زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

مهرجان كان السينمائي الدولي الـ 74

Un Certain Regard  "تظاهرة "نظرة ما"

7 بواكير سينمائية حول الطفولة والعائلة والعبوديَّات الحداثية

بقلم: زياد الخزاعي

 
 
 
 
 

«سينماتك» في كان السينمائي الدولي

 
 
 

لطالما إعتبرت شخصياً تظاهرة "نظرة ما" قدوة مهرجان "كانّ"، من حيث إهتمامها العنيد بإشتغالات شبيبة السينما الدولية، وجداراتهم على تقديم نصوص تتميَّز بإبتكار ديناميكي ورؤى معمقة لإحوال الإنسان الحداثي. مواهب، يكون لها لاحقا الأبْواع المعتبرة والمختلفة في منجز السينما عموماً. فالخانة التي أسسها الرئيس السابق للمهرجان جيل جاكوب في عام 1978، وأطلق جائزتها المرموقة في العام 1998، إستهدفت أشرطة ذات أساليب إستثنائية وقصص غير دارجة. تمسَّكت، صعوداً أو هبوطاً في نوعية خطاب بعض إختياراتها ومستوياتها الفنية، بإمانة توجهاتها، رغم وجود أسماء مكرسة بين حين وأخر مثل السينغالي عثمان سمبين"مولادي" (2004)، أوالكوري الجنوبي هونغ سان ـ سو "هاهاها" (2010)، أو الكمبودي ريثي بانه"الصورة المفقودة" (2013) من بين أخرين.

الحاسم، إن "نظرة ما" لم تؤسس تياراً سينمائياً، ولم يكن في نيتها ذلك، فكونها نشاطاً موازياً الى المسابقة الرسمية، أبقت مسافة إيديولوجية وإبداعية محصَّنة بينها وبين الخبطات الإعلامية المحيطة بأفلام "نادي الكبار" التي تفوز بالسعفة الذهب، والتي تكون معنية بعد ذلك بإحوال سوق العروض ومزاجه ومنافساته و...جشعه. إنصب شاغل "نظرة ما" على تقديم "قول سينمائي" أخر، لم يقنع المفوض العام للمهرجان ومديره الفني تييري فريمو وفريقه بضم عناوينه الى التنافس الأمجد. لحسن الحظ، أدت خطوة الإزاحة هذه، الى أن تُوجِد هذه الأفلام لعروضها جمهوراً سينيفيلياً خاصاً، ومريدين مخلصين من مشاهدين شباب، تحتشد بهم قاعة ديبوسيه المخصصة لعروض الخانة، ضمن ظاهرة شعبية دفعت بفريمو الى حضوره شخصياً وتقديم صناع الأفلام ودعوتهم الى خشبة المسرح، والتي غالباً ما تكشف عن ولع عارم بين الحاضرين، يُبان في إسلوب حفاواتهم بـ"أجانب" مجهولين تماماً.

 هذا ما حدث بالضبط مع التايلندي إبيشاتبونغ فيراسيتاخول حين فاز بجائزة العام 2002 عن "السعيد بكم"، ويصبح محط الأنظار والمدائح النقدية الواسعة النطاق، لعل أشهرها ما نشرته مجلة "سايت أند ساوند" البريطانية في مقال مخصص لهذا الفيلم، حيث عدّته "واحداً من المخرجين الأكثر إبداعاً في العالم"، وهي بمثابة نبؤة نقدية لمستقبل مضيء، يقود إشتغالات فيراسيتاخول نحو مجد السعفة الذهب التي ينالها بعد ثمانية أعوام لاحقة عن "العم بومني الذي يستطيع إستعادة حيواته السابقة"، وها هو يشارك في مسابقة هذه دورة العام 2021 بجديده "ميموريا" مع الممثلة البريطاني تيلدا سونتن.

