لقاء الخميسي ممثلة متمكنة تجيد الرقص وتهوى الغناء الذي كان هدفها
الأول عندما اقتحمت الوسط الفني كعارضة إعلانات، تشارك هذا العام في
مسلسلين: «الركين» و{العقرب». حولهما كان اللقاء التالي.
·
أخبرينا عن «العقرب».
مسلسل اجتماعي تتخلله مشاهد حركة، أجسد فيه شخصية غرام، مطربة يقع
الجميع في حبها بمن فيهم العقرب (منذر رياحنه).
·
وعن الركين.
أجسد شخصية سميحة أخت سميح (أحمد وفيق)، تعيش في حارة شعبية وترتبط
بعلاقة قوية مع أهلها. رغم أنها لم تكمل تعليمها، إلا أنها تعمل بجهد
وإخلاص بحثاً عن لقمة العيش، وتواجه ظروفاً قاسية بسبب مطاردة جيكا (محمود
عبدالمغني) لها، وتتورط في قضايا وأزمات من دون أي ذنب اقترفته.
·
كيف تقيّمين دورك فيهما؟
أنا سعيدة بالوقوف في «العقرب» أمام منذر ريحانة الذي أعتبره أحد أهم
الممثلين العرب. أما دوري في «الركين» فجديد ولم أؤده سابقاً. باختصار،
يشكل المسلسلان إضافة بالنسبة إلي.
·
هل سيلحق «العقرب» بالعرض
الرمضاني؟
يجري التصوير على قدم وساق للحاق بالعرض الرمضاني، وهو ما تم الاتفاق
عليه مع فريق العمل، وقد بدأ المخرج تصوير مشاهد الحركة للانتهاء منها
سريعاً، ثم ينتقل إلى تصوير مشاهد أخرى تحتاج إلى وقت.
·
هل ستكتفين هذا العام بمسلسلين
أم ستشاركين في ثلاثة أعمال مثلما حدث العام الماضي؟
ما حدث العام الماضي كان مصادفة ويصعب تكرارها، فالأعمال الثلاثة التي
عرضت عليّ متميزة ومختلفة عن بعضها، لذا لم أستطع رفضها.
·
كيف تقيّمين هذه التجربة؟
التصوير في ثلاثة مسلسلات دفعة واحدة مرهق ويحتاج إلى تفرغ كامل.
·
لم تقدمي بطولة مطلقة لغاية
الآن، ما السبب؟
من السهل أن أتولى البطولة المطلقة في أعمالي، إلا أنني أفضل البطولات
الجماعية، بالإضافة إلى أنني أختار أعمالاً جيدة بغض النظر عن مساحة دوري
فيها، ثم لا أتعجل البطولة المطلقة بل أتركها تأتي وحدها، ولا أضعها في
حسابي من الأساس.
·
لماذا رفضتِ مسلسل «مزاج الخير»
مع الفنان مصطفى شعبان؟
لأسباب عدة أهمها أنه عرض عليَّ بعد تعاقدي على أكثر من عمل، ما يجعل
مشاركتي مع شعبان في مسلسله ضرباً من الخيال نظراً إلى ضيق الوقت.
·
ما تعليقك على ما يتردّد من أنك
رفضت المسلسل لمشاهد الرقص الموجودة فيه؟
لا أساس له من الصحة. لا أعرف من أطلقه هذه الأقاويل ولا من يطاردني
بتلك الإشاعات السخيفة.
·
وأنك انفصلتِ عن زوجك؟
يندرج ذلك ضمن الأقاويل الكاذبة التي تلاحقني وأسرتي وتغضبني. حياتي
الشخصية خط أحمر، ومن حق الناس أن يعرفوا أخباري كفنانة فحسب.
·
ما سرّ ابتعادك عن السينما فترة
طويلة؟
أبحث عن عمل جيد وعندما أجده لن أتأخر في العودة إلى الشاشة الكبيرة
لأني أعشق السينما.
·
ما رأيك بالأحداث السياسية التي
تدور في مصر؟
حال البلد لا يسرّ عدواً أو حبيباً، ولم يعد الوضع مطمئناً رغم
سعادتنا بالثورة العظيمة التي قام بها الشباب الطاهر، لأن ثمة من يتعامل مع
مصر على أنها غنيمة، ويتسابق لاقتسامها ولا أحد يفكر في مصلحة البلد
الحقيقية ومصلحة شعبها.
·
ما أسوأ لحظات حياتك؟
عندما أشعر بعجزي أمام مشكلة ما أو أزمة معينة، فألجأ إلى الله سبحانه
تعالى وأدعوه ليعينني على تجاوز هذا الشعور وتحمّل الظروف الصعبة وأسترداد
قوتي.
قلة من المسلسلات ستُقدّم خلال موسم رمضان المقبل، برأيك هل سيضرّ ذلك
بالمشاهد أم سيفيده؟
لا شك في أنه سيفيد المشاهد لأنه سيركّز على المسلسلات المعروضة بدل
أن يحتار بين 65 مسلسلاً، مثلما كان يحدث في السنوات الماضية.
·
هل تفضلين أن تعرض أعمالك في شهر
رمضان؟
أتمنى استحداث مواسم جديدة لتعرض الدراما طوال العام فنخرج من حصرية
العرض في موسم رمضان.
·
لو خُيّرتِ بين الفن وعائلتك
فأيهما تختارين؟
أختار بيتي بالطبع، فدوري كزوجة وأم لا يمكن أن تؤديه امرأة غيري، لقب
الأم أفضل الألقاب في العالم وتربيتي لأبنائي أهمّ إنجازاتي مهما كنت
ممثلة ناجحة أو فنانة مشهورة.
·
شاركت هذا العام في اليوم
العالمي لمرضى التوحد «الأوتيزم»، ما الهدف من ذلك؟
تعريف الناس بهذا المرض الخطير ودعم المرضى نفسياً واجتماعياً،
لقناعتي بأن مشاركة الفنان في النشاطات الاجتماعية ضريبة واجبة النفاذ.
أعطتنا مصر الكثير وعلينا أن نرد لها الجميل.
