هذه النصوص (الدروس) هي خلاصاتٌ نظرية لوثائق
سمعيّة/بصرية، وأفلاماً تسجيلية عن التفكير في السينما
التسجيلية، متاحة للمُشاهدة العامة من خلال قناة
افتراضية هي
Canal-U،
مشروعٌ يخصّ المجتمع الأكاديميّ، بدأ منذ عام 2000
بقيادة "الهيئة الرقمية للتعليم العالي" التي تتبع
"وزارة التعليم العالي، والبحوث"، ويُشرف على هذا
المشروع "مركز الموارد، والمعلومات الخاصّ بالوسائط
الإعلامية للتعليم العالي".
Canal-U
هي موقعٌ مرجعيّ للمواد السمعية/البصرية للتعليم
العالي، وخزينة أفلام رقمية، بإمكان الأساتذة، والطلبة
أن يجدوا فيها برامج ثرية تتضمّن وثائق تربوية معتمدة
من طرف الهيئات العلمية للجامعات الرقمية المُتخصصة،
وتتوجه هذه القناة إلى الطلبة، والأساتذة، والباحثين
بمُقتضى محورين :
ـ توفير موارد تعليمية بالإضافة إلى المناهج
المُعتادة.
ـ مواكبة تطورات الجامعة الفرنسية بتطوير استخدام
تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات في مجال التعليم
العالي.
ومن بين المُشاركين في هذا المشروع "السينماتيك
الفرنسية" التي تحتوي خزينتها على مؤتمراتٍ مصوّرة،
ولقاءاتٍ حول السينما.
*****
الدرس 4 (الجزء الأول)
إخراج الفيلم التسجيلي
السينما هي، بالآن ذاته، روائية/خيالية (لقطة كلبٍ
مسعورٍ لا يعضّ)، وتسجيلية (كلّ فيلم يوثق أداء ممثليه
على الأقلّ).
ولكن، بطبيعة الحال، يختلف الهدف التسجيلي اختلافاً
كبيراً عن مثيله الروائي.
الحقيقة التاريخية ليست من نفس نظام الحقيقة الدرامية
(فيما يخصّ الإنتاج، والاقتناع)، ولا تعكسا العالم
بنفس الطريقة (حتى لو تمكنتا من الاختلاط)، ولا تنبثقا
من نفس الإيماءة، من نفس النية (ولا من نفس
الاستقبال).
الطبيعة التسجيلية للسينما، التقاط الصور كما التقاط
الحياة، تنطويّ على مستويين من التساؤلات:
1ـ مسألة الواقع، والحقيقة على الشاشة في مواجهة
المتفرج.
2 ـ مسألة العلاقة بين الشخص الذي يصوّر/والموضوع الذي
يصوّره، شروط، وتوجهات التصوير، وهي نفسها التي سوف
تقود اقتناع المتفرج (خداعه، أو عدم خداعه).
حيث التصوير، وبشكلٍ خاصّ في حالة الفيلم التسجيلي،
ليس فقط تجسيداً، ولكن أيضاً التعامل مباشرةً مع
العالم، وأبطاله.
في التسجيلي، أكثر بكثيرٍ من الروائي، العلاقة بين فعل
الشخص الذي يصوّر، وأفعال المواضيع، والأشياء التي
يصورها (خلال التصوير، والمونتاج) ليست فقط محرّك
الفيلم، ولكنها جزءٌ لا يتجزأ من هدفه، ومعناه.
وبينما في حالة الفيلم الروائي، كما قال "جودار" يوماً
:
"لقطة التتبع/الترافلينغ مسألةٌ أخلاقية"
(كما يمكن للمرء أن يقول "الأسلوب هو الرجل").
فإنه، في حالة التسجيلي، يمكن القول:
"الأخلاق هي بالأحرى مسألة لقطة تتبع/ترافلينغ"
(اقتباسٌ يعود إلى المخرج الفرنسي "لوك موليه"، صحيحٌ
بأنه أقلّ شهرة، ولكنه سبق ما قاله "جودار") شريطة أن
لا نصوّر شخصيات قصة (التمثيل بالمعنى المسرحي، ورؤية
المؤلف)، ولكن قصة الناس الذين يستحقون، ويجيبون عن
أنفسهم أمام الكاميرا، ويجب على المخرج التسجيلي
الإجابة عن تجسيدهم.
