قصة لكاتبة عربية فلسطينية مسلمة ومخرج أميركي يهودي
فيلم «ميرال».. حكاية أربع نساء في القدس!
عبدالستار ناجي
يستمد فيلم «ميرال» أهميته من كونه يفتح بوابات للأمل ويناقش جملة من
القضايا والموضوعات معتمداً على نص روائي كتبته الفلسطينية الأصل رولا
جبريل وأخرجة الأميركي اليهودي جوليان شانبل صاحب التاريخ السينمائي العريض.
تتمحور حكاية فيلم «ميرال» حول فتاة فلسطينية يتيمة نشأت في أعقاب الحرب
العربية - الإسرائيلية وجدت نفسها في آتون صراع محتدم وتتقاطع أحداث
شخصيتها مع حكاية فتيات فلسطينيات. لذا يجد المشاهد نفسه أمام أربع حكايات
لاربع فتيات كل منهن تتحرك في خطوط الكينونة والبحث عن الذات وسط تلك
العوالم من الصراع السياسي والعسكري في مدينة القدس.
وكما تتقاطع الأحداث تتقاطع الأزمنة الذي تذهب بنا في البداية الى حكاية
هند الحسيني التي وجدت نفسها ذات يوم أمام 55 طفلا يتيما في الشارع. حيث
تقوم بأخذهم الى منزلها لمنحهم الطعام والمأوى والأمان.. وسرعان ما يزيد
عدد الأطفال من 55 طفلا الى 2000 طفل تحت مظلة معهد دار الطفل التي قامت
برعاية ودعم الكثير من الأطفال الأيتام .
ننتقل بعدها الى حكاية الطفلة ميرال «فريدة بنتو» في السابعة من عمرها، حيث
يتم إرسال ميرال إلى معهد دار الطفل «دار الأيتام» من قبل والدها بعد وفاة
والدتها، حيث نشأت بأمان داخل جدران المعهد، وهي غير عارفة بالمشاكل التي
تحيط بها بالذات في المراحل الأولى من طفولتها رغم انها كانت شاهدة على كل
ما يدور من حولها من أحداث ومخاضات، ثم، في سن 17، تم تكليفها بالتدريس في
مخيم للاجئين حيث استيقظت على حقيقة كفاح شعبها، عندما تتعرف على الناشط
السياسي هاني، لتجد نفسها ممزقة بين الكفاح من أجل مستقبل شعبها ومعتقدات
ماما هند الحسيني على أن «التعليم هو الطريق إلى السلام».
ميرال.. فيلم سياسي عن السيرة الذاتية قدم 2010 من إخراج جوليان شنابل عن
ظهور فتاة فلسطينية تدعى ميرال نشأت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية
عام 1948 وتجد نفسها منجرفة في الصراع، كتب السيناريو رولا جبريل، بناءً
على روايتها التي تحمل نفس الاسم.
يبدأ الفيلم بطريقة سردية توثق جهود هند الحسيني لإنشاء دار للأيتام في
القدس بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ومذبحة دير ياسين، وإنشاء
إسرائيل، تجري الاحداث في القدس في عام 1948، حيث تصادف هند الحسيني (هيام
عباس) 55 طفلاً يتيماً في الشارع، لتأخذهم كما أسلفنا إلى المنزل لمنحهم
الطعام والمأوى، في غضون ستة أشهر، يرتفع عدد الأطفال إلى ما يقرب من 2000
طفل، ولتقود تجربة من النضال من نوع مختلف .
تبدأ القصة كما يؤكد «الراوي» ولدت ميرال عام 1973، لكن قصتي تبدأ حقًا في
عام 1947»، وهو العام الذي أعلنت فيه دولة إسرائيل، وبدأ الفيلم في ذلك
الوقت خلال حفل عيد الميلاد الذي استضافته فانيسا ريدغريف لصالح ليبرالي
القدس، المجتمع الدولي.
تتقاطع الشخصية مع حكاية هند الحسيني «هيام عباس»، وهي شابة ثرية تفتح
أبواب منزل أسرتها قريباً لـ 55 يتيماً، تشردت بسبب الحرب، هند مقتنعة بأن
النساء الفلسطينيات في الغد بحاجة إلى تعليم متين، وأن دار الأيتام، دار
الطفل، أصبحت مدرسة وملاذاً لهؤلاء الفتيات، اللاتي تتضخم صفوفهن إلى
المئات.
تتألق هيام عباس، الممثلة الفلسطينية الرائدة، لتجسيد شخصية هند الحسيني
النبيلة وتضحياتها الذاتية، ولكن ليس هناك سوى القليل من الوقت بالنسبة لها
للحصول على قضية مثيرة على الحسيني المرأة، لنتابع حضور ويليم دافو، الذي
يعتبر ضابطًا أميركياً طيب القلب يقدم يد العون، نفحة من الاهتمام بالحب،
لكن علاقتهما بالرومانسية ليس لديها وقت للتطور قبل أن تتولى قصة نادية،
وهي فتاة أخرى ضمن سياق الحديث عن الفتيات الفلسطينيات .