·
متى سيحين وقت الاعتزال؟
عندما أشعر بأنني قدمت كل ما لديَّ من طاقة فنية وتمثيلية، وعندما أصل
إلى أعلى درجات الإحباط والاكتئاب، وأتيقّن من أنني لن أقدم جديداً...
عندها سأتخذ قرار اعتزالي من دون تردد أو ندم. أعشق الفن وأعتبره هدفي في
الحياة، ولن أعمل فيه لمجرد تحقيق الحضور فحسب.
الجريدة الكويتية في
26/05/2013
أندريه سكاف:
ليس لدي أي طموح الآن!
بديع منير صنيج
بدأ الفنان «أندريه سكاف» يشعر بأنه يعيش ضمن قرية كبيرة اسمها
«سورية» نتيجة محبة الناس له، وتعاملهم معه على أنه واحد من أقاربهم، ويرى
أن ذلك هو معادل للجهد الذي يبذله في بحثه ودراسته في طبيعة الأدوار ومزاجه
الجيد أثناء تأديتها، ورغم
أنه ما زال ميالاً للكوميديا فإنه يرى أن الحياة تراجيدية بامتياز.. عن
آراء الفنان «أندريه سكاف» في المسرح والتلفزيون وغيرها من الأمور كان
لقاؤنا الآتي:
·
هل تعتقد أن محبة الجمهور لك
ناتجة عن الأدوار الكوميدية التي عُرفت بها؟
الجمهور صريح وتعبيره فوري وثمة عفوية برأيه كونه ليس اختصاصاً، وقبول
الجمهور لي بهذه الطريقة له علاقة بالممثل ذاته، فأنا عندما أشارك بعمل ما
سواء كان تراجيدياً أو كوميديا فهم يتابعون ما وصلت إليه من خلال بحثي عن
تفاصيل الدور وسمات الشخصية التي أؤديها، وهذا البحث وهذه الدراسة لهما
نتيجة معينة، والجمهور هو من يتلقى هذه النتيجة، ولكل جهد لا بد من معادل،
ومعادل الجهد الذي أقوم به هو محبة الناس، وكلما كنت مجتهداً أكبر فإن هذا
الجهد سيصل إلى الناس وسيؤثر فيهم.
·
هناك بعض الأدوار التي تقع ضمن
خانة الأدوار الشريرة، والناس في الشارع يتفاعلون مع الفنان على أنه شرير
في الحياة الطبيعية، ألم تواجه مثل هذه النتيجة؟
لم أواجه مثل هذا الشيء، مع أنني جسدت بعض الأدوار لشخصيات مؤذية،
يكرهها المشاهد لمجرد متابعته لتلك الشخصيات.. من الصحيح أن الناس يحملون
الإحساس بأنني شرير كالشخصية التي جسدتها، لكن في اللحظة نفسها يتبدل عندهم
هذا الإحساس.. ويقول: أندريه ليس شريراً على العكس فأنا شخص لطيف، أي إن
النظرة التي امتلكها من تجسيدي للشخصية انعكست مباشرة من لحظة لقائه بي،
لأنه شاهدني أنا ولم يشاهد أندريه الممثل.
·
معروف عنك أنك ميال إلى
الكوميديا أكثر، في رأيك الحياة تراجيدية أم كوميدية؟
الحياة قولاً واحداً تراجيدية، ومن خلال التراجيديا ترى المواقف
الكوميدية، فكما يُقال شر البلية ما يضحك، فالحياة قاسية بشكل عام، وعلى
الناس جميعهم، فكل شخص له همه الخاص، وكلاهما تراجيديا، لكن بلحظة معينة من
الممكن أن تتغير المواقف عبر حدث معين، وتتحول إلى كوميديا.
هناك ناحية أساسية ومهمة ينبغي أن تتوافر لدى الممثل، وهي تصديق ما
يفعل بعفوية الإنسان العادي، ومن دون أي اصطناع، فلا يُعرِّض الأداء لأن
يصبح كاريكاتورياً ولا يضيقه ما يبرد الموقف، بمعنى أنه ينبغي تبني الشخصية
بشكل تام، بسماتها جميعها، وإيجاد الحلول لأدائها، بما يزيد من تقاطعها مع
الواقع، وهذا مهم جداً.
·
ضمن موضوع الأداء تركز دائماً
على أهمية المزاج إذ تقول «إن كان مزاج الممثل جيداً يكون أداؤه جيداً
والعكس صحيح»، كيف تنظر إلى الموضوع؟
المزاج الجيد يجعلك تحلق بالدور أو الشخصية التي تجسدها إلى المستوى
الذي يفكر به الكاتب، أو حتى أحياناً أبعد من ذلك، فهناك الكثير من
الممثلين يذهلون الكاتب بأدائهم فيجعلون الشخصية تبدو مقنعة أكثر من فكرة
الكاتب عنها، وهذا ناتج عن المزاج الحسن، أما إن كان المزاج سيئاً فليس من
الممكن أن يعمل بشكل صحيح ولا بأي شكل من الأشكال، فالمزاج هو الذي يعطي
البعد الثالث للشخصية.
·
ما تقييمك للدراما التلفزيونية
السورية؟
أنا أتابع المسلسلات السورية بعين المشاهد العادي، وأرى أنها متطورة
جداً، وفيها فهم رائع لمفهوم الدراما في أغلب الأعمال، وذلك من ناحية النص
والإخراج وبخاصة المخرجين الجدد ولاسيما أن الممثل خاضع بالنتيجة للمخرج،
فقد يكون الممثل نصف موهبة لكن المخرج قد يرفعه إلى شيء مهم، لأن مستوى
أداء الممثل يعود في كثير من الأحيان إلى المخرج بما يحقق وحدة الأسلوب بين
الشخصيات جميعها.
·
قلت مرة أنك «تعمل حسب الظروف
وتصلي دائماً على الحاضر، ولا تملك طموحاً فنياً» لماذا ذلك؟
لا أستطيع التفكير في أي طموح مادام الحاضر متشابكاً بهذا الشكل،
فالحاضر معقد جداً، كما لا يفسح لي المجال للتفكير بالمستقبل، فأنا بحاجة
إلى عشر سنوات حتى أحلّ تعقيدات الحاضر، لذلك، أتركها لحالها، وأعتقد أن
جزءاً من الموهبة التي منحني إياها الله هي القدرة على التعامل مع هذه
الظروف.
bsnaij@yahoo.com
رجـاء مخلـوف:
هكذا صرتُ منقبة أثرية عن تاريخ الأزياء في الدراما..
