مرة أخرى تنفجر قضية التطبيع في وجوهنا. هذه المرة يثار
الموضوع من جانب ما يسمى باتحاد نقابات المهن الفنية في مصر،
الذي أصدر بيانا عنتريا يوم الخميس 4 نوفمبر 2010 يهاجم فيه
مهرجان أبو ظبي السينمائي ويعلن مقاطعته له ويهدد أعضاءه، أي
أعضاء الاتحاد من الفنانين المصريين، بالطرد من عضويته
وبالتالي منعهم من ممارسة العمل، إذا شاركوا في المهرجان بعد
ذلك. وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل وصل الأمر برئيس
الاتحاد، إلى توجيه انتقادات عنيفة ضد الصحفيين والنقاد
المصريين الذين حضروا المهرجان ولم ينسحبوا بسبب وجود منتجة "اسرائيلية"
هناك!
ورئيس الاتحاد ممدوح الليثي ضابط شرطة سابق وصادر ضده حكم من
القضاء المصري في جريمة مخلة بالشرف حتى لو نجح هو فيما بعد في
شطب الحكم بعد تدخل قيادات معروفة بالفساد، تماما كما تدخلت
نفس القيادات في عمل القضاء لتخفيف الحكم بالاعدام الصادر ضد
المحرض البلطجي هشام طلعت مصطفى الذي دفع الملايين لقتل
المغنية سوزان تميم في القضية التي يعرف حقائقها الشعب المصري
بكل طوائفه وأركانه، وكذلك الالتفاف الحكومي الرسمي بعد ذلك
على الحكم ببطلان عقد بيع أراضي الدولة لاقامة مدينة سكنية
لنفس الشخص، أي القاتل الذي ثبتت ادانته بما لا يدع أي مجال
للشك، بأسعار "رمزية"، قامت الحكومة على إثر ذلك الحكم باعادة
بيعها له بنفس الأسعار تقريبا وبقرار سيادي من أعلى مستاوى في
دولاب الفسا القائم في مصر.
وبدايةً، فإن ما أكتبه هنا لا علاقة له، من قريب أو بعيد
بالدفاع عن مهرجان أبو ظبي أو غيره من المهرجانات، فموقفي من
هذه المهرجانات مكتوب ومنشور ومعلن، بما لها وما عليها،
ويستطيع المهرجان على أي حال أن يرد أو يبرر، وهذا شأنه إذا
فعل. وإنما أنا أتحدث لأنني أولا كنت أحد هؤلاء المصريين
الحاضرين في المهرجان، وثانيا لأنني أرى رأيا مخالفا في قضية
التطبيع التي تحولت إلى ألعاب صبيانية، وإلى نوع من المزايدة
على الشرفاء، يستخدمها الانتهازيون وبعض عملاء الأجهزة الأمنية
لوصم المعارضين الذين ليسوا على استعداد لأي نوع من المساومة
أو الدخول إلى "الحظيرة" بتلك التهمة الشيطانية التي تحولت إلى
فزاعة، أي تهمة التطبيع، دون أن يكون لهذا أي أساس. ولا أستبعد
أن ينالني البعض بهجومه بعد هذا المقال، لكني لا أقيم وزنا
لمثل هذه الترهات، ولا أظن ان مثل هذه الاتهامات لها أي قيمة
وهي على أي حال، لن تكون الأولى ولا الأخيرة!
تتعلق القصة أساسا بهذا النوع من المزايدات المستمرة من جانب
فصيل في المجتمع المصري، يظن نفسه، الحارس على الوطنية، والذي
يمكنه أيضا أن يلقن العرب خارج مصر أيضا، معنى الصمود
والمقاطعة ورفض التطبيع ربما بسبب عقدة الاحاساس بالعجز عن منع
وجود سفارة اسرائيلية في قلب العاصمة المصرية نفسها.
ويتسم الخطاب الصادر عن هذا الفصيل دائما بالتهديد والوعيد
والهستيريا التي تخلط الأوراق، وتفتش عن رائحة التطبيع في كل
زاوية وتحت كل حجر، بما يصل أحيانا إلى مستوى الإرهاب الفكري،
والابتزاز السياسي للشرفاء والوطنيين الذين لا يستطيع أي شخص
أن يشكك في ولائهم لوطنهم، وعدائهم الدائم والمستمر للصهيونية.
