عندما نتحدث عن الفن المصر وأشهر من اثروا فيه لا يمكن أن
نغفل الإشارة ولو بملمح صغير إلى التاريخ والمسيرة الفنية لهذا الفنان
القدير محمود ياسين فهو عبر هذه المسيرة الممتدة على مدى ما يزيد على 45
عاما منذ أن بدأها في السنوات الأخيرة من حقبة الستينيات من القرن الماضي
والمستمر حتى اليوم قدم للسينما ما يزيد على 170 فيلما الكثير منها من أهم
أفلام السينما المصرية وقد وضعه هذا العدد الكبير من الأفلام كما في مكانة
بارزة على ساحة الفن السابع وأصبح واحداً من أهم نجوم السينما المصرية عبر
تاريخها كله
ولم تقتصر نجومية ياسين على السينما فقط بل امتدت إلى سائر
المجالات الفنية فهو من كبار نجوم المسرح المصري من خلال تقديمه ما يزيد
على 25 مسرحية اعتبر بعضها من كلاسيكيات المسرح المصري بل انه ترأس في فترة
من الفترات المسرح القومي وهو احد الصروح المسرحية الهامة في مصر كما قدم
لشاشة التلفزيون ما يزيد على 50مسلسلا وكان من أوائل الفنانين الذين عملوا
في التلفزيون خلال حقبة الستينيات هذا بالإضافة إلى رصيد هائل من المسلسلات
الإذاعية الناجحة» وقد صاحب كل هذه النجاحات الفنية الرائعة وهذا التاريخ
الفني الحافل التزام فني وسلوكي وأخلاقي أصبح مضرباً للأمثال وأصبح هذا
الفنان الكبير بمثابة قدوة في عالم الفن والنجومية لكل فنان شاب يبحث عن
مكانة لائقة ونجومية على الساحة الفنية في مصر والعالم العربي.
لم يكن الالتزام الجاد والصارم منهجاً وعنواناً ودستوراً
لمحمود ياسين في مهنته كفنان فقط بل امتد هذا الالتزام وربما بشكل أكثر
حسما إلى حياته الخاصة كإنسان فلم يسمع أحداً عنه في يوم من الأيام أي خبر
أو حتى شائعة تمس شخصه أو التزامه أو أخلاقه وسلوكه القويم وتواضعه الجم
وتسامحه مع الجميع بل قضى مشواره الفني والحياتي بعيدا تماما عن الشائعات
الملاصقة للنجوم والفنانين دائما بل وبعيدا عن القيل والقال والتعرض
للشبهات.. قصة زواجه من الفنانة النجمة المعتزلة شهيرة واستمرار زواجهما
على مدى ما يزيد على أربعين عاما وحياتهما الهادئة البعيدة عن الصخب مثل
معظم الأسر المصرية العادية وأيضا من أهم وأشهر وانجح الزيجات الفنية في
تاريخ الفن المصري وهذا ما يؤكد كل ما اشرنا إليه من التزام فني وإنساني
وأخلاق حميدة لهذا الفنان الكبير ولزوجته الفنانة القديرة دون مبالغات أو
مزايدات
وندخل سريعا إلى البدايات والتفاصيل لهذه الزيجة الناجحة
لهذا الثنائي الفني والإنساني الذي يعد مثلا وقدوة فنية وإنسانية وبدأت
الحكاية في أوائل عام 1970 وكان المخرج والسينمائي الكبير الراحل مدكور
ثابت الرئيس الأسبق لأكاديمية الفنون بصدد التحضير لفيلم سينمائي بعنوان
«صور ممنوعة» وكان الفيلم المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ من أوائل الأفلام
التجريبية في السينما المصرية حيث تم تقديمه في ثلاث قصص منفصلة تم وضعها
في فيلم أو شريط سينمائي واحد وكتب السيناريو والحوار لهذا الفيلم
السيناريست رأفت الميهي الذي أصبح فيما بعد واحدا من كبار صانعي السينما
المصرية تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً
في هذا الفيلم رشح د.مدكور، الفنان محمود ياسين لبطولة قصة
من القصص الثلاث داخل الفيلم.. ووافق ياسين على هذا الترشيح رغم انه قبلها
كان قد قدم 9 أفلام منها بطولة مطلقة وبدأ نجمة يلمع كنجم سينمائي قادم
وبقوة وكان ترشيح د. مدكور للبطولة النسائية أمام هذا النجم الشاب لفنانة
شابة لاتزال طالبة بمعهد الفنون المسرحية وعرض الأمر على محمود فتردد في
البداية ثم وافق وكان قبلها قد وقف أمام شادية وفاتن حمامه ونجلاء فتحي
كبطل في بعض أفلامه السابقة.
