استطاعت
المخرجة ديبا مهتا إحراز سمعة طيبة في الوسط السينمائي العالمي بوصفها
مخرجة مبدعة وشجاعة، تطرح عبر أفلامها قضايا إنسانية كونية عن الهوية
والتقاليد ووضع المرأة في مجتمع يسعى إلى سلبها ذاتها وهويتها وصوتها..
تقول مهتا:
" أغلب أفلامي تنبعث من هذا السؤال: أين يتوقف الصوت الخاص للفرد وتبدأ
التعاليم والأعراف البالية. إنه التعارض بين صوت الفرد وصوت التقاليد...
أنا لا أتعمّد الشروع في الكتابة حاملة هذه الأفكار في ذهني سلفاً، بقدر ما
تتجلى دوما في أفلامي".
ولدت ديبا
مهتا في العام 1950، في مدينة أمريتسار الواقعة على الحدود الهندية –
الباكستانية. والدها كان موزع أفلام ويمتلك عددا من صالات السينما، هذا
أتاح لها مشاهدة المئات من الأفلام.. "أبي كان موزع أفلام، لذا فقد نشأت
وترعرعت مع أفلام كانت تخرج من أذنيّ وعينيّ".
في
طفولتها كانت مغرمة بالأفلام لكن ليس بممارستها وصنعها.. "الشيء الأساسي في
صغري كان فترة ما بعد المدرسة، حيث أهرع إلى صالة السينما لأشاهد نهاية
فيلم ما، أو بداية فيلم آخر، أو منتصفه. هكذا كبرت مع الأفلام. لكن بعد
ذلك، نسيتها لفترة من الزمن كرّستها لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة".
درست
الفلسفة في جامعة نيو دلهي. بعد التخرج.. "التقيت بشخص قال لي نحن نبحث عن
من يعمل معنا في الورشة السينمائية بدوام جزئي، فهل يثير هذا اهتمامك فيما
تحاولين اكتشاف ما الذي ترغبين في فعله بحياتك؟ قلت: بالطبع موافقة، لم
لا؟.. هكذا بدأت العمل في السينما".
عملت مهتا
مع شركة إنتاج كانت تنفذ أعمالا تعليمية ووثائقية لصالح الحكومة الهندية.
حققت أول أفلامها الوثائقية عن زواج القاصرات. حينذاك التقت بسينمائي كندي
كان يعد بحوثا في نيو دلهي. تزوجا وانتقلا إلى تورنتو بكندا في العام 1973،
حيث أسسا شركة إنتاج قدمت عددا من الأفلام التسجيلية والتلفزيونية.
في كندا،
عملت ديبا مهتا في مجال السيناريو والمونتاج والإنتاج وإخراج أعمال وثائقية
تلفزيونية، ثم تحولت إلى الأعمال الدرامية التلفزيونية. ومن التلفزيون إلى
السينما بفيلم درامي طويل بعنوان "أنا و سام" (1991).. ثم قدمت
Camilla
(1994)..
عن فيلمها
"النار"، تقول مهتا: "حتى لو كان الفيلم خاصا جدا في زمنه ومكانه وموقعه،
إلا أنني أردت من محتواه العاطفي أن يكون كونيا. الصراع بين التقاليد
والتعبير الفردي هو ذلك الصراع الذي يحدث في كل ثقافة. فيلمي يعالج هذا
الموضوع بوجه خاص في بيئة المجتمع الهندي. ما جذبني هو أن للقصة رنين يتخطى
التخوم الجغرافية والثقافية".
عن فيلم
"الأرض"، تقول مهتا: " الفيلم السينمائي وسط قوي جدا، ورجائي هو أن ينتج
فيلمي هذا حوارا يجبر الناس على التفكير بعمق أكثر بشأن الثمن الذي يدفعه
البشر من جراء مثل هذه الانقسامات... لقد أردت أن أروي هذه القصة الضخمة من
وجهة نظر مجموعة صغيرة، حميمة، من الأصدقاء الذين ينتمون إلى جماعات عرقية
مختلفة، واستقصي عملية التقسيم من خلالهم".
