شويكار... نجمة الكوميديا الجميلة (2- 15)
موسيقار الأجيال يلحِّن أغنية لبطلة «أنا وهو وسموه»
أحمد الجمَّال
كان للمصادفة دورها في دخولها عالم التمثيل، فطوت شويكار أحزانها بعد رحيل
زوجها الأول، وهي دون العشرين من عمرها، وتفرغت لتربية ابنتها الوحيدة،
وأتمت دراستها الجامعية. في الحلقة السابقة رأينا كيف تتابعت أدوارها
السينمائية، وتغلبت على رهبتها من المسرح، وأدت أول بطولة مسرحية في «أنا
وهو وهي» مع فؤاد المهندس، فتحوَّل لقاؤهما إلى قصة حب جارفة، وأشهر زواج
عرفه الوسط الفني. في السطور التالية نتابع جانباً جديداً من فصول الرحلة
المثيرة.
دخلت شويكار حلبة التمثيل، وسط منافسة قوية بين نجمات جيل الستينيات، ورغم
حضورها اللافت على الشاشة، لم تحظ في البداية بأدوار البطولة المطلقة، على
غرار بنات جيلها: سعاد حسني ونادية لطفي ولبنى عبدالعزيز، وظلت لفترة أسيرة
الأدوار الصغيرة.
في عام 1962، أسند إليها المخرج فطين عبدالوهاب دوراً كبيراً في فيلم
«الزوجة رقم 13» بطولة شادية، ورشدي أباظة، وعبدالمنعم إبراهيم، وحسن فايق،
بعدما شاهدها على المسرح وهي تنتزع ضحكات الجمهور أمام نجم الكوميديا فؤاد
المهندس، فأدرك أن هذه الممثلة الموهوبة غيَّرت المفهوم السائد للبطلة
الكوميدية، وقرَّر أن يمنحها فرصة البطولة المطلقة على الشاشة.
بعد عامين من لقائهما الأول، أخرج فطين عبدالوهاب النسخة السينمائية من
مسرحية «أنا وهو وهي» (1964) بنفس أبطالها، وفي عام 1965 قدَّم شويكار في
أولى بطولاتها على الشاشة في «اعترافات زوج» مع فؤاد المهندس وهند رستم
وماري منيب ويوسف وهبي. الفيلم مليء بالمفارقات الكوميدية، وحقق نجاحاً
كبيراً.
خلال تلك الفترة، لم تستطع نجمات كثيرات اللحاق بنجمة استثنائية، فقد برعت
شويكار في أدوار الكوميديا والتراجيديا والفن الاستعراضي، وشكلت ثنائياً
ناجحاً مع زوجها فؤاد المهندس، في المسرح والسينما، وتألقت كممثلة تندمج في
الشخصيات التي تجسدها، وتؤديها ببراعة، ولا ترتكن إلى جمالها فقط، بل تصقل
موهبتها الفطرية بالثقافة والخبرات المتراكمة.
ولعل تألق شويكار مع المهندس، أغرى صديقتها النجمة شادية بعمل «دويتو» مع
زوجها الفنان صلاح ذو الفقار، فقدما سلسلة من الأفلام الكوميدية من إخراج
فطين عبدالوهاب، من بينها: «مراتي مدير عام» (1966)، و{كرامة زوجتي»
(1967)، و{عفريت مراتي» (1968).
في ذلك الوقت تخلت شويكار عن الأدوار التراجيدية، فاعتبرها المخرجون فنانة
كوميدية فقط، وظلت لأكثر من عشر سنوات، تتنقل بين السينما والمسرح
والإذاعة، ومعها زوجها فؤاد المهندس، لكنها كانت دائماً تنتصر للمسرح
وتعتبره «أبا الفنون»، ففيه يلتقي الفنان وجهاً لوجه بالجمهور، وينال
مكافأته كل ليلة، ويقيس مدى نجاحه بتفاعل الحضور معه، بينما يتطلب الفيلم
احترافية أكثر من الممثل، لأن التصوير لا يرتكن إلى التسلسل الزمني
للأحداث، ومن الممكن أن يبدأ أول يوم تصوير بمشهد النهاية.
الحب الأول
بدا التناغم واضحاً بين شويكار والمهندس في الفن والحياة، وكلاهما يحملان
خصائص الفنان من قلق وتوتر، ويبذل أقصى طاقته في عمله. مرت بهما لحظات
عابرة من الخلافات التي تحدث بين أي زوجين، فكان المهندس يحتويها بخفة ظله،
وترتسم الابتسامة على وجه شويكار، وتغمرهما السعادة من جديد في العش
الهادئ.