زملاؤه من الفائزين بجائزة التظاهرة، نالوا بدورهم حظوات تالية في مهرجانات أساسية أخرى. فعلى سبيل المثال، حصد الأغريقي يورغوس لانثيموس أوسكارات عدة في عام 2018 عن كوميديته التأريخية "المفضلة"، بعد أن كُرم في خانة "كانّ" عن عمله الروائي الثالث "سن العقل" (2009) (يُخطىء كثيرون في ترجمة هذا العنوان الى "سن الكلب"!!). فيما نال الكوري الجنوبي كيم كي ـ دوك أسداً ذهبياً من مهرجان فينيسيا الإيطالي عن شريطه الإشكالي "بيتا" (2012)، بعد أن كُرم قبل عام واحد بجائزة "نظرة ما" عن نصّه الوثائقي الصادم "أريرانج". أما الإيراني محمد رسول أف فقد حصل عمله الأخير "لا يوجد شيطان" (2020) بجائزة الدب الذهب في مهرجان برلين السينمائي، بعد أن كُرم قبلها بثلاثة أعوام بجائزة "نظرة ما" عن شريطه الإتهامي "رجل نزيه".

"نظرة ما" (أو "خاصة" لدى البعض) هي جغرافية سينيفيلية محكومة بشبابيتها، وكان مدعاة للإستغراب، إقدام فريمو في مؤتمره الصحافي السنوي والخاص بإعلان برنامج الدورة الـ74، على "تصويب" توجهها الثابت كمنصة للطليعية والحداثوية، ويقرر إنها ستعود الى عهدها لرعاية السينما الشابة!، وغاب عن ذهنه والأخرين إنها مساحة تأسست على هذا الهدف دون غيره. فنظرة عامة على قوائم المشاركات، يجد المرء إن نسبة معتبرة منها مصنوعة بيد شبيبة خلاقة. من دون إغفال حقيقة وجود حصة مبالغ فيها لإسماء كبار، رضوا بتواجدهم جنباُ الى جنب مع "مبتدئين". ففي الدورة الحادية والخمسين، تنافس المعلّم السويدي إنغمار برغمان (1918) مع الإيرانية سميرة مخملباف (1980). في دورة لاحقة، تنافس المصري يوسف شاهين (1926) مع البوسني جاسمين ديزدار (1961، والفائز بجائزة الخانة عن "أناس جميلون"، 1999). وهناك الروسي بافل لونغين (1949) مقابل الكولومبي كيرو غويرا (1981) في الدورة الـ62، والياباني كوجي واكماتسو (1936) مقابل الكندي كزافييه دولان (1989) في الدورة الـ65. لا ريب إن "قيصر كانّ" بدا خالي الوفاض من أفكار كبيرة، أو كأن ما تبقى منها شرعت في الإفلات من بين أصابع دهائه. الجلّي هنا، إن ما كان لجاكوب من ريادة في شؤون هذه التظاهرة وتكريس نفوذها، يتم سلب عنوانها الراسخ تحت غطاء "حقبة كوفيد"، وتجييرها لصالح فرقعات إعلامية تصب في نفع فريق فريمو.

هذا العام، هناك 7 بواكير سينمائية من بين 20 فيلماً، تتنافس على جائزة أفضل فيلم في "نظرة ما"، وهي نسبة ضئيلة بيد أنها مدعاة الى عرضنا الإنتقائي السريع هذا. أولها، النصّ الإجتماعي من توقيع الصيني المقيم في النمسا سي بي يي، الذي درس الإخراج السينمائي تحت إشراف صاحب "الرباط الأبيض" (2009) و"حب" (2012) المعلّم ميشائيل هانيكه. تدور احداث "موني بويز" ضمن عوالم المثليين في تايوان، بطلها شاب يعمل في السياحة الجنسية التي يشير لها العنوان، وهو وصف خاص بالعاملين من اليافعين بإعتبارهم سلعاً تدر مالاً سريعاً وسهلاً، تتنازعه دوافع داخلية للتخلص من "عبوديَّة" رأسمالية تسلبه إنسانيته، والعودة الى قيم عائلية وتقاليدها وأمانها الأخلاقي.

على منواله الإنتقادي، تشارك جيسيكا جينيو من هايتي بعملها "فريدا" التي تقطن مع عائلتها الفقيرة في حي شعبي عند ضواحي العاصمة بورت دو برنس حيث يعتاش الجميع من عائدات متجر صغير متخصص في بيع وجبات طعام سريعة للعابرين. تدفعهم هشاشة وعنف حياتهم اليومية إلى بذل كل ما في وسعهم للإفلات من وضع متفاقم ودموي.

