وبما أننا هنا في الغالب نمارس كثير من الفنون والاتجاهات دون أن نكلف أنفسنا
عناء البحث في
ماهيتها وتاريخها والأفكار التي تطرحها هذه الفنون، وبهذا السبب بالذات يحدث كثير من التخبط،
ويحدث كثير اللبس، ونحن هنا في هذا التحقيق نريد أن نسلط الضوء على الفيلم
القصير في البحرين، ونريد أن نطرح بعض الإشكالات التي
وجدنا أنها مطروحة بشكل قويّ لدى تلقّي هذه الأفلام هنا، بالتأكيد استثنينا
إشكالات أخرى تعالج موضوعات هي خارج المبدع نفسه، لأننا أردنا في هذا التحقيق أن نركز على ما
يخصّ المبدع الذي يقوم بإنتاج هذه الأفلام.
بين الشكل
والمضمون.. وفيلم يحاول أن يبتكر
بالرغم مع أن الساحة الثقافية في
البحرين قد احتضنت منذ فترة - وإن بشكل جزئي - أفلام الفيديو القصيرة
كمعوّض عن غياب السينما أولاً، ثم بعد ذلك كرافد للسينما في حال وجدت، إلا
أن المتابع لأفلام الفيديو القصيرة في
البحرين، ومقارنتها بتلك التي تنفذ في دول أخرى من المنطقة، يكشف عن خلل ما
في عملية إنتاج هذه الأفلام، إذ نجد أن ثمة فرق كبير بين الاهتمام بالشكل - أو
بالأحرى بالتقنية - وبين
الاهتمام بالمضمون،
إذ عادة ما يبحث مخرجو أفلام الفيديو عن مكان التنفيذ وعن الكاميرات
المستخدمة، وعن التقنيات التي ستنفذ في الفيلم، وعن تقنيات المونتاج
والمكساج وغيرها،
قبل أن يسألوا عن السيناريو، وعما تتناوله هذه الأفلام التي يريدون تنفيذها
فعلاً.
ومن هنا طرحنا سؤالنا الأول إذ هل هذا الخلل فعلاً
قائم، أم أنه توّهم لدى البعض، ثم ما هو سبب هذا الخلل، وهذا الاهتمام
بالشكل والتقنية على حساب المضمون؟
منذ البداية حدّد أمين صالح لدى السؤال عن
»أفلام الفيديو« افتراضاً خاطئاً في السؤال فقال »في السؤال أجد افتراضاً
(خاطئاً) بأن أفلام الفيديو -أي الأفلام المصورة بكاميرا الفيديو- هي نوع
مختلف عن السينما، بل نوع أدنى منزلة بما أنه يعمل كـ(معوّض) و(رافد)«.
ويؤكد صالح على أنه »ينبغي تصحيح هذه النظرة، فالأفلام السينمائية لا
يتم تصويرها من خلال كاميرات ٥٣ ملي و٦١ ملي (السينمائية) فحسب، بل - وهذا
يحدث منذ أكثر من ثلاثين سنة - من خلال كاميرات فيديو، رقمية (ديجيتال)
وغيرها، وبمختلف أنواعها. مخرجون كبار في السينما العالمية (أنتونيوني..
كمثال) جرّبوا تصوير أفلامهم بكاميرا فيديو وعرضوها على الشاشات السينمائية
للجمهور العام، وكانت النتائج مبهرة«.
ويخلص إلى أن تسمية »أفلام فيديو«، في هذه الحالة، ليست دقيقة. هي بالأحرى أفلام
سينمائية وينبغي
التعامل معها على هذا الأساس.
بعد ذلك يشير صالح إلى وجود عدد من الإلتباسات أو سوء الفهم
فيما
يخص شوائب أو نواقص هذه الأفلام، كما هي واردة في السؤال فيقول »الأفلام
المصورة بالفيديو ليست رافداً للسينما، بل هي السينما في أحد أشكالها أو
تجلياتها التقنية. كما لا أعتقد - من خلال مشاهداتي للأفلام القصيرة - أن
هناك اهتماماً بالشكل على حساب المضمون. هناك اهتمام بالشكل. نعم. هذا ما
ينبغي أن يكون. لا بد للمخرج أن يهتم بالكاميرا والمونتاج وغيرها لأنها
الأدوات والعناصر التي بها يحقق فيلمه، فإذا لم يهتم بها، بصقلها، بتوظيفها على نحو
صحيح فسوف
ينتج عملاً سيئاً ولن ينفعه المضمون (الجيد) في هذه الحالة«.
