العواصم العربية، تختلف في أهميتها ونوعية محتواها من حيث المشاركات
وتتفاوت درجات تنظيمها وأهدافها والناتج منها، كما أنها تتضارب مواعيدها
أحياناً بما يفضي إلى اليقين بضرورة التنسيق بين إدارات المهرجانات
السينمائية العربية، حتى لا يبدو الأمر وكأن هناك سباقاً محموماً نحو
التنافس للفوز بالمكانة الأكثر توهجاً في الوسط الفني العربي.. وكان قد كتب
الناقد السينمائي طارق الشناوي :(هل من الممكن أن نجد حلاً لتلك الفوضى
وحالة التضارب في المواعيد، التي تعاني منها كل المهرجانات العربية؟! يبدأ
التزاحم العربي من منتصف أكتوبر/تشرين الأول مع مهرجان أبوظبي، ويزداد
اشتعالاً كلما أوغلنا أكثر واقتربنا من نهاية الشهر نفسه، ويواصل السخونة
في نوفمبر/تشرين الثاني، ثم يصل إلى الذروة في ديسمبر/كانون الأول حيث نصل
إلى نصفه الأخير مع مهرجان "وهران"، لأن الكل يسعى لإنهاء نشاطه السينمائي
قبل احتفالات الكريسماس، حيث إن أغلب النجوم العالميين يحرصون على قضاء
العيد في بلادهم. شهران فقط تتجمع فيهما أغلب المهرجانات العربية ويشهدان
ذروة الصراع السينمائي، مما يجبر المهرجانات على عرض نفس الأفلام الهامة
تقريبا، سواء العالمية أو العربية).. ذلك ما يدعو إلى التفكير في ضرورة
تفعيل دور اتحاد الجمعيات السينمائية العربية، المعلن عن إطلاقه في مارس
2014 في مسقط، حيث تستدعي الحاجة لأن يكون من بين مهامه تنظيم كافة الأمور
المتعلقة بهذه المهرجانات ومنها مواعيد إقامتها ومراعاة عدم تضاربها. وإن
كانت تلك ليست أعوص المشكلات التي تعترض السينما العربية، فهناك ما هو أهم،
إذ تمثل الميزانيات والتمويل والإدارة والتنظيم محاور أساسية في صناعة
السينما العربية ، ومن ثم إنعكاساتها على مهرجاناتها.
مهرجانات الإمارات
بالمرور السريع على قائمة أهم المهرجانات السينمائية العربية، يمكننا أن
نكوّن صورة بانورامية خاطفة عن المكانة والقيمة المحققة والدور الذي تقوم
به، وسننطلق من المهرجانات الخليجية التي تأسست خلال العقد الأخير وبدأت
تحتل مركزاً ودوراً فاعلاً في السينما العربية.. بداية يلاحظ أن مهرجان
أبوظبي السينمائي، والذي كان يطلق عليه مهرجان الشرق الاوسط السينمائي
الدولي، وهو خارج من عباءة أول مهرجان هام في الخليج تحت مسمى "مسابقة
أفلام من الإمارات" الذي تأسس عام 2001م بجهود السينمائيين الاماراتيين
وعلى رأسهم مسعود أمرالله، ليصبح واحداً من أهم المهرجانات العربية، يلاحظ
الآن بمسماه الجديد "مهرجان أبوظبي السينمائي" وإدارته الجديدة بقيادة علي
جابر أنه يقام سنوياً بكثير من التقدم، و بدأ يتميز ببرنامج العروض
العالمية التي تعرض خارج المسابقة الرسمية وتخصيص جوائز مختلفة يحصل عليها
المتفوقين، بحسب لجان التحكيم، حول العالم، مما يضفي على المهرجان مسحة
دولية تحيل الى إثراء فني لأبناء المنطقة والضيوف والمشاركين، غير أن بعض
النقاد العرب يوجهون إليه إتهامات تتعلق بالقصور في التنظيم، وإن كان هذا
النقد بدأ يخفت صوته بعد دورة 2014.