سامر محمد إسماعيل
تحيل مصممة الأزياء السورية ذاكرتها البصرية كمصممة أزياء إلى شجرة
الخرنوب التي عاشت تحتها أيام طفولتها الأولى، فمن هناك تفتحت مدارك الصبية
القادمة من بحر اللاذقية على ضراوة اللون وقدرته الأخاذة على تنسيق مقاطع
الحياة كأزياء تجعلها الطبيعة الأم أثواباً لأشجارها، فهاهي
تسترجع تلك الأيام التي كانت تختلس فيها النظر لجدتها «حسناء» عندما كانت
هي الأخرى لا تقل شأناً عن حفيدتها في تلمس ضوء الخرنوب والإصغاء
لسيمفونيته اللونية التي تبدأ بالأخضر ولا تنتهي عند البرتقالي المُصفرّ،
أو كما تحب رجاء أن تطلق على مزيجها اللوني هذا لقب «المُعصفر» اللون الذي
ستقتبسه لتصاميمها في آلاف الأزياء التي ستحققها في حياتها المهنية كأهم
مصممة في بلادها، وذلك عبر سنين من العمل والبحث المتواصلين، للخلاص إلى
الصعود بالزي العربي عموماً والسوري خصوصاً إلى مصاف اللوحة التشكيلية،
فبعد تخرجها في كلية الآداب، قسم الأدب الفرنسي بجامعة دمشق درست رجاء
مخلوف فن تصميم الأزياء في معهد إيسمود بدمشق على يد الفرنسية كارولين
زيبليني، حيث تلقت على مدى سنتين علوم هذا الفن الصعب والدقيق، مصغيةً
لحفيف الأقمشة وعذوبة تكويناتها.
البداية كانت مع هدم الصيغ المتداولة للثوب وتعشيقه في حياكة ماكرة
اكتنفت مزايا زمنية وجمالية، فلقد أدركت مخلوف أن بنية الثوب المقدم في
الأعمال الفنية هي في صلب الصورة ومن شروطها الأساسية في صياغة شخصية
الفيلم أو العمل الدرامي، ولذلك كان مشروعها التجريبي الأول أثناء دراستها
في معهد «إيسمود» على الأزياء الفرعونية، وكيفية إنتاج ملابس حديثة على
غراره، تستوحي منه، ولا تقلده، تحاكيه، وتستنبط من روحه عشرات الأثواب
المعاصرة، لكن عبر استخدام مزاياه من قبة الصدر وزنار الخصر مروراً بألوانه
الفيروزية والذهبية. مغامرة أولى دفعت بها إلى إعداد مشروع أولي لأزياء
فيلم «الترحال» لمخرجه ريمون بطرس، إذ كان على هذه الصبية أن تستعيد وصايا
أستاذتها في معهد التصميم، فالوحدة اللونية وتناغم الزيّ مع موضوع العمل
الفني كان هاجساً ملحاً لتحقيق النجاح، وبالفعل تمكنت مخلوف من صياغة
أطروحتها الأولى بنجاح لفيلم «الترحال» من خلال كتابة حكاية الفيلم عبر
أزيائه، والتي عملت فيها على إنجاز عدة طبقات وأطوال وأحجام متعددة عن بيئة
مدينة حماة، مقتفيةً ملامح الزي الحموي الشعبي، متوخيةً هندسة صحية لهذا
الزيّ من خلال دراسة البناء المعماري الخاص به، ما دفع المخرج ريمون بطرس
إلى إسناد مهمة تصميم أزياء فيلمه «الطحالب» لها: «كنت أبحث عن نفسي ووجدت
ضالتي أخيراً، فلقد بدأت ألتقط موجات سرية وهمسات خفية لتراث بعيد في
الزمن، كان عليّ أن أعلن عن نفسي في الطحالب، ولهذا بدأت رحلة بحثي عن
طبيعة الزي في مدينة حماة، ولهذا دلفت إلى بيوت المدينة، إلى خزائن نسائها
وغرفهن السرية، وكم فتحت صناديقهن القديمة، هكذا صرت منقبة أثرية عن تاريخ
الزيّ، أدوّن تاريخه قماشةً قماشة».
أزياء أكلت منها الشمس
هكذا نجحت مخلوف في امتحانها الأول، لتبزغ إلى الوسط الفني السوري،
ولتأخذ بعدها فرصةً لاتقل أهمية عندما طلب منها المخرج رياض شيا تصميم
أزياء فيلمه «اللجاة» المأخوذ عن رواية «معراج الموت» للأديب السوري ممدوح
عزام: «كانت تجربة مهمة بكل المقاييس فالفيلم طرح بيئة الجنوب السوري عبر
مصارحة بصرية عالية المستوى، ما تطلب مني جهداً أكبر للبدء مجدداً بالبحث
في صناديق جديدة، وتدوين سيرة أزياء سورية أعمل على استقائها من منابعها
الأصلية مع التركيز على البناء المعماري لبيوت السويداء، عن تلك البيوت ذات
الجدران السوداء الفاحمة وقلوب أهلها البيضاء التي أعطتني ملابسها العتيقة
كي أحقق منها أطروحتي عن المكان بكل رضا وحبور»..
مرةً أخرى تترجم هذه المرأة جهدها في تصميم أزياء «اللجاة» فقد عملت
في هذا الفيلم على أثواب أكلت منها الشمس ولوحتها، مقاربةً بين طبيعة الزيّ
الشعبي وبين الحجر الأسود، لتنال فرصتها التلفزيونية الأولى بعد نجاح لا
يرد في دنيا الفن السابع، فهاهو هيثم حقي يطلب منها الإشراف على تصميم
الأزياء النسائية لمسلسله «الثريا» جنباً إلى جنب مع المصمم المعروف أمين
السيد، وبالفعل خاضت هذه السورية الجميلة تجربتها بثقة، محققةً تصاميم
لعشرات الشخصيات النسائية في المسلسل الذي تطرق إلى فترة ما قبل الاستقلال
في بلادها، فنقلت روح ذلك العصر، ناقلةً أزياء فلاحي الريف الحلبي ومدينته
في بدايات القرن العشرين.
