،
من إخراج دارين أرونوفسكي «الذي قدّم: قدّاس لحالم،
الينبوع، البجعة السوداء، المصارع، نوح، الأم» معد عن
مسرحية كتبها صمويل هنتر «وعُرضت في 2012»، وهو أيضًا
كاتب السيناريو. العنوان يعني الحوت، ويعني أيضًا
الضخم أو الهائل. كما نجد إشارات إلى النبي يونس، وإلى
رواية هرمان ملفل «موبي ديك» التي تتناول المحاولات
اليائسة لاصطياد حوت ضخم، رغم أن الفيلم لا يوضّح
طبيعة أو مغزى العلاقة بين الشخصية ومثل هذه الإحالات
والمجازات.
أحداث الفيلم تدور في حجرة داخل شقة بائسة، وكئيبة. في
منتصفها أريكة كبيرة، بالقرب منها طاولة عليها جهاز
كمبيوتر، وكومة من الأوراق، والكثير من الأطعمة. والذي
يحتل هذه المساحة، طوال الوقت، شارلي البدين «برندان
فريزر.. في أداء رائع استحق عنه بجدارة جائزة أوسكار
أفضل ممثل» الذي يبلغ وزنه 600 رطل، والذي لا يتمكن من
الحركة فيظل ماكثًا في هذا المكان، متوحدًا، منعزلاً
عن العالم. إن ضخامة وزنه ناتجة من حزنه الشديد ويأسه
البالغ بعد انتحار صديقه الحميم بتجويع نفسه، بالتالي
هي محاولة انتحار ضمنية، غير معلنة، عبر الإفراط في
الأكل. لذا تبدو الأريكة أشبه بقبر يدفن نفسه فيه.
إنه يتعمّد تجاهل موته الوشيك، خصوصًا بعد إصابته
بنوبة قلبية، ولم يتبقَّ له غير أسبوع واحد، هو ما
تستغرقه أحداث الفيلم.
كان يعمل أستاذًا في الجامعة. وهو الآن يقضي وقته خلف
جهاز الكومبيوتر متواريًا عن العالم الخارجي، وعن
تلامذته الذين يعطيهم دروسًا عن بُعد في الأدب
الإنجليزي.
تعتني به صديقته الممرضة، التي تلح عليه بالذهاب إلى
المستشفى لكنه يرفض ذلك بعناد يثير استياءها وسخطها،
متذرعًا بأنه لا يملك تأمينًا صحيًا.
من زواره: زوجته السابقة. ابنته المراهقة الغاضبة منه
لأنه هجرها قبل ثماني سنوات، والتي تخاطبه بقسوة
وازدراء وسخرية، بينما يسعى هو إلى تأسيس علاقة معها.
المبشّر الشاب الذي يؤمن بأن الله أرسله لإنقاذه
روحيًا. عامل توصيل الأطعمة الودود، الذي لا نراه،
وإنما نسمع صوته وهو يريد الاطمئنان على صحته.
شارلي هو الأب الذي لم يكن موجودًا لتلبية حاجات ابنته
وبالغ في تقصيره تجاهها، وهو الذي هجر زوجته، كما
يعتبر نفسه مسؤولاً جزئيًا عن موت صديقه.. لذلك يستبد
به إحساس رهيب بالذنب والندم. إنه يرى حياته كسلسلة من
الأخطاء التي يريد أن يعتذر عنها. وهو لا يخفي شعوره
بالاشمئزاز من نفسه، وبالخجل من شكله ومظهره.
إنه يواجه التوبيخ والإهانة والازدراء والسخرية
والقسوة من الآخرين بهدوء ورباطة جأش وخنوع.. فهو
مستسلم لمصيره المحتوم، ولا يرغب في التصادم، بل في
نيل القبول والفهم والغفران.