ويضيف »من جهة أخرى، كل فيلم قائم على سيناريو ما
- أي نص ما، أي مضمون ما - مع اختلافٍ وتفاوت وتباين بين مضمون وآخر.. في
القيمة والمعالجة والطرح. قد يكون الموضوع واقعياً وقد يكون تجريديا،
بالتالي لا نستطيع أن نجزم بأن المخرج لم يهتم بالمضمون. نستطيع أن نتحدث
عن مدى عمق أو سطحية رؤيته،
لكن ليس عن حضور أو غياب مضمونه«.
ثم يجمل »أعتقد أن هناك تقاعساً،
أو عدم اهتمام، بمتابعة ما ينتج من أفلام قصيرة في واقعنا السينمائي، وهذا
يفضي - بطبيعة الحال - إلى سوء الفهم وسوء التقييم«.
الناقد السينمائي البحريني حسن حداد
من جهته أيضاً وجد اختلافاته مع بعض المصطلحات التي يفترضها السؤال فقال
»أولاً.. دعني أختلف معك في التسمية.. (أفلام الفيديو).. فما يقدم الآن ليس
أفلام فيديو.. فهذه مرحلة وانتهت.. كانت في السبعينات والثمانينات من القرن
الماضي.. وما يقدم الآن هو أفلام رقمية (ديجيتال).. وتندرج تحت تسمية أفلام
قصيرة..!!«
ثم يحمل »والفيلم القصير، شأنه شأن الفيلم الطويل،
فن خالص لوحده، ولا يمكن أن يكون تمهيداً للعمل في الفيلم الطويل.. والفيلم
القصير، وفي كل بقاع العالم، يعتمد التصوير الرقمي، حتى أن مخرجين كبار
يستخدمون الآن الكاميرا الرقمية المتطورة في
تصوير أفلامهم الطويلة..!!«.
ثم بعد ذلك يذهب حداد إلى إشكالية تعويض الفيلم القصير عن
غياب السينما كمصطلح فيجيب بالنفي مؤكداً على أن »التراكم الكمي والنوعي،
قادر حتماً على تأسيس لوجود سينما بحرينية في المستقبل«، ويضيف »أما
بالنسية للمقارنة بما يقدم هنا في البحرين من أفلام، وما يقدم في دول
المنطقة.. فهذه المقارنة لابد من التأكيد عليها.. باعتبار أن المتاح من
الإمكانيات الفنية والتقنية والإنتاجية، تختلف من بلد إلى آخر.. وإن
النجاحات التي حضي بها الفيلم القصير في دولة الإمارات، لهو دليل على
إمكانية النجاح، لو توفرت لدى السينمائي البحريني فرص إنتاجية أفضل«.
ثم يؤكد »ويمكنني الجزم، كمتابع لما ينتجه صناع الصورة
المتحركة في
البحرين، بأن عالبية هذه الأفلام يشوبها الكثير من التخبط والتسرع وعدم
الوعي،
ليس على صعيد المضمون فحسب، بل حتى على الصعيد الفني
والتقني. ويأتي ذلك نتيجة الجهل بطبيعة السينما وماهيتها، لمن يشتغل على
الصورة المتحركة في البحرين. فغالبية تلك التجارب الفيلمية، تفتقر للعمق
الفكري والفني، ولا تهتم بتوصيل مضمون عميق ومركز.. وهذا بالتالي ناتج
أساساً من ذلك الفقر الثقافي والسينمائي الذي يعيشه فنانينا. فنادراً ما
نجد أحداً يتابع ويشاهد ويناقش ويستفيد من التجارب العربية والعالمية في
مجال السينما، وكأن الأمر لا يعنيه، وأن الإستفادة هذه ستعيق حركته
وعمله..!!
