خلاف لجنة التحكيم
بدا واضحا في التصريحات التي تلت منح الجوائز، أن لجنة التحكيم
اعتراها الخلاف حول عدد من الجوائز وكانت النتائج التي أعلنتها
عبارة عن مجموعة من التنازلات خرجت في النهاية بنتيجة معينة لن
ترضي الجميع ولم تحقق من حولها الاجماع بخصوص فيلم ليس مصنوعا
لكل الناس بسبب انتمائه لسينما الرعب.
لكن المخرج سبايك لي الذي ترأس لجنة التحكيم أكد أنه وقع في
غرام هذا الشريط فعليا ولم يمنح الجائزة لمخرجته على أساس أنها
امرأة.
فيلم يستحق جائزة وليس السعفة
ربما تكون هذه المرة الأولى التي يكافئ فيها مهرجان كان
السينمائي شريطا يمزج بين سينما الرعب وبين الفانتازيا، أقله
فإن ذلك لم يحصل منذ 30 عاما هي تاريخ متابعتي للمهرجان. من
هنا المفاجأة، خصوصا وأن الفيلم في جزئه الأول عنيف جدا وتضطر
حياله أحيانا أن تحفي وجهك في انتظار مرور المشهد وقد دفع ذلك
عددا من مشاهدي الفيلم في عرضه الأول لمغادرة القاعة لإحساسهم
بالضيق وإغماء البعض.
الفيلم راديكالي قائم تماما في العالم المتخيل وهو ليس مصنوعا
ليفهم وإنما ليحس، وإذا ما تخطينا جوانب العنف والقتل والموت
التي هي خصائص عمومية في سينما "الغور" نجد أن الشريط يحتوي
على جوانب سينمائية رفيعة وتقنيات صنع عالية وحرفية للغاية
ومجددة أيضا. كما أن الأداء التمثيلي لكل من آغات روسيل
وفانسان لاندون يعتبر أكثر من رائع.
بطلة الفيلم هنا، طفلة في البداية، تخضع لعملية جراحية وتزرع
لها مادة التيتان في رأسها بعد حادث سير، تصبح بعدها عاشقة
لملامسة السيارات ويصور أحد المشاهد ممارستها الحب مع سيارة في
عوالم تقارب فيلم كراش لكرونينبيرغ. والبطلة قاتلة تمارس أفعال
قتل متسلسل بينما كنا اعتدنا في السينما وفي الحياة على أن
يكون مرتكب مثل هذه الأعمال رجالا.
وينجح الفيلم في خلق أجواء خاصة جدا وعوالم غريبة كل من فيها
يرقص كالمذبوح من الألم على وقع موسيقى فريدة كأنها هبطت على
الأرض من كوكب آخر. وللصورة عند جوليا ديكورنو بعدها المتعدد
ورمزيتها الموحية كأن تظهر البطلة شاحبة دائما مثل مصاص الدماء
وكأن تعفو هي عن الشخص الذي نجاها واعتزمت التخلص منه حين
تلاحظ أنه أكثر تحطما منها.
المخرجة أساسا ابنة لأبوين طبيبين، كانت تقرأ كتب الطب التي في
مكتبتهما وتشاهد سرا أفلام الرعب الشهيرة مثل "مجزرة بالمنشار"
الذي شاهدته قبل سن العاشرة وتأثرت به. كما تأثرت بقصص الكاتب
إدغار آلان بو.
فيلمها الذي حاز السعفة هو ثاني عمل لها وكان شريطها الأول قدم
في إطار تظاهرة "نظرة ما" عام 2016 وبقي لأشهر في الصالات
الفرنسية كما وزع في الولايات المتحدة. مع ذلك فهناك من رفضه
بشدة لمشاهد العنف التي يحتويها.
وتنشط جوليا ديكورنو من سنوات ضمن تجمع 50/50 الذي يروج
للمساواة بين الرجال والنساء والتنوع الجنسي وتنوع الأعراق في
السينما ووسائل الاتصال السمعي البصري وهي كانت أصغر المخرجين
سنا في مسابقة مهرجان كان هذا العام (37 سنة).
ومهما اختلفت الآراء في مدى استحقاقها للجائزة الارفع فهي كانت
صاحبة أفضل خطاب في المهرجان: "أعرف أن فيلمي حافل بالعيوب، بل
نقول بصدده أنه متوحش، فشكرا للجنة التحكيم التي اعترفت
بحاجتنا لعالم أكثر شمولية
وأكثر انسيابية، شكرا لأنكم سمحتم بوصول الوحوش للسعفة".
بقية الجوائز
منحت الجائزة الكبرى للإيراني أصغر فرهادي عن شريطه "قهرمان"
ولكنها منحت له مناصفة مع الفنلندي جوهو كوسمانين عن شريطه
"العنبر رقم ستة".
ويبدو أن إدارة المهرجان لم تكن متحضرة لهذا النوع من المفاجآت
على طريقة سبايك لي، فحضرت سعفة واحدة تقاسمها المخرجان وأعلن
عن أنه سيتم ارسال سعفة لكل منهما لاحقا.
المساواة بين الفيلمين دفعت المخرج الفنلندي للتصريح بأنه معجب
بفرهادي وشاهد له كل أفلامه وهو معلم بالنسبة له.
هذا التساوي بحد ذاته فيه اجحاف بحق الشريط الإيراني وان كان
الفيلم الآخر جيدا، لكنه لا يتميز الى درجة منحه هذه الجائزة.
الفيلم الإيراني ومثله الفيلم الياباني
“قيادة
سيارتي" للمخرج هاماغوشي الذي حاز جائزة السيناريو، كانا رشحا
بقوة من قبل النقاد الدوليين لنيل السعفة.
كذلك منحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة مناصفة وكذلك يبدو أن
المهرجان لم يكن مستعدا لذلك. ونالها الإسرائيلي ناداف لبيد عن
شريطه "ركبة عهد" والتايلاندي ابيشاتونغ ويراساتاكول في فيلم
تدور أحداثه في كولومبيا.
ومنحت جائزة الإخراج للفرنسي ليو كاراكس عن فيلم "آنيت" ذي
الإنتاج الأميركي والذي قدم في افتتاح المهرجان وهو عبارة عن
دراما موسيقية مع الرائعين آدم درايفر وماريون كوتيار.
في النهاية فإن جوائز التمثيل كانت الأكثر مصداقية ومنحت جائزة
أفضل أداء نسائي للممثلة النروجية ريناتي ريزنيف عن دورها في
شريط "جوليا في اثني عشر فصلا" لجواكيم ترير بينما نال
الأميركي كاليب لاندري جونز جائزة افضل أداء عن دوره في شريط
"نيترام" الأسترالي لجاستن كورزيل.