وليس بوسع أي مخلوق أن يشكك في كاتب هذه السطور شخصيا، فيما
يتعلق بهذه المواقف تحديدا، وبوسع أي متشكك أن يبحث ويراجع
تاريخ الكاتب الشخصي منذ أكثر من 30 عاما، وما قدمه ويقدمه في
قضية التصدي للصهيونية وإسرائيل، ويقارن مع ما قدمه من إسهام
فكري، وبين ما قدمه غيره من حفنة المطبلين والمهللين لبيان
اتحاد الفنانين فقط لمجرد أنهم لم يتلقوا دعوة من مهرجان أبو
ظبي تتيح لهم الفرصة لالتقاط صور تذكارية مع النجوم الحاضرين،
ولعق بقايا أطباق الطعام، أو تصفية لحسابات معروفة ومنشورة،
بينهم وبين أحد العاملين بالمهرجان، وصل من ناحيتهم إلى حد
التشكيك في انتمائه العربي والادعاء بأن له أصولا يهودية!
وبكل أسف وجدت أيضا الناقد الزميل سمير فريد، في إطار الرغبة
في توجيه ضربة لإدارة مهرجان أبو ظبي الحالية، يهاجم المهرجان
ويصور الأمر على أن "المهرجان يمنح 30 ألف دولار لمنتجة
إسرائيلية" ويذكرنا بما حدث عندما كان يعمل مستشارا للمهرجان
في دورتيه الأوليتين وحاول المهرجان أن يأتي بفيلم "إسرائيلي"
هو "زيارة الفرقة الموسيقية" (بالمناسبة سمير من أشد المعجبين
به ويعتبره تحفة فنية وهو بالطبع حر في رأيه!) ويقول لنا للمرة
الأولى، إنه كان مسؤولا عن وقف عرض الفيلم بالمهرجان بعد أن
هدد بالاستقالة، متساءلا عن صمت الذين سبق ان هاجموا المهرجان
لهذه الخطوة هذه المرة فيقول بالحرف: في عموده بجريدة "المصري
اليوم" (6 نوفمبر)"ومن اللافت الآن صمت بعض الذين حضروا ختام
المهرجان عن الدعوة التى تمت ٢٠١٠ بينما كان صوتهم عالياً عن
الدعوة التى لم تتم ٢٠٠٧".
والقصة ببساطة شديدة أن المنتجة البريطانية ليزلي يودوين (أؤكد
البريطانية، فهي من مواليد مدينة برمنجهام الانجليزية) جاءت
إلى المهرجان بصحبة فيلمها "الغرب هو الغرب"
West is West
وهو فيلم جيد سبق أن تناولته في هذه المدونة في اطار الكتابة
عن المهرجان، ولا علاقة له من قريب أو بعيد باسرائيل أو
بالعرب، بل يروي قصة ذات دلالة، عن العلاقة بين المسلمين (من
باكستان) والإنجليز، ويصور بشكل كوميدي التناقضات بين
المجموعتين، في اطار كوميدي يسعى للتصالح والفهم المتبادل،
وليس الى ازكاء نيران الحقد العنصري بين الشعوب، وهو من تأليف
كاتب هندي وبطولة ممثل هندي شهير، ويعد استكمالا لفيلم آخر
بريطاني أنتج في 1999 بعنوان "الشرق هو الشرق".
هذه المنتجة وقفت في الندوة الصحفية لمناقشة الفيلم أو ربما
خلال اعلان فوز فيلمها بجائزة الجمهور (ولم أحضر أي
منهما شخصيا ولم أعرف عما حدث شيئا الا بعد أن انتهى المهرجان
وعدت إلى لندن حينما قرأت ما نشرته بعض الصحف بعد انتهاء
المهرجان بأيام).. فقد قالت المنتجة البريطانية حسب ما نقلته
بعض الصحف إنها إسرائيلية الجنسية، وإنها تفخر بذلك. وذكرت تلك
المصادر أن “ليزلى” قالت أنها أرادت أن تقضى على التعصب
والانغلاق العقلى لدى البعض نتيجة التعميمات التى تطلق على أى
شخص لمجرد أنه إسرائيلى فهى ليست مسؤولة عن تصرفات الدولة التى
جاءت منها.
والواضح الجلي من هذه القصة أن ليزلي يودوين ممن يطلق عليهم
"مزدوجي الجنسية" أي أنها بريطانية يهودية، حاصلة على الجنسية
الاسرائيلية، وإن كانت قد ولدت وتقيم وتعمل في بريطانيا،
وللعلم، ففيلمها شاركت مؤسسة بي بي سي البريطانية طرفا في
انتاجه مع جهات بريطانية أخرى، وعرض في عدد من المهرجانات
الدولية أحدثها مهرجان لندن السينمائي.
