غانم الصالح يكشف سر عرض «باي باي لندن» في أحد فنادق تايلند (4-4)
«الفنان يجب أن يحبو ليتعلم... وعلى الشباب التأني في خطواتهم»
محمد جمعة
ربما يتساءل البعض عن سر ديمومة سيرة بعض النجوم الذي غادرونا جسداً ولكن
أعمالهم خالدة في الوجدان، من يبحث في أرشيفهم فسيعرف أن التواضع والسعي
نحو تطوير الذات، مهما حققوا من نجاحات، كانا السر وراء ذلك، تلك القيم
التي ترسخت لديهم تتكشف لمن يتابع أحاديثهم الصحافية أو لقاءاتهم
التلفزيونية... الفنان الراحل غانم الصالح أحد هؤلاء؛ أعطى للفن الكثير
وسخر حياته للمسرح والتلفزيون، ولكن رغم ذلك كان التواضع يظله أينما حل.
وهو يرى أن الفنانين الشباب يستعجلون النجاح والشهرة، ويطالبهم دائماً
بالتأني ودراسة خطواتهم. في هذه الحلقة نستعرض بعض المواقف من ذاكرته مع
مسرحية "باي باي لندن"، وسر عرضها في أحد فنادق تايلند، ونتوقف عند مسلسل
"كامل الأوصاف" أو "الغرباء"، كذلك نستعرض بعض ملامح علاقته مع أفراد أسرته
ومتى يستشيرهم في أعماله الفنية.
رغم مسيرته الطويلة في المجال الفني وأرشيفه المتخم بعشرات الاعمال
المسرحية التلفزيونية والإذاعية فإن الصالح كان دائما يردد جملة تعكس
تواضعه ودماثة خلقه وسعيه المستمر نحو تطوير أدواته، "طالما في الجسد نبض
يجب أن يسعى الإنسان للتعلم، بل يجب أن يحبو ليتعلم".
وطالب الصالح الشباب بضرورة التأني وعدم استعجال النجاح، وأن يصعدوا السلم
خطوة خطوة، قائلا في احد اللقاءات السابقة: "من يصعد سريعا يهوى سريعا،
أتمنى منهم عدم استعجال النجاح والتأني خصوصا في هذا المجال، لأنك لا تعمل
منفردا وإنما في مجال يتضمن العديد من الفنانين، ولكل فكره وطموحه ورؤيته
ورغبته في ان يكون الأفضل، وهناك تنافس كبير، ويجب ان يحسب الفنان لكل
خطوة".
ويؤكد أن الفضاء المفتوح ساهم في انتشار الدراما الخليجية في دول عربية
عدة، ويستذكر احد المواقف التي تعرض لها خلال زيارته لتايلند: "كنت أهمّ
بدفع تكاليف اقامتي في احد الفنادق قبل مغادرتي إلى مانيلا في الفلبين،
وإذا بمدير الفندق يقف الى جواري ويرمقني بعين فاحصة، من ثم بادرني بسؤال:
هل أنت فنان مشهور؟ قلت له: نعم، ابتسم وغادر دون أي تعليق، وعندما سألت عن
سر اهتمامه عرفت أن الفندق كان يعرض مسرحية "باي باي لندن" في دائرة
التلفاز الداخلية، قبل مغادرتي بيوم، ولانهم لا يعرفون اللغة العربية
اكتفوا بالمشاهدة وتعرفوا على الاشكال فقط، وما هي إلا دقائق حتى عاد مدير
الفندق مجددا، وسألني عن وجهتي، وعندما عرف انني سوف اقصد الفلبين أرسل
تلكس إلى الفندق الآخر هناك لاستقبالي".
ولفت الصالح إلى أهمية الفن كقوة ناعمة تؤثر في الشعب وتتجاوز حاجز اللغة.
شمال إفريقيا
وشدد غانم على أن الفن سفارة بلا سفير، وأن دول شمال إفريقيا عرفت عادات
وتقاليد وطباع أهل الخليج عبر الدراما التلفزيونية، وقال: "كان رجل الشارع
في تونس يتعرف علينا خلال زيارتنا، بل ان بعضهم ينادي علينا بالاسم، والفضل
في ذلك يرجع الى المسرح والدراما التلفزيونية. أيضا نحن عرفنا المجتمع
المصري وأدق تفاصيله حتى قبل زيارتنا لمصر في الخمسينيات والستينيات من
خلال اعمالهم، التي كانت تعرض لدرجة أننا كنا نعرف اللهجات المختلفة داخل
مصر ونفرق بين أهل الصعيد وغيرهم من مختلف المحافظات".
