نجح المؤلف والمخرج عمران التميمي نجاحاً كبيراً جداً في المجالين
المسرحي والتلفزيوني عبر مسرحية “بيت الطين” التي بقيت تعرض في بغداد لمدة
خمس سنوات متواصلة قبل الاحتلال، وبعد الاحتلال حولها إلى مسلسل تلفزيوني
بالاسم نفسه ولكن عبر أربعة أجزاء عرضت منها لحد الآن ثلاثة أجزاء والجزء
الرابع سيعرض قريباً، حيث تميز مسلسل “بيت الطين” الذي سمي بالملحمة
الشعبية بالبساطة والكوميديا الخفيفة والموقف الوطني، لذلك تعاطفت معه
الجماهير وباتت شخصياته من أهم الرموز الفنية في الشارع العراقي . هنا حوار
مع التميمي حول ملحمة “بيت الطين” وأمور أخرى .
·
كيف ولدت عندك فكرة الملحمة
الشعبية “بيت الطين”؟
- ملحمة بيت الطين كانت في الأساس مسرحية وأخذت
حظها الكبير من العرض في العاصمة بغداد، حيث استمر عرضها لمدة خمس سنوات
تقريباً وبشكل مستمر، وهذا الأمر شجع على تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني مؤثر
في نفوس المشاهدين، لذلك أعتقد أن المسرحية أسهمت في انتشار المسلسل رغم
أن المسرحية كانت تضم عشر شخصيات . أما المسلسل فيضم نحو مئة شخصية، حيث
تم إنشاء خطوط جديدة في المسلسل لم تكن موجودة في المسرحية وكان لهذه
الخطوط دور كبير ومؤثر في العمل، لذلك نجحنا في الوصول إلى الناس، والآن
أنهينا تصوير الجزء الرابع من ملحمة “بيت الطين” الذي من المؤمل أن يعرض
قريباً من على شاشة قناة “السومرية” الفضائية .
·
هل ستتوقف هذه الملحمة عند الجزء
الرابع أم أن لها أجزاء أخرى في المستقبل؟
- كلا . . هذه الملحمة لن تتوقف، فهناك في النية
تحضير للجزء الخامس، لكن يبقى هذا الأمر متعلقاً بالجهة التي تتولى الإنتاج
وكنت أتمنى أن أتوقف عند هذا الحد من مسلسل “بيت الطين” فأنا لا أؤمن
بالأجزاء، لأنني عندما كتبت الجزء الأول لم أكن أفكر أن يكون هناك أجزاء
أخرى متتالية .
·
من الذي فرض عليك كتابة الأجزاء
الأخرى؟
- نجاح الجزء الأول بشكل كبير جداً وحصوله على
متابعة واسعة جداً جعل المؤسسة المنتجة تحرص على أن تكون هناك أجزاء أخرى،
حتى أصبح العمل ملكاً للجمهور أكثر مما هو ملك لي .
·
ما سر نجاح “بيت الطين”؟
- عدم التكلف في كل شيء، سواء بالحوار أو
بالشخصيات التي جسدته، بالزي، بالطبيعة كذلك، نظراً لقدرتي على استحضار ما
هو موجود من إبداع داخل الذين جسدوا شخصيات المسلسل، حيث إن الممثل نفسه
الذي تألق في “بيت الطين” يجسد شخصية ضعيفة في عمل آخر، لكن هناك سحر في
“بيت الطين” جعل كل العاملين فيه بمن فيهم الفنيون يقدمون شيئاً جميلاً،
وهذا عائد لأنني عارف بالمهنة أكثر من غيري وليس أفضل من غيري، لذلك أقول
عن نفسي إنني أفهم اللعبة المسرحية والتلفزيونية أكثر من الكثير من
الموجودين، وهذا لا يعني أني أفضل منهم، ألا أن اللعبة فهمتما بشكل جيد .
