مع كل دورة من دورات مهرجان كان السينمائي يتم اختيار فيلم ذا هوية مميزة للأفتتاح ، العام الماضي اختير الفيلم الهوليوودي الثلاثي الأبعاد (اعلى) وعادت هوليوود مجددا هذا العام مع انتاج ضخم تمثل في فيلم روبن هود للمخرج الأنجليزي ريدلي سكوت الذي يعرض في الصالات الأوربية بالتزامن مع عرضه في كان.

"روبن هود" في نسخته الجديدة يسجل نفسه في القائمة الطويلة من الأفلام التي قدمت هذه الشخصية منذ ظهور السينما ، تلك الشخصية التاريخية النمطية التي كل همها ان تقتطع من اموال الأغنياء لتعطي للفقراء ، شخصية امتزج وجودها بالمخيال الشعبي وكثرت حولها التأويلات والتفاسير والتساؤل حول حقيقة وجودها ام كونها خيالية في متن التراث الحكائي والشفاهي الأنجليزي مع القرن الثاني عشر الميلادي.

الصورة النمطية

لكن تلك الصورة النمطية لروبن هود الفارس الشهم الشجاع ، الذي سهامه  لاتخطئ في اصابة الهدف  دفاعا عن الفقراء ودفاعا عن الحق ، يأتينا في نسخة ريدلي سكوت المكرسة لمهرجان كان هذا العام هي شخصية اخرى ، تمزج المغامرة مع الأنغماس  بالسياسة ، بل ان روبن هود يخرج عن تلك الصورة المختزنة في العقول عنه في نوع من المعالجة المختلفة الجديدة التي اقدم عليها المخرج سكونت مع كاتب السيناريو (بريان هيلجلاند)، فهو أي روبن هود هذه المرة جندي مخلص لبلاط (صاحب الجلالة) ريتشارد قلب الأسد(11571199-)،(الممثل داني هوستن) صاحب الحروب الصليبية الشهيرة والصولات والجولات في فلسطين وحوالي بيت المقدس في حوالي القرن الثاني عشر ، وهو الذي جبل على خوض الحروب وجني الأنتصارات حتى خلد في العقل الجمعي الأنجليزي التقليدي على انه (بطل قومي ورمز تاريخي ) لما عرف عنه من بأس وشجاعة ورباطة جأش ، لكن روبن هود الجندي المغمور سرعان مايكون وجها لوجه مع قلب الأسد ويذكره انه وفي صولة واحدة اباد عشرات المئات من المسلمين ابان الحروب الصليبية فيأمر قلب الأسد باعتقاله ،لكنه يفرج عنه في اللحظات التي يلفظ قلب الأسد انفاسه ، بينما يكون شقيقه(  جون: الممثل اوسكار اسحاق ) غارقا  في اللهو مع عشيقته الفرنسية  ( ايزابيلا)   وهو يصرح بحلمه في وراثة شقيقه قلب الأسد وخلافته وبتشجيع من عشيقته الفرنسية وسخط امه وتقول الروايات ان قلب الأسد قد لفظ انفاسه الأخيرة وهو على مشارف قصر شالوس الفرنسي وان قلبه دفن في الروان ومخه دفن في انجلترا وعظامه صنع بها صولجان ودفن مع أملاكه..!!!

لكن المفارقة تقع عندما يتمكن روب هود من تعقب الفرنسيين الذين قتلوا بارون (ليكسلي) الذي كان في رحلة عبر الغابات لأبلاغ الأسرة الحاكمة بموت قلب الأسد وبموت هذا البارون الثري من رجالات البلاط يجد روبن هود نفسه امام مهمتين : الأولى هي الوصول الى الأسرة الحاكة لأبلاغها بموت الملك حاملا معه تاجه ومئزره وفي ذلك سلوك لايخلو من الأنتهازية التي لم يجن منها شيئا ، لاسيما وانه يعلن عن نفسه انه هو شخصيا دوق ليكسلي ، ليجد نفسه وقد اصبح ابنا لذلك الدوق الكبير(الممثل ماكس فون سيدو ) الذي يرعاه ويزوجه ارملة ابنه التي حمل اليها روبن هود خبر نعي زوجها وسلمها سيفه .

