يواجه سبايدرمان الجديد "بيترباركر"عددا من التحديات تكمن بقيام الشركة
العالمية الغامضة "اوسكورب" بارسال الأشرار الخارقين لمواجهته وتدمير
مدينته الحبيبة نيويورك...هكذا يمكن بهذين السطرين تلخيص فيلم "مارك ويب"
الجديد الذي ضيع الذهول المتوقع بالاطالة وبمجموعة من الأحداث المتزاحمة
التي أضعفت التركيز: يقوم العالم ريتشارد باركر بتسجيل فيلم فيديولتوضيح
سبب اختفائه الغامض، وبعدها يتم اغتياله وزوجته بواسطة قاتل شرس على متن
طائرة خاصة...هكذا يستهل الفيلم بهذه المشاهد المثيرة!
أما في الوقت الراهن فيواصل ابنه بيتر مكافحة الجريمة بشخصيته الخارقة"سبايدرمان"،ويتمكن
بالصدفة من انقاذ أحد موظفي اسكورب المخلصين واسمه "ماكس ديليون" وذلك
أثناء مطاردته للمجرم الروسي الشرير "اليكساي ساييش" الذي يسعى جاهدا بدوره
لسرقة اسطوانات البلوتونيوم المشع....كما يقوم لاحقا بمواعدة صديقته
الجميلة "جوين ستاسي" ابنة كابتن الشرطة المتنفذ جورج ستاسي، الذي يطلب منه
أن ينفصل عنها حفاظا على حياتها ومستقبلها الأكاديمي الواعد. كما يعود
"هاري اوسبورن" صديق طفولته لزيارة والده المريض المتهالك مدير شركة"اوسبورن"،
حيث يتعرض "ماكس" بالصدفة اثناء قيامه بالصيانة لصعقة كهربائية هائلة ،
يسقط بعدها ببركة خاصة تحوي كائنات كهربية معدلة (سمك الأنقليس المفترس)،
حيث تقوم بعضه مرارا قبل تحطم البركة مما وينجو باعجوبة متحولا لمسخ كهربي
مشع!
...وبينما تحاول جوين جاهدة للحصول على منحة جامعية متخصصة بجامعةاكسقورد
ببريطانيا، يسعى هو جاهدا اثناء تجواله معها بساحة التايم سكوير الشهيرة
بنيويورك لاقناعها بالعدول عن الدراسة ببريطانيا، يقوم ماكس المتحول بقطع
كامل الكهرباء عن المدينة بفعل طاقته الكهربائية المكتسبة الخارقة ، ويسعى
سبايدرمان لتهدئته بلا جدوى، وتقوم الشرطة باطلاق النار على ماكس مما يفقده
أعصابه ولكن سبايدرمان يفلح اخيرا بتهدئته...ثم تبدو مظاهر المرض الورائية
تظهر على الشاب هاري (مدير الشركة) ، ويتوقع من صديقه القديم سبايدرمان ان
يتبرع له بدمه لانقاذه ويرفض ان يقتنع بان ذلك مستحيل وقد يؤدي لنتائج
وخيمة! فيما تقوم ادارة شركة "اوسبورن كورب" بتنحيته بحجة اخفاءه لحقيقة
حادثة ماكس، ولكن مساعدته الجديدة المخلصة فيليسيا تدله على جهاز قد يساعده
على انقاذ حياته، ويتمكن أخيرا من عقد صفقة مع ماكس "الكهربائي" (المسمى"اليكترو")
للتمكن خلسة من دخول مبنى ادارة "الاوسبورن كورب"، كما يستخدم أجهزة صنعها
"نورمن" الشرير، وبدلا من شفائه يتحول ل"جني خفي-خارق"...ويطلع بيتر على
معلومات سرية يشرح فيها والده الراحل سبب تركه العمل بمؤسسة "نورمان
اوسبورن" وتتعلق بخطط سرية لصناعة أسلحة بيولوجية فتاكة ، ويتزامن ذلك مع
سماع بيتر لمكالمة مسجلة تعلن فيها جوين قبولها اخيرا لبعثة اكسفورد
البريطانية وتوجهها الفوري للمطار أبكر من المعتاد! ويفلح باللحاق بها
عاجلا والاعتراف بحبه الشديد لها، كما يتفقان على الذهاب سوية لبريطانيا
...ثم يعود "الكترو" فيتسبب بانقطاع جديد شامل للكهرباء ، وينجح بيتر
بالتعاون مع جوين بمواجهته واعادة التيار وقتله بواسطة شحنة كهربائية
خارقة! ولا تنتهي القصة هنا بل ينجح المتحول الشرير المدعوم بأجهزة "نورمن"
الفتاكة بالانتقام من سبايدرمان وخطف حبيبته "جوين"...فيتحارب مع
سبايدرمان بضراوة من على قمة برج الساعة الشهير الشاهق، ويتمكن سبايدرمان
اخيرا من التغلب على هاري ولكنه (وبمشهد مؤثر حزين وغيرمتوقع سينمائيا)
يفشل بانقاذ جوين التي تسقط مينة بفعل تصادمها العنيف مع التروس الميكانكية
المنهارة!
