المناخ يؤسس للفساد
والقمع، ولا يمنع 'التحرشات الجنسية'، التي تقع في المناسبات الدينية، كعيد
الفطر أو الأضحى، لم يدفع بالمجتمع خطوة واحدة إلى الأمام، بل على النقيض:
كشف عورات المجتمع المفكك، وأسهم في التضليل والهروب إلى الوراء، بدلا من
مواجهة الواقع بالعقل والنظام بالنقد".
"إنه مناخ أشبه بمناخ الحروب الدينية، حيث يطغى الشعار الديني على كل
شيء، وتفقد البصيرة وعيها إزاء التهديد والوعيد والخوف من العقاب الأخروي،
ويغطي الشعار الزائف على المصالح والمخاطر الحقيقية.. هو مناخ العصور
الوسطى الأوروبية، لقد تخلصوا هم منه الأوروبيون، بلا رجعة، واستعدناه نحن
في غيبوبتنا الممتدة من عقود؛ ولا تجد السلطات المعنية ضررا منه، بل تجده
مفيدًا لها، ليتلهى الشعب بالثعبان الأقرع ودعاء الركوب بدلا من أن يفتح
عينيه على مشاهد الفساد والقمع والانحطاط المحيطة به".
فاطمة ناعوت: القنوات الدينية تُفرّخ إرهابيين كل يوم
ومن جانبها رأت الشاعرة والكاتبة المصرية فاطمة ناعوت أن هذه القنوات
الدينية تُفرّخ إرهابيين كل يوم، فضلا عن، وهو ما لا يقلّ خطورًة، أنها
تقدم للمتفرج صورة سهلة لدخول الجنة، "بأن يدخل الحمام بقدمه اليسرى، وأن
يتجنّب كل ما ليس إسلاميًّا، ويقضي ليله ونهاره في التسبيح، فينال مفتاح
الجنة. ينشأ الشاب كسولا غير مهتم بالعمل ولا بالسعي في الأرض، فيزداد
المجتمع خمولا، ويشنأ غير مدرك لمفهوم التعدد، وهو بداية الفاشية والتطرف".
وقالت "أما أولئك المُفتون، وما هم بمفتين، فيعملون على أن 'يركن'
الإنسانُ عقلَه ويستعير عقل هذا الشيخ أو ذاك. لماذا أفكر طالما ثمة من
يفكر لي فأنقل عنه الغث والثمين. ذلك ما صنع مجتمعنا 'النقيلة' بدل
'العقلية'. ثم يتحول هذا 'المستمع'، بدوره، إلى مفتٍ جديد ينقل لغيره ما
سمعه- نظرية قالوا له- فينتشر الفكر المغلوط في المجتمع. وكانت النتيجة هي
ما نراه الآن. تكلم فرانسيس بيكون عن هذا في 'الأوهام الأربعة'، وهمُ
التليفزيون والقنوات الدينية مطابقٌ لوهم 'المسرح' عند بيكون. وما ينقله
المستمع لسواه من الناس مطابق لوهم 'السوق'. وهكذا تهرأ المجتمع المصري
وأصبح أرضا خصبًا للتراخي والكسل والتواكل والإحالية إلى الغيب "مفتاح
الجنة إن صليت على النبي عشرة آلاف مرة في اليوم.. إلخ، والإرهاب ونفي
الآخر، والأخطر من كل هذا، هو الشعور بامتلاك اليقين".
سامح كعوش: الطائفية والفئوية المذهبية هي القضية الكبرى والإشكالية
الأساس
ويحلل الشاعر والناقد اللبناني سامح كعوش الأمر حيث يعتبر أن المسألة
الطائفية والفئوية المذهبية هي القضية الكبرى والإشكالية الأساس التي تضع
مجتمعاتنا العربية وبلادنا في دائرة الخطر "لا لأنها من محظورات الفكر
والتفكير فهي القضية الأولى بالبحث والنقاش وصولا إلى الحلول الناجعة
لقضايا التنمية البشرية والمجتمعية بعيدا عن مذموم الاقتتال والاختلاف
والانقسام المذهبي ولا يمكن ذلك إلا من خلال مراكز الأبحاث التي تختص
بتوحيد المذاهب وحوار الفرق الدينية وتقاربها، لا من خلال محطات فضائية لا
تمارس الرقابة الذاتية أو لا تمارس أي جهة أخرى الرقابة الإيجابية البناءة
عليها، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إيقاف كثير من محطات البث التلفزيوني
الفضائي ومنعها من البث ليكون المشاهد بمنأى من أي تأثير سلبي عبر انقياده
عاطفيا لأفكار متطرفة ورؤى هدامة تستخدم مقولة الحق الذي يراد به الباطل".
