في نهاية فيلم فرانسوا تروفو «الأربع مائة ضربة» 1959،
يصل الصبي إلى الشاطئ، يتلفت، ينظر أمامه كما لو ينظر
إلى فراغ مستقبله، ثم يدير رأسه ناحية الجمهور محدّقًا
في عدسة الكاميرا، في عين المتفرج، وعندئذ تثبت
الصورة. عبر هذه التقنية يستحوذ تروفو على انتباه
المتفرج ويثير اهتمامه العميق، وفي الوقت نفسه يبتكر
وسيلةً جديدةً سوف تُستخدم لاحقًا على نحو شائع.
يقول تروفو: «فكرة تجميد الكادر خطرت لي في غرفة
المونتاج وأنا أدير الشريط إلى الأمام وإلى الخلف، ثم
أتوقف وأبدأ من جديد. بتلك الطريقة تكتشف أحيانًا
لحظات يمكن أن تضيع لو أدرت الفيلم بالسرعة الطبيعية.
السبب الحقيقي لاستخدامي هذه الوسيلة يعود إلى الصبي
الذي لم يؤدِّ المشهد كما أردته. إنه يتجه إلى البحر،
ومن المفترض أن يستدير ويعود. وكل ما طلبت منه أن
يفعله هو أن ينظر إلى الكاميرا كما يفعل الممثل
المسرحي عندما ينحني مودعًا جمهوره، كما لو ينزل من
خشبة المسرح ويدنو من الجمهور.
أردت أن أتيقن من أن الجمهور لن يظن أنه سوف يُقْدم
على الانتحار في البحر. لكنه حين اقترب من الكاميرا،
حرّك رأسه ملتفتًا حواليه ولم يوجّه تلك النظرة
الثابتة التي أردتها. فيما بعد، وأنا أقوم بمونتاج
الفيلم، أدركت أن بإمكاني الحصول على تأثير جيد عن
طريق توقيف الفيلم وتثبيت الصورة. لا أعتقد أنني شاهدت
هذا المؤثر من قبل، ولا أظن أن مخرجًا قد استخدمه من
قبل. على أية حال، هو مؤثر متاح للجميع، وأي مؤثر في
السينما، ما إن يتم ابتكاره وتحقيقه حتى يصبح ملكية
جماعية ويمثّل جزءًا من لغة السينما.
تروفو استخدم هذا المؤثر «تجميد الكادر» في فيلمه
التالي «جول وجيم». كذلك لجأ إليه غودار، فالسرد في
أفلام هؤلاء لم يكن مهمًا، وتحطيم الشكل كان إحدى
غايات الموجة الجديدة الفرنسية.
العديد من المخرجين استخدموا هذا المؤثر بإفراط،
أحيانًا على نحو جيد ومعبّر، وأحيانًا على نحو سيئ
وتعسفي. هذا التثبيت أو التجميد قد خدم كل الأغراض
الجادة والهزلية، كما وُظف في الأعمال الوثائقية بغية
التركيز على الشيء المرئي وتوكيده ومحاولة طبعه في
الذاكرة. تجميد الكادر يعني تحطيم الحدث أو الفعل
الاعتيادي، تعطيل الحركة، إيقاف الزمن، هدم التواصلية،
إرباك توقّع أو ترقّب المتفرج.. إضافة إلى إتاحة
المجال للتأمل.
يقول غودار: «كان الهدف من تثبيت الصورة، بالنسبة لي،
هو منح نفسي والمتفرج وقتًا للتأمل بواسطة تقنية من
نوع جديد تتيحهما السينما والتلفزيون. التوقف أمام بعض
الصور مثلما يتوقف الطبيب أمام صورة أشعة أو رسم بياني
لضربات القلب». |