«خان الحرير» الجزء الثاني هو المسلسل الذي جمع هذه الرجاء مع كاميرا
هيثم حقي للمرة الثانية، وذلك بعد نجاح متصاعد لهذه الفنانة التي حققت
بدأبها وجديتها في العمل اسماً في عالم تصميم الأزياء سواء في السينما أو
التلفزيون، لتحقق نجاحاً إضافياً هذه المرة مع أزياء مدينة حلب إلى جانب
الزي الغجري، وذلك أيضاً كما العادة بعد رحلة بحث في مرحلة الاستقلال في
سورية، وطبيعة ملابس الرجال والنساء في مدينة حلب: «صحيح أنني أقوم دائماً
ببحثي الخاص عن الثوب وخصاله وميزاته في الفترة المتعلقة بتاريخ العمل
الفني، إلا أنني ألجأ في نهاية الأمر إلى ذائقتي الشخصية لتقديم هوية بصرية
للعمل ككل، فما يهمني آخر المطاف هو ذلك اللون الباهت لا اللون المملوء
بالضوء والزهو، اللون المعتّق القادر على أن يكون حياً في ذاكرة المشاهد،
ولهذا لا أخترع ألواناً لتصاميمي، بل أبحث دوماً عن اللون الخاص بكل ثوب
أنتجه الناس».
أزياء الفوارس
الأعمال التاريخية حققت لرجاء مخلوف ما لم تكن تحلم به في أعمالها
السابقة، ولهذا تصنف ،عملاً على غرار «الزير سالم»، المحطة الأهم في
حياتها: «وجدت نفسي في الأعمال التاريخية، كونها تتطلب البحث ليس في الفترة
الزمنية الخاصة بالمسلسل وحسب، بل في طبيعة اللون والقماش الخاصين بالثوب
الذي أعمل على تصميمه، أضف إلى هذا ذلك النقص الحاد في صور أزياء التاريخي،
لما ترضخ فيه مفهوم الصورة والتصوير من تحريم في التجسيد والتصوير، ولذلك
كان عليّ أن أكتفي بالوصف المدوّن في كتب التراث والتاريخ لأزياء مرحلة
معينة، لأكمل تصوري الخاص عن طبيعة الأزياء في مسلسل «الزير سالم»، والذي
سبق مرحلة فجر الإسلام بسنوات».
مشروع هذه الفنانة كان يتقدم بسرعة، محققاً صيتاً استثنائياً لفنانة
استطاعت ترجمة حساسية مختلفة على مستوى تصميم الأزياء وتقديمها لها أمام
الكاميرا: «المصادر التي أستند إليها في تصاميمي شحيحة وغير كافية، ومجملها
يعتمد على الوصف، لكنني أعترف أنني أشتق الكثير من موضوعاتي من الشعر
الجاهلي، هذا الشعر الذي يكشف في أبياته عن روح المرحلة التي كُتب بها
لاسيما أشعار امرئ القيس، أتذكر هنا معلقتهُ التي يصف بها كثرة ملابس
محبوبته في الهودج في وصال لا نهائي من وصف ثياب محبوبة الشاعر، وملمس
أقمشتها». هكذا لا تخفي هذه المرأة ولعها بعملها، فهي تتكلم مع الزيّ،
وتحزن كثيراً عندما لا تجد ذلك المنفّذ الجيد لخياطة ما رسمته على ماكيت
التصميم: «عندما لا ينجح الخياطون في نقل ما رسمته أحزن كثيراً، لكنني لا
أيأس، بل لطالما أعدت تصميم عدة أزياء لعدم قناعتي بها، أو لخطأ تنفيذي
فيها، حتى صرت أتحدث مع الزيّ، أحاوره، أجربه على جسدي قبل أن أجربه على
جسم الممثل الذي سيقوم بارتدائه، فعلاقتي مع الممثل تأتي عندما أرتاح
لتصاميمي التي سألبسه إياها، لكنني في الوقت ذاته لا أطلب من هذا الممثل أو
تلك الممثلة أن تلبس الزي على طريقتي، بل بالطريقة التي تناسبه أو تناسبها،
أطلب منه أو منها أن يرتدي الزي كما لو أنهم يرتدون ملابسهم التي يرتدونها
في حياتهم الواقعية، فلا أريد للزي أن يضايق أو يحد من حركة الممثل، على
العكس، أريد قبل كل شيء أن يتناغم مع زيه جسدياً ونفسياً، وإلا أعد أن هناك
خطباً ما، وعليّ البحث فيه حتى أتمكن من إصلاحه».
تصف المصممة السورية عملها في «الزير سالم» بأنه كان عملاً عابقاً
بروح طفولية خلاقة، وضعها على رأس قائمة الأسماء التي اكتسبت ثقة مضاعفة
لطلبها بقوة للعمل في عشرات المسلسلات التاريخية الكبرى، فمن تجربتها مع
المخرج محمد عزيزية في كل من مسلسلات «الفوارس» و«الظاهر بيبرس» و«صدق
وعده» إلى تجربتها مرةً أخرى مع حاتم علي في كل من «أبواب الغيم» و«أحلام
كبيرة» و«الغفران» مروراً بتصميم أزياء مسلسل «فنجان الدم» عن نص عدنان
عودة وإخراج الليث حجو، حققت مخلوف حضوراً في أعمال «المودرن» كما في
الأعمال الدينية والبدوية، مفتشةً مرةً أخرى عن وثائقها في بطون الكتب
وتصاويرها النادرة، إلا أنها تتوقف عند أزيائها التي صممتها لأكثر من عمل
حققته مع المخرج باسل الخطيب، بدءاً من مسلسله «هوى بحري» مروراً بمسلسل
«عائد إلى حيفا» وانتهاء بفيلمه الأخير الذي حمل عنوان «مريم» حيث كانت
التجربة مع الخطيب مهمة للغاية عندما عملت في مسلسل «هوى بحري» جنباً إلى
جنب مع الفنان نعمان جود، محققةً نجاحاً إضافياً في صياغة أزياء مدينة
متوسطية، متكئة على ألوان السماء والبحر والرمل، وعبر شاعرية خالصة نفذتها
في ملابس وأزياء شخصيات هذا العمل معتمدةً على الأبيض والأزرق في تكوينات
تصاميمها، متحاشيةً طغيان اللون على الكادر التلفزيوني الذي قدمه هنا
المخرج الخطيب بشروط سينمائية بحت.
