[1] أوغاد مجهولون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ظل الاحتلال النازي يقوم القائد هانز لاند
Hans Landa الملقب بـ
صياد اليهود بمطاردة اليهود في البلاد المحتلة (فرنسا). وفي
إحدى عملياته الدموية تنجح فتاة مراهقة (شوسانا
Shosanna) بالهروب منه أثناء
قضائه على عائلتها,ويتتبع العمل حياة الشابة اليهودية بعد
سنوات من فرارها,بالتوازي مع عمليات صيد النازيين التي تقوم
بها فرقة أمريكية تسمى الأوغاد
The Basterds.
وتتطور الأحداث ليحدث تزامن بين خطة لإغتيال القادة النازيين
أثناء تواجدهم في قاعة السينما من قبل الأوغاد,مع الخطة
الإنتقامية للفتاة اليهودية ومالكة المسرح الذي يعرض فيلم
سينمائي عن النازية.
يمكن القول أن هذا الفيلم هو درة أعمال كوينتين تارانتينو التي
تذيلت نهاياتها بنهايات مغايرة للسياق التاريخي الذي يبني عليه
المخرج أحداث أفلامه الثلاثة المذكورة في هذا المقال. حيث
تتجلى فيه المعالم المميزة للصيغة التارانتينية التي تميز بها
تارانتينو والتي تسمت باسمه,وأبرز عناصرها هو النهاية كما هو
موضح. النهاية التي لا يكفي لصنعها إعادة سرد التاريخ من وجهة
نظر تارانتينو,بل إن عملية السرد نفسها يجب أن تتم بطريقته
الغير تقليدية لتتلائم مع نهاية غير تقليدية ومسار سينمائي غير
تقليدي,وهو مسار فريد يمكن للمشاهد تتبعه والتعرف عليه بسهولة
في أعمال ذلك العظيم. أهم أدوات السرد التارانتينية أداتين؛
السرد الغير خطي,وتقسيم الفيلم إلى فصول. الأولى لم يكن لها
حضور كبير في هذا العمل أما الثانية فكان الفيلم على خمسة
أقسام,هم
1-حدث ذات مرة في فرنسا .. تحت الاحتلال النازي
2-أوغاد مجهولون
3-ليلة ألمانية في باريس
4-عملية كينو
5-انتقام الوجه الكبير
والفصل الأخير هو النقطة الأساسية في هذا المقال.
[1] توثيق التاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولى العناصر التي يستند إليها تارانتينو في نسج مادة تاريخية
يخلطها لاحقا بعناصره الخيالية هي الشخصيات,حيث تحتل الشخصيات
الحقيقية نصف مساحة العمل السينمائي نصا وعرضا تتعامل وتتفاعل
مع شخصيات خيالية من نسج خيال المؤلف وليس من نسج التاريخ.
1-أدولف هتلر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسس أدولف هتلر
Adolf Hitler الحزب النازي وحكم من خلاله ألمانيا
وسيطر على العالم الغربي آنذاك, والمتمثل في أوروبا التي غزا
وأحتل معظم بلادها,بشكل جزئي لبعض الدول وكلي لدول أخرى.
وبواسطة كل هذه الهيمنة,حيث كان هو الرجل الأقوى في العالم
والذي أشعل الحرب العالمية الثانية,استخدم نفوذه في البطش
بالعرق اليهودي,وإبادتهم واستعبادهم. وكان اليهود أمام هتلر
بلا حول ولا قوة,ولولا حصار روسيا وتدخل أمريكا وتحالف الحلفاء
ما كان ليسقط العملاق الألماني. ما فعله تارانتينو أنه جعل
سقوطه وموته على يد اليهود بالتعاون مع الأمريكيين.
المعروف أن هتلر انتحر لما شعر باليأس والخزى حين أدرك
هزيمته,ولم تحترق به قاعة السينما. إن تارانتينو حرق هتلر
مثلما حرق هو اليهود,وأصبح معدومي الحيلة قادرين على إغتيال
الزعيم الكبير.
2-جوزيف جوبلز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جوزيف جوبلز
Joseph Goebbels
عبقري الإعلام الذي تقلد منصب وزير الدعاية النازية,واحد من
أكبر السياسيين النازيين وأحد شركاء هتلر في تأسيس الدولة
النازية وأقربهم إلى هتلر وأكثرهم تفانيا للفوهرر وأكثرهم
عداوة لليهود.
3-هاينريش هيملر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاينريش هيملر
Heinrich Himmler
قائد القوات الخاصة الألمانية وفرقة
الجيستابو النازية,معروف أنه أقوى رجال هتلر وأكثرهم شراسة
ودموية,وهو يأتي في الفيلم متمثلا بصورة رمزية في القائد
النازي برتبة كولونيل هانز لاندا الذي يستعين به النازيون كلما
أرادوا التأكد تماما من عدم وجود يهود في أي بلد دخله
النازيين. وأثناء عرض قصة الفيلم يكون متمركزا في فرنسا التي
احتلتها ألمانيا من أجل القضاء على اليهود,وهي المهمة التي
تولاها وجرى عرضها في افتتاحية الفيلم الشهيرة.