فلكي أصنع فيلم، لا بد لي ـ على أقل تقدير ـ أن أهتم كثيراً
بمشاهدة الأفلام ومتابعة الجديد منها.. فهي المصدر الأهم لتعلم السينما..
ثم بعد ذلك يأتي دور التثقيف الذاتي.. القراءة عن كل شي يخص السينما، عن
المخرجين، عن الأساليب والتيارات، عن تراث السينما بشكل عام«.
ويؤكد حداد على نقطة مهمة من جانب الموضوع فيقول
»فيما يخص تناول المواضيع في الأفلام البحرينية، فهو أمر في غاية الخطورة..
فمن خلال متابعاتي المتواضعة لأغلب التجارب الفيلمية، لاحظت ذلك الخلط بين
السينما والدراما التلفزيونية.. وقد جاء ذلك نتيجة لذلك التأثير الطاغي
للتلفزيون على المتفرج عندنا، وبالتالي على صناع هذه الأفلام، مما جعلهم
يتجهون للهم الدرامي التقليدي، غير منتبهين في أن الفيلم القصير له خاصية
هامة وهي اختزال فكرة معينة في زمن قياسي لا تتجاوز مدته النصف ساعة«.
ويضيف »حتى إذا قبلنا بما قدمته هذه الأفلام القصيرة من دراما..
فإننا لاحظنا بأن أغلبها قدمت الدراما كما عهدناها في التليفزيون.. وهذا مسألة أوقعت الكثيرين من صناع الصورة عندنا
في
السطحية وعدم التركيز.. باعتبار أن الدراما التليفزيونية تعتمد على ملء
ساعات الإرسال التليفزيوني بالغث أو بالسمين.. والفيلم لابد له من التركيز
في اختزال فكرته والهروب بها من التطويل والمط.. وهو الشيء
الذي لم تجسده أغلب التجارب التي شاهدناها«.
المخرج محمد جناحي هو الآخر وجد إشكالياته في
هذا الجانب حيث بدأ بالقول »يمكنني أن أختلف معك في هذا الجانب، فأنا لا
أرى أن التقنية أو حتى الشكل حاضرين عبر رؤية واضحة في الأفلام القصيرة في البحرين«.
ويضيف »يمكن أن أقول بأن المخرجين الشباب تنقصهم الخبرة
والتجارب،
ويمكن اعتبارهم بأنهم مواهب لم تصقل بعد،
ويؤخذ عليهم الاستعجال في
تنفيذ أفلامهم، وفي المحاولة بشكل عام، فأغلب المخرجين لا يحاولون معرفة
ماهية السينما أساساً ولا ماهية ما يفعلونه، كل ما في الأمر بالنسبة لهم أن
فكرة ما تؤاتيه ويحاول تحويلها إلى فيلم قصير، دون أن يعود بهذه الفكرة إلى
متخصصين وكتاب قد يفيد منهم في عملية تنفيذ هذه الفكرة، وينفذ الفيلم
ويشارك به في مهرجانات، وهكذا تتكون فكرة مغلوطة عن أفلام الفيديو في
البحرين«.
ولكنه يستدرك »بالطبع هذا لا ينفي وجود أصوات شابة تحاول
بجدّية في
هذا الجانب، ومن بينها الفنان حسين الرفاعي الذي قدّم مؤخراً فيلمه (عشاء)
بعد فترة طويلة من الهم السينمائي والمراقبة الجادة لواقع الفيلم القصير،
و(عشاء) بالنسبة لي يعد من أنضج التجارب في الفليم القصير، وقد كتب سيناريو
الفيلم الكاتب أمين صالح كما هو معروف«.