وعلى كل حال فإن تبني وإنشاء مهرجان أبوظبي السينمائي لصندوق تمويل سينمائي
يدعم صنَّاع الأفلام من العالم العربي يفتح باب النهوض بالسينما الخليجية
والعربية بشكل عام، ويعطي قيمة حقيقية يضطلع بها المهرجان .
وفي المقابل نجد أن
"مهرجان دبي السينمائي الدولي" الذي انطلق في العام 2004م، ويقام في
الأسبوع الثاني من ديسمبر من كل عام، يركز على عرض الأفلام السينمائية من
جميع أنحاء العالم كما يرفع شعار دعم وتشجيع المواهب المحلية، ويطلق جوائز
للإبداع السينمائي العربي. وبالفعل تم توسيع نطاق المسابقات فيه لتشمل
مسابقة عربية، ومسابقة آسيوية وأفريقية، وهو بذلك يكتسب مكانة متصاعدة في
جميع النواحي، يحرص على نموها رئيسه عبدالحميد جمعة.
في 2008م انطلق "مهرجان الخليج السينمائي" وهدف إلى الاهتمام بالسينما
الخليجية، وأصبح يُقام بصفة سنوية في شهر أبريل من كل عام في مدينة دبي،
وإن كان توقف في دورة 2014، إلا أنه معني بتحقيق هدفين أساسيين، كما يعلن
القائمين عليه: تطوير وترسيخ الثقافة السينمائية الخليجية. ومنح الفرص أمام
السينمائيين الخليجين الشباب لعرض أفلامهم مع تطوير مشاريعهم المستقبلية.
وكما يبدو جلياً أن المهرجان بدأ يحقق نتائج هذين الهدفين اللذين يصبا في
إثراء الحركة السينمائية الخليجية، لا سيما وهو مدعوم بتنظيم إداري وتمويلي
متكامل من جهات رسمية وشركات خاصة في دبي.
وبشكل عام فإن دولة الإمارات، تركز بشكل كبير عبر المؤسسات المختصة في دعم
النشاط الثقافي السينمائي وتنميته، فجاء توجههم نحو هذه المهرجانات برؤى
شمولية، وأهداف تتفاوت بين الإقليمية الخليجية والعربية والدولية
والعالمية، وهي تعمل على إنجاحها بكل السبل.
على هذا النحو نجد أن دولة الإمارات متقدمة عن بقية دول مجلس التعاون في
مسألة الدعم فقد أنشأت صناديق دعم سينمائي مثل صندوق "إنجاز" التابع
لمهرجان دبي السينمائي، وصندوق "سند" التابع لمهرجان أبوظبي السينمائي، وهي
متبنية لسياسة طويلة المدى لإقامة صناعة سينمائية متكاملة. ولكن لازال أمام
بقية دول مجلس التعاون الخليجي طريق غير ممهد حتى تنجح في تأسيس صناعة
سينمائية متكاملة.
بقية الخليج والتطلع الى دور فاعل
في عمان أخذ "مهرجان مسقط السينمائي" الذي يقام في مارس من كل عام، بجهود
الجمعية العمانية للسينما وعلى رأسها خالد الزدجالي، أخذ ينمو ويجوّد آلية
العمل والتوجهات والعلاقات مع الأوساط السينمائية العربية، و بعد دوراته
السابقة التفت الجهود إلى مواجه أزمة صالات العرض التي تجلت في السابق، إذ
كانت دور العرض محدودة ومتفرقة، علاوة على ضئل المشاركات العربية وقلة عدد
الضيوف مقارنة بمهرجانات الإمارات. ولكن المهرجان رغم صغر دوره ومحدودية
فاعليته على المستوى العربي أو الخليجي أخذ يبني واجهة حضارية هامة لسلطنة
عمان من شأنها أن تتزايد في السنوات القادمة، ومن شأنها أيضاً ظهور مخرجين
وأعمال سينمائية جديرة بالاهتمام. لا سيما بعد دورة 2014 بمشاركات دول
عربية وأجنبية عديدة، عمل مدير المهرجان سيف المعولي على إضافتها وإدراجها
ضمن برامج المهرجان.