ويؤدي ذلك الحادث المأساوي المريع لتخلي سبايدرمان عن دوره المعتاد ولعزلته
الحزينة طوال خمسة أشهر يواظب خلالها على زيارة قبر حبيبته "جوين"...ثم
يشفى هاري من حالة التحول التي أصابته، وينجح زميله المجرم "جوستاف فايرز"
بالتنسيق معه من اخراج الشرير الروسي "سايتسيفيش" من حبسه الانفرادي، ومن
ثم تزويده ببدلة الكتروميكانيكية مدرعة خارقة ، مسميا نفسه "رينو" الخارق
حيث يتجول هائجا بشوارع نيويورك مدمرا كل من يعترض طريقه!
ويفلح تسجيل قديم للجميلة جوين الذي تتحدث فيه بتفاؤل وأمل عن المستقبل
(كلمة الخريجيين)، يفلح سماع هذا التسجيل باخراج بيتر وشحنه بالالهام
والحماس والعودة مرة ثانية لدوره الخارق كسبايدرمان لمواجهة رينو (الذي
يذكرنا بالرجل الحديدي)!
لم يتجاوز التقييم النقدي لهذا الشريط الصاخب السبعة من عشرة، وتم التنويه
بحسن اختيار الممثلين والمؤثرات الخاصة المبهرة والمذهلة (التي تكاد تكون
كرتونية ولا تصدق!)، وتم انتقاد تداخل الأحداث ومجانيتها أحيانا وكذلك بعض
الشخصيات مما ادى للاطالة وضعف الانسيابية والتركيز السردي!
الرجل العنكبوت بنسخته الجديدة مليئة بالاحداث والشخصيات، حيث ينغمس الفيلم
بتفاصيل كثيرة متداخلة مع عدة اشرار ولكن التواصل العاطفي القوي بين بطلي
الفيلم مكن المشاهد من استعادة التركيز أحيانا، كما ان التكرار والاطالة
(كحديث طويل "سخيف" مع امه بالتبني حول جدوى غسل ملايسه الداخلية!) تسبب
بالملل احيانا، ولكن التنوع "البصري-الصوتي" المذهل وكيمياء التمثيل اعاد
للمشاهد رونقها...ولكن المخرج عاد فأسترسل كثيرا بحبكات جانبية أفقدتنا
التركيز، وعوض ذلك بلقطات مدهشة وفريدة ومنها استعراضه الفذ لشخصية
الكهربائي التي لعبها "جيمي فوكس" بتميز لافت وجاذب وغير مسبوق! لست من نمط
النقاد اللذين يبالغون "بتشويه" هذه الأفلام الفانتاسية-الحركية (التي
تستند لمسلسلات مصورة) وذلك لاحتواءها على الكثير من المبالغات والمؤثرات
البصرية المذهلة والحركات والصراعات والبطولات "الزائفة"، فالأهم هنا هو
السياق الدرامي-المنطقي المقنع والمتعة البصرية الخالصة(الفنية)، كما اني
لست من أنصار "التبسيط الساذج" للسرد السينمائي باعتبار أهمية الفكرة
وتكامل السيناريو فالسينما كفن متكامل تستند اولا واخيرا "للصورة واللقطة
المشهدية" التي تحقق تكامل الانسياب السردي مع المتعة البصرية!
واجه المخرج بهذا الشريط الباذخ (بكلفة تقارب ال200 مليون دولار) صعوبة
الجمع بين البعد الانساني الواقعي البسيط والفانتازيا الخيالية المبهرة
والخلط بين قصة حب رومانسية حزينة واحداث خارقة واكشن ومطاردات لاهثة! كما
تتزاحم الشخصيات الشريرة وتتداخل المؤثرات البصرية المدهشة مع الكيمياء
الخاصة التي جمعت "جارفيلد وستون" (وتجاوزت كيمياء ماجواير ودونست بالجزء
الأول)، وتوافق ذلك مع أداء مدهش لكل من اندرو جارفيلد وجيمي فوكس ودان
داهان الذي ابدع بدوره كشرير جامح لا يقف شيء امامه، وبدا ربما هنا مماثلا
لدور الراحل "هيث ليدجر" بدوره "العبقري" كمهرج شيطاني بفيلم"الفارس
الداكن" للمخرج البريطاني المبدع كريستوفر نولان..
وأخيرا فالفيلم كما بمعظم أفلام الفانتازيا والأكشن والخيال العلمي
الأمريكية الحديثة يثير المخاوف الكارثية المزمنة من تعطل مركزي شامل
للطاقة الكهربائي (عصب الحياة العصرية بمدينة ضخمة كنيويورك)، ومن مخاوف
احتمالية سرقة البلوتونيوم ومن تصنيع الأسلحة البيولوجية الفتاكة، ثم أنه
يغمز بصراحة من قناة "الأشرار الروس" (العدو التقليدي القديم-الجديد)
اللذين يثيرون الآن في امريكا والغرب مخاوف كامنة كقوة عظمى ضارية (استفاقة
الدب الروسي) لا بد من مواجهتها يوما ما!
*كاتب وباحث وناقد سينمائي
Mmman98@hotmail.com |