الشاعر كريم رضي من جهته أشار لما هو أبعد من قضية الفيلم القصير أو فيلم
الفيديو،
بل ربما أشار إلى خلل أعمق من مسألة الاهتمام بتجويد الإبداع سواء في
الفيلم القصير أو غيره عبر تأكيده على ما أسماه »عصر خليك إيزي« فيقول
»القضية ليست فقط في أفلام الفيديو، هناك بحث عن السهولة في كل شيء. شعراء
بالكاد يبدأون مشاريعهم وإذا هم يتذمرون من أن أحدا لا ينشر لهم، ويغامرون
دون حياء بإصدار كتاب تلو الآخر دون توقف وتساؤل، لماذا؟ وكيف؟ مسرحيات تسلق بروفاتها في
أسبوعين، »كتب« عن تاريخ الجماعات والأمم تنشر دون الإشارة إلى مرجع واحد!! مجموعات قصصية وشعرية تصدر دون أدنى مراجعة لأخطاء النحو
والإملاء،
فاستطرادا إذن، لماذا نفترض أن أفلام الفيديو ستكون استثناء؟«.
ويواصل رضي هجومه على ظاهرة الاستسهال
»مواقع جميلة لكنها خالية تماما من الفكر والكلمة، ليس فيها ما هو جيد غير
التقنية وشكل الموقع والصور وكان الله
غفورا رحيما، وتسأل نفسك كيف يتجشم صاحبه هذا العناء لإيجاد موقع، ثم إذا
هو خلو من كل شيء غير التقنية والإبهار؟«.
ثم يردف »ما يحدث إذن في أفلام الفيديو من ازدراء العمل والجد
والتعويل على الفهلوة وبيع الهواء وممارسة الجنس مع النمل وغير ذلك من الذي
يطلق عليه الإنجليزBLUFFING
ليس استثناء في الحالة البحرينية بل هو القاعدة، والغريب أصلا في عصر خليك
EASY
أن
تجد من هو مستعد أن يعمل فيلم فيديو مرورا بكل المعاناة التي
يعانيها المنتج والمخرج السينمائي«.
وينهي رضي حديثه بالسؤال ذي الاتجاهين »أكاد أتحدث مثل المرحوم حسني
البرزان (نهاد قلعي) وهو يندب حظه العاثر قائلا ومكررا (لكي نعرف ما في
إيطاليا علينا أن نعرف ما في البرازيل ولكي نعرف ما في البرازيل علينا أن
نعرف ما في إيطاليا« فأقول لكي نعرف ما في أفلام الفيديو علينا أن نعرف ما
في كل الفنون من استسهال الطبع والنشر دون أن
يرف لهؤلاء جفن واحد،
وبالتالي مالم يصلح واقع الانتاج الثقافي نفسه بإضافة مزيد من المعايير
التي توقف طوفان الاستسهال فسيبقى فيلم الفيديو هابطا دون أمل في التغيير«.
السيناريو.. ولغات الكاميرا
النقطة الثانية التي
أردنا طرحها في تحقينا هذا تتعلق بوعي مخرجي وكتاب وصانعي الأفلام القصيرة
في البحرين للفروقات فيما بين السينما الطويلة وأفلام الفيديو القصيرة،
سواء من حيث الشكل أو المضمون خصوصاً وأننا نرى كيف أن المخرجين يتكئون في
الغالب على أفكار، وليس على سيناريوهات مكتوبة من خلالها
يمكن التأكيد على وجود كتاب سيناريو، وهنا يؤكد أمين صالح على أن
»المتابعة السليمة والجيدة لما يُنتج هنا من أفلام سوف تكشف لنا دون عناء
أن هناك كتّاب سيناريو.. قلة، لكنهم موجودون«.
ويضيف »في السينما، ليس شرطاً أن يكون مؤلف السيناريو كاتباً
بالمعنى الأدبي. غالباً ما نلاحظ - في السينما العالمية - أن المخرجين هم
الذين يؤلفون أفلامهم، إما بمفردهم أو بالاشتراك مع كتّاب آخرين. إذن، هذا
ليس عيباً ولا نقطة ضعف، بل هي حالة إبداعية خلاقة تماماً، وضرورية تماماً.
المخرج هنا يبدع فيلمه الخاص، محققاً رؤيته الخاصة، وكما قلت قبل قليل، كل
فيلم يقوم على سيناريو، على نص. لا فيلم ينشأ من فكرة مجردة، هلامية، بلا
أساس يتصل بموضوع ما«.