وبنفس الكيفية يمكن النظر الى مهرجانات أخرى في الكويت والبحرين وقطر، فلا
زالت ترزح تحت محدودية الدور على مستوى الحضور والقيمة والتأثير في الخارطة
العربية، وإن كانت تحقق شيئاً من المكاسب في تشجيع الشباب على المستوى
المعنوي، في حين أن الأمر يحتاج إلى دعم عملي فني ومادي ملموس.
البحرين والنهوض المرتقب
ففي البحرين استطاع "مهرجان نقش للأفلام القصيرة"، خلال ثلاثة دورات، وضع
لبنات جيدة وأسس محتوى من الممكن له أن ينمو ويتزايد دوره، خصوصاً وأن
القائمين عليه مجموعة من الشباب المتحمسين والعاشقين للسينما على رأسهم
المخرج بسام الذوادي والمخرج محمد راشد بوعلي ومحمد المسقطي وفريد رمضان.
وحددت مسابقة المهرجان المتمثلة في "جوائز نقش للإبداع في الفيلم البحريني"
سبع جوائز، هي: جائزتان لأفضل فيلم، جائزة أفضل مخرج، جائزة أفضل سيناريو،
جائزة أفضل تمثيل، جائزة أفضل إسهام فني. بالإضافة الى جائزة خاصة لأفضل
موهبة واعدة وهي مخصصة للمخرجين الذين يشاركون في أول أو ثاني إنتاج
سينمائي لهم.
وأيضاً في البحرين أعلن عن قيام تظاهرة "أيام البحرين السينمائية" لعرض
أفلام بحرينية، وعربية آسيوية وعالمية. مع اشتمال التظاهرة على عدد من
الندوات والفعاليات الثقافيّة، وما يميز التظاهرة هو تبنيها لموضوع محدد
ليتم عرض الأفلام التي تناولته، ثم مناقشة هذا الموضوع في ندواتها.. فما
أعلن أنه الأيام مخصصة لموضوع "البحر في السينما". وربما تناول موضوعات
أخرى في الدورات القادمة .. هذه التخصصية تسجل علامة فارقة للتظاهرة، من
الممكن أن يراهن على جاذبيتها ودورها وإثرائها الفكري والتفاعلي، بل ومن
الممكن أن تغري السينمائيين العرب بقيام مهرجانات أو برامج ضمن المهرجانات
تتناول موضوع معين.
إلى جانب ذلك فإن العنصر الأهم في التظاهرة التي أراد لها منظموها ان تكون
العنصر الأساسي، وهي التي تقوم في توجيه مسبق لمجموعات من الشباب
البحرينيين تحت إشراف مدير «الأيام» المخرج البحريني محمد راشد بوعلي، نحو
تحقيق عدد من الأفلام القصيرة أو المتوسطة مع توفير تمويل لازم لذلك
وتجهيزات تقنية على أن تكون الأفلام ذات موضوع يتعلق بالبحر بالتعالق مع
موضوع دورة هذا العام 2014م.. إذن فكرة «أيام البحرين السينمائية» ولدت ضمن
إطار الحراك الثقافي البحريني، ولكن ضمن إطار أهداف محددة من الواضح أن
الدورة الأولى إنما تسعى إلى أن تكون منطلقاً لها في مراهنة على السنوات
المقبلة.
مهرجانات يُنتظر دورها
في 2013م عقدت الدورة الثانية من "مهرجان سينما مجلس التعاون الخليجي"
بدولة الكويت بعد أن أقيمت دورته الأولى في قطر. يضم المهرجان : قطر،
الكويت، الإمارات، البحرين، عمان، السعودية. والسؤال الوحيد الذي سيتبادر
الى الذهن، هل سيحقق هذا المهرجان قيمة مضافة مستجدة على ما يقدمه مهرجان
الخليج السينمائي؟.
