إذا كانت ماري منيب واحدة من جيل الرواد في حركة الفن
المصري والعربي فهي أيضا على قمة الهرم إذا تحدثنا عن فن الكوميديا, وهي من
الرعيل الأول لهذا الفن ولا يأتي قبلها سوى الجيل الأول الذي يضم نجيب
الريحاني وعلي الكسار وهي لم تكن مجرد كوميديانه عادية لقد كانت أول امرأة
تكسر احتكار نجومية الرجل في عالم الكوميديا وان كانت هناك من سبقتها في
الأداء الكوميدي من الفنانات فإن أي منهن لم تصل لنجومية ماري منيب وهذا ما
جعلها في مقدمة خمس ممثلات تم اختيارهن كأفضل ممثلات للكوميديا في القرن
العشرين وتم اختيارها أيضا ضمن أحسن عشرة نجوم للكوميديا من الرجال والنساء
معا في المائة عام الأخيرة وقبل ذلك وبعده هي صاحبة الجماهيرية العريضة بين
الجمهور العربي كله على مختلف الأجيال ومر العصور .. وإذا كنا هنا بصدد
الحديث عن مشوارها الفني وسيرتها الفنية فأننا لابد وأن نعرج أولا إلى
الدخول والمرور سريعا على نشأتها وبدايتها الفنية لما لهذه البداية والنشأة
من التصاق وتأثير
على حياتها الخاصة التي نحن بصدد الحديث عنها , ولدت ماري
سليم حبيب نصر وهذا هو اسمها كاملا لأسرة مسيحية أب سوري وأم لبنانية وكان
محل ميلادها في احدي ضواحي دمشق وتاريخ الميلاد يشير إلى يوم 11فبراير1905
وحتى كتابة هذه السطور هناك آراء مختلفة حول الأصل الحقيقي لعائلتها فهناك
من يؤكد أنها سورية الأب نسبة إلى محل الميلاد وهناك من يؤكد على أنها
لبنانية «أصلا وفعلا» كما صرحت هي في احدي حواراتها الإعلامية في ستينيات
القرن الماضي , وكان والدها «الخواجة سليم» كما كانوا يلقبونه في الشام من
كبار التجار لكن تجارته تعرضت لكساد كبير وخسارة هائلة مما جعله يأتي إلى
مصر بحثا عن تعويض خسارته من خلال التجارة والمضاربة في بورصة القطن.. ولما
طال غيابه في مصر لحقت به أسرته المكونة من زوجته وابنتيه «أليس وماري»
ليبحثا عنه ولما طال البحث دون جدوى لم يكن أمامهما مفر سوى الإقامة في حي
الفجالة بالقاهرة وتدبير أحوالها المادية الصعبة خصوصا بعد نفاذ ما معهم من
نقود قليلة حصلوا عليها من الكنيسة الكاثوليكية بالقاهرة عندما ذهبا إليها
ليستعلما عن الأب الغائب فوجد أن رب الأسرة قد ترك لهم هذه النقود وانه عاد
إلى سوريا بعدما فشل في تجارته, وكان صعب أن تلحق به الأسرة مرة أخرى ففضلت
البقاء في مصر.
لم تستمر ماري في الدراسة بمدرسة «دليفرند» بالفجالة طويلا
وجست مع أمها بالمنزل لتساعدها في مهنة الحياكة التي تعول الأسرة, وعندما
أصبحت الموارد المالية من هذه المهنة لا تفي بمتطلبات الحياة جاء للأسرة
الخواجة جبران ناعوم وكان يزورهم مع أسرته مع بعض الأسر الشامية المقيمة
بمصر, كان جبران يعمل مديرا لفرقة نجيب الريحاني وممثلا بها وعرض على الأم
أن تعمل ابنتيها بالتمثيل رفضت الأم في البداية وعندما حضرت عرضا لفرقة
الريحاني وشاهدت انضباط الفرقة واحترامها وافقت.. لكن الريحاني هو الذي رفض
أن تعمل الفتاتين «اليس15عاما « و» ماري 13عاما» بفرقته وقال لجبران جملته
الشهيرة «إحنا ما بنشغلش عندنا نسانيس يا سى جبران.. دول لسه عيال»
على الفور أخذهما جبران إلى فرقة على الكسار الذي رحب بأن
تعمل لديه الفتاتين وكان أول دور تلعبه ماري منيب في حياتها على المسرح من
خلال مسرحية «القضية نمره 14» بعدها انتقلت ماري إلى فرقة «أمين عطاالله»
ولم تمكث في فرقة الكسار سوى شهور قليلة.