اعتبرت شويكار أن المهندس أول حب في حياتها، والزوج البار بأمها وابنتها،
وهو أول من منحها فرصة الظهور على المسرح، وأستاذها في الفن والحياة الذي
تعلمت منه الكثير، ولم يبخل عليها بالمعرفة.
المطربة الكوميدية
تحوَّلت شويكار إلى فنانة شاملة، وتفتحت مواهبها المتعددة، كممثلة تجيد
الأدوار الكوميدية والتراجيدية والاستعراضية، وامتلكت خفة ظل وقدرة على
إضحاك الجمهور، فانتزعت التصفيق بتألقها أمام نجم كوميدي بحجم فؤاد
المهندس، ولاحقاً كُتبت لها أعمالٌ مسرحية، لتسطر تاريخاً جديداً في هذا
اللون الدرامي، الذي ظل حكراً على النجوم الرجال، وتفتح الباب لظهور ممثلات
«كوميديات» مثل هالة فاخر، ونبيلة السيد، وميمي جمال، وسناء يونس، وسعاد
نصر، وأخيراً النجمة ياسمين عبدالعزيز.
اعتبرت شويكار أنها الشريكة الحصرية لزوجها في الأعمال الفنية، ولم تخف
غيرتها عندما شارك المهندس مع الشحرورة صباح في الاسكتش الشهير «الراجل ده
حيجنني» تأليف حسين السيد ولحن محمد الموجي، وهو يرتبط بشهر رمضان الفضيل،
فحقق نجاحاً كبيراً خلال فترة الستينيات. وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً،
قدمت شويكار مع المهندس اسكتش «الصيام مش كده» تأليف حسين السيد ولحن حلمي
بكر، فحظي بنجاح مماثل.
قدَّمت شويكار مشاهد استعراضية في المسرح والسينما، وبرعت في أداء أغانٍ
تعبيرية ضمن السياق الدرامي للفيلم أو المسرحية، وصنعت مع فؤاد المهندس
«دويتو غنائياً كوميدياً» مثل «يا واد يا مُفكِر يا هايل» في فيلم «إجازة
غرام» (1967)، و{حضرة الأستاذ ضربني» في فيلم «أشجع رجل في العالم» (1968)
و{إلزم حدودك» و{يا شهور العسل» في فيلم «ربع دستة أشرار» (1970)، وفي نفس
العام «لومي يا لومي» في فيلم «إنت اللي قتلت بابايا».
شهدت كواليس مسرحية «أنا وهو وسموه» (1966) أول ظهور للموسيقار محمد
عبدالوهاب في المسرح الكوميدي، وتلحينه أغنيات للثنائي شويكار والمهندس،
فكان حدثاً فنياً في ذلك الوقت، وهو يجلس مع بطلي العرض أثناء البروفات،
ويدندن على العود كلمات الشاعر حسين السيد، التي تخللت السياق الدرامي
للمسرحية، وساهمت في الإقبال الجماهيري على مدار موسم كامل، واعتبره البعض
لقاء سحاب جديداً يجمع بين موسيقار الأجيال وأشهر ثنائي كوميدي في المسرح
المصري.
المفارقة أنه في العام ذاته، غابت شويكار عن فيلم «حرم جناب السفير» للمخرج
نيازي مصطفى، وأدت السندريلا سعاد حسني دور البطولة أمام فؤاد المهندس
ورشدي أباظة وعادل أدهم، وهو من إنتاج «شركة صوت الفن» التي كان يمتلكها
الموسيقار محمد عبدالوهاب وبعض الشركاء، ولحّن أغنية «أنا واد خطير» التي
قدمها المهندس ضمن أحداث ذلك الشريط السينمائي.
أرض النفاق
توالت أعمال شويكار والمهندس في السينما، وتجرأ مخرجون آخرون على التعامل
مع أشهر ثنائي كوميدي وقتذاك، وشاركا في بطولة فيلمين للمخرج نيازي مصطفى
هما «أخطر رجل في العالم» (1967)، و{العتبة جزاز» (1968)، وظهرت النسخة
السينمائية من مسلسلهما الإذاعي الناجح «شنبو في المصيدة» بتوقيع المخرج
حسام الدين مصطفى.
في العام نفسه شاركت شويكار في فيلم «مطاردة غرامية» للمخرج نجدي حافظ.
تدور أحداثه حول الشاب منير (فؤاد المهندس) الذي يعمل مراقباً جوياً،
ويتأهب للزواج من منى (شويكار)، لكنه يتعرض لمواقف كوميدية مع خمس مضيفات
من جنسيات مختلفة، وتتوالى الأحداث.