فما يبدو واضحاً أن هناك أجندة واضحة للمهرجان ومتميزة يضطلع بها، وعليه
يترقب المهتمون تنفيذ هذه الأجندة. ولعل الكلمة التي ألقاها المهندس علي
اليوحة في الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات المهرجان بعنوان "الواقع
السينمائي في الخليج: الواقع.. والتحديات". التي قال فيها: (إن القطاع
الحكومي مطالب بتقديم مساهمات جادة لدعم صناعة السينما في الخليج, وقبل هذا
لابد من وجود رؤية وخطة واضحة يتم من خلالها تشجيع القطاع الخاص على الدخول
في معترك الاستثمار في صناعة السينما على أن تكون الحكومات راعية وداعمة في
هذه الخطة التي يجب ان يتكاتف فيها الجميع من أجل نهضة سينمائية مأمولة).
هذه الكلمات تكشف أن الأمر لا زال في طور المطالبات ولم يتخطاه الى البرامج
والرؤية والأهداف المعتمدة، وما يتأمله الواقع الخليجي هو المضي قدماً في
إثراء المهرجان من كافة النواحي.
وينطبق الحال مع مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي، فعندما انطلق مهرجان
الدوحة السينمائي الدولي في 2009م حمل في عنوانه دلالة تعاونه الاستراتيجي
مع مهرجان ترايبيكا النيويوركي مستقبلا، وفي السنوات الثلاث اللاحقة، حافظ
المهرجانان على هذه العلاقة مع افتراضية أن تكون ساعدت مهرجان الدوحة في
تقديم نفسه إلى العالم كرديف نموذجي للمهرجان الأميركي وصديقا له.
لكن رئيس المهرجان القطري عبد العزيز خالد الخاطر ربما يفكر في تحديد هذه
العلاقة والحد منها. يقول في لقاء معه في بداية سنة 2013م: «أي علاقة مع أي
طرف يجب أن توضع تحت الدرس لمعرفة ما الذي يستفيده مهرجان الدوحة منها. لا
أقول إن التعاون بين المهرجانين سينتهي، لكننا نبحث عن أسس جديدة لمنح
مهرجان الدوحة وضعا دوليا ثابتا وخاصا».
من هنا والى حدوث إستقلالية مهرجان الدوحة، سننتظر مؤسسة الدوحة للأفلام
لإطلاق مهرجان (قمرة) السينمائي في مارس 2014 والذي سيركز على صانعي
الأفلام الجدد بهدف دعم المواهب السينمائية الشابة ونشرها على اوسع نطاق
وتعزيز ثقافة صناعة السينما في المنطقة، وهي ذات الأهداف المعلنة من كل
مهرجانات المنطقة ، والمحك هو: من يستطيع بناء أهدافه على الواقع؟.
العراق ومهرجاناته المعطلة
بالتأمل في واقع السينما العراقية نجد أن مجموعة من المهرجانات آخذة على
عاتقها إعادة الحياة للسينما العراقية، ومنها "مهرجان بغداد السينمائي"،
و"مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير" ـ وهو أول مهرجان سينمائي عراقي
دولي، وقامت بتنظيمه في بغداد عام 2005 جمعية الفنون البصرية المعاصرة، و
"مهرجان الجوار العراقي السينمائي" الذي سعى لعرض مجموعة كبيرة من الأفلام
العراقية والعربية والدولية، وهي جميعاً تعاني من ضعف التمويل وغرق الإنتاج
السينمائي العراقي في موضوعات لها صلة بظلال وتداعيات المرحلة الصدامية
ومرحلة التغيير والمآسي التي حدثت خلالها وما بعدها، وهو الشاغل الذي نتمنى
أن يتعافى منه العراق.
ولكن يبقى الرهان على مهرجان بغداد السينمائي الذي تدعمه "مؤسسة تنمية
السينما والثقافة في العراق" ويديره عمار العرادي في مواجه المشاكل التي من
بينها الصعوبات المالية التي تحول دون توجيه دعوات لمخرجين وممثلين وكتاب
سينما من خارج البلاد لحضور فعالياته.