ورأى كعوش أن الفضائيات تستطيع أن تتنافس في العرض الأول للأعمال
الفنية الطربية والمسلسلات العاطفية وأفلام المغامرة والتشويق "إلا أنها
قطعا لا تملك الحق في الترويج للأفكار المتطرفة أو الأفكار الدينية حتى،
لأن هكذا دعوة يجب أن تتم عبر المؤسسات الدينية الرسمية فقط لا غير، لأن
أهل الحكم أقدر على اللعب بحسب فن الممكن بينما المهمشون من أهل الحلم
والطموح والوصوليون يعتبرون هذه الفضائيات أدوات سلطة بها تنفتح لهم أبواب
الحكم في مجلاته الأخرى في السياسة وحكم المجتمع والدول".
وخلص كعوش إلى وجوب قطع بث جميع الفضائيات الدينية المعتدلة وغير
المعتدلة و"يوضع تحذير على شاشاتها لتحذير المشاهدين من محتواها المحرض على
العنف أو في أحسن أحواله المحرض على العصبية الطائفية".
طلعت شاهين: أي وجود إعلامي ديني متخصص هو دعوة إلى التطرف
ومن جانبه رأى المترجم والكاتب المصري د.طلعت شاهين أن وجود إعلامي
ديني متخصص سواء كان إذاعة أم قناة فضائية هو في حد ذاته دعوة إلى التطرف
في جميع الاتجاهات، وقال "لأن الدين ليس كل الحياة حتى يمكن تخصيص قنوات أو
إذاعات له بل هو جزء من تلك الحياة بما يعني أن تخصص له فقط برامج تدعو إلى
الدين الصحيح بعيدا عن التعصب، لكن بعض الاتجاهات والحكومات لجأت إلى تمويل
تلك القنوات بحثا عن مكاسب سياسية سهلة ورخيصة لا تكلفها الكثير وتجعلها
تجني من ورائها الكثير".
وأضاف شاهين "حتى القنوات الحكومية التي تدعي الاعتدال أصبحت متعصبة
بعد أن تسلل إليها عدد من الدعاة الجدد أو جعلت من بعضهم نجوما تتناقل
أخبارهم وتفتح لهم برامجها، وبعض الأثرياء الجدد أيضا من رجال الأعمال
استغلوا هذه الظاهرة، فبدأوا في عقد الندوات الدينية بالمنازل يتحدث فيها
هؤلاء المتطرفون فظهرت ظاهرة ما يسمى بالدعوى المنزلية بدأت إسلامية ثم
تحولت إلى مسيحية أيضا كنوع من الرد أو التقليد والهدف من وراء هذه الندوات
لم يكن دعوة إلى الدين الحقيقي بل أصبحت نوعا من الدعاية لأصحابها بحثا عن
الربح، وهناك شركات تثري من القنوات الدينية رغم أنها تدعو في الوقت نفسه
إلى الخلاعة مثل قنوات روتانا التي تقدم البرامج والإباحية والأفلام
الخليعة وتقدم قناة دينية أيضا وهذا أمر عجيب".
ميدل إيست أنلاين في
08/01/2011
أي دور للفضائيات الدينية (4)
إعداد - محمد
الحمامصي
هل يجتث المتطرفون 'المتأسلمون' 15 مليونًا من المسيحيين بحجج واهية؟
يرى المثقفون والكتاب على اختلاف أفكارهم ورؤاهم أن القنوات الفضائية
الدينية تلعب دورا كبيرا في إشعال فتيل وإذكاء نيران الفتنة الطائفية حتى
داخل الدين الواحد، وأن الدولة هنا وهناك تشارك هذه القنوات وتدعمها
وتساندها، كونها ترسخ لنظمها القمعية والاستبدادية، وأنه ليس من المعقول
تركها هكذا دون رقابة قانونية تحد من خطرها.
