خاص بـ«سينماتك»

 

هُمُ الكلاب" نحث بالصورة على الزمن

بقلم: أشرف عبدالمالك/ خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 

لطالما كانت السينما مرآة المجتمعات، واللسان الذي يعبر عن قضاياهم وينقل انشغالاتهم من الحيز المحلي نحو الحيز العالمي، ذلك هو الحال بالنسبة للسينما المغربية التي عملت على محاكاة الواقع اليومي المجتمعي وتوثيق قضاياه ومشاكله لتكون جزءً من ذاكرته.

يعد فيلم "همُ الكلاب" من بين أهم الأعمال السينمائية المغربية التي تكشف الواقع، وتكشف عن الحقائق المجتمعية والظواهر المتأصلة وكذلك الداخلية على المجتمع المغربي. حيث يحاول هذا الفيلم –الحاصل على العديد من الجوائز العالمية- التعبير عن القضايا الاجتماعية التي عرفها المغرب، وذلك عبر مفهومين أساسيين وظفهما المخرج وهما الصورة والزمن.

إن الصورة الفيلمية فضاء تعبيري سمعي-بصري مركب تتقاطع فيه كل مستويات العملية السينمائية: النص ــ الصوت ــ الحركة ــ الديكور ــ المونتاج… إلخ، حيث تدفعنا إلى تفسير الحياة (الكون والطبيعة) بالفكر والتأويل، والإنسان يقف قبالة الصورة مقيما علاقة بصرية معها، ليتفاعل مع رموزها ومادتها، وما توحي به من خير وحق وجمال، وما يعتري نفسه من قلق وصراعات وآمال، كما أنها ظلال للواقع، أي أنها ليست الحقيقة الأنطولوجية بعينها بل هي تشكيل فني لوهم بخصوص الحقيقة بأبعادها الثلاثية: المكان ــ الحدث- والزمن.

أما الصورة الزمن فتشكل بُعدًا فلسفيا، علميا، معرفيا، عرفانيا، لم ينفك عن البحث والتحقيق منذ نشأ التفكير؛ ذلك أنَّ التفكير نفسه يندرج داخل الزمن، حتى وإن كان تفكيرا في الزمن نفسه. وبالتالي كانت الصورة الزمن مِن أكثر المواضيع إثارة ودلالة وتوظيفا خاصة في الحقل السينمائي.

وبالعودة إلى الفيلم نجده يتناول قصة مواطن مغربي تعرض للاعتقال على إثر ما يعرف في المغرب، بانتفاضة (الكوميرا) لعام 1981، وسيفرج عنه بعد 30 سنة، وسيتزامن خروجه من السجن مع أحداث الربيع العربي وحركة 20 فبراير المغربية. وبهذا نبين حضور الزمن في الفيلم، كيف تم التعبير عنه عبر الصورة؟

يُفتتح الفيلم بمشهد الشعارات النضالية، بأصوات تعبر عن طموحها وسعيها من أجل التغيير، هذا المشهد الذي يعتبر بمثابة جرأة لتفعيل وتأكيد حرية التعبير. ويقابل بطل الفيلم-الممثل حسن بديدة- هناك طاقما صحفيا، يعمل لصالح قناة تلفزيونية، للبحث عن الأخبار المثيرة أثناء تغطيته للمظاهرات بمدينة الدار البيضاء، فيقرر تتبع رحلة هذا الشخص بالبحث في ماضيه المليء بالأحداث والتفاصيل.

إن هذا الفيلم يعتبر مساهمة رئيسية في النقلة النوعية التي شدتها السينما المغربية، بالانتقال من الكم إلى الكيف، لأن ما يثار فيه هو نوع من النقد الذكي لوسائل الاتصال الحديثة والتي لا يمكن الحديث عن ثورات الربيع العربي دون التطرق إليها. باعتبارها الناقل والباث الحي لها.

ومنه نجد أن المخرج قد عقد مقارنة بين انتفاضة (الكوميرا) لعام 1981 وثورة الربيع العربي، وذلك من أجل التأكيد على التحولات التي مست المجتمعات المعاصرة.

ويرى حسب قوله -المخرج هشام العسري-أن انتفاضة 1981 بالمغرب، لم يكتب لها الاستمرارية نظرا لغياب المواكبة الإعلامية التي كان يمكن أن تحد من أشكال القمع الذي تعرضت له، خاصة أن الإعلام يلعب دورا أساسيا في فضح وتعرية الأنظمة القمعية في الداخل والخارج، كما يساهم في رواج المعلومة وهو الشيء الذي تحقق في زمن الربيع العربي.

بعد الافتتاحية، اشتد بصري للمشهد الذي يصرح فيه 404 -الذي أبان فيه الممثل حسن بديدة على علو كعبه- بأنه خرج فقط ليشتري لابنه عجلة، خاصة وأنه يريدها له لكي لا يسقط من على دراجته، ولزوجته وردة، ثم ما الذي ترمز إليه الوردة غير الأمل والحب؟ إذن هل كان الخروج في 1981 يعني –في ذهن وفكر العسري- تعبير عن وعي سياسي يروم التقدم عنوانه حب الوطن والأمل؟ تقدم وأمل وحب سرقوا عام 1981 وأُطلق سراحهم في 2011، لن أقدم أجوبة هنا بقدر ما أطرح أسئلة شأني شأن متلقي الفيلم.

وللغوص في أحداث الفيلم، نجد أن المنتصف، أي وسط الفيلم طرح مجموعة من الرسائل السياسية، خاصة الإيحاءات المرتبطة بسنوات التعذيب كالمقطع الذي فضلت فيه الشخصية 404 النوم على الأرض بدل السرير، وأيضا حديثه عن كيفية الشرب بالمعتقل، ومشهد صراع المتشردين أمام المقر النقابي. ثم الرسائل الاجتماعية التي تبين انفصام شخصية الشخص المغربي وتعامله المزاجي واللحظي مع الأشياء مما يطرح تناقضه مع ذاته.

وعلى سبيل الختم، لا يمكننا القول سوى أن الفيلم أكد لنا الدور الريادي للسينما في التعبير عن قضايا المجتمعات ومشاكلها، وذلك بقوة السيناريو الخارجة عن المألوف أولا ثم ثانيا بجودة الشخصية المجسدة داخل المتن الفيلمي، ولا ننسى الحضور القوي لقوة الكاميرا، وهذا ما يجعنا نجزم بأننا أمام استيطيقا العلامات والمدلولات السينمائية المعبر عنها بطريقة بصرية متينة وواضحة.

 

سينماتك في ـ  08 سبتمبر 2024

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004