·
ما الرسالة التي أراد مسلسل “بيت
الطين” إيصالها إلى الجمهور؟
- “بيت الطين” هو الوطن، لذلك فإن هذا العراق
الكبير حول إلى هذا البيت، وعليه أرى أن العراق يستحق أن نعطيه قيمة كبيرة،
فضلاً عن ذلك أن هنالك جانباً كبيراً جداً قد أغفله الكثير من الكتاب وهو
الجانب الكوميدي والذي كان مأخذاً عليّ وجود الكوميديا التي تسيء إلى سكان
جنوب العراق وهذا لم أفكر فيه ولم أروج له، لأن الرجل الجنوبي نظراً للظروف
الصعبة التي مرت به أصبح يضحك حتى على المآسي، لذلك فإن الضحك ليس القصد
منه ازدراء الإنسان الجنوبي، بل إن الشخص الجنوبي له قيمة كبيرة في بلدي،
بدليل أن هناك شخصيات مثل شخصية “الشيخ عجاج” التي جسدها الممثل الدكتور
ميمون الخالدي بينت للمشاهد قيمة ومكانة وثقافة كبير القوم في الجنوب،
بينما كان أغلب الأعمال السابقة يظهر “شيخ العشيرة” كأنه قاطع طريق .
·
هل حاولت إسقاط ما يجري الآن في
العراق على أحداث المسلسل؟
- إن المحاكاة موجودة في المسلسل، لأنه لا يستطيع
أي كاتب ألا يحاكي ظروفه الحالية، وهذا الأمر موجود ليس بين السطور، إنما
في الحوارات وبشكل واضح ومن يفهم يفهم ومن لا يريد أن يفهم لا يفهم، هذا
الأمر موجود، لكني تناولت فترات مهمة جداً من تاريخ مجتمعنا العراقي
ولاسيما من تاريخ الريف العراقي في منتصف القرن الماضي والتي كانت غائبة عن
الكثيرين، لأن الكثير من شبابنا لا يعرفون نكسة يونيو/ حزيران ،1967 حيث
أوضحت هذه النكسة بشيء من البساطة حتى يفهم هؤلاء بعض الأشياء من تاريخنا
المعاصر .
·
استطعت صهر مجموعة من الممثلين
الكوميديين في قالب واحد كيف نجحت في هذه المهمة؟
- إن هذا الموضوع كان موجوداً لديّ في المسرح، فقد
أسهمت في صناعة الكثير من المسرحيين الكوميديين الذي أصبحوا نجوماً
وبالطريقة نفسها أسهمت في صناعة نجوم تلفزيونيين، والشيء الغريب أن هناك
شخصيات عملت لمدة نصف قرن في عالم التمثيل ولم تؤثر جماهيرياً وهناك شخصيات
عملت معها لوجه الله وهي سيئة بالفهم العام من ناحية التمثيل والأداء، ولا
تستطيع أن تقول عن “س” من الممثلين أنه ممثل لكني استطعت أن أجعل هذا
الممثل لا يستطيع أن يمشي في الشارع العراقي لأن أصبح نجماً كبيراً، وهذا
يعود لأنني عرفت كيف أقدمه إلى الجمهور بينما نحن ضعفاء جداً في صناعة
النجم وفي كل المجالات، ولذلك أرى أن القول الشائع إن صناعة النجم أمر
مرتبط بالمؤسسات غير صحيح، بل إن هذه الصناعة مرتبطة بأفراد . حيث أسهمت
أنا شخصياً في صناعة مجموعة كبيرة جداً من النجوم وأن أي شخص آخر سيكون
قادراً على صناعة نجوم آخرين لكني أشدد وأقول إن النص هو المحفز الأول
للمخرج لكي يبدع وللممثل لكي يبدع، لذلك فإن النص الذي كتبته ل”بيت الطين”
كان نصاً متميزاً تغلب عليه الصنعة في الحوار، لأن الحوار في الدراما
العراقية حوار شبه مثقف أي حوار متكلف، ومكرر، وهذا التكرار نجم من أن
الصغار قلدوا الكبار في سيئاتهم الفنية، لذلك تجد أن هناك ممثلاً يقلد
ممثلاً آخر ولا يستطيع أن يخرج من جلبابه .