و"ميدل إيست أونلاين" تواصل استطلاعها محاولة وضع رؤية عامة للنخب
الثقافية العربية التي تكاد تجمع على أن المستقبل العربي والإسلامي على خطر
جراء ما تبثه هذه القنوات من أفكار متطرفة وتدعو للفرقة وترسخ لها.
أمل رمسيس: ابحث بين صفحات المناهج الدراسية
المخرجة التسجيلية المصرية أمل رمسيس أكدت أن القنوات الفضائية ليست
هي وحدها المسئولة عن ما وصلنا إليه، و"إنما هي منظومة كاملة للدولة تعيش
على إشعال هذه الفتن بشكل مستمر حتى تبرر كل النظام القمعي الذي تحكمنا به".
وتلفت رمسيس إلى المناهج المدرسية وتقول "ليست المناهج المدرسية سوى
أبلغ مثال على هذه المنظومة التي تمثلها الدولة، تلك المناهج التي تحاول
منذ السنوات الأولى في التعليم إلى الفصل والتمييز الديني والتجاهل الكامل
للتاريخ القبطي كجزء من تاريخ مصر".
وتؤكد "إن الدولة القمعية هي نفسها التي تسمح بل وتغذي مثل هذه
القنوات الطائفية لأنها تعزز مهمتها في إشعال الفتنة والاحتقان الطائفي،
وبالتالي تتغذى الحاجة إلى فرض وسائل قمعية أكثر يأتي في سياقها تزوير
الانتخابات ومنع الصحافة الحرة والرقابة على كل شيء ومنع الإضرابات
والتظاهرات والرقابة على النقابات..الخ".
فاطمة البودي: خطر عمره 30 عاما
ومن جانبها رأت الناشرة المصرية د.فاطمة البودي أن عمر الخطر تجاوز
الثلاثين عاما، وقالت "كان لزاما علي الدولة أن تنتبه لهذا الخطر الداهم
منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وكانت الفتنة في المهد، إن السماح بإنشاء
فضائيات إسلامية دينية ساهم بقوة في إذكاء الفتنة وازدادت بقنوات مسيحية
أشد تعصبا، أضف إلى ذلك وضع خانة الدين في الهوية الشخصية وهذا الأمر مرفوض
تماما".
وأضافت البودي "لو سارعت الجهات القضائية في الحكم على مرتكب مذبحة
نجع حمادي العام الماضي لأصبح رادعا".
وطالبت البودي الدولة أن تعمل وبشدة على حجب كل البرامج الدينية على
التليفزيون، وقالت "لأن طول عمر مصر متدينة باعتدال بدون هذه البرامج
والدين في القرآن، وأخيرا عاشت مصر للمصريين مسلمين ومسيحيين معا".
أمير تاج السر: التشدد أو التطرف خيار شخصي
ويطرح الروائي السوداني أمير تاج السر وجهة نظر جديرة بالتأمل حيث رأى
أن التطرف أو التشدد له قابلية لدى البعض وليس شيئا يمكن تعميمه، بمعنى أن
الشخص هو الذي يسعى للتطرف، ومخالفة الآخرين بنفسه وليس من محرضات خارجية،
وقال "في الماضي كان الجهل مسيطرا، والآن مع ازدياد نسبة التعليم وانفتاح
الأفق الإنساني على معلومات جديدة وسهلة، أصبح من السهولة التفريق بين
الحقيقي وغير الحقيقي. يبقى موضوع القنوات الفضائية التي أعتبر دورها ليس
حيويا جدا، خاصة أن أغلبها يبث أخبارا محايدة ويستضيف أطرافا تمثل أنفسها
وليس كل البشر، أذكر موضوع الأنبا المتطرف الذي أساء إلى كتاب الله، وأثار
غضب المسلمين، هنا المسلم الحقيقي لديه ما يقيه، ومستقى من كتاب الله أيضا،
الذي نزل الذكر وهو حافظ له، بعكس صاحب القابلية الذي يعمم قول ذلك الشخص
على كل المسيحيين ومن ثم ينطلق للإرهاب. المسألة كبيرة وتحتاج إلى كلام
كثير".
عدنان حسين أحمد: الفضائيات "المحايدة" تمرر رسائل متشددة
وأكد الناقد العراقي عدنان حسين أحمد أن القنوات التلفازية المتشددة
هي أخطر بكثير من القنوات المحايدة لأن تفكيرها ونزوعها الفكري منصّب
باتجاه التشدّد الذي سوف يفضي حتمًا إلى الإرهاب بأشكاله المتعددة، فهناك
إرهاب ثقافي وفكري وديني وكلها غير محمودة العواقب ويمكن أن تقلب أي مجتمع
مستقر ومسالم ومتعايش رأسًا على عقب.
