بعد عشرة أشرطة قصيرة، وأخر إستقصائي (2013) حلل
الثيمات السياسية في تحفة المعلّم الإيطالي لوكينو
فيسكونتي "الفهد"، بمناسبة مرور خمسين عاما على
إنتاجها، حققت المخرجة الشابة أنّاريتا زامبرانو
باكورتها هذه حول فترة سياسية عصيبة بين بلدها وفرنسا،
والسبب: عقيدة ميتران المثيرة للجدل التي ضَمَن الرئيس
الإشتراكي الراحل في قانون أصدره عام 1985 "أماناً
رسمياً" لناشطي اليسار الإيطالي من الملاحقات
الحكومية. إنصب هدفه على "تسهيل" إنتقال المواجهة من
قتال مسلح إلى حل سياسي. تقول زامبرانو في هذا الصدد:
"في الواقع، أعتقد أن هناك صراعاً بين ثقافتين
قانونيتين مختلفتين، إذ أعطى الفرنسيون القضية بعداً
سياسياً وليس جنائياً لما كان يحدث في إيطاليا التي
عاشت ظرفاً عصيباً جعل، وفي أحايين كثيرة، النظر الى
الخط الفاصل بين "الحرب الأهلية" و"الإرهاب" محفوفاً
بالمخاطرات وعصيّ على الإختيار. هل كان ميتران على حق؟
ربما، كونه نَظَر إلى "القوانين الخاصة بمكافحة
الإرهاب" التي كانت نافذة آنذاك في إيطاليا على انها
تهديد للحريات المدنية". ولم يُبطل هذا القانون إلا
عام 2002 حينما سلمت باريس أول "مناضل" يدعى باولو
بيرسيكيتي، ويحكم عليه القضاء الإيطالي بالسجن 22
عاماً. على هذه الخلفية التاريخية تفتتح زامبرانو
حكايتها بتصعيد سياسي لمعارضي قانون العمل في جامعات
مدينة بولونيا، قبل ان يشهد الجميع إغتيال قاض نافذ،
كتمهيد مرتب ومفضوح لصدام يستعجل الدم والتصفيات.
زامبرانو، التي ولدت في روما عام 1972، وقدمت الى
باريس لغرض إكمال أطروحتها حول علم جمال السينما،
مستقرة فيها منذ العام 2000. عملت ضمن فريق برمجة
"مهرجان باريس السينمائي" مسؤولة عن "جائزة المستقبل"
لمدة ثماني سنوات.عرضت أعمالها القصيرة "أوفيليا" في
المسابقة الرسمية لمهرجان "كانّ" السينمائي (2013)،
و"ثلاث ساعات" ضمن خانة "أسبوعا المخرجين"(2010)،
و"شنغن" ضمن "أسبوع النقاد"(2012). شاركت في “فينيسيا”
بنصّها "عند سطوع القمر"(2009). أنجزت عملها التسجيلي
الطويل الأول "الروح السوداء للفهد" عام2013، لن تقع
في إغواءات التوثيق لهذه الحقبة الملتهبة بل تعبر
الحدود بعجالة محسوبة الدوافع، مصوّبة سهامها الدرامية
على محنة رجل خمسيني منفي يدعى فرانكو (الممثل جوسيبي
باتستون) تصل شياطين الإنتقام والمطاردة والموت الى
أمانه العائلي، وتدفعه بصحبة إبنته أنّا الى فرار
متواصل يقلب حياتهما، لكنه في وجهه الأخر البهي يعرف
الصبية بقيمة نضال رجل آمن بالعدالة والإنصاف
والحميمية التي تعمّ كيانه.
نصّ "بعد الحرب" المعروض ضمن منافسات الفيلم الأول في
خانة "نظرة ما" في الدورة الـ70(17 ـ 28 مايو/ أيار
2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ، متحيّز بعقلانية، ضد
ذنب شعبوي جَرَم قطاعاً سياسياً بقصد إيديولوجي بحت،
مؤلباً القانون ضده بإجحاف ونذالة، مبرراً حروباً
خسيسة تخلق أبطالاً رسميين دمويين. وهذا الدّم المسفوك
هو ما تختتم به زامبرانو فاجعتها المصنوعة بروح
السينما النضالية التي صاغتها قامات وضاءة على شاكلة
إليو بيتري ومايكلأنجلو أنتونيوني وفرانشيسكو روزي حيث
يصبح العمل السينمائي في أعرافهم أمثولات بصرية تُشنّع
بتواريخ الظلم والجور والتواطؤ في قلب أوروبا الحداثية.