نشرت مؤخرا بعض الأخبار والتصريحات على بعض الصحف والمواقع، تمتليء
بالأخطاء والاستنتاجات بشأن موقفي من مهرجان الإسماعيلية السينمائي وهو ما
دعاني إلى إصدار هذا البيان لتوضيح بعض الحقائق.
أولا: كان تعييني مديرا للمهرجان في أوائل 2012 من قبل وزير الثقافة في ذلك
الوقت الدكتور شاكر عبد اللطيف، وكان المخرج مجدي أحمد علي قد عين قبلي
رئيسا للمركز القومي للسينما، وهو ما فسر آنذاك بأننا جئنا نتاجا للثورة
المصرية في 25 يناير 2011.
ثانيا: قمت بالتعاون مع مجدي أحمد علي بإجراء تعديلات على لائحة المهرجان
التي أصبحت تنص على أن رئيس المركز القومي للسينما يكون هو رئيس المهرجان،
بالإضافة إلى تعديلات أخرى فنية.
ثالثا: كان قرار تعييني قد صدر من الوزير بناء على نتيجة اجتماع اللجنة
التي كانت مسؤولة عن إدارة المركز القومي للسينما التي أعتبرت كمجلس إدارة
للمركز وكانت تضم عددا من السينمائيين، وشكلت في عهد الوزير عماد الدين أبو
غازي في خطوة كانت تهدف إلى تحقيق نوع من الشفافية في عمل المركز ورسم
سياساته. وكان قرار اللجنة أن أكلف بإدارة المهرجان لمدة عامين، ولكن عندما
جئنا لكتابة العقد فوجئنا بالشؤون القانونية بالمركز تقول إن وزير المالية
اشترط ألا يتجاوز أي عقد سنة مالية واحدة، ولما كنا في أوئل فبراير 2012
وقتها فقد تم تحرير عقد لمدة خمسة أشهر فقط على أن يتم تجديده بعد انتهائه
مباشرة في آخر يونيو 2012 عملا بقرار مجلس إدارة المركز. هذا الكلام أكده
مجدي أحمد علي (يمكنه تأكيد كلامي هذا بالطبع)، كما أكده خالد عبد الجليل
رئيس قطاع الإنتاج في وزارة الثقافة.
رابعا: بعد استقالة الوزير شاكر عبد الحميد جاء إلى الوزارة الدكتور محمد
صابر عرب، الذي قابلته مرة واحدة مع مجدي أحمد علي واستمع إلى ما تم إنجازه
حتى ذلك الوقت أي قبل إقامة الدورة بنحو شهرين فقط، وبعدها إفتتح الوزير
المهرجان في 23 يونيو وألقى كلمة استغرقت أكثر من 10 دقائق، أخذ يستعرض
فيها أمام الضيوف الأجانب، دور مصر الحضاري ويتحدث عن تاريخ مصر وأشياء
أخرى. وعندما رجوت مجدي من على المنصة أن يلفت نظر الوزير إلى الاتفاق
السابق بيننا الذي يتلخص في ألا تزيد كلمته عن سطر واحد فقط يقول فيه "بسم
الله الرحمن الرحيم نفتتح الدورة الـ15 من مهرجان الاسماعيلية السينمائي"،
رفض الوزير ودفع مجدي بعيدا عنه كما لاحظ الجميع وقتها، واستغرق في إلقاء
كلمته التي لم تكن لها أية علاقة لا بالسينما ولا بالمهرجان الأمر الذي
أفسد حفل الافتتاح بعد أن أخرجه عن مساره.
غير أن المهرجان نجح وحقق انطباعا جيدا جدا لدى كل الضيوف من الخارج بل
وتمكنا من التغلب على العقبات الهائلة التي واجهتنا في اللحظة الأخيرة قبل
افتتاحه ومنها اعتذار عضوين رئيسيين في لجنة التحكيم خوفا من تفاعلات
الشارع السياسي وخطورته. واعتبر المهرجان في ثوبه الجديد وسياقه المختلف
الذي أرسيناه، علامة فارقة في مسيرته ومسيرة المهرجانات التي تنظمها وزارة
الثقافة. يشهد على ذلك الملف الصحفي المتوفر عن الدورة الـ15 ورد فعل كل من
دعوا من الصحفيين والنقاد والسينمائيين إلى المهرجان.