وأوضح أن "هذه القنوات الفضائية المتشددة ليس من الصعب تحديدها وفرزها
من أجل محاسبتها قانونيًا وأخلاقيًا لأنها تلحق ضررًا فادحًا بأي مجتمع
تعيش بين ظهرانيه. وخطورة هذه القنوات أنها موجودة بكثرة في عالمنا العربي
والإسلامي، وأن إمكانيتها في التأجيج والتأليب كبيرة جدًا لأسباب تتعلق
بمستوى الثقافة والتعليم وقصور الرؤية الفكرية للناس البسطاء الذين لم
تتفتح أمامهم الأسرار والحقائق التي يغطيها الغمام، وتحجبها الصعوبات
والمواقف الغامضة".
وأضاف " القنوات المحايدة التي تمرر بعض الإخبارية الحساسة فإنها تسهم
من دون شك في تعزيز القنوات الدينية المتشددة لأنها تحتاج إلى من يؤازرها
بشكل مباشر وغير مباشر. وهناك قنوات عربية معروفة في عالمنا العربي وفي
خارجه تساهم أحيانًا مساهمة كبيرة من خلال ترويج بعض الخطابات الدينية
المتطرفة التي تتخذ من الإرهاب مهنة رئيسة لها، بل أنها تكرس حياتها من أجل
تكريس الخطاب الديني الأهوج الذي يمكن أن يحيل الحياة على كوكبنا الأرضي
إلى جحيم لا يطاق.
لا شيء ينبثق من الفراغ، فكل شيء له دوافعه ومحفزاته في هذا العالم.
سأسوق مثالين مهمين هي التفجيرات التي استهدفت المسيحيين في العراق ونجحت
في تهجير جزء كبير منهم إما الى شمال العراق، أو إلى خارجه بهدف اجتثاثهم
من بنية ونسيج المجتمع العراقي. والتفجير الذي حصل في الإسكندرية في أعياد
رأس السنة الميلادية وراح ضحيته العديد من أبناء الطائفة المسيحية، إضافة
إلى بعض المسلمين بهدف ترويع، ليس هذه الطائفة حسب، وإنما ترويع المجتمع
المصري بكل أطيافه الدينية والاجتماعية".
ورأى عدنان حسين أنه "من غير المعقول أن يجتث المتطرفون الإسلاميون أو
(المتأسلمون) خمسة عشر مليونًا من المسيحيين أو ربما أكثر بحجج واهية لا
تستند إلى عقل أو منطق. فلقد أثبت التاريخ أن هذه الديانات يمكن لها تتعايش
كما حصل في العديد من البلدان العربية من بينها العراق، لبنان، مصر، المغرب
وما إلى ذلك من البلدان التي تجاورت فيها هذه الديانات السماوية الكبرى
الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية. والغريب أن النبرة الاحتجاجية واحدة
بأن المسيحيين العراقيين هم أهل العراق الأصلاء، وأن البقية الباقية هم
طارئون، وفي مصر بتنا نسمع بأن المسيحيين في مصر هم الأصلاء وأن بقية
المصريين هم من الوافدين أو الدخلاء. هذا هو مكمن الخوف من ترويج القنوات
المتشددة والمحايدة التي تمرر خطابات من هذا النوع. كما أن التقسيم الذي
ينتظره السودان قائم هو الآخر على أساس ديني أولا، فالكل يصرخ من أجل إنقاذ
مسيحيي السودان مسلميه، وكأن المسلمين في السودان أو في العراق أو مصر، لا
شاغل لهم سوى وجود هذه الطائفة الدينية المسالمة التي أثبتت على مر التاريخ
أنها قادرة على التعايش والتكافل والتضامن".