هذه النظرية
ولا أظن أن خطيئة المهرجان أنه أتى بفيلم بريطاني ودعا منتجته
"البريطانية" ثم وقفت هي لتقول فجأة، إنها تحمل الجنسية
الإسرائيلية. فما هو المطلوب في هذه الحالة؟ هل يجب أن تتدخل
أجهزة المخابرات العربية في عمل مهرجانات السينما وتفتش في
التاريخ الشخصي لكل المدعوين لتضمن ألا تتسلل شخصية تحمل
الجنسية المزدوجة للمهرجان؟ والمعروف أن الكثيرين ممن يأتون
إلى المهرجانات العربية مثل القاهرة وقرطاج ومراكش، هم من
الاسرائيليين الذين يحملون جوازات سفر أمريكية وغير أمريكية،
دون أن يعلنوا ذلك، بل ويتردد على مهرجان القاهرة السينمائي
تحديدا عدد من السينمائيين الإسرائيليين منهم ليا فان لير
مديرة مهرجان القدس السينمائي (وقد شاهدتها بنفسي عدة مرات)،
ولكن بدون دعوة رسمية، ويجرون اتصالات مع بعض ضيوف المهرجان،
وربما أيضا يشترون تذاكر يشاهدون بها بعض الافلام، فماذا فعل
اتحاد الفنانين في مواجهة ذلك "الاختراق" العظيم الهائل الخطير
جدا الذي يهدد أسس الثقافة المصرية والعربية – ياحسرة-
بالانهيار والتصدع أكثر مما يهددها مثلا الفكر الوهابي المتخلف
الزاحف من أعمق مجتمعات التصحر والبداوة والانغلاق، أو
ديكتاتورية نظام هو الذي يقيم معاهدة مع عدو الشعب المصري
التاريخي أي إسرائيل، ويسمح لها بافتتاح وتشغيل سفارة تعمل
باستمرار تحت سمع وبصر ممدوح الليثي وحفنة الأفواه المريضة
المحيطة به، دون أن يصدر الليثي وأعوانه بيانات التنديد والشجب
والادانة والمقاطعة، ودون أن نرى لاتحاده المزعوم أي دور في
معارضة نظام يقوم على القمع وإلغاء الآخر وشطبه من التاريخ،
ويفتح ذراعيه وساقيه لإسرائيل وعملاء إسرائيل في أجهزة الإعلام
والثقافة!
وللزميل الكبير سمير فريد أقول إن هناك فرقا كبيرا بين عرض
فيلم بريطاني حول العلاقة بين الشرق والغرب، وبين عرض فيلم
إسرائيلي حول العلاقة بين الإسرائيليين والمصريين، وإن هناك
فرقا كبيرا أيضا بين أن يتخذ فيلم "زيارة الفرقة" الإسرائيلي
وسيلة لعبور الأفلام الإسرائيلية للعالم العربي، وهو أمر مرفوض
تماما حاليا، حتى لو رفع شعار السلام، وبين فيلم إنساني جميل
يدعو للتفاهم بين الانجليز (الذين يعيشون بعقدة الامبراطورية
القديمة) وبين الهنود أو الباكستانيين الذي لا يمكنهم الثقة في
الانجليز. وأما ما يلوح به سمير فريد من أن جائزة الثلاثين ألف
دولار فازت بها منتجة إسرائيلية، فهذه هي جائزة الجمهور وليست
جائزة لجنة التحكيم ولا المهرجان، وهي لم تذهب لفيلم إسرائيلي
كما أوضحنا. فماذا لو قلنا لسمير وغيره إن المنتجة ليزلي
يودوين أدانت في كلمتها السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين،
وقالت إنها توجه انتقاداتها للمسؤولين الإسرائيليين الذين
تلتقي بهم حول خطورة ما يفعلونه من تكريس للكراهية في حين أنهم
يتعين عليهم أن يعيشوا مع الفلسطينيين وأن يفهمونهم. وهذه هي
باقي تصريحات يودوين التي لم تنقلها بكل أسف، الصحف العربية
التي تسعى وراء الاثارة السطحية فقط.