فيما يرى المخرج محمد جناحي
بأن »كثير من المخرجين الشباب لا يعون تماماً الفرق فيما بين فيلم الفيديو
والفيلم القصير والفيلم السينمائي والفيلم السينمائي الطويل، وربما أيضاً
يكون كثيرون يعتمدون على كاميرا التصوير للتفريق فيما بين الأشكال السابقة،
فلو كانت الكاميرا سينمائية فسيكون الفيلم سينمائياً
بنظرهم حتى وإن كانت اللغة المستخدمة في الصورة ليست كذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لو كانت الكاميرا تلفزيونية أو كاميرا
فيديو،
بينما الأمر ليس كذلك بتاتاً، الأمر كله يعود إلى اللغة التي تستخدمها
الكاميرا أو المخرج الذي يقف وراء هذه الكاميرا، يعود إلى الفروق المهمة
فيما بين أدوات كل فن من هذه الفنون«.
ويذهب الناقد حسن حداد إلى أن
»غالبية التجارب الفيلمية التي شاهدناها.. لم تهتم بالسيناريو على أنه هيكل
الفيلم وقوامه نحو الوصول إلى الجودة.. فما ينتج في البحرين من أفلام قائم
أساساً على فكرة تراود المخرج نفسه، فيقوم بكتابتها وتنفيذها.. وهذا بحد
ذاته ليس عيباً.. إنما العيب هو الاستهانة بعنصر رئيسي وهام جداً من عناصر
الفيلم«.
ويعود حداد إلى التمايز فيما بين الفنون فيقول
»لا بد من التفريق فيما بين الفيلم السينمائي
والدراما التلفزيونية.. في الكتابة والإخراج والتصوير والإهتمام ببقية
عناصر الفيلم الأخرى مستقلة. فما نشاهده يمكن اعتباره تجارب سينمائية غير
ناظجة، وتعيش حالة من التخبط والتردد«.
ويضيف »شخصياً.. لا أحبذ أن يقوم المخرج بكتابة السيناريو ـ
على الأقل لصناع الصورة المبتدئين،
فهذا الأمر سيقود حتماً، إلى توصيل رؤية أحادية الجانب لصانع الفيلم،
وعدم الإستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم الفنية والتقنية وحتى الحياتية«.
بين
الكاتب والسينما.. لماذا هذا الغياب؟
أخيراً كان لا بد من طرح سؤال
يتعلق بالتقاء الحرف مع الصورة، فسألنا لماذا ينزوي غالباً الكتاب
والروائيون والقصاص بعيداً عن أفلام الفيديو، بالرغم من تقارب الجو
التخييلي فيما بين الفنين، ولو لاحظنا الأسماء التي تقدم في هذا الجانب
سنراها أسماء محدودة، لماذا نلاحظ أن ثمة »تخصص« لا واعي لدى الكاتب
البحريني، يجعل من الشاعر شاعراً وحسب، والسارد سارداً وحسب، ولا يفكر
أحدهم في الالتقاء بفنون أخرى كالفيديو، وفي هذا الجانب توقع الكاتب أمين
صالح »أن يشهد الوسط الثقافي، في الفترة القادمة، توجها جادا من قِبل
الكتّاب نحو السينما،
التي ستفرض حضورها في الواقع المحلي والعربي. سوف نشهد تفاعلاً أقوى
وتعاوناً إيجابيا بارزاً«.
وأكد على أن »مسألة اهتمام الكاتب بمجالات أخرى،
فنية أو أدبية، هي مسألة تتصل برغبة وذوق ومزاج ووعي وثقافة الكاتب نفسه،
لا شروط هنا ولا إملاءات. سوف لن يخدم المجال الآخر إن لم يتوفر لديه الشغف
بذاك المجال. وفي هذه الحالة، من الأفضل أن يبقى في حقله الخاص. السينما
تحتاج إلى سينمائيين.. إلى أفراد شغوفين بها، لا إلى موظفين«.