أما عن رضاه عن مستوى الدراما العربية فأوضح: "الدراما العربية بخير وتخدم
قضايانا الاجتماعية والتاريخية والسياسية، الفضائيات أصبحت تمثل همزة وصل
مهمة".
"كامل الأوصاف"
توقف الصالح عند واحدة من أهم المحطات الفنية في حياته والمتمثلة في مسلسل
"كامل الأوصاف"، الذي قدمه عام 1982 من تأليف طارق عثمان ومن إخراج حمدي
فريد، وقال: "ما تعرضت له الكويت من غزو غاشم تنبأنا به خلال العمل، فمضمون
وأحداث العمل يتناولان الظلم والاستبداد والديكتاتورية والطغيان، وتدور
أحداث القصة حول مدينة العواصف وغزو كامل الأوصاف (غانم الصالح) ومساعده
جاسر (عبدالإمام عبدالله) وجنودهما لهذه المدينة، ويتسبب هذا الغزو في
انتشار الظلم والفساد وحالة من الخوف والذعر بين أبناء المدينة، ويقوم كل
من الفارس الملثم (ميعاد عواد) ومرجان (عبدالرحمن العقل) بوضع الخطط
اللازمة لتحرير مدينتهم من الحاكم الظالم.
رقية وسبيكة
كشف الفنان غانم الصالح بعض كواليس مسلسل "رقية وسبيكة" من تأليف مبارك
الحشاش وإخراج فيصل الضاحي، وقال: "رغم أن الاغلب كان ينخرط في حالة من
الضحك الهستيري إلا انني كنت أتمالك نفسي لأبعد الحدود، ولكن في داخلي موجة
من الضحك أكتمها حتى انتهاء التصوير. بالنهاية أنا بشر".
استشارة الأسرة
وتوقف بالحديث عند محيطه الأسري، كاشفاً أنه مازال يحتفظ بمنزله الذي شيد
عام 1966، وقال: "كان من اوائل القسائم التي وزعت في منطقة الرميثية"،
لافتا الى حرصه على احتضان الاحفاد في منزله وأنه يستطلع رأي زوجته
ووابنائه فيما يقدم من اعمال: "أناقشهم وأبحث معهم الدور، والشخصية اذا
كانت مكررة كيف أقدمها بصورة مختلفة".
ويحتفظ الصالح على أحد حوائط منزله بمجموعة من الصور التي توثق مراحل
مختلفة من حياته، منذ كان طفلا، وفي دراسته، وصولا الى دخوله المجال الفني،
كاشفاً أن عمه احتفظ له بصور الطفولة، من ثم اهتم هو بتوثيق مشواره الفني
منذ أول شخصة قدمها في مسرحية "صقر قريش".
السيئ مسيطر
يتذكر الفنان غانم الصالح الرعيل الذي سبقهم في التمثيل، فيأتي على ذكر
محمد النشمي، ود. صالح العجيري، وعقاب الخطيب، ويصفهم برُوّاد المسرح
الارتجالي الذين قدموا مسرحاً لاذعاً وساخناً، وتناولوا موضوعات جريئة
بعيدة عن السياسة، لكنها ناقدة للوزارات المُقصّرة وبعض جوانب الحياة
الاجتماعية دونما تجريح أو إسفاف، أي على خلاف مسرح اليوم الذي «ليس فيه
نقد صريح».
ويضيف: فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح السيئ مسيطراً أكثر من الجيد.
للأسف كثيرٌ من القضايا تُرفض بحجة أنها ليست من المجتمع، بينما المجتمع
مليء بالصالح والطالح. نحن لسنا مجتمعاً «أفلاطونياً»، والدليل «المخافر»
وصحافتنا المليئة بالمشاكل.