خامسا: استقال محمد صابر عرب من منصب وزير الثقافة أثناء إقامة دورة
المهرجان وتحديدا في اليوم التالي لإعلان انتخاب محمد مرسي رئيسا
للجمهورية، ولم يكن الهدف من استقالته سياسيا، بل لكي ينال جائزة الدولة
التقديرية كما هو معروف ومنشور. وبالتالي أكملنا المهرجان بدون وزير
للثقافة واختتم بحضور محافظ الإسماعيلية وخالد عبد الجليل منوبا عن الوزير،
واستمر الحال على ذلك بعد انتهاء الدورة لمدة شهر أو أكثر قليلا إلى أن عاد
صابر عرب إلى موقعه، وتقاعس عن تجديد العقد او إصدار أي قرار بإقامة الدورة
الـ16 من مهرجان الإسماعيلية وهو القرار الذي بدونه لا يمكننا أن نبدأ في
العمل، وأخذ السيد خالد عبد الجليل الذي يشغل منصبا لا أعرف شخصيا له أي
دور أو ضرورة وهو منصب رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، يرواغ ويتهرب بعد أن كان
قد تعهد بأننا سنبدأ العمل فور انتهاء الدورة من أول شهر يوليو 2012
للإعداد للدورة الجديدة مثل كل المهرجانات المحترمة في العالم.
وبطبيعة الحال فخالد عبد الجليل يلتزم بإطاعة الوزير الذي يرأسه، كما أن
الوزير الذي لا يعرف شيئا عن السينما وعالمها، يستمع لتقارير وآراء
وانطباعات خالد عبد الجليل التي تدخل فيها عوامل شخصية أحيانا، وقد جاء إلى
منصبه- كما صرح لي شخصيا أكثر من مرة متباهيا- بفضل سمعته الجيدة لدى رجال
الأمن. كما قيل الكثير أيضا عن علاقته بلجنة السياسات المشؤومة ولم ينشر هو
أي شيء ينفي عنه هذه الاتهامات.
وكان الجميع يتوقع أن يترك عبد الجليل منصبه في رئاسة المركز القومي
للسينما بعد الثورة إلا أنه ترقى إلى منصب رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، وكان
الذي أصدر قرار ترقيته الوزير الأسبق عماد الدين أبو غازي الذي استقال من
منصبه وانضم إلى المعارضة. ولعل هذا يلقي بعض الضوء على طبيعة وأسلوب عمل
السلطة في مصر، التي ما اقتربنا منها إلا لكي نكرهها ونلفظها ويزيد
احتقارنا لها على العكس من كثير من المثقفين الذين يعشقون "التمرغ في
ترابها"!
والمفهوم السائد في مصر لمنصب رئيس المهرجان مفهوم خاطئي تماما، فالكثير من
البسطاء يعتقدون أن "رئيس المهرجان" هو المسؤول عن كل في حين أن منصب
الرئيس منصب شرفي وفي معظم مهرجانات الدنيا لا وجود له بمعنى أن لا أحد
يعرف ما إسمه أو شكله وماذا يفعل بشأن الصورة التي يخرج عليها المهرجان.
كنت قد أكدت في تصريحات منشورة بعد تولي إدارة المهرجان أنني أرغب في تحويل
المهرجان إلى مؤسسة تعمل على مدار العام وليس بشكل موسمي على طريقة "عمال
التراحيل". لكن ما حدث أن خرج مجدي أحمد علي إلى التقاعد، وحل محله المصور
السينمائي كمال عبد العزيز الذي لا يمتلك الخبرة ولا المعرفة بعمل وطبيعة
مهرجانات السينما الدولية، كما أنه استغرق وقتاً طويلا في فهم آلية العمل
وتعقيداته بالمركز القومي للسينما، ولم يوفق في مقابلة وزير الثقافة
لأسابيع طويلة بسبب انشغال الوزير في السفريات والافتتاحات والأعمال
الأخرى. وكانت الحجة أيضا أن الوضع السياسي غامض وغير مستقر وليس من الممكن
التأسيس على وضع موشك بالكامل على الانهيار في أية لحظة.
ومع ذلك فقد قدمت إلى رئيس المركز القومي للسينما كمال عبد العزيز خطة
واضحة تفصيلية للدورة القادمة - بناء على طلبه وإلحاحه- لكي يقدمها لوزير
الثقافة لاستصدار قرار باقامة الدورة الجديدة، لكنه اختفى تماما بعد ذلك
ولم أسمع منه بل علمت من الصحف أنه سافر إلى عدة بلدان ومهرجانات سينمائية.
وهنا قررت قطع أي علاقة لي بهذا المهرجان، وبالمركز القومي للسينما.
سادسا: اختلفت بشدة مع الوزير، الذي أعتبره من أتباع الوزير السابق فاروق
حسني، وكتبت أنتقده في أكثر من موقع، حول قراره باسناد إدارة مهرجان
القاهرة السينمائي إلى ما يعرف بـ"الحرس القديم" وإغفاله التام للجهود التي
قامت بها مؤسسة المهرجان برئاسة يوسف شريف رزق الله وهو ما يعد أيضا نوعا
من إهدار للمال العام. وقد كتبت للوزير مباشرة بهذا الخصوص محذرا من أن
الشطب على المؤسسة الجديدة وإعادة الادارة القديمة يمكن ان يفهم منه أننا
نعود إلى الوراء وننكص عن تعهداتنا بعد الثورة بأهمية التغيير، وقلت إن
البعض قد يفهم أيضا أن هذه رسالة تقول إن القدامى هم الأكثر معرفة وفهما
لادارة المهرجانات وهذا ليس صحيحا، إلا أن الوزير تجاهل تحذيري وأصدر في
اليوم التالي قرارا بعودة سهير عبد القادر وعزت أبو عوف إلى صدارة مهرجان
القاهرة، وقد تقاعس أيضا عن الاستجابة لطلبي بضرورة تحديد موعد معه
لمناقشته في وضع مهرجان الاسماعيلية، بل وكان رده علي مكتوبا أنه يعيد
النظر حاليا في المهرجانات التي ستدعمها الوزارة وسياسة الدعم من عدمه.. ثم
كلف مسؤول في مكتبه بالاتصال بي لمعرفة ما أريد الحديث فيه مع الوزير، فقد
كان يخشى المواجهة ولا يريد أن يشعر أمامي بالحرج.