أما الأيسلندي فالدميار يوهانسون، فيصوغ حكاية غرائبية ومثيرة في "حمل"، تؤدي فيه الممثلة السويدية نوومي راباس والأيسلندي هيلمر سنار غودنسون دور زوجين يعيشان في مزرعة نائية يتبنيان طفلاً غامضاً حديث الولادة، هو نصف إنسان ونصف خروف، وتربيته كإبنهما الشرعي. كتب يوهانسون عمله مع المؤلف والشاعر الأيسلندي المشهور سيجون، الذي عمل أيضاً مع صاحب "الفنار" (2019) الأميركي روبرت إيغرز في المعالجة النصّية لشريطه الجديد "رجل الشمال" (أو "الشمالي").

 في حين، يسرد الفرنسي يوهان مينكا في "أنا وأشقائي" حكاية صيفية بطلها الصبي نور البالغ من العمر 14 سنة، الذي يعيش في حي شعبي عند حواف بلدة بحرية. إنه على وشك أن يقضي صيفاً تتخلله كبوات شخصية، بسبب علاقاته المتوترة مع أشقائه الكبار ومرض والدته وتكليفات خدمة مجتمعية مضنية، من بينها واجب إعادة طلاء بوابة مدخل كليته حيث يلتقي بالصبية سارة، وهي مغنية أوبرا واعدة، حلت في المدينة من أجل دورة صيفية. يفتتح هذا اللقاء آفاقاً جديدة لفتى ظن إن العالم أغلق فرصه الى الأبد.

تيودورا أنا ميهاي مخرجة من أصل روماني وتقيم في بلجيكا. نال شريطها الوثائقي "في إنتظار أغسطس" مديحاً نقدياً وجائزة الفيلم الأوروبي في عام 2014. في جديدها الوثائقي "مدني" تسافر ميهاي الى شمال المكسيك من أجل تصوير رحلة جحيمية، ومستوحاة من أحداث حقيقية، بطلتها أم عنيدة ومجالدة، تسعى بكل الوسائل الى إنقاذ إبنتها المراهقة، بعد إختطافها على يد أزلام كارتل مخدرات لا يرحم. سيلو امرأة مكلومة تتحول من والدة مدنية بلا حول الى مقاتلة شرسة ضد عبودية سلطوية غاشمة، حين تفشل السلطات في إغاثتها أو تقديم العون لها. شاركت في إنتاج شريط ميهاي شركة الأخوين المخرجين الشهيرين جان بيير ولوك دَردان.

يتنافس الصيني نا جيازوو في "أطفال شوارع" بحكاية ميلودرامية بطلها الشاب دونزي الذي يعمل محصلاً للديون من أهالي قريته لصالح زعيم عصابة يدعى شي جون. الشاب مرغم على إداء إستحقاقات مهنة وإستعبادها، ما يجعله مكروهاً من قبل الجميع. هدفه، جمع أكبر مبلغ مالي لتسديد فواتير مستشفى، يعالج فيها والده الذي يراه إبناً عاقاً وفاشلاً. "يوميات عائلية باردة، وحياة مقلقة في الشوارع، وعلاقة غامضة مع امرأة شابة. في حالة دونزي هذه هي الحياة وقسوتها، وما يعنيه أن تكون في الحادية والعشرين من العمر"، حسب وصف كتيب الفيلم.

أخيرا، تختار البلجيكية لورا فيندل في "ساحة اللعب" حكاية نورا البالغة السابعة من العمر، ومحنتها في توكيد ولائها العائلي أو الخضوع الى الصمت، حين تشهد تعرَّض شقيقها الأكبر إيبل الى التنمر من طرف زملائهما في المدرسة. تندفع الى حمايته بتحذير والدهما، بيد أن الصبي يجبرها على السكوت. عالقة في صراعها الشخصي و"عبوديته"، تحاول نورا في النهاية العثور على مكانها الممزق بين عوالم الأطفال والبالغين.

سينماتك في ـ  04 يوليو 2021

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004