·
مزاوجتك ما بين التأليف والإخراج
هل تمثل سمة نجاحك؟
- يمكن هذا، لكن هناك من يميل إلى نظرية أن يكون
المؤلف شخصاً والمخرج شخصاً آخر ومنهم من يقول العكس، لأنه قد يكون المخرج
يعطي دفعة كبيرة للنص لكني أقول إنني أخرجت نصوصي المسرحية أولاً ثم
التلفزيونية ثانياً على الورق .
الخليج الإماراتية في
01/01/2011
ماجستير في الرؤية السياسية لأعمال
"عكاشة"
:
مصر التى كانت فى
الحلمية
كتب
طارق مصطفي
يوم الأربعاء الماضى تمت مناقشة رسالة ماجستير مهمة للإعلامى «حسن
زين العابدين» الإذاعى المعروف ومدير البرامج الخاصة بإذاعة الشباب
والرياضة. أهمية
الرسالة والتى تحمل اسم «الرؤية السياسية فى المسلسلات
الدرامية التليفزيونية
المصرية للكاتب أسامة أنور عكاشة فى الفترة من 1983 إلى 1992» تأتى من
أهمية الطرح
الذى تقدمه، خاصة أن أسامة أنور عكاشة كان من الكتاب الذين نجحوا فى
التأريخ
للمجتمع المصرى بتحولاته السياسية والاجتماعية والفكرية
تليفزيونيا من خلال أعماله
المهمة التى اتسمت بعمق الرؤية والطرح. الرسالة تم إنجازها تحت إشراف أ.د
ناجى فوزى
أستاذ النقد السينمائى وتمت مناقشتها من قبل أ.د محمد كامل القليوبى أستاذ
السيناريو والإخراج بمعهد السينما والمخرج المعروف، وأ. د سمية
رمضان رئيس قسم
النقد الأدبى بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، وقد علمت «روزاليوسف»
أن الرسالة كانت مرتكزة فى البداية على
جميع أعمال أسامة أنور عكاشة فى الفترة محل
الدراسة قبل أن يقرر «حسن زين العابدين» أن الأفضل أن يركز على
3 أعمال فقط هى «الشهد
والدموع»، «ليالى الحلمية» بأجزائها الخمسة و«أرابيسك» لأنه شعر أن مشروع
أسامة الحقيقى اكتمل بملحمة «أرابيسك»، بينما كانت «الحلمية» هى حلقة الوصل
بين
البداية «الشهد والدموع» وبين النهاية.
وانطلاقا من وجهة النظر السابقة
اعتبر «حسن» أن كل الأعمال التى جاءت بعد «أرابيسك» مهما كانت
أهميتها فإنها كانت
مجرد إضافات للمشروع معنية فى الأساس بمناقشة قضايا خاصة طرأت على المجتمع
المصرى
منذ التسعينيات وحتى بداية الألفية وهنا نجد أمثلة كثيرة مثل «أهالينا»
الذى كان
يناقش الدراما اليومية للأسرة المصرية فى مواجهة متغيرات
التسعينيات ومثل «امرأة من
زمن الحب» والذى كان بمثابة تنويعة درامية على نفس القضايا، إلا أن وضع «المصراوية»
مثلا وفقا لما علمناه من الباحث يبدو
مختلفا لأنه كان بمثابة بداية لمشروع آخر
لـ«أسامة»، ولكنه تعثر، أما خلاصة هذا المشروع فكانت «البحث عن
أصول المصريين
والتأريخ لجذورهم»، لأن أسامة كان دائما مهموما بسؤال رئيسى ألا وهو من أى
الأجناس
خرج هذا المزيج الذى يتسم بخصوصية الجودة والأصالة معا؟
*
لماذا
أسامة؟
سؤال كان لابد من طرحه على «حسن زين العابدين» قبل بداية
العرض للرسالة.. «لماذا أسامة أنور عكاشة» وهو السؤال الذى أجاب عنه بقوله:
«عشقى
لـ «أسامة أنور عكاشة» بدأ منذ السبعينيات عندما كنت طالبا
بالكلية، حيث أتيحت لى
فرصة مشاهدة مسلسل «المشربية». الذى وضعنى فى حالة مختلفة جعلتنى أستشعر
بأننى أمام
كاتب من طراز مختلف، وظللت أتابع أعماله أولا بأول لأكتشف أن هذا الكاتب
يبذل
مجهودا خرافيا فى البحث عن اللآلئ داخل التربة المصرية. إلى أن
تخرجت وبدأت العمل
بالإذاعة حيث أتيحت لى فرصة
التقائه، ومن هنا بدأت صداقة طويلة وعميقة وقف
بجانبى فيها حتى لحظاته الأخيرة.