وكانت هذه الفنانة الشابة المرشحة لمشاركة ياسين في بطولة
هذا العمل اسمها «عائشة حمدي» أو «شوشو» التي أصبحت فيما بعد الفنانة
والنجمة «شهيرة» ومنذ اللقاء الأول شعر محمود براحة كبيرة ناحية هذه
الفنانة الشابة وبدا هذا الارتياح متبادلا وأثناء التصوير كان محمود يقوم
بتوصيلها بسيارته إلى منزلها في حي الهرم ورغم أن مكان التصوير لم يكن يبعد
كثيرا عن منزلها ألا انه كان يشعر بسعادة غامرة وهو يقطع معها هذا المشوار
الصغير وسرعان ما بدا له الأمر وكأنه التقى الفتاة التي يبحث عنها فسرعان
ما تطورت هذه العلاقة الرقيقة بين نجم شاب وفنانة شابة إلى مشاعر دافئة
متبادلة وإذا لم يكن الحب هو هذه المشاعر الطيبة فماذا يكون؟!
وكعادته ملتزماً منذ نشأته الأولى فبعد مضي ما يقرب من
5شهور على تعارفهما وبعدما تأكد من مشاعره- خصوصا- أن هذا الفيلم وعلى غير
المعتاد قد استغرق تصويره ما يقرب من عام كامل وهو أمر بدا استثنائيا في
المدة التي يستغرقها تصوير أي فيلم ويبدو أن هذا كان من حظ الاثنين وكان
فألا حسنا.. المهم أن محمود قرر على الفور الارتباط بهذه الفنانة الشابة
فهو من خلال التزامه يعرف أن حباً واقتناعاً متبادلاً بين طرفين ليس له
معنى أو طريق آخر غير الارتباط وتقدم لخطبتها فكانت الموافقة وما هي إلا
شهور قليلة وكان الزواج بين النجم السينمائي محمود ياسين والفنانة الشابة
شهيرة في شهر أكتوبر عام 1970.
بعد هذا الزواج وهذا الاستقرار العاطفي انطلق محمود ياسين
سينمائيا وبقوة وخلال حقبة السبعينيات كان الفارس الأول للسينما المصرية
لدرجة انه قدم خلال تلك الحقبة ما يقرب من 75 فيلما لدرجة انه كان يقدم ما
يقرب من 10 أفلام في العام الواحد ولم يكن الكم فقط هو ما ميز هذه الأفلام
بل الكيف أيضا ويكفي أن نشير إلى أن أفلامه الرومانسية التي قدمها في
السبعينيات اعتبر بعضها من أهم كلاسيكيات الرومانسية في مشواره الفني وفي
السينما المصرية أيضا.
وبدورها انطلقت شهيرة فنيا وأثبتت وجودها ليس كفنانة شابة
فحسب بل أنها أصبحت في مصاف النجمات الشابات في حقبة السبعينيات وتعددت
أعمالها وأفلامها لكن الغريب في الأمر هنا، هو قلة التلاقي الفني بين هذا
الثنائي الإنساني رغم أنهما ينتميان لمهنة واحدة، فالباحث في أفلام محمود
لا يجد لشهيرة تواجداً كبيراً في هذه الأفلام ولم تكن البطلة أو النجمة
الأثيرة أمامه مثل نجمات أخريات كنجلاء فتحي وميرفت أمين وسهير رمزي ومديحة
كامل وسعاد حسني ونادية لطفي- على سبيل المثال لا الحصر- وأيضا كانت معظم
أفلام شهيرة تشهد غياب محمود ياسين كبطل أمامها ولا يوجد في أرشيفهما إلا
عدد قليل من الأفلام المشتركة نذكر منها «أنا وابنتي والحب» 1974 إخراج
محمد راضي- «رحلة الشقاء والحب»1982 إخراج محمدعبدالعزيز- و»الجلسة
سرية»1986 لمحمد عبد العزيز أيضا- حتى عندما أنتج لها محمود ياسين من خلال
شركته الإنتاجية واحداً من أهم الأفلام في مشوارها الفني هو «ضاع العمر
ياولدي» 1978 والذي أخرجه عاطف سالم والمأخوذ عن فيلم «المرأة المجهولة» لم
يكن هو البطل أمامها بل اكتفى بالظهور كضيف شرف في لقطة واحدة من الفيلم
وكانت البطولة لنور الشريف.
وبعيدا عن الفن كانت حياتهما كزوجين تسير في هدوء وسعادة
وكانت للثقة المتبادلة من الطرفين تجاه بعضهما البعض اثر كبير وهائل في عدم
وجود أي خلافات من جانب شهيرة حيث كان محمود تشاركه بطولات أفلامه كل
جميلات السينما اللاتي اشرنا إلى بعضهن كما كان هو أيضا بعيدا عن الغيرة
عليها لثقته المطلقة فيها وفي التزامها الخلقي والسلوكي الذي يتماثل مع ما
هو عليه من التزام وخلق وسلوك حميد.