وقد كان هناك في المهرجان نفسه، كما في الدوحة، وربما سيكون في
القاهرة أيضا، فيلم "ميرال" الذي شاهدناه معا في فينيسيا
وأعجبنا به، وهو من إخراج مخرج أمريكي يهودي ليس مستبعدا أن
يكون أيضا حاملا للجنسية الإسرائيلية، فكيف يمكننا أن نعرف،
علما بأن كاتبة الفيلم فلسطينية، وعددا كبيرا من العاملين به
من الفلسطينيين، فهل نحكم عليهم جميعا بالخيانة الوطنية أيضا!
ما المطلوب؟
ماذا كان مطلوبا من النقاد المصريين الحاضرين في المهرجان: أن
ينسحبوا لمجرد وجود امرأة بريطانية- إسرائيلية جاءت بفيلم
بريطاني.. وما الذي يجديه هذا الانسحاب؟ وما الذي يجديه أساسا،
أي انسحاب من أي محفل دولي أمام الإسرائيليين، ولماذا يتعين
على الطرف "العربي" دوما أن ينسحب في حين يتبجح الإسرائيلي
ويتوغل ويصمد وينتقد ويفرض ويعرض وجهة نظره؟ هل أصبحت هذه
السياسة التافهة التي تمارس منذ الخمسينيات بقرة مقدسة غير
قابلة للمراجعة من أجل التوصل إلى مواقف أكثر فعالية وأكثر
جدية في مواجهة الصهيونية والأنظمة التي تتعامل معها؟ وهل يجرؤ
ممدوح الليثي، المسؤول عن جهاز الانتاج السينمائي الرسمي في
مصر، على مواجهة إسرائيل بالفعل وليس بالقول، وتمويل الأفلام
"الحقيقية" التي تفضح ممارسات إسرائيل "الحقيقية" داخل مصر
نفسها؟ أم أنه سيتوجه أولا إلى أولياء نعمته وزملائه القدمي في
مباحث أمن الدولة لكي يطلب رأيهم، وهل سيتناقض أمن حسني مبارك
مع مواقف حسني مبارك؟
إن موضوع التطبيع أصبح بكل تأكيد في حاجة إلى تحديد علمي بعد
أن أصبح حديث حق يراد به باطل، وأصبح كل من هب ودب من صحفيي
آخر زمن، يستخدمه للصراخ في وجه الشرفاء.
يشارك الممثل خالد النبوي في فيلم أمريكي هو "لعبة غير عادلة"The
Unfair Game
(وهو بالمناسبة من أفلام الهجوم على السياسة الأمريكية في
العراق) الذي اشتركت فيه ممثلة إسرائيلية، فتقوم قيامة البعض.
يذهب الممثل عمرو واكد لتمثيل دور في مسلسل بريطاني كبير عن
صدام حسين، يشارك فيه ممثل إسرائيلي، فتقوم القيامة أيضا.
فما هو المطلوب: أن يمتنع كل الممثلين العرب عن العمل ويتركوا
الفرصة، كل الفرصة، أمام الإسرائيليين للتواجد والتعبير وتقديم
أنفسهم للعالم، ولماذا لا ينسحب الإسرائيليون الذين نقول عنهم
إن لا تراث لديهم ولا ثقافة ولا تاريخ، وبأن دولتهم تقوم على
التلفيق؟ لماذا لا ينسحب الطرف الإسرائيلي "الضعيف" تخاذلا
وجبنا عن مواجهة الطرف "العربي" الأكثر رسوخا من الناحية
التاريخية والثقافية، ولماذا يتعين ان ينسحب ويتوارى دائما هذا
الطرف (العربي) ويترك المجال أمام الإسرائيليين؟ أليست هذه
السياسة نفسها امتدادا لسياسة الانسحاب بدون معركة من هضبة
الجولان، بل ومن سيناء في 1967 قبل أي اشتباك حقيقي مع العدو؟
وهل أدت هذه الانسحابات إلى تعزيز القضية الفلسطينية والى
تحرير الأرض؟!
هذه المكارثية الجديدة
تذهب الممثلة هند صبري لزيارة الفلسطينيين في الضفة الغربية
فتقوم القيامة: كيف تحصل هند على إذن بالعبور من السلطات
الإسرائيلية، فممن كان يتعين أن تحصل هند على التصريح؟ من
المخابرات المصرية مثلا في حين أن السيد عمر سليمان مدير
المخابرات المصرية، لا يستطيع عبور مصر إلى غزة بدون استئذان
الإسرائيليين.. بل ويحصل الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس
نفسه على إذن للانتتقال داخل الأراضي الفلسطينية أليس كذلك؟
وأليس هذا هو الواقع المؤسف المخزي الجدير باهتمام كل القوى
السياسية التي تسعى للتغيير الحقيقي في أرض الواقع وليس التشدق
بشعارات تافهة، ثم الغرق بعد ذلك في غيبوبة المخدرات والخمر!