فولار نزار قباني
تجربة ستعيدها مرةً أخرى مع الخطيب في مسلسل «نزار قباني» العمل الذي
راهنت فيه على نقل أزياء فترة الأربعينيات والخمسينيات في سورية وصولاً إلى
بداية التسعينيات: «التحدي كان بالنسبة لي في مسلسل نزار قباني هو فكرتنا
عن تلك المرحلة التي شاهدنا عنها أفلاماً بالأبيض والأسود، حيث لم أكن أطمح
إلى تلوين الذاكرة الجماعية للمشاهدين، بل طمحت إلى الإبقاء على ثنائية
الأبيض والأسود في الأزياء رغم تلوينهما، ما تطلب مني جهداً إضافياً للبحث
في صور وأفلام السينما الخاصة بأربعينيات وخمسينيات دمشق، لكن ما أسرني هو
حصولي على فولار للراحل نزار قباني من شقيقته السيدة الكريمة هيفا قباني،
حيث قمتُ باستعماله وتعشيقه مع أزياء الشخصية التي قام بأدائها كل من
الفنانين سلوم حداد وتيم حسن...كنتُ أحرص على ذلك الفولار وكأنه عصفور أو
ملاك، فاقتنيت له صندوقاً خاصاً، حتى أنهينا تصوير المسلسل وقمت بإعادته
لهيفا».
نالت هذه الفنانة الاستثنائية عدة جوائز عن تصاميمها، كان أبرزها
جائزة أدونيا 2005 أفضل أزياء عن مسلسل «الظاهر بيبرس» والذي نجحت فيه على
إعداد مئات الأزياء المملوكية التي اعتمدت فيها على تعشيق المخمل مع الجلد
والمعدن، معولةً على غزارة النقوش في هذه التصاميم التي اعتمدت فيها على
كتاب «تاريخ الأزياء المملوكية» وعلى بحثها الشخصي في مستودعات الألبسة
التاريخية، منتجةً آلاف الأزياء لفرسان وجنود وخدم وملوك وسلاطين تلك
الحقبة، مكرّسةً نمطاً جديداً من بناء الزي وحياكته استناداً إلى معارفها
وقراءاتها الغزيرة، لتتحقق رائعةً أخرى من روائعها مع حاتم علي في مسلسل
«الملك فاروق» عن نص الدكتورة لميس جابر، حيث أدهشت هذه الفنانة فناني مصر
ونجومها بدقة تصاميمها وجماليتها الرائعة، مبرزةً أقمشة الساتان والمخمل
بألوان عاجية فخمة عكست روح المحروسة في تلك الفترة.
أعمالاً كثيرة صممت لها مخلوف أزياء لا تنسى، لكنها تتوقف مجدداً عند
عمل عزيز على قلبها: كانت مغامرة من نوع خاص في مسلسل (دليلة والزيبق)
لمخرجه سمير حسين وكاتبه هوزان عكو، فهذا العمل تطلب أكثر مني تصميم قرابة
أربعة آلاف زيّ على امتداد ستين حلقة، والسبب في ذلك هو أن حكاية المسلسل
اعتمدت على مقالب الزيبق ودليلة ببعضهما، وما تتطلبه الحكايات هنا من أزياء
تنكرية لكل من الشخصيتين، وهنا أعترف أن هذا العمل استنزفني كمصممة لا تريد
أن تكرر نفسها، لكنه كان ممتعاً من حيث المساحة التي وفرها لي للعب على
الزي، وتنفيذه عشرات المرات بعيداً عن التنميط والكليشهات التاريخية
المزعومة، فأزياء (دليلة والزيبق) كانت هي ذاتها أزياء مدينة بغداد العصر
العباسي، والذي أُطلق عليه عصر «الشُطار والعيارين».
تبتسم رجاء لما أنجزته من تصاميم وصلت قرابة العشرة آلاف زي، ثم تقول:
«عندما أمشي في شوارع الشام أشعر أنني في مسلسل شخصياته هم المارة، وللحظة
أريد أن أتدخل وأضبط ياقة هذا وأرفو شال تلك، لكني كل مرة أعود فيها إلى
البيت أكون مسحورةً من هذا العالم».!
samerismael@yahoo.com
تشرين السورية في
26/05/2013
الدراما المصرية: بورصة الأجور لم تتأثر بضعف الإنتاج
ميدل ايست أونلاين/ القاهرة - خاص
أجور الفنانين الفلكية تثير سخطا في الشارع المصري، ومراقبون يتهمونهم
بـ'المتاجرة' بالأزمة الاقتصادية في البلاد.
يبدو أن أجور الفنانين المصريين لم تتأثر كثيرا بالأزمة الاقتصادية
التي تعيشها البلاد هذه الأيام، رغم الحديث عن لجوء البعض إلى تخفيض أجورهم
الفلكية إلى مستوى يعتقدون أنه مقبول ولا يسيء لمكانتهم الفنية.
وتشير بعض وسائل الإعلام المصرية إلى أن تخفيض عدد الأعمال الدرامية
هذا العام لم يؤثر على أجور النجوم التي ما زالت مرتفعة، حيث تقاضى الفنان
عادل إمام 13 مليون جنيه (حوالي مليوني دولار) عن دوره في مسلسل "العراف"،
فيما حصل نور الشريف على 11 مليون جنيه عن مسلسل "خلف الله"، وحصلت يسرا
على 9 ملايين جنيه عن مسلسل "نكدب لو قلنا ما بنحبش" وليلى علوي على 7
ملايين جنيه عن "فرح ليلى"، والقائمة تطول.