4-ليني ريفنستال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبقرية السينما الألمانية التي أسست مع جوبلز السينما النازية
وصنعت تحت اشرافه أعظم أفلام هذه الحركة الفنية التي تمثل
معالم فترة تاريخية تعد من أهم أحداث العصر الحديث والتاريخ
عموما. ولم تظهر في ليني ريفنستال
Leni Riefenstahl
في الفيلم ولكن تم الإشارة إليها بواسطة العرض السينمائي الذي
كان يشاهده هتلر ورفيقه جوبلز.
5-مارلين ديتريش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معروف عنها أنها المرأة التي تحدت هتلر,وقد تمثلت شخصية مارلين
ديتريش
Marlene Dietrich
في شخصية بريدجيت فون هامر سمارك
Bridget von Hammersmark
التي تعاونت مع الفرقة الأمريكية ضد القوات النازية,وقد قتلت
بقسوة خنقا على يد الكولونيل هانز لاندا في نهاية الفيلم. لاحظ
تشابه الملامح الكبير بين المرأتان,وهو أمر تكرر مع تارانتينو
في اختياره مارجوت روبي لتؤدي دور شارون تيت في فيلم ذات مرة
في هوليوود.
الفترة التي يتناولها الفيلم هي فترة الأربعينات وتحديدا من
العام 1941 إلى العام 1944,أثناء الغزو النازي لفرنسا.
[2] تزييف التاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم هو عرض سينمائي آخر لمعاناة اليهود في عهد الحكم النازي
ولكن على طريقة تارانتينو حيث لا يجعل الروس هم منفذي العدالة
على هتلر بل يحقق انتقام اليهود على يد اليهود,تحديدا على يد
حسناء يهودية. ما لم يحدث عسكريا قام بتنفيذه تارانتينو
سينمائيا. إن المخرج قام بتحريف التاريخ من أجل التهويد
الإعلامي بحسب المصطلح الذي استخدمه الكاتب خالد أبو الخير(1).
أي استخدام الإعلام من أجل بث فكرة أن اليهود قادرين
ومقتدرين,وأنهم لا يتركون ثأرهم مهما طال الزمن,وتجلت هذه
الفكرة في مشهدين؛الأول هو حرق شوسانا اليهودية لدار
السينما,والثاني هو وسم الملازم ألدو رين
Aldo Raine
الأمريكي للكولونيل الألماني هانز لاندا. وهنا تتضح حقيقة
هامة,وهي أنه مثلما يمثل الإسلام العرب, فإن اليهودية تمثل
أمريكا (الفرقة المنقذة تتكون من جنود يهوديين أمرييكين).
ولذلك تحققت أقوى المشاهد الإنتقامية ضدد النازيين على أيدي
ماكرة يهودية ومقاتل أمريكي. مشهد حرق القادة النازيين مثلما
حرقوا اليهود,ومشهد ذبح الجنود الألمان وسلخ فرواة رؤوسهم
مثلما ذبحوا اليهود.
أمر آخر يتضح هو أن المخرج يساوي في القبح والشرّ بين قائد
النازية هتلر ووزير دعايته جوبلز وصياد اليهود هانز,حيث تم
اصطيادهم جميعا في حدث واحد,لولا أن الأخير تم تأخير أجله إلى
أجل غير بعيد. ذلك الأخير تم النيل منه على يد قائد فرقة
الأوغاد,حيث قام بوسم جبهته بشعار النازية الصليب المعكوف
باستخدام خنجره بعد أن سلخ فروة رأس الجندي الذي يرافقه. وبرغم
أن الأحداث انتهت بأن أعطى القادة الأمريكيون -الذي ينفذ ألدو
أوامرهم- الأمان لهانز مقابل المساعدة التي قدمها لهم. إلا أن
القائد الأمريكي يلقي بالأوامر في عرض الحائط حفاظا على كرامة
اليهود. وكما قال أبو الخير في مقاله المعنون (احذروا انتقام
اليهود):-
"الفيلم يقول ببساطة لنا "اقبلوا اليهود: باحتلالهم
لنا،بتنكيلهم بالفلسطينيين،وبطمسهم الهُوية العربية
والإسلامية،وإلا..!".
على صعيد آخر تحمل النهاية معنى مغاير وأكثر عمقا من فكرة
هيمنة اليهود الغير سطحية بالطبع,وهي تسليط الضوء على معاناة
اليهود المعنونة باسم محرقة اليهود,والتي تعد واحدة من أبشع
الإبادات الجماعية التي جرت في تاريخ البشرية,ربما من أفظع
سبعة مما قد نتناوله في مقال آخر. ولهذا أعطاهم المخرج القدير
(شرف) قتل هتلر بأنفسهم وهو ما لم يتحقق لهم في الواقع.
هذا المزج بين التاريخ والخيال تعد واحدة من التقنيات التي
أدخلها تارانتينو على سينما التاريخ البديل,فهو لا يستخدم
التقنيات التقليدية لهذه النوعية السينمائية,التي تعتمد أغلبها
على معرفة المشاهد بأن ما يشاهده خيال علمي وليس خيال تاريخي. |