الرمز الوطني

من هنا تصبح لروبن هود ارضية يستند اليها في اطلاق نفسه بطلا ورمزا وطنيا همه انكلترا وحقوق مواطنيها من جهة والتصدي لأعدائها من جهة اخرى ، لكنه سيجد نفسه في وسط فوضى عارمة وظلم اجتماعي يفوق الوصف من خلال نزق الملك الجديد وانانيته وظلمه واستهتاره بحقوق مواطنيه ونهب ممتلكاتهم واذلالهم من خلال اطلاق يد صديقه الفرنسي (غودفروي: الممثل مارك سترونك) ليعيث هذا في الأرض فسادا ويسقط المقاطعات الأنجليزية واحدة بعد الأخرى ممعنا فيها تخريبا ونهبا ممهدا لغزو ملك فرنسا لأنجلترا التي تنتهي بواقعة حربية دموية شنيعه تعقب انزالا يشبه انزال النورمندي نفذه الفرنسيون لأحتلال انجلترا ليتصدى لهم روبن هود الشجاع ومن معه من البارونات واتباعهم  وليصدوا الفرنسيين ويلحقوا بهم هزيمة منكرة يتحول بعدها روبن هود بأمر من الملك الى خارج عن القانون وذلك في المشاهد الأخيرة من الفيلم ولينظم هو وحبيبته ارملة بارون ليكسلي الى بضعة عشرات من المشردين الذين يعيشون على الكفاف وينتزعون ما يمكنهم من الأغنياء ويقع ذلك بعد نهب ممتلكات تلك الأرملة وقتل ابيها وتشريدها .

معالجة سينمائية جديدة

مما لاشك فيه اننا امام معالجة تاريخية اخرى مختلفة تماما عن ماهو مألوف بصدد شخصية روبن هود كما ذكرنا ، لكننا وجدنا ان هذه المعالجة الدرامية الجديدة تنحت في التاريخ وتدور فيه صعودا ونزولا وتنتقي منه ماتريد ان تقدمه بصرف النظر عن مدى الأمانة التاريخية في نقل الوقائع ، وهي اشكالية لابد من المرور بها في مرحلة الأعداد والأقتباس وخاصة للقصص والوقائع التاريخية ، فمثلا سيغيب تماما صاحب شرطة نوتنغهام الخصم اللدود والتقلدي لروبن هود في متن الروايات التاريخية ذلك الذي يرسف الناس تحت ظلمه وهو الذي سينهب ممتلكات روبن هود ويصادرها في رواية اخرى في اثناء انشغال الأخير بالحروب الصليبية ضمن جحافل جيوش قلب الأسد الغازية ، يغيب هذا التخريج التاريخي والمعلومة المتداولة الى صراع شمولي يخوضه روبن هود لايتعلق هذه المرة برغيف خبز او طعاما يوفره لهذا الفقير او المشرد اوذاك بل يتعلق بأعادة النصاب للحياة الأجتماعية والسياسية واعادة التوازن لها ، وكذلك التعبير عن اعلى درجات الوطنية في مواجهة الدسائس الفرنسية ، وهو خلال ذلك يساند البارونات الذين يجأرون بالظلم الذي يلاقونه من الملك (جون) خلفا لشقيقه وخاصة في مسألة فرض الضرائب والأجتياح البربري العشوائي الذي يقوده الساعد الأيمن للملك (غودفروي) .