ويتهم بعض المراقبين نجوم الفن باستغلال الأزمة التي تشهدها الدراما
المصرية بهدف فرض شروط مجحفة على شركات الإنتاج تبدأ بطلب أجر مرتفع ولا
تنتهي بتفصيل العمل الفني على مقاس النجم، فيما ينفي الفنانون هذه التهمة
ويذكر بعضهم بتخليه عن جزء كبير من أجره لدعم حركة الإنتاج الفني المتعثرة
في البلاد.
وكان قطاع الانتاج التابع لاتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري قام في
وقت سابق بوضع لائحة جديدة تنظم عملية الاجور ويحصل من خلالها الفنان النجم
على اجر قيمته 750 ألف جنيه فقط لقيامه ببطولة مسلسل مدته 30 حلقة، حسبما
ذكرت صحيفة "المصريون".
لكن يبدو أن الشروط الجديدة لم ترق للطرفين (الفنانون وشركات الإنتاج)
في وقت يكافح فيه المنتجون لتسويق أعمالهم في العالم العربي، فيما يؤكد
النجوم أن من حقهم تحديد الأجر الذي يحفظ مكانتهم داخل وخارج مصر بوصفهم
"سفراء" لبلادهم في الخارج.
وتثير الأجور الفلكية للفنانين سخطا كبيرا في الشارع المصري الذي
يعاني الفقر والبطالة في ظل الفوضى والاضطرابات المستمرة منذ سقوط نظام
مبارك قبل عامين، وهذا الأمر دعا البعض إلى مقاطعة أعمال بعض الفنانين
لأنهم "يتاجرون بالأزمة في بلادهم".
وتتحسر صحيفة "القبس" الكويتية على الواقع المتردي الذي أصاب الدراما
المصرية، مشيرة إلى أن الإنتاج انخفض إلى النصف.
وترد ذلك إلى "عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وخوف شركات الانتاج
من المجازفة، وخوف اصحاب القنوات الفضائية من التعاقد مع اي مسلسل، وقلة
التمويلات المباشرة من الاعلانات والرعاة، وتعاقد شركات الانتاج مع نجوم
كبار بميزانيات ضخمة جدا".
ويبدو البعض متفائلا باجتياز الدراما المصرية لوضعها "المؤقت" معولا
على تاريخها العريق الذي يمتد لعقود طويلة، في وقت بدأ فيه صناع الدراما
بالاعتماد على الوجوه الشابة التي تمثل حلا جيدا في ظل الأزمة الاقتصادية
التي تعصف بالبلاد.
الرقابة في الكويت: خنق للدراما أم ارتقاء بمستواها الفني؟
ميدل ايست أونلاين/ الكويت - خاص
تأخر الرقابة في إقرار النصوص يقلص عدد الأعمال الدرامية ويؤخر إنتاج بعضها
ويدفع الفنانين للبحث عن فرص عمل في الخارج.
تشكل الرقابة أحد العوامل المعيقة لتطور الحركة الفنية في الكويت، في
وقت يشكو فيه تشكو فيه أغلب شركات الإنتاج الدرامي خاصة من تأخر الرقابة في
الموافقة على أعمالها، الأمر الذي يدفع بعض لتأجيل أعمالها أو إلغاء عقودها
مع بعض الفنانين.
وقرر عدد من الفنانين الكويتيين هذا العام انهاء ارتباطاتهم الفنية
كليا أو الاكتفاء بعمل واحد بعد تأخر الرقابة في إجازة بعض النصوص
الدرامية، ما تأخر في تصوير الأعمال.
ويؤكد الفنان جاسم النبهان أنه اضطر للاكتفاء بمسلسل "محال" هذا العام
بسبب تأخر الرقابة في إجازة النص، مشيرا إلى أن الجهة المنتجة انتظرت لأشهر
موافقة الرقابة في الكويت، قبل أن تقرر تصوير العمل في دبي.
ويشير لصحيفة "القبس" إلى أنه لم يرغب بتكرار تجربة مسلسل "ساهر
الليل" الذي "كان يصور في رمضان وتسلَّم الحلقات يوما بيوم مما يؤثر سلبا
في جودة العمل".
واضطرت الرقابة عددا من صناع الدراما في الكويت إلى البحث عن فرصة عمل
أخرى في الخارج، فيما فضل البعض الرضوخ للرقابة وتعديل نصوصه وفق شروطها
المجحفة.
وتؤكد الفنانة هدى حسين وجود "هجرة إنتاجيّة" إلى خارج الكويت، في ظلّ
عدم وضوح الرؤية بخصوص آليّة عمل الرقابة فيها، وتحذر من الأثر السلبي لهذا
الخطوة على نوعية الإنتاج الدرامي في البلاد.
وتضيف لمجلة "سيدتي": "أتعاطف معهم، عندما يلجأ بعض الزملاء إليهم
لإجازة نصّ خلال أسبوع أو اثنين، ولكن لا أفهم لماذا التأخير في إجازة نصوص
أخرى سُلّمت قبل موعد التصوير بفترة كافية، إلى جانب وجود تدخّلات في بعض
الأمور الفنيّة".
لكن بالمقابل، يرى البعض أن الرقابة ساهمت كثيرا في الحد من ظهور
أعمال "تشوه صورة الكويت"، مستشهدا بتراجع الأعمال الدرامية المنتجة في
الآونة الأخيرة.
ويرى الفنان إبراهيم الصلال أن عدم مراقبة النصوص بشكل جيد خلال
السنوات الماضية أدى إلى "تشويه صورة الدراما، بل تشويه صورة المجتمع".
ويضيف "لا يمكن أن يكون هذا الكم من المخدرات والفساد (موجود) في
الكويت ولا يمكن أن تكون المرأة الكويتية بالصورة التي تقدمها الدراما، فقد
انتشرت النصوص التافهة بشكل كبير وعندما أردنا الإصلاح نقص عدد الأعمال".
فيما ينادي بعض الفنانين بـ"رقابة عادلة" تحترم عقول المشاهدين ولا
تسيء للفنانين، وتساهم في تقديم أعمال تليق بالتاريخ الفني للكويت.
ويدعو الفنان سعد الفرج أجهزة الرقابة للارتقاء بمستوى الأعمال
الكويتية من خلال إجازة نصوص جيدة للمسرح والتلفزيون والإذاعة.