محمد جناحي من جهته لم يفهم بالضبط سبب غياب الكتاب عن العناية بالسينما وبالفيلم القصير وقال
»لا أعلم حقاً سبباً لهذا الابتعاد من قبل الكتاب عن ممارسة فعل فني وثقافي كالكتابة للسينما وللفيلم القصير«
وعن تجربته مع كتاب يقول جناحي »بالنسبة لي كانت لي تجربة مع الكاتب عبد
القادر عقيل، ومحاولة أخرى مع الكاتب يوسف الحمدان في فلم (كاميرا) وقد
اشتغلت على معالجة سينمائية لنص الحمدان، كذلك فإني أعمل حالياً على فيلم كتبه الفنان عبد الله
السعداوي،
وربما أشير هنا إلى أن الفنان السعداوي
لديه كثير من السيناريوهات التي تحتاج من ينفذها، وتجربتي معها هي فيلم قصير بعنوان (غبار) أعتبره من أفلام السينما الفقيرة،
وهي تجربة جديدة نحاول فيها الدخول إلى عوالم عدد من المدارس السينمائية من
بينها الواقعية والسريالية والرمزية، ونحاول أن يثير هذا الفيلم عند عرضه
جدلا«.
ثم يجمل جناحي »نحن بالفعل نحتاج إلى أن
ينخرط الكتاب في ممارسة هذا الفعل الكتابي الذي لا يقل عن الكتابة الأدبية،
ولا أعلم حقاً لماذا ينفر الكتاب من الفيلم القصير، ربما يكونون يستصغرون
قيمة هذا الفيلم، ربما لأن الأفلام القصيرة في البحرين ليس ثمة من يدعمها
حقاً، كما يحدث في الإمارات وغيرها، فلو نظرنا للإمارات سنجد أن ثمة كتاب
سيناريو عديدون يمارسون الكتابة للفيلم القصير«.
حسن حداد
من جانبه أكد على هذا الجانب وأضاف »أوافقك القول بأن الكتاب في
البحرين بعيدون عن السينما،
وهذا بالطبع دلالة على أن هؤلاء الكتاب لا تجذبهم تلك التجارب الفيلمية
التي تصنع في البحرين.. الوحيدان اللذان تفهما الوضع، وأخذا على عاتقهما
التواصل مع السينما،
هما الصديقان أمين صالح،
وفريد رمضان.. إن كان مع الدراما التلفزيونية،
أو مع الفيلم السينمائي.. فأمين برغم أنه كتب أول فيلم بحريني روائي طويل،
ألا وهو الحاجز للمخرج بسام الذوادي، فهو لم يكتب للسينما طوال العشرين
عاماً الماضية.. نراه يعود هذا العام بفيلمه الروائي القصير (عشاء) للمخرج
حسين الرفاعي.. وقبله فريد رمضان، بفيلمين، هما (زائر) و(حكاية بحرينية)، ويحضر لفيلمه الثالث في
الوقت الحاضر«.
ويضيف »فيما عدا ذلك.. يمكن أن نذكر تجربتي
الشخصية مع فيلم (غياب)، الذي كتبت له السيناريو عن نص لأخي الشاعر قاسم
حداد بعنوان (الوحيد وحده).. وكنت حينها متردداً لسنوات طويلة من دخول هذا
المجال.. وذلك اقتناعاً مني بأن السيناريو لا بد أن يجد طريقه إلى الشاشة..
فهو ليس قصة أو رواية يمكن طباعتها ونشرها.. كنت في داخلي أشعر بأنني لن
أكتب سيناريو يوضع في درج المكتب.. وتحقق ما كنت أصبوا إليه بجهود المخرج
الطموح محمد راشد بوعلي.. وها هو الفيلم يحصل على جائزة لجنة التحكيم
الخاصة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام بهولندا.
وهي فرصة، أدعو فيها كتابنا في
البحرين، للمغامرة ودخول مجال السينما المذهل، فهو الفن الشامل والأكثر
شعبية، والمجال الرحب الذي يستوعب كافة الفنون من أدب وتشكيل وموسيقى
وغيرها من الفنون«.
الأيام البحرينية في في 19
يوليو 2008
|