تقديم نادية «ياسمين المصري» في سن المراهقة التي اغتصبها والدها بينما
تنظر أختها الصغيرة في حالة من الرعب. بعد أن هربت من المنزل، أصبحت راقصة
شرقية تنزلق إلى إدمان الكحول قبل أن يتم إلقاؤها في حادثة سخيفة على متن
حافلة، مشهد الاغتصاب القصير، ومسيرتها التعيسة كراقصة تتلخص في لقطة واحدة
مؤلمة من خصرها المسنن، هي مشهديات قاسية تعكس جوانب من المأساة التي تبدو
حقيقية للغاية.
وفي المحطة الجديدة نرصد حكاية زميلة نادية الحزينة وهي فاطمة «ربا بلال»،
الممرضة التي تحولت إلى إرهابية، وقد حكم عليها بالسجن مدى الحياة لأنها
وضعت قنبلة في مسرح، هذا هو الأقرب للفيلم الذي يدين الإرهاب على الإطلاق،
ومونتاج لوجوه الجمهور الأبرياء الذين يشاهدون باهتمام فيلم رومان بولانسكي
حيث أن القنبلة تتفجر هي واحدة من أكثر مشاهد الفيلم ترويعاً.
لكن العودة إلى الفتاة السيئة نادية، التي تجد زوجًا محبًا بأعجوبة في قائد
إسلامي طيب القلب «ألكساندر صديق»، وللأسف، فإن ندوبها النفسية عميقة
للغاية، وتغرق مرة أخرى في خمر وعيش ممزق، تترك وراءها ابنة صغيرة، ميرال،
يُجبر الأب على وضعها في رعاية الحسيني، وهنا نتعرف على الرابط بين
الشخصيات والأحداث التي تحيط بالصبية ميرال .
وبعد كم التقاطعات والشخصيات والأحداث التي تجعل المشاهد في حالة من اللهاث
في هذه المرحلة الأخيرة فقط، استقرت القصة وأخيراً تم التركيز على ميرال،
البالغة الآن 17 عامًا (لعبت دورها الممثلة الهندية الشابة فريدة بينتو
شاهدناها في فيلم «مليونير سلودوج»)، وبعد علاقة حبها مع زعيم الانتفاضة
والثورة الفلسطينية الشاب هاني «عمر متولي» وتورطها الخطير في حركة التحرير
خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 - والتي تنتهي في مشهد اعتقال قصير بعدها
شعرت بالتطور بشكل مقنع، وانها أمام ظرف يختلف شكلا ومضمونا عن كونها مجرد
طفلة في دار الأيتام
.
بعدها تتسارع المشاهد الختامية لتوضيح مواد أخرى، بما في ذلك علاقة حب
مزعجة بين ابن عم ميرال وفتاة يهودية «تلعبها ستيلا» ابنة شنابل الحقيقية،
ومحادثات أوسلو للسلام، التي تلهم ميرال لتصبح صحافية والتي تعود بنا الى
صاحبة النص الأصلي.
القدس حاضرة وبقوة في الكثير من المشاهد ليس مجرد خلفية بل وطن وقضية وكيان
حقيقي وعشق وانتماء لأبناء الأرض العربية المحتلة فلسطين.
كتب عن الفيلم العديد من المقالات النقدية التي تفاوتت وتباينت . ومن ابرز
ما كتب ذلك الذي كتبته الناقدة الأميركية ديبورا يونغ في مجلة «هوليوود
ريبورتر» حيث قالت «فيلم سياسي برسالة أمل».
وكتبت كيلي فانس أن «بينتو تولت الدور المركزي باحترام بالغ ، لكن الدراما
الحقيقية تكمن في رفض ميرال للعنف لصالح هند الحسيني «هيام عباس» والتأكيد
على أهمية التعليم والتفاوض.
ونشير هنا الى أن المخرج شنابل كشف أن المشروع له صلة بتاريخ عائلته،
معتبرا أنه شخصي جدا يروي الجانب الآخر من القصة، بالنظر إلى خلفيته، بصفته
يهودياً أميركياً كانت والدته رئيساً، في عام 1948، لفرع بروكلين هداسا
المنظمة النسائية الصهيونية الأميركية.
وهنا نحن أمام قصة لكاتبة عربية فلسطينية مسلمة ومخرج أميركي يهودي تعاونا
في تحقيق عمل سينمائي يحتفي بنضال المرأة الفلسطينية في مدينة القدس
العربية
. |