وزادت سعادة هذه الأسرة وهذا الثنائي الإنساني والفني
الرائع والناجح والملتزم بوصول الأبناء حيث رزقا في البداية بابنهما «عمرو»
وبعدها كانت الابنة الثانية والأخيرة «رانيا» وهنا لابد وأن نشير إلى أن
محمود ياسين قد أقام في فيلا في احد الشوارع الهادئة في حي الهرم
وبالمصادفة كان مكانها قريبا من منزل شهيرة التي كان يوصلها إليه عند
لقائهما في بداية تعارفهما وأصبحت هذه الفيلا المكونة من ثلاثة طوابق هي
مسكن عائلة محمود ياسين وبها أيضا مكتبه
ومضت هذه العائلة تواصل حياتها في هدوء وسعادة بعيدا عن
العواصف التي تهب على العلاقات الإنسانية والزوجية خصوصا في زيجات الوسط
الفني التي تعصف بها الغيرة الفنية أحيانا والغيرة الإنسانية في أحيان أخرى
والشائعات في أحيان كثيرة صحيح كانت هناك الخلافات الصغيرة المعروفة بين أي
زوجين لكنهما من خلال مساحة التفاهم الهائلة بينهما ومن خلال المساحة
الهائلة أيضا من الاحترام المتبادل بينهما جعلا عواصف الخلافات العاتية
بعيدة تماما عنهما فمثلا كان لا يتواجد محمود ياسين في أي احتفال أو حفلة
أو مناسبة إلا بصحبة شهيرة أيضا العكس صحيح تماما لا تجدها هي في أي من هذه
المناسبات إلا بصحبته وإذا حالت ظروف عمل أي منهما دون التواجد في أي من
هذه المناسبات تجد الطرف الآخر يعتذر عنها فلا أحد منهما يذهب بمفرده وهذا
يدل على الاحترام الكبير الذي يوليه كل منهما للآخر.
وقد عرف الوسط الفني عنهما هذا التوجه وعرف الجميع عنهما
أيضا الجو الشرقي الكبير الذي يخيم على منزل الأسرة فرغم أنها أسرة فنية
تماما إلا أن الزائر لهذه الأسرة يشعر انه في منزل أي أسرة مصرية أو عربية
تلتزم بكل تقاليد وعادات الأسر الشرقية الأصيلة ولا تشعر مطلقا بشطحات
النجوم أو البهرجة المبالغ فيها بل هي أسرة ملتزمة تماماً وهكذا كانت تربية
أبنائهما «عمرو ورانيا» الالتزام الخلقي والسلوك القويم قبل أي شيء، وانسحب
هذا الجو الهادئ على الأبناء بشكل اكبر عندما التحق الاثنان بالفن حيث بدأت
«رانيا» عندما أنتج لها والدها فيلم «قشر البندق» 1995 مع المخرج خيري
بشارة وشاركهما بطولته حسين فهمي.. بعدها انطلقت رانيا في مسيرتها الفنية
والأمر كذلك مع «عمرو» عندما قرر الاتجاه إلى الفن وبدا يشق طريقه كفنان
شاب كان سلاحه الأكبر الالتزام والخلق الكريم الذي تعلمه من أسرته ومن
أبويه وكما حدث مع الأب والأم حدث مع الابنة «رانيا» عندما تقابلت مع
الفنان والنجم الشاب محمد رياض في مسرحية «الإخوة الاندال» وعندما جمعهما
نداء الحب كان الزواج الناجح الذي باركته الأسرة وأثمر هذا الزواج عن
حفيدين لمحمود ياسين وشهيرة هما «عمر وآدم» ونفس الأمر مع الابن «عمرو»
الذي ارتبط بالزواج من «آيات» المذيعة التلفزيونية المعروفة والذي أثمر هذا
الزواج عن إنجاب أحفاد آخرين للأسرة.
وفي أغسطس عام 1992 عندما قررت شهيرة اعتزال الفن وارتداء
الحجاب لم يندهش محمود ياسين فهي سبق لها أن ابتعدت عن الفن تماما لعدة
سنوات بعد إنجاب ابنيهما عمرو ورانيا، ورغبت شهيرة فى أن تتفرغ لتربية
أبنائها بعيدا عن عملها وارتباطاتها مثل أي زوجة مصرية عادية.. وترك لها
محمود حرية اختيار قرارها في الاعتزال واعتبر قرارها يخصها وحدها فلم
يساندها أو يقنعها بالعدول عنه وابتعدت
شهيرة تماما عن الفن وقامت بزيارة الأراضي المقدسة وأصبحت
«الحاجة شهيرة» مثلما فعلت بعض الفنانات المعتزلات اللاتي ارتدين الحجاب
كما لم تفكر في العودة مثلما فعلت أخريات غيرها لان قرارها كان عن اقتناع
ورضا.
وفي النهاية لابد وأن نشير إلى أن هذا الثنائي الفني
والإنساني «محمود ياسين وشهيرة» قد أصبح يمثل حالة استثنائية داخل الوسط
الفني الذي عرف بفشل غالبية زيجاته الفنية لكنهما أكدا أن الزواج الفني
يمكن أن ينجح ويستمر إذا تلاشت بين الزوجين الغيرة الإنسانية لثقة كل منهما
في الآخر وتلاشت أيضا الغيرة الفنية لرغبة كل منهما بشكل حقيقي في نجاح
الآخر وشعوره بأنه يكمله وان نجاحه محسوب له أيضا.
النهار الكويتية في
01/08/2013 |