الدراسة كما أشرنا من قبل اعتمدت على 3
مسلسلات رئيسية هى «الشهد والدموع - ليالى الحلمية - أرابيسك».
*
نتائج مهمة
من خلال بحثه لهذه المسلسلات توصل «حسن» إلى أن أسامة
كان مشغولا بقضايا بعينها تم إجمالها كالتالى:
أولا: رصد الكاتب أسامة أنور
عكاشة للواقع السياسى المصرى واقتناعه وإيمانه ببعض المعتقدات
السياسية التى ارتكز
عليها الواقع السياسى فى بدايات القرن، وأثر هذه المتغيرات السياسية على
الواقع
الاجتماعى وتبدل بعض سلوكياته الخاصة تبعا لهذه التغيرات».
ثانياً: ناقش
الكاتب أساليب مقاومة الإنجليز وأثر هذه المقاومة على الحياة الاجتماعية
التى تمثلت
فى هدف واحد هو الاستقلال عن الإنجليز.
ثالثاً: حريق القاهرة وأثره البارز
على اندلاع ثورة 23 يوليو 1952وإسهامها فى حتمية قيامها فى هذا
الوقت، وهذا ما ألمح
إليه بوضوح فى مسلسلى «الشهد والدموع» و«ليالى الحلمية».
رابعاً: حركة
تكوين تنظيم الضباط الأحرار بين صفوف الجيش وهى نتيجة مباشرة لتداعيات
هزيمة
فلسطين.
خامساً: محمد نجيب وجمال عبدالناصر ومدى الخلاف بين الاثنين،
وانتصر ناصر من وجهة نظر الكاتب لأنه هو القائد الحقيقى لهذه الثورة، وأن
نجيب ما
هو إلا واجهة يستترون خلفها فى البدايات فقط.وتبنى الكاتب وجهة
نظر جمال عبد
الناصر، بل إنه أكد عليها بأسلوبه الدرامى الذى اعتمد على التجاهل عن قصد.
سادساً: الفترة الناصرية وكيفية وصف الكاتب لها بأنها كانت أنضج وأنصع
الفترات السياسية فى العصر الحديث.
سابعاً: الهزيمة العسكرية عام 1967
وتعــبـيــــر الكاتب عن لحظة الانكسار وتقديم مبررات للدفاع
عن شخص جمال عبد
الناصر.
ثامناً: القومية العربية وإيمانه بها منذ اندلاع هذه الفكرة أيام
جمال عبد الناصر، حتى تمر الأيام ويحدث احتلال العراق للكويت فى التسعينيات
من
القرن العشرين، مما جعله يغير وجهة نظره فى هذا المفهوم ويرتب
أوراقه من جديد وقد
عبر عن ذلك فى أعماله الثلاثة.
