"عيون مغمضة على مداها"
Eyes Wide Shut
(1995) هو آخر أفلام ستانلي كوبريك (توفي بعد خمسة أيام من تقديم عرض خاص
للفيلم على المنتجين والعاملين).
مأخوذ عن رواية "قصة حلم" أو
"رواية حلم"
Traumnovelle التي كتبها السويسري أرثر شنيتزلر، وأصدرها في
العام 1926، أي قبل وفاته بخمس سنوات (في 1931). والرواية تبحث في الأزمة
التي يمر بها زوجان، يعيشان حياة مستقرة ظاهرياً، عندما يبوح كل منهما
بأحلام وتخيلات جنسية معينة تشمل آخرين. وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب
شنيتزلر كان صديقاً للعالم النفساني سيجموند فرويد.
الزوج (توم كروز) طبيب شاب،
جذاب، ناجح جداً.. يشعر بالغيرة من رجل، ضابط في البحرية، اعترفت زوجته
(نيكول كيدمان) بأنها عاشت معه تخيلات جنسية، بعد أن التقيا به ذات إجازة.
مصدوماً من هذا الاعتراف، هو يصبح ممسوساً بخوض مغامرة جنسية غير مشروعة.
الفيلم، منذ البداية، يؤسس
للتعارض الكامن بين الطبيب وزوجته. هما يحضران حفلة راقية، وهناك يتعرضان،
كلّ على حدة، لإغواء جنسي تصعب مقاومته، مع ذلك هما يقاومان الإغواء
ويفلتان من شباكه. بعد أيام، في شقتهما الآمنة، يستحضران ما دار في الحفلة.
الزوجة تبدأ في إثارة غيرة الزوج بالحديث عن افتتانها بالضابط. الزوج يصغي
في ذهول تام، في صمت مطبق.
تأتي إلى الزوج مكالمة من مريض
يستدعيه لزيارته.. هذه المكالمة تكون ذريعة لرحلة (أوديسة) يقوم بها عبر
المدينة، ترافقه صور يتخيلها عن ممارسة زوجته الحب مع الضابط، ومن خلالها
تتدافع رغباته الجنسية المكبوتة لتبرز إلى السطح. عبر شوارع نيويورك يقوم
الزوج برحلة ليلية، هي عبارة عن سلسلة من المحاولات الفاشلة في إغواء
الآخر.
محطته الأولى في منزل المريض
الذي كان يعالجه وقد توفى مؤخراً. تستقبله ابنة المتوفى فيقدم لها تعازيه
لكنه يكتشف أن مشاعرها المتضاربة هي بسبب ما تكنّه من عاطفة حب تجاهه وليس
بسبب حزنها على موت أبيها كما كان يعتقد. وهو يستقبل هذه العاطفة ببرود
شديد وبلا أي تفاعل. لقد أخفق في إنقاذ أبيها وفي تشخيص طبيعة عاطفتها
ومشاعرها. في الواقع نجد أن الطبيب، طوال الوقت، يخفق في محاولاته لإنقاذ
الآخرين أو تقديم العون والمؤاساة لهم.
أيضاً، خلال رحلته، تتعرض
ذكوريته للإمتحان، للمساءلة والشك. وتكون هذه الذكورية عرضة للهجوم على نحو
أشد، في المحطة التالية، حين يتمشى في الشارع فيقترب منه عدد من الشباب
ويتهمونه بالمثلية بناءً على مظهره. ولكي يبرهن لنفسه، على الأقل، على
فحولته فإنه يذهب مع عاهرة شابة إلى شقتها. هنا أيضا لا يحدث اتصال جنسي.
يعود إلى الشارع ثانيةً. يلتقي بزميل دراسة تخلى عن الطب ليعمل في البار
عازفاً على البيانو.
المحطة الأخيرة في رحلة الطبيب
تكون في منزل يشهد شعائر سريّة غامضة من القصف والعربدة الجماعية، ولا
يُسمح لأحد بالدخول ما لم يحفظ كلمة السر، وحيث يرتدي الجميع أقنعة تخفي
هوياتهم. لكن الطبيب يخضع للمساءلة بوصفه متطفلاً ويُجبر على نزع قناعه
أمام جميع المشاركين، ثم يتم تهديده بإيذائه جسمانياً قبل أن تنقذه امرأة
غامضة سبق لها أن حذرته من الخطر.
إزاء كل ما يحدث له، يشعر الطبيب
بأن كل الحصون التي يحتمي بها تتصدع وتنهار. لا يستطيع أن يدافع عن ذاته،
عن زهوه بنفسه، لذا يشعر بالخجل، بالخزي، بالذنب. وهو يحاول عبثاً أن يكتشف
هوية المرأة الغامضة.
يعود إلى بيته، إلى زوجته، إلى
حياته المألوفة والمريحة التي فكّر أن يغيّرها.. لينعم بالطمأنينة.
الفيلم هو، جوهرياً، عن الرغبة
وفقدان الرغبة.. عن الرغبات الجنسية المكبوحة.. الرغبة في جسد المرأة..
الرغبة الحائرة، المترددة، بين الشهوة الجنسية والقيم الأخلاقية.
الفيلم في بنائه أشبه بحلم، حيث
نرافق بطله- الحالم في كل تحركاته وجولاته.. والكاميرا تظل مركزة عليه معظم
الوقت، وقلما تتركه أو تبتعد عنه.
كوبريك كان أميناً إلى حد بعيد
في تحويل الرواية إلى فيلم، من حيث الشخصيات أو الأحداث، مع تغيير في
المواقع (من فيينا إلى نيويورك) وفي الفترة الزمنية (من بدايات القرن إلى
الوقت المعاصر). وحسب تصريح كاتب السيناريو فريدريك رافائيل فإن كوبريك كان
يشجعه باستمرار على الالتزام بالنص، ويحثه على اقتفاء أثر الكاتب قائلاً له
"هو يعرف كيف يروي قصة".
كالعادة، كوبريك يولي التفاصيل
البصرية المدهشة عنايته الخاصة، بنفس القدر من الاهتمام بالحوار الذي يتسم
هنا بالتنوع والغنى والحيوية، ويتيح للمشاهد أن تنبني على مهل، متبعاً
الإيقاع البطئ الآسر.
الفيلم لم يحقق نجاحاً تجارياً،
لكن البعض – من بينهم مارتن سكورسيزي – اعتبروه تحفة فنية.
الوطن
البحرينية
ـ 18 مايو
2012
|