وأكد إن الحل الأمثل هو تحديد نوعية المواد التي تبثها هذه القنوات
على وفق شروط قانونية لا تسمح بالترويج الطائفي والتأليب العرقي والديني
الذي نشهده في عدد غير قليل من البلدان. و"هذه المراقبة القانونية يجب أن
تمتد لتشمل القنوات المحايدة لكي لا تروج لكل ما من شأنه أن يبث العنف،
ويتيح المجال للمتشددين أن يعبثوا بأمن بلداننا العربية والإسلامية على وفق
أهوائهم وتحليلاتهم المرضية التي أكل الدهر عليها وشرب، شرط أن لا تمس هذه
الاشتراطات والمحددات القانونية مبدأ حرية الرأي والتعبير الذي نحتاجه،
تمامًا مثلما يحتاج أي مجتمع آخر الى الهدوء والسكينة والعيش الرغيد بعيدًا
عن دوي المتفجرات التي يقف وراءها مسوخ عتاة يمشون بالمقلوب عكس حركة
التاريخ الطبيعية المحكومة بوجوب السير إلى أمام".
ميدل إيست أنلاين في
11/01/2011
أي دور للفضائيات الدينية (5)
إعداد - محمد
الحمامصي
أصابع الاتهام تشير إلى أموال النفط وأفكار الوهابية وراء تأسيس فضائيات
الدين والدين الآخر.
لا يزال استطلاع "ميدل إيست أونلاين" حول دور وتأثير القنوات الفضائية
الدينية إسلامية كانت أو مسيحية في إشعال نار الفتنة ليس بين المسلمين
والمسيحيين فقط بل بين أبناء الدين الواحد، وتظل حالة مصر في اللحظة
الراهنة شاهدا قويا على ما أدت إليه هذه القنوات من تحريض ودعوة للفتنة
والتناحر.
آراء المثقفين هذه المرة تشير بأصابع الاتهام إلى "المال النفطي"
و"الفكر الوهابي" باعتبارهما المؤسس الحقيقي لهذه القنوات وما تبثه من
أفكار وآراء، مطالبة المستنيرين من العلماء والكتاب والمفكرين بالتدخل وعدم
الاكتفاء بالندب والعويل عند كل مصيبة تقع.
عزة عزت: عودة إلى السبعينات
تكشف الباحثة وأستاذ الإعلام المصرية د.عزة عزت أن مشكلة الاحتقان
الإسلامي المسيحي في مصر غـُرست أولى بذورها منذ بدايات عقد السبعينيات
بتقوية التيار الإسلامي من قبل الرئيس المصري السابق، وتواكب مع ذلك بدايات
الهجرة إلى دول النفط وعلى رأسها السعودية، التي زاد تأثيرها أكثر، ليس
بفضل من عاشوا فيها من المصريين وعادوا متطبعين بتقاليدها الجافة، ولكن
بسبب هيمنة المال النفطي والسعودي بالذات ونشاطه في مجال تأسيس القنوات
الفضائية ذات الطابع الديني السلفي التي كرَّست قيم ومفاهيم لا تتسق بحال
مع طبيعة الشعب المصري السمحة، وقدرته على التعايش مع شتى الديانات؛ بدليل
أن اليهود والمسيحيون كانوا ينعمون فيها بمساحة رحبة من الأمان عبر عقود،
بينما الحال اليوم كما نرى يرسى له من السوء، ولا يحتمل مزيد من التعليق.
وأضافت د.عزة "نتيجة لما أحدثته كل هذه الظروف من تهيئة عقول المصريين
خاصة من أنصاف المثقفين والبسطاء ممن لا قضية لهم، والذين جعلوا من التدين
المتشدد قضية عمرهم، وكأنهم بتشددهم وإرهابهم الفكري للآخرين يقومون بدور
جهادي سيثابون عليه، كما نشطوا في محاولات أسلمة الشباب المسيحي، والتهليل
لتخلي البعض عن دينهم مهما كانت تفاهتهم الشخصية ورخص دوافعهم لاعتناق
الإسلام، التي تبعد تماما عن فكرة الاقتناع العقلي به كدين حق، ولكن لأسباب
دنيوية بحتة، الأمر الذي أثار الأخوة المسيحيون وأدى إلى نشاط تنصيري
بالمقابل سعى للتبشير، ونجح إلى حد ما في استقطاب بعض الشباب المسلم الطامح
في بعض المطامع الدنيوية، بعيدا عن فكرة القناعة الفكرية بالمسيحية كدين
سمح، والفرق أن من أسلمن صرخ ذويهم رافضين، بينما كتم ذوو من تنصرن غيظهم
خوفا من الفضيحة في مجتمع إسلامي، ويراقبن ما يدور حولهم من خلال أخبار
الصحف وحوارات الفضائيات التي تتناول برامجها التشكيك في الديانتين خاصة
بعد أن كثرت بالمقابل الفضائيات التبشيرية، والتي تسئ إلى الدين الإسلامي
بشكل فج، والبادي أظلم!! فالتشكيك في دينهم يمارسه شيوخ الفضائيات
الإسلامية بفجاجة أشد، ويضيع مساكين يُغرر بهم ويخدعوا، وتدمَّر أسرهم بسبب
تنافس زكريا بطرس والشيخ حسان وأخوانه".