مهرجانات مصر
لا
شك في أن "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" له مكانة كبيرة في واقع
السينما العربية فمنذ تأسيسه في عام
1976 وهو يحقق مكانة دولية ممتازة، لا
سيما وأن تقرير الإتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين عام
1990 اعتبره من أهم ثلاثة مهرجانات
للعواصم الدولية، حيث تصدر مهرجان القاهرة السينمائي المركز الثاني بعد
مهرجان لندن السينمائي، بينما جاء
مهرجان ستوكهولم في المركز الثالث.
ورغم تلك المكانة إلا أن المهرجان والمنظومة السينمائية المصرية بأكملها
ظلت منطوية على نفسها ونائية عن القيام بأي دور عربي فاعل، سواء في إنشاء
صناديق داعمة للمشاريع المستجدة أو في جذب شركات استثمارية برؤوس أموال
كبيرة للدخول في مجال الإنتاج السينمائي، وبقاء الجهات المستثمرة على حالها
منذ سنوات طويلة، ولم تزداد كماً أو نوعاً. وظل الحال منحصراً في مشاركات (تطعيمية)
شرفية للممثلين أو المخرجين في أفلام بعض الدول العربية، في مقابل كان ولا
زال جزء كبير من شاغل مهرجان القاهرة هو التعالق والتواصل مع الدول
الأوروبية والسينما العالمية، وهو هدف يواجه التعثر، خصوصاً وحاول المهرجان
في دورته 2014 التخلص من تبعات الإرث السابق، فدور مهرجان القاهرة
السينمائي، بعد الثورة، ومع قيادة سمير فريد، بدأ يتجه إلى الجماهير
العربية والآسيوية بل والى العامية، وإن كان لم يغفل هذا الدور طوال العقود
المنصرمة، لكن يبدو أن ثمة روح جديدة آخذه في التشكل.
وينطبق القول على منهجية "مهرجان الإسكندرية السينمائي" إذ تقتصر المسابقة
الرسمية على الأفلام الروائية الطويلة لدول
البحر المتوسط، في حين تشارك دول أوروبية
مختلفة في نشاطات خارج المسابقة و بالأفلام الحائزة على جوائز في مهرجانات
دولية.
ومع ذلك يعتبر "مهرجان
الإسماعيلية السينمائي" الذي يرأسه الناقد والباحث
السينمائي
علي أبوشادي من أشهر
مهرجانات
السينما العربية والدولية المتخصصة في الفيلم التسجيلي، وهو يجذب كل عام
احدث انتاجات هذا النوع من الافلام من أرجاء العالم كافة والتي غالبا ما
تزخر بمفردات التجريب
ومحاكاة الواقع في الثقافات الإنسانية المتنوعة.
قرطاج ودمشق وبيروت
تظل "أيام قرطاج السينمائية" تنظم
في تونس مرة كل سنتين خلال شهر أكتوبر،
وذلك منذ عام
1966 فهو أقدم تظاهرة سينمائية دولية
تعقد دوراتها بانتظام. وكان له الفضل في تطور السينما العربية واقترابها من
الحس العالمي ولفت النظر ـ عالميا ـ إليها وعكس صورة مشرقة لها في المحافل
العالمية، وهي الصورة والدور الذي يستميت عدد من المهرجان العربية الناشئة
لتحقيقها وبلوغها. ولعل الفعل المهم الذي أشاعه مهرجان قرطاج هو بث ونشر حب
السينما في أوساط الشباب في مختلف أنحاء العالم العربي، وعمل على إثراء
فكرهم النقدي وأرهف حسّهم الجمالي في الصورة العربية والإفريقية، فنتج عن
هذه العلاقة دافع بضرورة البحث عن سينما جديدة واعية وقادرة على فرض مضمون
إبداعي مختلف.