ولهذا السبب، سوف نتحدث هنا عن تحليل
"esth-éthique"
(وتعني جماليّ ـ أخلاقيّ مُتداخل)، وهذا يعني، بأنّ
فهم التسجيلي يتطلب نقداً ذرائعياً/واقعياً بالإضافة
إلى تحليلٍ سيميولوجي (أو أيقوني).
*****
نقاشٌ حول إخراج الفيلم التسجيلي
الدرس 4 (الجزء الثاني)
تمّ تنظيم هذا النقاش انطلاقاً من كتاب "فرانسوا
نيني":
"الفيلم التسجيلي، حالات مظاهره المُزيفة"، وهو من
خلاله يتساءل عن طبيعة الصور في التلفزيون، والسينما.
كيف يمكن أن نتعرّف على فيلم تسجيليّ؟
ما الذي يُميز على الشاشة العالم الواقعي عن
الروائي/المُتخيل؟
بين الذين يعتقدون بشكلٍ أعمى بموضوعية اللقطات
(أخبار، أو أرشيف)، وأولئك الذين ينزعون عنها أيّ
واقعية، ولا يجدون فيها أكثر من "إخراج/أو تصميمٍ
إخراجيّ"، الدرب ضيق، وهو في بعض المرات متعرجٌ (حيث
يتقاطع فيه الواقع مع الخيال)، ولكن، هذا بالضبط ما
يطمح الكتاب إلى تفسيره.
إن أيّ لقطة منفردة لا يمكن أن تُثبت حدثاً ما، ولكنها
تُظهر شيئاً من العالم في لحظةٍ معينة (وهنا يكمن سحر
السينما).
وبالتالي، فإنه من المناسب التساؤل عن معناها، وطبيعة
الصور التي التقطتها، وما تسعى إلى إظهاره، والظروف
التي تقودها، وكيف تقدم نفسها لإقناع المتفرج (نحن لا
نقتنع بنفس الطريقة ما يحكيه الفيلم الروائي
North by Northwest
لألفريد هيتشكوك 1959، والفيلم التسجيلي
Le chagrin et la pitié
لمارسيل
أوفولس 1971"، "كأنّ" في الفيلم الروائي التي نقبلها،
تختلف عن "هكذا" في الفيلم التسجيلي التي يمكن أن نشكك
فيها).
من الضروري إذاً توضيح الاختلافات بين التسجيلي،
والروائي، وبالاعتماد على أمثلة، من أجل توسيع نطاق
ملامح الاختلاف (أو التوافق).
ليس فقط طبيعة ما تمّ تصويره ـ بافتراض أنه حقيقيّ، أو
متخيل بحدّ ذاته ـ هي التي سوف تحدد التسجيلي، أو
الروائي، لكن، وبالتساوي، علاقة الشخص الذي يصوّر مع
الموضوع الذي يصوّره، مشاركة وجهات النظر من خلال
العدسة، توجه الإخراج، والمونتاج، الطريقة التي يخاطب
بها الفيلم المتفرج، جذبه كي يشاهد على الشاشة عالمنا
المُشترك، أو عالماً مضافاً "مخترعاً"، فهمه كصياغةٍ
جادة (تسجيلي)، أو خادعة (متخيل، مختلق)...
يمكن الإضافة، بأنّ هناك استخداماتٍ تسجيلية للروائي
(تعليق من طرف المخرج، أو مهندس الديكور على طريقة
الإضافات الموجودة في الأقراص المُدمجة، حيث يصبح
الفيلم، بطبيعة الحال، وثيقةً عن طريقة تصويره)، كما
الحال أيضاً مع بعض الأفلام الروائية التي تتظاهر
بأنها ليست كذلك، ولأسبابٍ دعائية، أو تجارية، تريد أن
نقتنع بأن ّ "ما نشاهده على الشاشة قد حصل كهذا حقاً".
*****
التسجيلي، والصور الأرشيفية
الدرس رقم 5
منذ دزيجا فيرتوف، وحتى فريديريك روسيف، مروراً بـ
آلان رينيه، و"كريس ماركر، وافق مخرجون كبار على
ممارسة هذا التمرين الخاصّ جداً، ويتعلق بإنجاز فيلم
بدون تصوير صورة واحدة، فيلمٌ يكتبه المخرج كاملاً على
طاولة المونتاج، وليس من قبيل الصدفة، بأننا غالباً
نُسمّي هذه الأفلام التسجيلية الأرشيفية بـ "ّأفلام
مونتاج".