لكنه يطالب في الوقت نفسه برفع مستوى العاملين في هذه الأجهزة التي
تسيء أحيانا للتاريخ الكبير لبعض الفنانين الحريصين (أكثر من الرقابة
نفسها) على تقديم أعمال بسوية عالية تحترم ذوق المشاهد وترتقي بصورة
البلاد.
ميدل إيست أنلاين في
27/05/2013
حضور السيرة الذاتية والبحث عن المدينة الفاضلة
عبد الأمير خليل مراد
تعالج رواية (القنافذ في يوم ساخن) للروائي فلاح رحيم موضوعات عدة ،
منها ما يختص بهموم الإنسان في العراق ، ومنها ما هو كوني وشمولي يعاني منه
أي إنسان في العالم ، حيث تمنح هذه الرواية قارئها مساحة واسعة في استغوار
هواجس المنفيين وعذاباتهم ، بحثا عن ملاذات يتلمسون فيها تطلعاتهم
وإنسانيتهم ، كما تتناول قضايا الإرهاب والطائفية والجنس والدين والسياسة
والصراع بين الهويات.
تتلخص الرواية في أن بطلها سليم كاظم الذي أصبح فيما بعد أستاذا
جامعيا ، عاش حروب النظام الدامية ، جنديا - مغلوبا على أمره- في ديزفول
ومهران ومدن أخرى خارج البلاد , عاش ، وهو المثقف الذي يرى في نفسه مثقفا
عضويا ، مستلب الإرادة بسبب القهر السياسي الذي يطال كل باحث عن الحرية ،
حيث يلجأ الى مغادرة الوطن بسبب انتمائه الى الحزب الشيوعي وعدم قدرته على
مداجاة السلطة الحاكمة وآلتها في قمع اليسار أو تدجينه ، إذ يحيا خائفا ..
مترقبا ، ومنفيا يتنقل من منفى الى آخر ، وفي هذه المنافي تتجسد تفاصيل
الرواية وتلتئم خيوطها ما بين بغداد وليبيا وعمان ومسقط وصور.
يدلنا الكاتب في مفتتح الرواية على مدلول القنافذ بمعاينة حياتها
وسلوكها ، حيث يمضي الى تفسير استعماله لهذا العنوان من خلال بعض الإحالات
الرمزية من كتب التراث كـ (لسان العرب) لابن منظور و(ملاحق ومخلوقات) لآرثر
شوبنهور و (كتاب الوطواط). ومما ورد من إشارات حول هذا الكائن الغريب لدى
الكتاب الأوربيين ، ككاتبة الأطفال بياتريس بوتر وجاك دريدا. إن هذه
الإحالات ذات دلالات إيمائية ملغزة، تشير الى ما هو مألوف عند القنافذ من
طبائع وسلوكيات يمكن أن تتماثل في غرائبيتها مع طبائع الإنسان.
فالقنفذ كما يقول كتاب الوطواط يجعل في جحره بابين ، احدهما من جهة
الجنوب والآخر من الشمال، فإذا هبّت الريح الجنوب سد باب جهتها وفتح باب
جهة الشمال ، وهو لا يظهر إلا في الليل ، لذلك يشبّه بالنمام والماحل ،
وذكر اللسان القبّع: القنفذ لأنه يخنس رأسه ، وقيل لأنه يقبع رأسه بين
شوكه أي يخبئه ، وقيل: لأنه يقبع رأسه أي يرده الى داخل. أما جاك دريد فإنه
يصف القنفذ بقوله: يتكور في كرة شائكة واخزة ، مكشوفا للخطر وخطيرًا ،
متحسبًّا للطوارئ وعاجزًا عن التكيف معها (فهو إذ يخنس متواريا في كرة وهو
يحدس خطرا ، إنما يريد من احتمال تعرضه لحادث على الطريق). وان هذه
التعريفات مداخل تحريضية ومقترحات أولية تحفز القارئ على استكناه ما في
الرواية من ترابطات بين الإنسان السوي ، والإنسان القنفذ. ولعل لجوء السارد
الى هذه الصيغة متأتٍ من
انحيازه إلى الوضوح أو التحسب من غموض ثيمة العنونة ، تلك
الثيمة التي يعتقد الروائي فلاح رحيم بالتباسها على القارئ ، مما اضطره إلى
ربط استقبال الرواية بتوظيف الموروث الثقافي في توصيل هواجسه وتساؤلاته
وبسط قضية المنفي سليم كاظم في سيرورة أحداث الرواية.
ترصد الرواية مصائر المنفيين وأحوالهم ، حيث تتغير في رؤيتها ملاحقة
المنفي سليم كاظم وتحولاته المفاجئة بين بغداد وليبيا وصور، وكذلك المنفي
الآخر- الذي أدركته ذات المحنة - صديقه شهاب (كامل شياع)، وهو من أدمن حياة
المنافي منذ السبعينات ، شهاب أتقن أكثر من لغة وهو يتشبث بالبقاء في تلك
المدن القصيّة هاربا من الأجواء المشحونة بالقسوة والخوف ، ولاسيما أن
شهاب كان مكلفا بمهمات تنظيمية في الحزب الشيوعي ، مما دفعه هذا التكليف
إلى الاحتفاظ بعلاقته الحميمة مع خليته التي أدركها التبعثر والتشتت في
أكثر من مكان ، بعد أن خسر الحزب مشروعية استمراره في جبهة مفترضة مع
البعث حتى انتهى أعضاؤه إلى التواري عن الأنظار والانسحاب من شرك التجربة
الجبهوية والاستسلام لكوابيس المنافي وقسوة القطيعة ، يذكّر سليم صديقه
شهاب في إحدى رسائله بتلك التجربة المريرة قائلا: (كنت تصف نفسك بالملتزم
الديمقراطي. حين جمع بيننا حبيب محمود عام 1975 قال: انه يجدنا وجهين
لعملة واحدة ولابد أن نتعارف. كلانا يلتهم الورق أكثر من الماء والطعام ،
وكلانا مولع بتلك اللحظة المتوهجة التي يغادر بها الفكر كهوف الانطواء
وينتمي الى صخب التجربة الإنسانية والتاريخية المدهش ، إن المثقف المستقل
عن التنظيم السياسي يبقى هامشيا لأن الوجود داخل تنظيم معين لا يعني
المشاركة في نشاطاته فقط، ولكنه يعني معرفة من نوع خاص لا يوفرها إلا الفعل
السياسي) (ص56). إن هذه التبادلية الاسترجاعية بين سليم وشهاب هي تبادلية
لاستذكار رعب الماضي من خلال الرسائل ، والتذكير بما آلت إليه هذه
التنظيمات اليسارية تحت عباءة الجبهة ، وكيف كان مصيرها في مهرجان الحماقة
والاستبداد ؟. إن الالتفاف على تلك الجبهة كان فخا مفبركا ، وكان في حقيقته
صناعة بعثية أجهزت على الشعرة الأخيرة بين المتناقضين. ولعل هذه الرسائل في
منظور الرواية قد شكلت معطى تأمليا بين المتراسلين لمراجعة المواقف ،
والعودة إلى الذات ، وخصوصا تلك الرسائل المغرقة بالتوجس والتي يتلقاها
سليم -عبر البريد الالكتروني- من صديقه المنفي شهاب (كامل شياع)، وهي تنطوي
على رزمة من المحظورات ... مصاعب العودة وزئبقية الآتي بعد أن أصبح الوطن
مفخخا من كل جانب ، ومزرعة للمقت والطائفية والاحتلال ، وكأننا في مواجهة
أجراس الخيبة التي تضع المرء على حافة التلاشي و الانهيار.