في فرقة «أمين عطالله» كان بدايتها الحقيقية كممثلة حيث
أثبتت موهبة فائقة ونجاحاً كبير خصوصا في ادوار بنت البلد الشعبية لكن في
هذه الفرقة وقع الحدث الأهم على مستوى حياتها الخاصة حيث تقابلت وتعرفت على
الممثل والمنولوجست فوزي منيب الذي كان أهم فناني الفرقة وخلال رحلة للفرقة
إلى الإسكندرية وبلاد الشام لتقدم عروضها كانت سهام الحب وكيوبيد المشاعر
قد تسلل إلى قلب فوزي منيب وإلى قلب الممثلة الصغيرة وبعد العودة من رحلة
الشام صارحها بحقيقة مشاعره وأنه يريد أن يتزوجها فوافقت وأصيب هو بالدهشة
فهو مسلم وهي مسيحية لكنها أكدت له أن اختلاف الديانة لن يمنع زواجهما
وبالفعل تزوجا وكان هذا عام 1919وكان عمرها وقتها 14 عاما
.
هنا لابد وأن نتوقف عند واقعتين هامتين في حياة ماري منيب
الواقعة الأولى أنها بعد زواجها مباشرة من فوزي منيب حملت اسمه وأصبح اسمها
الفني «ماري منيب» بدلا من اسمها الحقيقي الذي اشرنا إليه من قبل «ماري
سليم حبيب نصر» وظلت محتفظة بهذا الاسم الفني حتى وفاتها ولم تتنازل عنه
حتى بعد انفصالها عن زوجها وبعد أن أشهرت إسلامها واختارت لنفسها اسما
جديداً مختلفا أصبح هو اسمها في الأوراق الرسمية
..
أما الواقعة الثانية فهي قصة إشهار إسلامها ودخولها الإسلام
واختيارها لاسم جديد اختلفت الآراء حول توقيت إسلامها فهناك من قال إن ذلك
حدث مباشرة عقب زواجها من فوزي منيب وهذا الرأي ضعيف جداً لأن عمرها وقتها
كان 14 عاما وهو سن لا يسمح لها بتغيير ديانتها من ناحية الجرأة على اتخاذ
هذا القرار أما الرأي الثاني فهو يشير إلى أنها ظلت على ديانتها المسيحية
طوال مدة زواجها الأول ولم تشهر إسلامها إلا بعد زوجها الثاني من الحاج «عبدالسلام
فهمي» وأصحاب هذا الرأي يستندون إلى أن اسمها الإسلامي الذي اتخذته كاسما
رسميا لها هو «أمينة عبدالسلام» وأنها أخذت الاسم من زوجها وهذا الرأي أيضا
غير واقعي لان معنى ذلك أنها ظلت طيلة أكثر من 6 سنوات على ديانتها
المسيحية رغم زواجها من رجل مسلم أكدت له حين تزوجته انه لا توجد لديها
مشكلة في الزواج منه بسبب اختلاف الدين.
أما الرأي الثالث وهو الأكثر مصداقية والأقرب إلى الصواب
والذي يحظى بإجماع عدد من المؤرخين الفنيين فهو أن ماري منيب أسلمت بعد
زواجها من فوزي منيب بثلاث سنوات وقد أكدت هي بنفسها هذا الرأي في أكثر من
مقابلة إعلامية نشرت في عدد من المجلات المصرية في الستينيات حيث قالت:»
كنت أعيش أنا وزوجي في منزل أسرته واسمع قراءة القرآن وكان كل من حولي في
المنزل مسلما بل أن أمي نفسها كانت تقرأ القرآن وأسلمت وكان عمري 17 عاماً
وغيرت اسمي في الأوراق الرسمية إلى «أمينة عبدالسلام» وأخذت الاسم الثاني
عبدالسلام من زوج أختي الكبرى «أليس» وكان اسمه عبدالسلام فهمي الذي أصبح
زوجي فيما بعد طلاقي من فوزي منيب ولكني فضلت الاحتفاظ باسمي الفني الذي
عرفني الناس به «ماري منيب».