تاسعاً: موت جمال عبدالناصر وأسلوب رصده له،
وكيفية تناوله داخل النسيج الدرامى فى العملين «الشهد والدموع»
و«ليالى الحلمية»
ولم يتعرض له فى مسلسل «أرابيسك».
عاشراً: تولى السادات الحكم ووضوح وجهة
نظر الكاتب واعتقاده أن السادات ليس هو الشخص المناسب لتولى
هذا
المنصب.
*
قضايا تفصيلية
محاور عديدة وضعتها
الدراسة التى تم تقسيمها لفصلين، فى الفصل الأول يتحدث الباحث عن موقف
أسامة دراميا
من القضايا التى عرضها وفى الفصل الثانى يعرض كيف استطاع أن يفعل ذلك من
خلال
الحبكة الدرامية، الشخصيات، والحوار.
أما عن القضايا فقد قسمها الباحث إلى
عدة قضايا أو أحداث فرعية حرص «أسامة أنور عكاشة» على التصدى
لها دراميا وناقشتها
الدراسة كالتالى:
1-
موت ناصر
بالفعل كان موت
ناصر يومًا مشهودًا، أثر فى الجميع الأعداء قبل الأصدقاء، ولقد عبر عنه
الكاتب
أسامة أنور عكاشة بصورة واضحة فى أعماله الثلاثة. ففى مسلسل «الشهد
والدموع» رصد
الكاتب هذا الحدث وكأنه لحظة سقوط وانهيار المجتمع كله، وكأن
الجميع يتوارون فى
أحضان بعضهم البعض من هول الخبر، وكأن لسان حالهم يقول: لن نعيش بعد رحيلك
يا ناصر،
الكل شعر بخيبة أمل وانهيار فى المجتمع، بل الأكثر من ذلك أن رصد الكاتب
الحدث وعبر
عنه على عدة مستويات إلى جانب تلميحات عبر عنها دراميًا لحظة انهيار وحيد
رضوان
لزواج أمه مرة أخرى بعد وعدها له بعدم الزواج. أيضا انهيار
ناهد حافظ وشعورها
بالضياع والانهزامية، اعتراف هانى للمرة الأولى لأبيه حافظ أنه يكرهه فى
مشهد اصطدم
فيه الاثنان ببعضهما البعض. الخوف المسيطر على شخص عبد البديع زوج إحسان
رضوان على
وحيد رضوان الذى يعتبره ابنه الذى لم يستطع أن ينجبه، انكسار حلم الخلاص
لدى زينب
وشعورها أنها ستبدأ من الأول.
أما فى مسلسل «ليالى الحلمية» فكان تعبير
الكاتب أكثر عاطفية وتركيزا بحيث إنه عبر عن هذا الحدث كل حسب
شخصيته، وحسب أهدافه
وأمله وأحلامه، وأكد الكاتب على أن هذه الحالة (حالة موت ناصر) جمعت الجميع
فى
بوتقة حزن عام، بل إنه قدم تعبيرًا مختلفًا إلى حد ما، كان المعتاد فى معظم
أعماله
عند التعبير عن حدث جلل يستعرضه من خلال وجهة نظر الطبقة
الاجتماعية جملة.
ولكن هنا الأمر اختلف، حيث إنه قدم وجهة النظر للأفراد وكل حسب توجهه
السياسى المعلن والخفى، ففى الطبقة الأرستقراطية نجد أنه تباين وقع الحدث
على
الجميع، فنجد حزن سليم البدرى يختلف عن حزن نازك السلحدار،
ووقع هذا الخبرعلى
مجموعة العمال يختلف عن وقع الخبر على زينهم السماحى الذى تذكر أخاه طه
السماحى،
الكل ظهر على وجهه مدى الحزن والأسى لموت جمال عبدالناصر.