المخرج سكوت والممثل كراو

يعود المخرج الأنجليزي ريدلي سكوت مرة اخرى لأستدعاء نجمه المفضل الأسترالي من اصل نيوزيلندي رسل كراو في دور روبن هود والذي انضم بهذا الدور  إلى قائمة الممثلين الكبارالذين لعبوا شخصية "روبن هود" أمثال دوجلاس فيربانكس وإيرول فلين وشين كونري وكيفن كوستنر وسبق لكراو ان عمل مع المخرج ذاته  في الفيلم ذائع الصيت "المصارع" وحصل عنه على الأوسكار تشاركه الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في دور(ميد ماريان) ارملة بارون ليكسلي ، ومما لاشك فيه ان خبرة ريدلي سكوت و كراو في الأدوار التاريخية ملحوظة لاسيما واننا نلمس الأداء المكثف لكراو ، فهو قليل الكلام وخطبه القليلة ستسمع اذان الجميع مشردين ونبلاء وطبقة حاكمة وكأن لها مفعول السحر في النفوس فتدفع الآخرين للأنظمام اليه ومساندة ارائه ، كما انه يفعل اكثر مما يقول بسبب شخصيته الديناميكة التي قدمها الفيلم حيث بمستطاعه  ن يجوب انكلترا من اقصاها الى اقصاها في فروسية نادرة فضلا عن ركوب البحر لأنجاز المهمات التي تقع على عاتقه ، هكذا رسمت شخصية روبن هود في هذا الفيلم وهكذا جسدها كراو ، ومما يلفت النظر في المعالجة الأخراجية هو التنقل المستمر من مقاطعة انجليزية الى اخرى حتى تشعر وحتى انتصاف الفيلم تقريبا والذي طوله اكثر من ساعتين ، ان الفيلم يكاد يفقد بوصلته وهو يتنقل بهذه النظرة البانورامية متعقبا اثر اولئك الساسة او عسكر البلاط ، ولكن يبدو ان ريدلي سكوت اراد التخلص نهائيا من الطابع المسرحي للحوار ، اذ ان قصص القصور الأمبراطورية غالبا ماتنطوي على تلك السجالات والحوارات والأستعارات في الحوار بين الشخصيات والذي يقترب من الحوار في الدراما الشكسبيرية التقليدية ، وهو ماسعى المخرج للتخلص منه مع الحذر من الأغراق في مشاهد الحركة والعراك مع ان مشاهد العراك لوحدها وهي كثيرة بطبيعة الحال قد صنعت بمهارة وكانت بكل تأكيد تلك الصناعة المتقدمة لقيادة الجحافل المحاربة التي حفل بها الفيلم العظيم (ملك الخاتم) بأجزائه ، والذي اعطى درسا بليغا للمخرجين ولهذا لم يلجأ سكوت الا الى القليل من استخدام المؤثرات الصورية والخدع مفضلا الشكل الواقعي الأقرب الى المصداقية والحقيقة التاريخية مع انه اخذ مايريد من قصة روبن هود وقلبها على وجوهها ليخرج لنا بهذه النسخة  .

المشاهد الأروع في الفيلم والقبلة الوحيدة

على  ان من اروع مشاهد الفيلم في رأيي هي مشاهد انزال الفرنسيين قورابهم ومراكبهم وجحافلهم على الشواطئ الأنجليزية لأحتلالها وحيث تم صنع تلك المشاهد بمهارة عالية ليسحب تلك الجيوش الجرارة الى الصراع والأقتتال الدامي على الشواطئ نفسها في بناء جمالي ومونتاجي وظف فيه القطع السريع والحركة والتصوير البطيء لمنح تلك المشاهد تميزا وحرفية  خاصة.

 وتقع مشاهد المبارزة وتتقدم الخيول وتهطل النبال في مابين القوارب وامامها وعلى الشطآن وينتقم الكل من الكل في مشاهد ابادة وانتقام وحشي لاهوادة فيه ولا رحمة ،  ليختار سكوت تنفيذ مشهد القبلة الأولى بين روبن هود و فتاته وسط النبال وقرع السيوف والدروع وصراخ الجرحى وانقضاض المحاربين في مشهد هوليوودي طريف للغاية حتى ان روبن هود لم يتوقف عن تقبيل فتاته رغم ان الدم ينزف من جبهته ويكاد يغطي عينيه ، والا اين يمكن لهوليوود ان تصور قبلتها في غير هذا المكان الساحر الرومانسي وسط قعقعة السيوف والدماء !!!

ياتى عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان كان السينمائى قبيل يومين فقط من طرحه فى الاسواق العالمية. يشار الى ان الدورة الجديدة لمهرجان كان السينمائى يتنافس على سعفتها الذهبية 19 فيلما ويتراس لجنة التحكيم المخرج الامريكى تيم بيرتون.

مؤتمر صحافي لفريق الفيلم

عقد نجما الفيلم راسل كرو وكيت بلانشيت مؤتمرا صحفيا على هامش افتتاح الدورة الـ63 لمهرجان كان السينمائي الدولي، برفقة منتج الفيلم بريان هيلجلاند نظرا لأن سكوت، لم يتمكن من الحضور لأسباب صحية.