عن فيلمها
"بوليوود/هوليوود" (2002)، الذي وظفت فيه عناصر من كلا النوعين كخلفية
لفيلم عن حيوات عائلات هندية تعيش في تورنتو، تقول مهتا: "هذا ليس فيلما
قائما على المنطق والعقلانية. إنه فيلم عن الشعور بالغبطة والاطمئنان، عن
الغناء والرقص. إذا كنت مرنا ومنفتحا، فإنك تقوم بفتح نافذة على ثقافة
أخرى، وتنظر كيف يعيش أكثر من مليار فرد في العالم".
بعد هذا
الفيلم، حققت "جمهورية الحب" (2003) المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتبة
كارول شيلدز.
من أحاديث
ديبا مهتا، ننقل:
* إذا
كانت ثيمة "النار" هي التصادم بين التقاليد ورغبة الفرد في امتلاك صوت خاص
ومستقل، ففي "المياه" هو التصادم بين الإيمان الأعمى والضمير الإنساني. كل
أفلامي تتعامل مع الرغبة في التفكير المستقل، واستكشاف نتائج هذه الرغبة.
* الماء
يستمر في التدفق والجريان، لكن الماء الراكد يسبب مشاكل. العديد من الناس
في الفيلم، الذي تدور أحداثه في أواخر الثلاثينيات، يعيشون حياة قاسية
وصارمة، حسب ما يفرضه نص ديني عمره أكثر من 2000 سنة. حتى يومنا، الناس
يتبعون ويطبقون مثل هذه النصوص، التي بسببها توجد في الهند ملايين من
الأرامل. لا ينبغي للتقاليد أن تكون صارمة، بل ينبغي أن تتدفق وتجري مثل
مياه صالحة.
* فيلم
"المياه" يعكس، بشكل أو بآخر، ما يحدث في الهند: نهوض الأصولية الهندوسية،
التشدد الديني، الحساسية المفرطة تجاه كل ما يثير شكوكهم، عدم التسامح مع
أي شخص يفكر بطريقة مغايرة. من هذه الوجهة، صرنا نحن أهدافا سهلة للتعصب.
* يقول نص
مانو المقدس: المرأة نصف جسد زوجها عندما يكون حيا، ما إن يموت، حتى تصبح
نصفه الميت..
الرجل هو
من يكتب مثل هذه النصوص، هو الذي يفسّرها، هو الذي يسئ تأويلها.
والسبب
اقتصادي بحت. من المفيد للرجل والأسرة، اقتصاديا، إرسال الأرملة بعيدا تحت
ذريعة الدين. فالأرملة المنفية ليس من حقها أن تطالب بأرض العائلة أو
ثروتها، ليس هناك أي ضرورة أو إلزام بإطعامها أو كسوتها.
* أعتقد
أننا نعيش في عالم ملئ بالخوف، هذا له علاقة بسوء تأويل الدين لمصالح
شخصية.
* في ما
يتعلق الأمر بمشاكلنا الخاصة، نكون في حالة جيدة، كشعوب مختلفة وثقافات
مختلفة، عندما نفقد الذاكرة جماعيا.
فيلم
"المياه" عن ثلاث نساء يحاولن تحطيم تلك الحلقة، والتمتع بالنبل والكرامة،
والتخلص من نير الظلم والاضطهاد.
إذا
استطاع الفيلم أن يلهم الناس لفعل شيء ما في ثقافتهم الخاصة، فذلك أمر هام.
* أظن من
السذاجة الاعتقاد بأن الأفلام قادرة أن تغيّر.. ما يستطيع الفيلم فعله هو
أن يؤسس حوارا ويثير نقاشا.
* لقد
أردت أن أنفـّذ هذا الفيلم بأية وسيلة لأنه كان ينبغي أن يُنجز كجزء من
الثلاثية، الجزء الأخير الذي يتعامل مع السياسة الدينية. وقد رغبت كثيرا في
إنجاز هذا الفيلم من أجل تحقيق هدفي كمخرجة سينمائية.