اعتبر النقاد أن «أرض النفاق» (1968)، أحد أهم الأعمال الكوميدية لشويكار
والمهندس وفطين عبدالوهاب، وهو مأخوذ عن قصة للأديب يوسف السباعي وسيناريو
سعدالدين وهبة.
تدور أحداثه حول فكرة افتراضية عن رجل يمتلك متجراً لبيع الأخلاق
(عبدالرحيم الزرقاني) في مكان بعيد على أطراف القاهرة، وبالمصادفة يراه
الموظف البسيط مسعود أبو السعد (فؤاد االمهندس) فيشتري منه أقراص الشجاعة
لمواجهة زوجته المتسلطة (شويكار) وسخرية جارته (سميحة أيوب) ورئيسه في
الشركة (حسن مصطفى).
بعد فترة يزول تأثير الأقراص، فيضطر إلى شراء أقراص النفاق، ويصبح ثرياً.
بعد نفادها يطلب كمية أخرى، لكنه يتناول عن طريق الخطأ أقراص الصراحة ويخسر
كل شيء، فيقرِّر سرقة أقراص الخير ويلقي بها في النهر، عندها يتغير سلوك
الناس إلى الأفضل، وبزوال تأثيرها تعود حياتهم إلى سابق عهدها.
السكرتير الفني
تزامن تألق شويكار على الشاشة مع حضورها المميز في المسرح الكوميدي، وفي
عام 1968، قدمت مع فؤاد المهندس مسرحية «السكرتير الفني» تأليف بديع خيري
ونجيب الريحاني، وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وشارك في البطولة الفنانون:
عبدالوارث عسر ونظيم شعراوي ومديحة حمدي.
أدت شويكار دور «عزيزة» التي تستغل المعلم البسيط «ياقوت أفندي» الذي يعمل
في مدرسة خاصة بأجر زهيد، وتغريه بالمال ليصبح السكرتير الفني في شركة
زوجها المتوفي، ويوقّع على أوراق مخالفة للتهرب من الضرائب، لكنه يكتشف
خديعتها، وتتوالى الأحداث.
«السكرتير الفني» من الأعمال التي رسَّخت حضور شويكار في المسرح الكوميدي،
كنجمة تحظى بدور مساوٍ لفؤاد المهندس، ولا ينفرد وحده بإضحاك الجمهور، ولعل
تجربته مع الفنان عبدالمنعم مدبولي في البرنامج الإذاعي الشهير «ساعة
لقلبك» اعتمدت على العمل الجماعي، ما جعل مسرحهما يفتح أبوابه للمواهب
الجديدة، ومنها شويكار وعادل إمام والضيف أحمد وسيد زيان وفاروق فلوكس
ومحمد أبو الحسن وأحمد راتب وغيرهم.
شهادة الزعيم
وصف النجم عادل إمام شويكار بانها فنانة رائعة، وذكر أنها وقفت إلى جانبه
في مسرحية «أنا وهو وهي» (1963) وأن الفنان فؤاد المهندس لم يغضب لأن عادل
إمام ممثل شاب يضحك الجمهور في دور سكرتير المحامي «الأستاذ دسوقي». كذلك
ذكر عادل إمام أنه شارك معهما في مسرحيات لاحقة من بينها «حالة حب» (1967)،
تأليف سمير خفاجي وإخراج فؤاد المهندس، وهي النسخة المسرحية من فيلم «إشاعة
حب» (1961) للمخرج فطين عبدالوهاب، بطولة: عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف
وهبي وعبدالمنعم إبراهيم.
وخلال مسيرتها الفنية، أظهرت شويكار القيم النبيلة التي تربت عليها في بيت
والدها إبراهيم صقال، وكانت تراجع زوجها فؤاد المهندس، عندما يثور على أحد
زملائه، وتطلب إليه أن يعتذر عن خطئه، إيمانا منها بأن الالتزام الأخلاقي
هو رأسمال الفنان، ومعيار قيمته أمام نفسه وجمهوره، وأن النجومية قد يخفت
بريقها يوماً ما، لكن الإبداع الصادق يظل حاضراً في ذاكرة الأجيال.
ضعيفة أمام المرض
اعترفت شويكار بأنها ضعيفة أمام المرض، لاسيما إذا أصاب شخصاً تحبه، ما
يسبب لها متاعب نفسية هائلة، وعندما زارت مع فؤاد المهندس الفنان إسماعيل
ياسين في المشفى، هذا النجم الذي أسعد الملايين بفنه، لم تستطع أن تدخل إلى
غرفته، لأنها لا تقوى على رؤية إنسان يتألم.