قالوا عنه
في حفل تأبينه في نوڤمبر 2010 ألقيت قصيدة للشاعر الغنائي الكبير عبداللطيف
البناي، بصوت الفنان المُبدع سليمان الياسين، جاء فيها:
عمر النخل ما عطش
واليوم هو عطشان
والورد كله ذبل من فارق الساقي
غانم وغانم رحل عنا بلا استئذان
ولما تروح الروح بالروح وش باقي
راح الأبو والعم والفن والفنان
وان كان باقي فن في عمره الباقي
كل شي فراقه سهل إلا أعز انسان
مثل اخونا اخو ماكو ولا نلاقي
واللي يبي غانم هذا هو العنوان
ساكن في دار الخلد دب الدهر باقي
أما زميله وصديقه الفنان محمد جابر، الشهير بشخصية "العيدروسي"، فقال:
"تاريخ غانم يشهد له"، مُشيراً إلى أن الراحل كان حريصاً على أسرته ولا
يريد لأبنائه أن يعانوا ما عاناه في حياته، وقد قال الصالح له في أواخر
أيامه: "بسنا تمثيل نبي نقعد"، وكأنه يريد أن يرحل.
ورثاه الشاعر الكويتي محمد قبازرد بقصيدة، من أبياتها:
غانم الصالح الراضي بما قسمت
قوس السقام له من مدنف النصل
الصابر الشاكر المحمود سيرته
على لسان العدا سيان والأهل
خطت له (لندن) تاريخ مولده
واليوم (لندن) تمسي معرج الرجل
كذلك الموت ما يدريه غافله
أفي ذكا أم سما يرديه أم زحل
الفهد: أتمنى أن تكون سيرته ومسيرته قدوة للشباب
قالت عنه رفيقة دربه في الأعمال المسرحية والدرامية الفنانة حياة الفهد:
"تمنيت ألا تأتي اللحظة وأرثي الأخ والزميل والصديق الفنان غانم الصالح،
الذي كانت صفاته الإنسانية تتخطى مواهبه الفنية وقدراته على أداء أدواره
وتقمصه للشخصيات التي يجسدها، سواء على المسرح أو في التلفزيون، كان ودوداً
وحنوناً وإنساناً قبل أن يكون فناناً، كما أنه لم يبخل على من حوله بما
يحتاج إليه من عون ونصيحة ورأي، وكان يضفي خلال وجوده مع جميع العاملين،
معه سواء في كواليس المسرح أو في استوديو ومواقع التصوير، جواً أبوياً
وعائلياً".
وأضافت الفهد: "كان يتفقد ويسأل عن جميع العاملين من فنيين وفنانين
وإداريين، وكان متعاوناً مع فريق العمل المشارك فيه إلى أبعد الحدود، وكان
ملتزماً بمواعيد العمل، فهو أول الحاضرين وآخر المغادرين. لقد عاش بصدق،
ملاكاً، وعمره لم يغلط على أحد، وكان رده على من يغلط عليه: الله يسامحك.
أتمنى أن تكون سيرته الحياتية ومسيرته الفنية مثلاً وقدوة لجيل الشباب،
لأنه كان نموذجاً نادراً بين فناني جيله من الرُوّاد".
ثم كشفت حياة الفهد عن أمر لا يعلمه أحد عن الفقيد، بمن فيهم أفراد عائلته،
وهو أنه كافل لعدد من الأيتام.
الفن والسياسة
حينما سُئِل غانم الصالح عن العلاقة بين الفن والسياسة، كانت إجابته أن
كليهما وجهان لعملة واحدة، وهما متداخلان؛ حيث السياسة هي "فن المرافعة،
ومفهومها يشمل المراوغة والمجادلة والمناقشة والخداع واللف والدوران
والنفاق والكذب والمجاملة"، وهكذا فقد يُطلق على النائب البرلماني الناجح
فنان، بحسب قوله.
وفي لقاء سابق تحدث غانم عن تجربة الإنتاج، فأكد أنه ليس متخوّفاً منها،
بدليل خوضه هذه التجربة عام 1979 من خلال مسرحية "بيت بو صالح"، وبعض
الأعمال الفنية الإذاعية والتلفزيونية في الثمانينيات.
لكنه استدرك قائلاً: "توصلت لنتيجة في النهاية مفادها أن هذه العملية تحتاج
إلى التفرّغ، إضافةً إلى أنني كما صرّحتُ مراراً وتكراراً لا أحب لغة
الأرقام، وأفضّل أن أكون فناناً فحسب وليس تاجراً؛ وذلك لعِشقي الشديد
لجمهوري الذي تعوّد أن أقدّم له العمل المتميّز".
·
"كامل الأوصاف" تنبأ عام 1982 بما تعرضت له الكويت لاحقاً
·
الفن سفارة بلا سفير ودول شمال إفريقيا عرفت عادات وتقاليد وطباع أهل
الخليج عبر المسلسلات
·
الفضاء المفتوح ساهم في انتشار الدراما الخليجية عربياً |