بكل أسف اقول إن عددا من المثقفين المصريين من أصحاب الصوت
العالي، والفهم السطحي الذي لا يعرف كيف يفكر العالم فينا وكيف
ينظر إلينا، فرضوا إطارا ضيقا يتعلق بنظرتهم للتطبيع، يرفض
التواجد ويرفض المواجهة الحقيقية في ميادين النزال: الفكري
والثقافي والفني والسينمائي، ويفضل دائما أن تبقى إسرائيل
وحدها، تقدم نفسها للعالم- كذبا وادعاء- كنموذج على "التحضر،
والهدوء، والعقلانية" في كل هذه المجالات.
إنه نوع من المكارثية الجديدة التي تفتش في العقول والقلوب
والأفكار، وتتولى توزيع صكوك الوطنية أو سحب الوطينة وتخوين
الكتاب والفنانين الوطنيين نتيجة فرضيات مضحكة ومضللة تؤدي إلى
تقوية الطرف الآخر في الصراع طيلة الوقت، وتجعلنا أضحوطة امام
العالم، وغريب أنها أيضا تصدر من جانب طرف هو الأدعى أن نتشكك
فيه بحكم ولاءاته لسلطة قمعية غير وطنية أصلا، فقدت شرعيتها
منذ دهر، وسقوطها مؤجل فقط.
ودعونا نطرح هذه الأسئلة:
لماذا لا تنسحب الدول العربية من الأمم المتحدة؟ ومن منظمات
الأمم المتحدة التي توجد فيها إسرائيل، ولماذا لا ينسحب ممثلو
الدول العربية (المناضلة ضد اسرائيل) من أي اجتماع دولي يوجد
فيه الطرف الإسرائيلي؟ ولماذا يطلب من الممثلين العرب الانسحاب
امام أي وجود اسرائيلي في أي عمل فني؟ هل اشتراك خالد النبوي
في فيلم أمريكي مع ممثلة اسرائيلية الأصل، معناه أن خالد
النبوي أصبح ببساطة، جاسوسا لإسرائيل، وانه أعلن اعتراف العالم
العربي بها، وهل معنى قبوله الدور أن المثقفين المصريين أصبحوا
من "المطبعين" مع إسرائيل؟
وما معنى "التطبيع" تحديدا؟ وما هي حدوده وقيوده؟ ومن الذي
يحددها؟ وكيف يضر التطبيع القضية الفلسطينية؟ وما هو منطق
المقاطعة؟ وهل المقاطعة لكل ما هو يهودي الديانة، أم صهيوني
داعم لاسرائيل فكريا وماديا ومعنويا، حتى لو كان أوروبيا
مسيحيا، أو هنديا هندوسيا، أو حتى عربيا مسلما، وماذا لو كان
هناك إسرائيلي يرفض السياسة الإسرائيلية ويؤيد القضية
الفلسطينية، كيف سنتعامل معه، هل نتعامل معه على أنه إسرائيلي
يهودي لا يجوز مصافحته، أم على أنه نصير ورفيق درب، هل كل ما
يأتي من داخل إسرائيل (وهو مجتمع شديد التناقضات) شر مطلق يجب
أن نتجنبه، وكل ما يأتي من داخل الدول العربية خير مطلق؟ وهل
المواجهة على جبهة الثقافة تغني بالفعل عن المواجهة الأشمل
والأعمق على جبهة السياسة؟ وماذا يستطيع المثقف العربي أن يفعل
في مواجهة الساسة المتخاذلين الذين يقبلون يوميا يد إسرائيل
لكي تقبل الجلوس معهم، ومع الطرف الفلسطيني المغلوب على أمره؟!
كل هذه الأسئلة ينبغي طرحها بكل جرأة وصراحة، والاجتهاد في
تقديم إجابات علمية عنها، بعيدة عن الشعارات والمزايدات
الفارغة التي لا تؤدي سوى إلى مزيد من الهزائم والانكسارات.
وقديما قالوا "خذوا الحكمة من أفواه المجانين".. لكننا لا يمكن
أن نتعلم الوطنية من بيانات الـ........!
أمير العمري
amarcord222@gmail.com |