2-
نكسة
67
إن واقعة الهزيمة هى من أكبر المواقف السياسية التى عبر عنها
الكاتب، رغم أنها فى حد ذاتها لحظة انكسار، إلا أن الأحداث الاجتماعية التى
نتجت عن
بعض المواقف السياسية كانت تؤرقه بقدر كبير، فلقد قدم الكاتب
وجهة نظره الش خصية
حول هزيمة عام 1967 على لسان «أحمد وأخيه حسين شوقى» فى «الشهد والدموع»،
وأيضا فى
نفس المسلسل على لسان الطبقة البرجوازية، باستثناء شخصية علاء نيازى وشخصية
ناهد
وهانى حافظ رضوان، ذلك أن هذه الشخصيات انتمت من خلال فكر
الكاتب «أسامة أنور
عكاشة» للشعب المصرى، بل إنهم جرحوا وبكوا معه على الرغم من أن نيازى ينحدر
من صلب
رجل تركى الأصل، وكان من المفترض أن يشمت فيما ألم بمصر، إلا أنه كما ذكرنا
يتألم
كما يتألم الناس المصريون جميعا، أما «ناهد» (ابنة حافظ) فهى
تتعامل مع الوطنية من
برج عالٍ، فهى تعيش فى كنف أبيها حافظ الثرى وتنعم برغد العيش، إلى جانب أن
أمها
تنتمى إلى الدماء التركية التى فرحت بالفعل لحظة انهزام مصر عام 1967 وعلى
الرغم من
ذلك تثور وتغضب وتتألم.
أما فى «ليالى الحلمية» فلقد كانت نكسة 1967 بمثابة
لطمة على خد الكل وعلى جميع المستويات وكل الطبقات، فى «ليالى الحلمية»
اشترك
الجميع فى الحزن على مصر وما أصابها وشكلت الهزيمة داخلهم
هموما كثيرة غيرت فى شكل
حياتهم الاجتماعية، وتأكد ذلك يوم الاعتراف رسميا بالنكسة فى 8 يونية 1967
عندما
أصيب زينهم السماحى الذى كان يمثل شخصية المصرى البسيط المتحمس بلوثة عقلية
وأصبح
فى بعض الأحيان يهذى ويغيب عن الواقع هروبا من مرارته.
أما فى مسلسل
«أرابيسك»
فقد كان بطل المسلسل «حسن النعمانى» كلما يضيق به الحال نفسيا يتذكر
ماحدث فى 1967 وفى مقابله نصر أكتوبر1973 ولحظة انتظار الانتصار
بعد مذاق مرارة
الهزيمة.
لقد تعمد الكاتب أسامة أنور عكاشة وبإصرار الدفاع عن شخص جمال عبد
الناصر والإلقاء بالاتهام على كاهل بعض الشخصيات التى كانت ملتفة حوله
كشخصية «عبد
الحكيم عامر» الذى حمله «عبد الناصر»، ومن ثم «عكاشة»، بكل مشكلات الهزيمة
وأنه غير
مسئول عما بدر منه وأنه غير مؤهل لقيادة جيش مصر.
*
أسامة فى
مواجهة القومية العربية
من أهم القضايا التى ركز على دراستها «حسن
زين العابدين» التغيرات التى طرأت على موقف أسامة أنور عكاشة
من «القومية العربية»
تلك التحولات التى رصدتها الدراسة من خلال حوارات له أو من خلال الأعمال
نفسها
كالتالى:
«دائما ما أكد أسامة على أن مفهوم القومية العربية، الذى كان
يعتقد فى أهميته ويدافع عنه أكثر من مرة وفى أكثر من عمل من أعماله الفنية،
قد
تغيرت معالمه، وتبدلت دلالته حتى النقيض، وخاصة بعد احتلال
العراق الكويت فى عام 1990
وبهذا المفهوم يقول الكاتب أسامة أنور عكاشة مبررًا ومحللا لهذا التغير:
كنت
من المؤمنين بفكرة القومية العربية التى تسيطر على عقول الناس منذ فترة
طويلة إذ
يرقص الجميع فى مولد القومية العربية التى يعتبرها كثيرون قدس الأقداس،
وبدأت
مراجعة أفكارى حول هذه القومية أول أغســـطــس 1990 عنــــدما
حــدثـــت المأساة،
وقام الجيش العراقى بعبور الحدود واحتلال الكويت، وهى عادة عربية ظلت
مستمرة منذ
مئات السنين، حيث كانت القبائل المتناحرة فى الجزيرة العربية تقوم بالإغارة
والاعتداء كل منها على الأخرى كالعصابات.