ورأت د.عزة أن هذا قد تواكب وتوازى مع ما تقوم به الفضائيات خلال
العقد الماضي ظهور حرب مماثلة، وربما أشد منها بين أصحاب الديانتين في
الفضاء الافتراضي على شبكة الإنترنت، في مواقع تـشرِّح كلا الدينين بأسلوب
أشد بذاءة، وبطريقة تثير حفيظة أي متدين معتدل، كما تثيره ضد أصحاب الدين
الأخر بشكل أعنف؛ نظراً لتداخل جنسيات مختلفة في الأمر، وأصحاب توجهات لا
تهمهم مصلحة هذه الأمة، بل لعلها المصدر الأساسي لكل ما نرى من تشدد
وإرهاب، لا يمكن تجنبه أو منعه أو تجنب أثره.. بعد أن بدأت تخرج عن نطاق
الحرب الكلامية إلى التخطيط لأحداث إرهابية بشعة؛ بسبب ما تمارسه هذه
المنابر الإعلامية من غسيل دماغ لجمهور الشباب المتعامل مع هذه المواقع
بالذات، وتفاقم أثرها بعد خروج الأخوة المسيحيين عن تسامحهم المعهود
واستقوائهم بالخارج صاحب المصلحة الأولى في تدمير هذه الأمة.
نذير جعفر: الدين حل محل القومية والأيدلوجية الحزبية
ومن جانب آخر أكدت رؤية الروائي والناقد السوري نذير جعفر على أن
انحسار المدّ القومي العربي، واهتزاز اليقينيات الإيديولوجية السياسية
الكبرى في العالم، ومصادرة الحياة الحزبية والديمقراطية، "دفع الأديان بحكم
استقرارها الطويل في وعي ولاوعي الشعوب البديل الوحيد لسد الفراغ الذي حدث،
ومن هنا بدأنا نشهد صعود موجات جديدة من التعصّب الديني والمذهبي،
واصطفافات من حولها تقسم المجتمع وتذرّره بحسب عشائره وقبائله وطوائفه!".
وأضاف "جاءت فورة الفضائيات الدينية لتعزّز هذا المنحى، وتعمل على
التجييش الديني والطائفي تحت رايات وبرامج وذرائع مختلفة ما بين متشدّدة
ومتسامحة، والمشكلة ليست في المحتوى الديني إنما في الأسلوب التحريضي
والانتقائي والدعائي الذي تبث من خلاله، سواء أكانت متسامحة في ظاهرها أم
متطرفة. فهي في الحالتين تسهم في تسييس وتجييش الدين لا في نشره، ومن هنا
لا بدّ من أن تشرف الجهات المعنية مثل: الأزهر، وسواه من المؤسسات الدينية
على ضبط هذه الفوضى ووضع حدّ للمنغمسين في أتونها، ولاسيما أن الفتنة أشد
من القتل، وكثيرا ما أضرمت هذه الفضائيات نارها التي تحصد أرواح الأبرياء
من الأطراف كلها".
سلام الكواكبي: سموم على خلفية فقر مدقع
أما الباحث السوري سلام الكواكبي فرأى أن الأخطر من النوعين الدينيين
ـ الإسلام والمسيحية ـ هو البرامج العادية في الأقنية العامة والتي تبعث
برسائل طائفية أو تحريضية، فعلى سبيل المثال، التركيز على حدث معين في بلد
غير مسلم بطريقة غوغائية يحرك لدى ضعيفي الوعي بعض المشاعر الدفينة
والعدائية تجاه أتباع المذاهب الأخرى، ويمكن لخبر مصاغ بطريقة عدائية في
الأخبار من أن يلعب هذا الدور أو سؤال تحريضي في برنامج حواري سطحي
المعالجة أن يسهم في ذلك أيضا.