مرت بتجربة أشد إيلاماً، عندما مرضت أمها بالتهاب في الكلى، فشعرت أنها في
زلزال، لتعلقها بها إلى أقصى حد، فالفارق العمري بينهما ستة عشر عاماً فقط،
وكانت بالنسبة إليها الأم والصديقة، وهذا الأمر تكرَّر مع شويكار عندما
أنجبت «منة الله» في نفس العمر تقريباً، فتعلقت ابنتها بها منذ طفولتها،
وكانت تحتفظ بصورها في غرفتها، وتقلدها في أدوارها، وتزورها في المسرح،
وتشاهد أفلامها في السينما، لكنها اختارت لحياتها مساراً بعيداً عن الفن،
لأنه يحتاج إلى وقت وتضحيات.
رسالة مؤثرة من شويكار إلى ابنتها «منة الله»
بدت حياة شويكار متعددة الأهواء بين الفن ومسؤولياتها كأم وزوجة، وشعرت
بنوع من التقصير في رعايتها لابنتها منة الله، لانشغالها طوال اليوم في
عملها بين السينما والمسرح.
ذات يوم بكت بشدة، عندما حضرت طفلتها إلى المسرح، وكانت في السادسة من
عمرها، وقالت لها: «إيه رأيك في شعري يا ماما؟»، فقالت لها: «جميل يا
حبيبتي»، فقالت الابنة: «إنه أطول من العام الماضي»، فأدركت شويكار أن
ابنتها تلمح إلى عدم رؤيتها طيلة عشرة أيام، وتعاتبها على ذلك، فاحتضنتها
بقوة والدموع تنساب من عينيها، وقالت لها: «أنا دايماً معاكِ يا حبيبتي».
بعد ذلك اليوم، حرصت شويكار على قضاء أوقات فراغها مع ابنتها، والمفارقة
أنها لم تنجب من زوجها فؤاد المهندس، الذي كان يتعامل بأبوّة مع منة الله،
وبدورها كانت شويكار تعتبر ولديه من زوجته الأولى (محمد وأحمد) بمثابة
ابنين لها.
لم تنس كيف ساندتها أمها في بداية عملها بالفن، ورعايتها لحفيدتها أثناء
أوقات التصوير والعمل كل ليلة في المسرح، ولولا ذلك لاعتزلت في وقت مبكر،
وانتصرت لمشاعر الأمومة في داخلها.
وفي غمار نجاحها الفني، قامت حرب 1967، فمرت شويكار بأوقات عصيبة، ولم تجد
الأمل سوى في ابنتها وجيل مقبل يحقق النصر على الأعداء، فكتبت لها رسالة
بكل ما تملك من مشاعر الوطنية والأمومة، نشرتها إحدى الصحف المصرية. آنذاك
كانت منة الله في الحادية عشرة من عمرها، وفي جزء من الرسالة خاطبتها
قائلة: «كنت أريد أن أقول لكِ إننا شعب مؤمن، والله لا يتخلى عن عباده
المؤمنين أبداً.. ولذلك لا بد أن ننتصر.. هل تذكرين يا منة عندما كنت
أسألك: ماذا تريدين أن تكوني عندما تكبرين؟ كنت تقولين: «أبقى دكتورة»..
وأنا أهبك يا ابنتي عن طيب خاطر لتكوني في الصف من أجل الكفاح.. أنا لا
أستطيع أن أفعل شيئاً كثيراً.. أقصى ما أستطيع أن أفعله أن أقوم بالتمريض..
لكنك تستطيعين أن تقومي بما هو أكبر.. عندما تصبحين دكتورة كوني للناس..
يجب أن تمنحيهم حياتكِ وأنت راضية، فليس هناك أعظم من حب الناس.. حب أهلكِ
وبلدكِ.. وأنا واثقة أنك ستكونين عند حسن ظني.. أتمنى يا ابنتي أن أكتب لكِ
خطاباً آخر قريباً، لأهنئك فيه بالنصر الذي سننحققه بإذن الله.. ولكِ دعائي
الدائم وحبي».
البقية في الحلقة المقبلة
·
الشحرورة تثير غيرة زوجة المهندس من اسكتش غنائي
·
سعاد حسني تخطف بطولة فيلم «حرم جناب السفير»
·
شبح الاعتزال يهدد الفنانة الحائرة بين النجومية والأمومة |