قال راسل كرو "لو كان روبن هود حيا الآن، فأعتقد أنه كان سيصفي حساباته مع وول ستريت والأزمة المالية والبنوك، أعتقد أنه لو كان موجودا لاهتم بالتصدي لاحتكار وسائل الإعلام".

وفي معرض حديثه عن رؤية الفيلم قال راسل كرو "قدمت العديد من النسخ لفيلم روبن هود في السينما لكني أعتقد أنه ليست هناك نسخة كافية من ناحية إعادة الجانب الإنساني لهذه الشخصية" موضحا "ما كنا نريده قبل كل شيء هو الكشف عن الشخصية الحقيقية لروبن هود، إن ما يجب فعله هو دغدغة فضول الناس فهناك ما يكفي من الحقائق التاريخية في هذا الفيلم لكي يعير الناس اهتماما لتلك الحقبة التاريخية".

وعن أدائه للدور، قال كراو "روبن هود شخص بسيط جدا، مشغول بمعاناة الجنس البشري. لطالما كان هذا الفكر موجودا، لطالما أردنا خلق عالم أفضل"، مؤكدا "لقد أردنا ان نبين في هذا الفيلم بطلا مقاوما، يتمرد على الملك جون، الحقبة الزمنية نفسها والاسم نفسه لكننا ابتكرنا الباقي.كنت أحب في طفولتي كل أفلام روبن هود، الأفلام والمسلسلات، إن روبن هود بالنسبة لي يمثل جزءا من طفولتي".

بدورها ردت كيت بلانشيت على سؤال حول دور ماريان في الأفلام والمسلسلات السابقة عن روبن هود بقولها "لا أتذكر هذه الأدوار، إن ماريان ذات جمال أخاذ و لكني كنت أتمنى أن ألعب دور البطولة في معالجة سينمائية لروبن هود".

ماورد ولتفاصيل اخرى يمكن قراءة نص الحوار كما نقلته وكالة انباء اسبانبا

http://www.forexpros.ae/news/-44745

روبن هود في تاريخ السينما

قدمت السينما عبر تاريخها العديد من الأفلام التي حملت "روبن هود" عنوانا لها او انها اجتذبت كتاب السيناريو والمخرجين طيلة اكثر من مئة عام لأستلهام تلك القصة التاريخية او اعادة معالجتها او انجاز افلام تحاكيها وفيما يلي عرض لأهمها:

1.    مغامرات روبن هود – اخراج مايكل كورتيز -1938

2.    روبن هود – اخراج جورجيو فيروني – 1971

3.    عصابة غابة شيروود- اخراج : حورج شيرمان -1946

4.    تحدي روبن هود – اخراج : سي ام بيننجتون – 1967

5.    من اجل روبن هود – اخراج ايريك هافنر – 2003

6.    ايام روبن هود (صامت)  – اخراج : مارتن ثورتن - 1913

7.    روبن هود(صامت) – اخراج : هيربرت برينون- 1913

8.    ايفانهوي – اخراج : ريتشارد ثروب – 1952

9.    معجزة روبن هود - اخراج : روبرتو منتيرو - 1970

10.                      رجال غابات شيروود – اخراج : فال جيست – 1954

11.                      امير اللصوص – اخراج : هوارد بريثريتون – 1948

12.                      امير اللصوص – اخراج : بيتر هيويت – 2001

13.                      حكايات روبن هود –اخراج : ريتشارد كاناتر – 1969

14.                      عودة روبن هود – اخراج :بيتر سيبورن – 1991

والقائمة تطول ....................

ممثلون ادوا دور روبن هود :

·        دوجلاس فير بانكس :1922

·        ايرول فلين : 1938

·        برايان بدفورد: 1973

·        شون كونري: 1976

·        جون كليس: 1981

·        مايكل بريد: 1984

·        كيفن كوستنر : 1991

·        باتريك بيرجن :1991

·        كاري ايلويس :1993

·        فنسنت كاسيل :2001

ينشر بالتعاون مع ورشة سينما

www.cineworkinst.eu

سينماتك في 27 مايو 2010