صورٌ إخبارية، برامج تلفزيونية، وثائق صناعية، عسكرية،
تربوية، أفلام عائلية، أفلام مكتشفين، أو علماء
الأعراق البشرية، ..أراضي الصيد للفيلم التسجيلي
الأرشيفيّ مختلفة، ومتنوعة، ولكن، مهما كان أصل هذه
الموارد التي تشكل المادة الأولية للفيلم بصدد
الإنجاز، من الضروري بدايةً معرفة فكّ، وتشفير هذه
الصور من أجل الكشف عن طبيعتها الحقيقية .
الصورة ليست دليلاً عن الحقيقة، لقد تمّ التقاطها في
إطار هدفٍ محدد، يمكن أن تقول الحقيقة، كما يمكن أن
تكذب فعلاً.
يفترض المؤرخ مارك فيرو بأنه "يتوجب علينا تحليل كلّ
الوثائق، وكأنها دعائية، ولكن، الأهمّ، معرفة الدعاية
التي تتضمّنها، الصور الأرشيفية ليست كاذبة، على الأقل
فيما يخصّ نقطة واحدة: ما أراد المؤلف إيصاله للناس،..
هذه، هي حقيقة تاريخية".
هناك مسائل أخرى تفرض نفسها كضروراتٍ قاطعة قبل الدخول
إلى غرفة المونتاج:
ـ كيف لنا أن لا نُضيف التلاعب إلى التلاعب؟
ـ أيّ مبادئ مونتاجية مُفترضة يجب اعتمادها من أجل
تجنب الوقوع في مصيدة الردّ على الدعاية بأخرى مضادة؟
ـ كيف يُمكن ألا نكتفي بأن نطبق خطاباً ما على صور
ذرائعية، وظيفتها الوحيدة تأييد وجهة النظر الأساسية
لصناعها؟
من خلال أمثلة محددة، سوف نعرض ماهي الأساليب المختلفة
في الكتابة التي استعارها الفيلم التسجيلي الأرشيفي،
بدون حصر، ولكن، بالتركيز على الأشكال الأكثر تجديداً،
وتفرداً.
1ـ السياق التاريخي لاستخدام الصور الأرشيفية في
السينما، والتلفزيون.
ـ الأشكال المختلفة للأفلام التسجيلية الأرشيفية:
أرشيف الحرب، أفلام عائلية، أفلام تسجيلية تاريخية،
أفلام علمية، أفلام تجريبية،...
ـ استخدام شائع: الوثيقة الشهادة كدليل عن حقيقة
تاريخية.
ـ استخدام معاصر: الأرشيف بوصفه محرك السرد، إعادة
النظر في وثيقة الأرشيف، تستخدم كحقل اختبار لأشكال
السرد السينمائي.
2ـ موقع صور الأرشيف: تاريخ، أم دعاية؟
ـ حقيقة، وكذب في الفيلم التسجيلي التاريخي، الحقيقي،
والمزيف، والمادة السينمائية.
الصورة الأرشيفية هي أثرٌ "تاريخي"، يتوّجب على المخرج
التساؤل عن معناها، ووظيفتها التي مُنحت لها: رفض
الأرشيف بوصفه توضيحاً بسيطاً، وإثباتاً للحقيقة.
-مثالٌ على الجدل حول صور معسكرات الاعتقال: المحرقة/Shoah
للمخرج كلود لانزمان مقابل الفيلسوف دي. دي هوبرمان.
3ـ خصوصيات كتابة سيناريو فيلم وثائقي يعتمد على
الأرشيف؟
ـ فهم الأرشيف من خلال منهجية الإخراج.
ـ أخلاقية المونتاج: كيفية الإمساك بمونتاج صور لم
يصنعها المخرج؟ كيفية إدخال الأرشيف في استراتيجية
سردية جديدة؟
4 ـ أنظمة إخراج الصور الأرشيفية في الفيلم التسجيلي
التلفزيوني.
ـ كتابة، أو إعادة كتابة التاريخ؟
ـ موقع كتابة التعليق: دور التعليق الخارجي.
ـ المعالجة الصوتية: دور الموسيقى، المؤثرات الصوتية،
والجوّ العام.
5ـ الأرشيف كمادة سينمائية. |