(بعد هذا الانغمار المكثف في وقائع الموت وأخباره ، يسألني بعضهم
أحيانا ، ألا تخاف من الموت؟ فأجيب، أنا الوافد أخيرا الى دوامة العنف
المستشري ، اعلم أنني قد أكون هدفا لقَتَلَة لا اعرفهم ، ولا أظنهم يبغون
مني ثأرا شخصيا ، واعلم أنني أخشى بغريزتي الإنسانية لحظة الموت حين تأتي
بالطريقة الشنيعة التي تأتي بها) (ص338).
كما اجتهد الكاتب في تقديم سيرته الذاتية بحساسية عالية وإيقاع مرهف ،
وإنْ كانت هذه السيرة مقطوعة عن الماضي وأحلام الطفولة ، فالسارد لم يفصح
عن نشأته وطفولته المبكرة ، بل ارتأى أن يقدم لنا شخصية محورية امتدت
حيواتها من البلوغ واكتسابه مرحلة الوعي ، وتجاوزه المراحل الأولى لحياته.
كانت سيرة مسكونة بالهموم والآلام والفواجع ، حيث عاش بطل الرواية سنوات
صعبة وعسيرة بين خنادق القتال وفي حروب لا يعي مِن أسبابها أي شيء ، حروب
عابثة ومجنونة ، لكنه أفْلَتَ من أنيابها سهوًا ، وتوفرت له الفرصة لإكمال
دراسته وحصوله على الشهادة العليا ، إلا انه لم يجد المكان المناسب حينها
كي يؤدي وظيفته كإنسان واعٍ ومتعلم ، فلجأ الى الخروج القسري من الوطن ،
والبحث عن مدينته الفاضلة خارج جغرافيا خيانة الضمير.
المهم أنَّ السارد أراد اكتشاف ذاته وعنفوانها من خلال اكتشاف ذوات
الآخرين ، فثمة أنقياء ومعذبون ومحاصرون بأمانيهم قد لاذوا بأوجاعهم مما
ينتظرهم من نهايات فاجعة ، فاجترحوا مصيرهم بين الاستسلام للغياب الأبدي أو
الخلاص من جبروت الحاكم بالرفض وعدم الارتهان لإرادته العمياء.
ومما لاشك فيه أن سيرة الكاتب الذاتية كانت واحدة من مهيمنات السرد
الارتدادي في الرواية ، أي الرجوع الى الذاكرة المحشوّة بالأحداث
والتفاصيل اليومية بطريقة القطع أو الفلاش باك ، حيث نلاحظ مفردات تلك
السيرة متشظية بين فصولها ، وكثيرا ما تستيقظ اشتعالاتها الراسبة في لا
وعيه من خلال التفجع ورثاء خسارات الغربة.
كما تتجلى صورة المرأة في الرواية بحضورها الإنساني والثقافي
والاجتماعي ، وإنْ اتخذ هذا الحضور مسارات مختلفة ، حيث نجد امرأة المثال
وامرأة الخطيئة في مَتْنها ، وهي شخصيات رئيسة لها ملامحها وفضاءاتها التي
تتلاءم مع الصورة المتوارثة عن المرأة ، فهناك الأم التي تترقب أخبار ولدها
سليم وتتمنى عليه التفاعل مع عراقيي الغربة ، والأخت أنعام وهي تكشف له
-عبر الهاتف- عن حقيقة الأوضاع في مدينته البيّاع ، وكيف تعرض الحي الى
العنف الطائفي والتهجير. وهناك في المسار الآخر نرى أريكا وبتول وساندرا ،اريكا
، تلك المتمنعة المغرورة بجمالها ، غير أنَّ حياتها انطفأت تحت تأثير
الخمرة ، بينما كان سليم يمني نفسه بالتقرب من العراقية بتول ... وان بتول
هذه هي عنده امرأة المثال التي اختصر جمالها وبراءتها بعراقيتها وغموض
شخصيتها ، لكونها تمثل له حاضرًا مُغيّبا ... حاضرًا افتقده في كل النساء
اللواتي التقاهن في الجامعة.
ويمكن أن تكون ساندرا تلك المرأة المتخشبة جسديا - والتي كانت متحفا
لأسرار بطل الرواية - صورة من صور الخطيئة المرتجلة والرغبة الجامحة ، وهي
تسوّق ما فسد من (بضاعتها) المتخمة بداء اللذة والخديعة ، بضاعة (الحضارة)
المتخمة بالوضاعة عبر التلامس غير المشروع ، سواء كان تلامسا جنسيا أم
تلامسا حضاريا.
المدى العراقية في
28/05/2013 |