ونعود إلى حياتها مع زوجها فوزي منيب لنرى أن الأمور سارت
بينهما بشكل طبيعي وينعمان بالحب والسعادة ورزقهما الله بولدين هما «فؤاد»
ثم «بديع» الذي اسماه والده على اسم صديقه الكاتب المعروف بديع خيري لكن لم
تمضى الأمور هكذا بشكل دائم فقد بدأ الزوج يضيق بحياة الزوجية رغم زواجه عن
حب وبدأ الناس داخل الوسط الفني يتحدثون عن مغامراته النسائية خصوصا بعد أن
استقل بنفسه وكون فرقة مسرحية حملت اسمه قيل وقتها انه تزوج سرا من مطربة
مغمورة استقدمها إلى فرقته وعندما علمت ماري بالأمر طلبت منه أن ينهى
علاقته بهذه المطربة الشابة وأن يطردها من فرقته ففعل ذلك على الفور حتى
يرضى زوجته وأم ولديه بعدها عاد الزوج إلى مغامراته الذي بدأ الجميع
يتحدثون عنها وقد اثر ذلك بشدة على ماري منيب لدرجة انه قيل أنها أجهضت
بسبب غضبها الشديد من تصرفاته وكان حملها الثالث منه.. لكن حدثت الطامة
الكبرى عندما ضبطته يعانق مطربة شابة تعمل في فرقته داخل الكواليس.. وقتها
لم يكن هناك حل آخر أمام ماري منيب سوى أن تنفصل عن زوجها وان تنهى هذه
الزيجة لقناعتها أن زوجها لن يكف عن مغامراته النسائية بل أن هناك من أكد
انه تزوج عليها بالفعل وعند طلبها الطلاق كانت زوجته الجديدة لاتزال في
عصمته وألح عليها زوجها أن تعدل عن رأيها لكن ماري أصرت على موقفها ووقع
الطلاق بالفعل بين ماري منيب وزوجها فوزي منيب بعد 6سنوات من الزواج الذي
أثمر عن ابنيهما «فؤاد وبديع»..
بعد الطلاق قررت ماري أن تتفرغ لفنها وتربية أبنائها
وبالفعل تنقلت للعمل في أكثر من فرقة مسرحية منها فرقة فاطمة رشدي ورمسيس
لكن بعد فترة قليلة طلبها الحاج عبدالسلام فهمي زوج أختها الكبرى «أليس»
وكانت أليس قد توقفت عن التمثيل بعد أن أدركت أنها لا تملك الموهبة وتزوجت
من عبدالسلام فهمي الذي يعمل محاميا إضافة إلى عمله أيضا بالتجارة وأنجبت
له ابنين «ظافر وكوثر» لكنها توفيت سريعا اثر إصابتها بمرض صدري وكانت في
ريعان شبابها.
ورأى عبد السلام فهمي فى طلبه للزواج من ماري بأن ذلك
سيساعده في تربية أبناء شقيقتها الراحلة فوافقت ماري على الفور وتم الزواج
وعاشت مع زوجها في فيلتها في حدائق شبرا بالقاهرة تربى ابنيها فؤاد وبديع
وأبناء شقيقتها ظافر وكوثر واعتبرتهما مثل أبنائها تماما وكانت دائما تقول
, إنها أنجبت أربعة أبناء وليس اثنين فقط خصوصا أنها لم تنجب أبناء من
عبدالسلام وظلت زوجته حتى رحلت عن الدنيا يوم 21يناير1969 لتطوى صفحة هامة
للغاية بل من أهم الصفحات في حركة وتاريخ الفن المصري والعربي.
النهار الكويتية في
31/07/2013 |