ووفقا للدراسة فإن أسامة أبرز هذا
المفهوم بشكل واضح فى مسلسل «ليالى الحلمية» وجسده من خلال
شخصية على البدرى الذى
كفر بكل معتقد كان يؤمن به عن القومية والاشتراكية، بل إنه رفض كل هذه
الفترة من
ذاكرته، وهذا ما جعله فى بقية أجزاء المسلسل يتحول للنقيض ويصبح أكثر جشـعا
لجمع
المــال، وتبدلت معتقداته السياسية التى كان يؤمن بها، وأكد
على ذلك خلال الحوار
الذى دار بينه وبين جلال شاهين، مرة فى المعتقل ومرة أخرى فى صدام بينهما
فى مجموعة
البدرى فيما بعد.
*
السادات.. معركة أسامة الدرامية
مما لاشك فيه أن موقف «أسامة أنور عكاشة» من الرئيس السادات كان
واضحا ومعلنا من خلال الأعمال الدرامية الثلاثة محل الدراسة والتى عرضت
لهذا الموقف
من خلال مراحل كثيرة تبدأ من انتقال السلطة إلى السادات ولا تنتهى بموته،
بل تستمر
وصولا إلى الثمانينيات والتسعينيات التى يعتبر أسامة «السادات» مسئولا عن
التحولات
التى حدثت للمجتمع المصرى فيها.
مواقف أسامة اختلفت وتنوعت على
النحو التالى:
1-
انتقال السلطة للسادات:
لم
يلتفت الكاتب أسامة أنور عكاشة إلى هذه المرحلة بشكل يتناسب مع
مابها من أحداث
مهمة، فى «الشهد والدموع» مر على الموقف ببساطة ولم يتناولها بمقدار قيمة
الحدث
ذاته، بل إنه فى مسلسل «ليالى الحلمية» لم يركز على فترة انتقال السلطة
معتمدًا على
الآثار التى لحقت بالمجتمع نتيجة الانفتاح الاقتصادى وما تبعه
من أحداث.
فى
مسلسل «أرابيسك» تحدث الكاتب على لسان بطل المسلسل «حسن النعمانى» الذى ظل
يتحدث عن
إعجابه الشديد بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات،
واعتزازه
بحصوله على نجمة سيناء بعد انتهاء حرب أكتوبر، رغم أنه أدان
السادات من خلال
المسلسل واتهمه بأنه السبب فى التغير الذى حدث للأسرة المصرية بسبب
الانفتاح
وزيارته للقدس.
2 -
زيارة السادات للقدس:
فى مسلسل «ليالى
الحلمية» ذكرها بشكل مختلف وألقى عليها الضوء، بل إنه أفرد لها مساحات
كبيرة
داخل السياق الدرامى للعمل ذاته.