وكنت قد استخدمت علاقاتي الخاصة وسفري إلى أكثر من مهرجان دولي على نفقتي
الخاصة، في عمل اتصالات من أجل مهرجان الاسماعيلية كما أتيت بأفلام جديدة
صالحة واتفقت مع بعض السينمائيين المرموقين على المشاركة في لجنة التحكيم
إلا أنني وجدت أن إدارة المركز القومي الضعيفة عاجزة تماما عن اتخاذ أي
موقف أو الدفع إلى الأمام بالمهرجان. وقبل أن أسافر إلى لندن لاجراء عملية
جراحية، أرسلت إلى كمال عبد العزيز ما يفيد أنني اتمنى لهم التوفيق بعد أن
أيقنت أن الأمور لا تتحرك في اتجاه استئناف العمل، وأن المهرجان لن يقام في
موعده الذي حددناه من قبل وهو 8 يونيو 2013، واعتبرت نفسي بالتالي خارج
المهرجان وقطعت علاقتي به تماما خاصة وأنني لا أستطيع العمل مع أشخاص عديمي
الخبرة والمعرفة يمكن أن يتدخلوا في عملي بحكم أن الرئاسة أي رئاسة
المهرجان تقع على عاتقهم في حين أن دور مجدي احمد علي كرئيس للمهرجان بحكم
منصبه كان ينحصر فقط في التوقيع على المسائل المالية فقط حسب اتفاقنا معا
من البداية وهو اتفاق احترمه هو، وأبعد نفسه تماما عن التدخل في الجوانب
الفنية والتنظيمية.
لقد فشل المركز القومي للسينما في إقامة المهرجان القومي للسينما المصرية
الذي هو أساس وظيفته ومهمته أي دعم السينما المصرية لدورتين متعاقبتين
الآن، كما فشل حتى في إقامة المسابقة التي أعلن عنها قبل عدة أشهر لأحسن
فيلم تسجيلي مصري عن الثورة، معلنا عن جائزة قدرها 20 ألف جنيه يمنحها
الجمهور لهذا الفيلم!
أود ان أختتم هذا البيان بالأسف الشديد على ما آل إليه حال المهرجانات
السينمائية التي تقيمها وزارة الثقافة بعد أن أصبحت تعامل على أنها مثل
"ليلة الزفة"، يكفي أن تجمع منفذيها قبل أشهر معدودة مثل عمال التراحيل،
وتطلب منهم مواصلة العمل ليلا ونهارا والانفاق من جيوبهم، لكي تتاح الفرصة
للوزير للظهور على المسرح بوصفه حاميا للثقافة المصرية والسينما في حين أنه
لم يعرف لهذا الوزير الحالي أي دور إبداعي بل إنه جاء للثقافة من باب تدريس
التاريخ في جامعة الأزهر، وليس من باب الإبداع الفني والأدبي والفكري.
أود أيضا أن أعرب عن أسفي لوجود وزير يستقيل للمرة الثانية مدعيا أن
استقالته جاءت بسبب سحل مواطن مصري على أيدي رجال الأمن، ثم يعود للمرة
الثانية عن استقالته بعد أن أصبح السحل أمرا روتينيا يمارس يوميا في شوارع
مصر.
إنني لا أسمح لنفسي بالعمل مع وزير مثل صابر عرب، ولا مع رئيس مستجد للمركز
القومي مشغول بشيء واحد فقط منذ تسلمه منصبه، وهو الترويج والدعاية لنفسه
في الصحف وأجهزة الإعلام، والبحث عن أي فرصة للسفر إلى المهرجانات الدولية
التي لا توجه له الدعوة لقيمته السينمائية فهو قد كف تماما عن العمل في
السينما، بل لمنصبه الرسمي المؤقت، وأرجو أن يتعلم شيئا من هذه المهرجانات
في النهاية!
لقد جئت إلى مهرجان الإسماعيلية السينمائي مع الثورة.. وها أنا أرحل عنه مع
انتصار الثورة المضادة في مصر. ولعل هذا يفسر الكثير من الأشياء لمن يريد
أن يرى ويفهم!
أمير العمري
17 فبراير 2013
سينماتك
في 17 فبراير 2013 |