في حين نجد أن "مهرجان دمشق السينمائي الدولي"، قبل تصاعد الأحداث في سوريا
منذ مارس 2011م، وهو الذي انطلق عام 1979م ، مثل موعدًا للقاء السينمائيين
العرب وغير العرب، لا سيما وأن سوريا شهدت أول مهرجان للسينما في الوطن
العربي عام 1956 م. وعلى مر الدورات يلاحظ أنه شاركت فيه دول عربية ومن
أمريكا اللاتينية وأوروبا واسيا وقدم عروضاً مميزة من مختلف الدول وأقيم
على هامش المهرجان الندوات واللقاءات والعروض لمختلف الدول المشاركة،
واستمر مهرجان دمشق في جذب المزيد من المشاركات طول العقود والسنوات
الماضية.. فهل خسر المهرجان هذا الدور بعد الأحداث؟، ومتى سينهض؟.
في جانب آخر لا يزال "مهرجان بيروت السينمائي الدولي" يعاني من تخبطاط
إدارية وتمويلية، كما ذكر بعض النقاد، منذ أول بداية له في عام 2003م، حيث
تعرض هذا المهرجان لتغير اسمه عدة مرات. وتعرض أيضا للإيقاف عدة مرات كان
آخرها في 2011م . ولكنه عاود في السنتين التاليتين بزخم أقل، حيث صرحت
مديرة المهرجان كوليت نوفل في مؤتمر صحفي أن "دورة 2012 ستكون أصغر حجما
نظرا للوضع الإقليمي والحوادث التي شهدها لبنان وهي ظروف "حالت دون توفير
الضمانات الكافية لمجيء ضيوف رفيعي المستوى من خارج لبنان". وإن كان
المهرجان في 2014 عرض أفلاما متنوعة من القارات الثلاث واستضاف نجوما
عالميين، وكان ذلك بمثابة انطلاقة جديدة للمهرجان نحو آفاق جديدة.
وختاماً لا ينسى دور مهرجاني طنجة والدار البيضاء السينمائيين العتيقين
والضالعين في تنمية وتطوير السينما في المغرب وظهور العديد من المخرجين
العرب من خلالهما، وكذلك "مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي"، و"مهرجان
وهران السينمائي" وما لها من فضل في تقدم السينما الجزائرية . ولأهمية ما
طرحه الكاتب الجزائري مصطفى الكيلاني عن دورة 2013 أنقله هنا للتفكر فيه:
(كل من تابع الدورة السابعة لمهرجان "وهران" للفيلم العربي بالجزائر حزن
جداً للمستوي الذي وصل إليه المهرجان والأزمات المتعددة التي صارت تحدث له
وفيه. ودون أي مبرر واضح.. خاصة أن المهرجان يملك إدارة تنظيمية جيدة تمتلك
الخبرات والمهارات الإدارية التي تمكنها من تنظيم أي حدث كبير. ولكن سيظل
الجانب الفني هو المشكل الرئيسي أمام "وهران" وإدارته في ظل وجود جانب مشرق
جداً لا يوجد في مهرجانات أخري. وهو الإقبال الجماهيري الكبير علي العروض
السينمائية. ولديه أيضا ميزة نسبية رائعة أنه المهرجان الوحيد الذي يهتم
بالسينما العربية فقط وسط كل مهرجانات الوطن العربي. أزمات
مهرجان "وهران" تتمثل في التمويل الضخم جداً للمهرجان الذي يجعل الجميع
يعتمد علي أن التمويل الجيد سينجح في خلق مهرجان جيد وهي مقولة خاطئة. فأقل
المهرجانات العربية تمويلاً هو أنجحها وأكثرها استمرارية علي مدي نصف قرن
وهو مهرجان "قليبية" لسينما الهواة بتونس. وهو قبلة كل شباب السينما
العربية. ومحج كل صناع السينما الذين يعرفون قيمته رغم صغر حجمه وتمويله.
وباعتقاد صناع "وهران" أن كثرة المال تغطي كل الأزمة الفنية التي يعاني
منها المهرجان فتلك مقولة خاطئة جداً.( |