حيث ألمح إلى هول الصدمة على المستوى
الشعبى لسماع الخبر ورصد ردود أفعال منفعلة وتؤكد على رفضه
التام لهذه الخطوة التى
سيخطوها الرئيس السادات، إلا أنه أشار إلى مدى سعادة طبقة بقايا
الأرستقراطيين
أمثال سليم البدرى ونازك السلحدار الذى انقسم الإحساس بداخلهما، فسليم
مندهش وإن
كان يترقب ما قد ينجم عن هذا الفعل من ردود أفعال، أما نازك
السلحدار فلم تهتم
بالأمر كأنها لا تنتمى لهذا الوطن، على الجانب الآخر عبر الكاتب عن لحظة
عدم
الاتزان والبحث عن مبرر لهذه الزيارة، وذلك من خلال شخصية سليمان غانم الذى
ظل يضحك
وهو يردد جملة: «والله براوه عليك». وهذه اللحظة تتشابه مع
موقف السادات من القبض
على اليساريين وقيامه بثورة التصحيح، وكأن الكاتب يريد أن يؤكد أن السادات
داهية فى
الحالتين، ولكن هذا الرأى جاء بعد مرور عدة سنوات من الزيارة، أيضا عبر عن
اللحظة
عبر شخصية شعيشع الرجل العجوز الذى انهار وصرخ وظل يردد بخوف وغيظ ده:
«باين عليه
حايعملها».. وفى حقيقة الأمر أن الكاتب أسامة أنور عكاشة كان
فى حيرة من إبراز وجهة
نظر صريحة، بل إنه اتكأ على السياق الدرامى وتركه يعبر عن اللحظة وعلى جميع
المستويات التى تخفى خلف منها.
أما فى مسلسل «أرابيسك» فكان تعرضه لهذا
الحدث داخل سياق الخط الدرامى للعمل يتسم بالموضوعية
والعقلانية أكثر من ذى قبل،
أنه أدان التصرف ورفضه، إلا أنه اتخذ موقفا محايدًا، وهو يعبر عن وجهة
النظر العامة
التى كانت سائدة وتقف موقف الحائر، وظهر ذلك فى مشهد جمع مابين الأستاذ «وفائى»
والدكتور «برهان»، العائد من أمريكا، وأيضا وجهة نظر بطل العمل «حسن
النعمانى» الذى
بكى لحظة أن تذكر زيارة السادات للقدس.
3 - الانفتاح:
وقف الكاتب أسامة أنور عكاشة أمام ظاهرة الانفتاح الاقتصادى بعين الناقد
والذى حمل
هذا الانفتاح معظم السقطات التى ألمت بالمجتمع المصرى، والتى كان لها الأثر
الكبير
على الناحية الاجتماعية كتفسخ العلاقات المتماسكة منذ زمن والتى تميز بها
المجتمع
المصرى وأرجعها كلها إلى سياسة الانفتاح الاقتصادى الذى حدث فى
الثمانينيات
والتسعينيات والآثار التى لحقت بالمجتمع من ويلاته.
حدث شرخ كبير داخل بعض
الشخصيات التى آمنت بحقبة جمال عبد الناصر وسارت فى ركبه واصطدمت بهذا
التغير الذى
حدث من النقيض إلى النقيض من الاشتراكية بكل آمال أصحابها إلى الرأسمالية
ببشاعة
أهدافها.
نجد ذلك فى شخصية «على البدرى» هذا المناضل المتحمس للوطن والذى
ينتمى لجيل التغيير من أجل التطور والرقى نجده بعدما انهارت كل معتقداته
السياسية
يصبح من أمهر اللاعبين فى سوق الانفتاح كنوع من الانتقام لما
عاشه واعتقد فيه
سابقا.
أما مسلسل «أرابيسك» فشرح فيه الكاتب وجهة نظره فى آثار هذا
الانفتاح على الحياة الاجتماعية وتفسخ أوصال الأسرة المصرية، وظهر ذلك جليا
فيما
حدث بين «حسن النعمانى» وأخته زوجة «الخضرى» الذى تزوجها كى
ينتقم وينهب الورشة بما
فيها، فيبدأ فى تدبير المؤامرات للوصول إلى هدفه ويقع الخلاف بين حسن وأخته
وتصل
إلى المحكمة بالاشتراك مع أخيها الأصغر «حسنى» الذى رباه حسن وكان له بديل
الأب
الذى مات، اليوم يقف أمامه يتهمه أنه سرق حقهم فى الورشة..
مجلة روز اليوسف في
01/01/2011 |