وأكدت الكواكبي أن ما يبث من سموم عبر الأقنية الدينية في ظل فقر مدقع
للإبداع على الساحة العربية يقع على عقول هي بالأساس مستعدة لتلقف هذا
الخطاب، "إنني أخشى، وكما ذكرت تماما في صيغة سؤالك، ممن يقدمون أنفسهم
كمعتدلين أو يُقدمون كذلك وهم بالمحصلة حاملو فكر ظلامي في لباس أكثر
تهذيبا من أصحاب الدعوات الصريحة للعنف والتقوقع".
وقال "أعود لأسباب انتشار مثل هذا الخطاب وأشدد على أن عقودا من
التجهيل المنظم الذي قادته أنظمة تخشى من أن يكون الوعي عامل إضعاف لسطوتها
وفسحها المجال أمام الفكر الغيبي الذي يلهي عموم الناس ساهمت وما زالت
تساهم في رفد هذه الشريحة، هل سيخرج لنا متمول عربي مجنون بقناة تنويرية
بعد أن أثبت الحكام بأنهم ضالعون في التجهيل وتحويل المجتمعات إلى ألعوبة
بين الدين الفضائي والجنس الافتراضي؟ هل سيتجرأ أحدهم على إبراز النهضويين
الذين ينشطون وينتجون فكرا تنويريا وهم مهمشون؟ هل سيخرج علينا يوما في هذا
الفضاء المسيطر رجال كنصر حامد أبا زيد ومحمد أركون وعلي عبدالرازق؟"
"كلا، وللأسف، لأن هذا الأمر يحتاج إلى نخبة واعية ومتمكنة من وسائل
التمويل وإلى هامش من الحرية لا تتيحه لا الأنظمة ولا المجتمعات التي تعيش
في حالة سبات منذ عقود. إن التحريض على العنف منتشر في خطابات العديدن ممن
يدعون الوسطية وأستذكر قول الكواكبي الجد رحمه الله عندما قال إن البلية
فقدُنا الحرية، وما أدري ما الحرية، هي ما حرمنا معناه حتى نسيناه، وحرم
علينا لفظه حتى استوحشناه، وقد عرف الحرية من عرفها: بأن يكون الإنسان
مختاراً في قوله وفعله لا يعترضه مانع ظالم. ومن فروع الحرية: تساوي الحقوق
ومحاسبة الحكام باعتبار أنهم وكلاء، وعدم الرهبة في المطالبة وبذل النصيحة.
ومنها: حرية التعليم، وحرية الخطابة والمطبوعات، وحرية المباحثات العلمية،
ومنها العدالة بأسرها".
أحمد أبوخنيجر: الفكر النفطي العائد من الخليج
وأكد الكاتب الروائي المصري أحمد أبوخنيجر على أن ما يظن البعض أنه
لعب وسياسة لم يعد كذلك حين يطال رقاب الناس ويهدد أمنهم وحياتهم، وقال "ما
يجرى في مصر الآن هو إعادة مكررة لما جرى في الثمانينات من القرن الماضي،
حين قام من أطلق عليهم الجماعات الإسلامية وقتها بنهب وتدمير وقتل المسحيين
في كافة أرجاء مصر، سرقة محلاتهم وقفل العديد منها".
وأضاف "كان الفكر الوهابي قد دخل الشارع المصري عبر العاملين فى
الخليج العائدين بالأموال والكاسيتات والأشرطة والكتب والتي كانت توزع
مجانا، حتى على مستوى المظهر تم هجر الجلباب المصري لصالح الخليجي الذي يتم
صناعته في كوريا والصين، أقول أن هذا الفكر صاحب الصراع الطويل للسيطرة على
العقل الإسلامي المصري - منذ أيام بن تيمية والحنابلة- حتى هيأت أموال
النفط الفرصة له للانقضاض على العقل المصري المتسامح والمنفتح؛ وذلك لأسباب
عديدة، لا داعي الآن لسردها"
ويشير أبو خنيجر إلى تلك الأموال النفطية ويرى أنها وراء إنشاء
القنوات الفضائية كوسيلة جديدة وجيدة لأنصار هذا الفكر، وبالتالي جذب
الكثير من الشباب له بعد تمهيد الأرض عبر السنوات السابقة، وهو ما لم نتنبه
إليه، أضف لهذا الظروف الاجتماعية القاسية التي يحياها الشباب بلا أمل واضح
في مستقبل مضمون، وبالتالي الحضن الأمن يكون الدين، الغيبي الذي لا يعطى
مساحات للفكر ولا لقبول المختلف عندك عقائديا ولغويا ولونا، ولا أقول
الآخر، هذا العداء هو ما يجعل الأرض خصبة للقتل وسفك الدماء وهو ما رأيناه
بأعيننا قد جرى وقد يجرى مرة ثانية ويتكرر ما لم ننتبه له ولخطورته".