* كل ما
أريد أن أفعله هو تحقيق أفلام تحرّض على التفكير، وتساعدنا على فهم
مجتمعاتنا على نحو أفضل.
* في ما
يتعلق بالتعبير السينمائي، بدأت أدرك أن بإمكاني توظيف الكاميرا والممثلين
لتوصيل العواطف والمشاعر، والاعتماد بشكل أقل على الحوار.
* أحب أن
أصور في الهند على الرغم من الفوضى والروتين الحكومي والبيروقراطية. لقد
نشأت في الهند مستمتعة بأفلام بوليوود، ولا زلت أحب الأفلام الجيدة منها.
أبي كان
موزع أفلام هندية في دلهي. كان يقول لي: في الحياة، لا تستطيعين أن تكوني
واثقة من شيئين.. متى سوف يحين الموت، وكيفية استقبال الجمهور للفيلم.
* حبي
للموسيقى يتصل كثيرا بحقيقة أنني قادمة من تقاليد السينما الهندية حيث
الموسيقى تلعب دورا كبيرا.
للسينما
الهندية تقاليد عريقة. الفيلم الناطق الأول، الذي أنتج في الهند، بدأ
بالموسيقى. لهذا علاقة بملاحمنا العظيمة.. هي كلها تتصل بالموسيقى.
الموسيقى تصبح مظهرا، تعبيرا عن حقيقة الموقع الداخلي للشخصية.
بالنسبة
لي، الموسيقى دائما تأتي من داخل الشخصيات.
*
السينما شغف.. أعني، إلى أي حد يكون الدافع قويا لصنع فيلم ما، إلى أي حد
تشعر بشغف لتحقيق الفيلم إلى درجة إدراكك أنك إن لم تحققه فإن جزءا فيك
سيشعر بالحرمان حتى بقية حياتك. إذا لم يتوفر لديك الشغف، فمن الأفضل ألا
تحقق الفيلم.. فلا فتنة يدّخرها لك الفيلم ولا ثروة أو جاه.
* هناك
عدد كبير من المخرجين، لكنني تأثرت بمجموعة من المخرجين العظام. هناك
ساتياجيت راي الذي لعبت أعماله دورا كبيرا في تقديري للسينما. إني أعتبره
واحدا من أكثر المخرجين شاعرية، واهتماما بالنوازع الإنسانية، في تاريخ
السينما. أيضا، من بين المخرجين العظام، أنا معجبة بأعمال ميزوجوشي، أوزو،
فيتوريو دي سيكا.
هناك
ثلاثة مخرجين معاصرين يخطرون ببالي الآن، و الذين استمتع بأعمالهم واستلهم
منهم: أعتقد أن إمير كوستوريكا مخرج رائع، فيلمه "زمن الغجر" هو أحد
أفلامي المفضلة في كل الأزمنة. أحب حقيقة أنه لا يتجنب الحالات العاطفية بل
يتقبلها ويعانقها بقوة. ولا يبدو أنه يكترث كثيرا بكيفية مشاهدة وفهم
أعماله. لا يضيره أن يتسم عمله بعدم التوقير إذا شاء ذلك. أحب طريقة توظيفه
للموسيقى في أفلامه، كما أحب ما يوجد في لبّ فيلمه.. ثمة رسالة سياسية قوية
تكمن في هذا اللب.
أيضا
يعجبني الأسباني بيدرو ألمودوفار كثيرا. أحب دعاباته السوداء. كذلك يعجبني
بيتر وير لأنه نجح في المحافظة على استقامته كمخرج فيما هو يحقق أفلاما
سهلة الوصول إلى الجمهور. في الواقع هناك أسماء كثيرة يمكن الحديث عنها.
إنجمار بيرجمان. نعم. قوي جدا. لديه طريقة بسيطة، على نحو مضلل، لرواية قصة
فعالة جدا.
الوطن
البحرينية
في 30 مارس 2008