حمدي عابدين: الفضائيات بديلا للعقل
ويتساءل الشاعر المصري حمدي عابدين أين المشكلة؟، ويقول "إنها في
الغياب المفزع لأي مناقشات حقيقية لأمورنا، ومشاكلنا، وهذا الغياب يشكل
فرصة كبيرة للقنوات الدينية، وجميعها في اعتقادي يخرج مشاهدها من مناقشة
قضاياه الحقيقية ويدخله عامدا في ساحة الغيبيات ومناقشة الأمور الفرعية
التي يعرفها المشاهدين تماما، والمصدر هنا لمعرفتهم يأتي من دور العبادة،
هذه القنوات تصدر لمشاهديها دينا غير الذي يجب أن يعيشوه، تدخلهم في ساحات
قشرية، هي مثلا لا تناقش أبدا فكرة الديمقراطية بمعناها الذي نعرفه وتعرفه
الأديان، هي لا تناقشهم في فكرة اختيار حكامهم، لكنها عندما تخاطبهم تدخلهم
في دهاليز الخنوع الرضا بما قسم الحاكم لهم".
وأضاف عابدين "الحكاية أن هذه القنوات إمعانا منها في الجنوح والخروج
عن دورها الحقيقي راحت تدخل في صراعات طائفية، عملت على تأجيجها تارة
بالتلاسن، وتارة بتوجيه الاهانات، وهي والحال هذه تخوض صراعات لا تنتهي،
كما أنها، وفي بلاد ترتفع فيها نسبتا الأمية والجهل ترسل شررا في عقول
متلقي برامجها، هم لن يناقشوا ما يأتيهم، ولن يختبروه لانهم لا يملكون أي
أرضية معرفية لمناقشته ووضعه موضع المساءلة، لكن ما الذي يجب ان يحدث
والحال هكذا، لا بد من مناقشة المشكلات بوضوح وصراحة، ووضع كل شيء في حيزه
الحقيقي، حتى لا تكون هناك فرصه تستغلها القنوات الدينية من هنا او هناك
لتأجيج المشاعر الدينية بين أتباع الوطن الواحد، لابد من أن يشعر الجميع
أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، أمام القانون، لابد أن يدرك الجميع أن
فرصهم واحدة للاستفادة بخيرات الوطن".
ويشير عابدين إلى وجود تساؤلات حقيقية ينبغي الالتفات إليها، و"إلا
كيف يمكن تفسير ما طرحه الأنبا ابيشوي، وما قاله الدكتور العوا، والمعركة
المجانية التي دارت بينهما على من الأولى بوطن بائس مثل مصر يعيش أكثر
أيامه ترديا، وأكثر لحظاته تعاسة، هناك أوضاع مفزعة، تجاهلاها ودخلا معا في
حوار غير مجد في اعتقادي، وكان الأجدر لهما معا أن يتناقشا في سبل بناء
وطنهما ليجنيا معا خيرات بالتأكيد قادمة لو أنهما ركزا جهديهما في البحث عن
وسائل لتنميته وحفز طاقاته لا تفتيتها وإهدارها في 'حروب داحسية' لا طائل
من ورائها".
وخلص عابدين إلى أن خير المواطن والوطن معا يكمن في البحث وبصراحة عن
سبل حل المشكلات القائمة والتفرغ لبناء وطن يصلح للعيش فيه على أرضية
المصلحة المشتركة والمستقبل الآمن على أرضية أن هذه البلاد وخيراتها ملك
للجميع ومن حق الجميع. وأخيرا على الأزهر الشريف كما على المؤسسات المسيحية
دورا هاما هنا، وهو أن يضطلعا بمسئولياتهما الحقيقية في مناقشة أمور الناس،
والدفاع عن حقوقهم. لا إلهائهم في أمور تضيع الحقوق جميعا.
ميدل إيست أنلاين في
13/01/2011 |