الشخصية المكتوبة في السيناريو لا تمتلك كينونة أو
وجودًا ماديًا وحيًّا. فقط عندما يأتي الممثل وينتحل
هذه الشخصية، ويسكنها، ويتقمَّصها، ويجسِّدها؛ تصبح
حيَّة، متحركة، وتكتسب صفات وسمات وخصائص إنسانية.
تصبح الشخصية مسكونة بذات الممثل، بكل ما تحتويه هذه
الذات من مشاعر وانفعالات واستجابات، وبكل ما تمتلكه
من موهبة وطاقة وحضور وجاذبية وقدرات تعبيرية..
إيمائية وصوتية.
في الرواية، الكاتب يبني شخصياته بواسطة اللغة
الأدبية. الكلمات المكتوبة، هي مجرَّدة من أي كينونة
مادية، وفيزيائية. إنها بالأحرى تتخلَّق حسب مخيِّلة
كل قارئ، وعلى هذا تصبح كينونة متعددة ومتباينة، مع كل
قراءة وتخيُّل. إنها تنتحل أشكالاً مختلفة. بينما في
السينما، تأخذ شكلاً ماديًا ثابتًا، ومواصفات محدّدة،
حسب الممثل المكلَّف بتجسيدها.
الشخصية السينمائية هي نتاج تمازج ذات الممثل الحقيقي،
والتصوُّر المتخيَّل عند كاتب السيناريو، الذي يرسم
الخطوط العامة، والمجرّدة للشخصية، التي لا تصبح
كائنًا حيًا إلا عند حضورها على الشاشة، وإلا فسوف تظل
مجرَّد كيان على الورق، محشو بالكلمات.
في السينما التقليدية،
الشخصيات عادةً تتنامى، وتحمل أبعادًا سيكولوجية
متماسكة وملتحمة، متحركة بموجب منطق خاص، بدوافع
ومحركات واضحة ومفهومة.
لكن في عدد من الأفلام الحديثة، كما في أفلام عباس
كيارستمي، وتساي مينغ ليانغ، على سبيل المثال، لا نجد
مثل هذا التنامي والتطور والتحوُّل. لا نجد اهتمامًا
بالبواعث والمحركات النفسية. لا نجد شروحًا وتفسيرات
للأفعال والقرارات التي تتخذها الشخصيات. دواخل
الشخصية تظل مخفية وغامضة.
في بدايات السينما، كانت الأفلام تُسمَّى «مسرحيات
سينمائية» photoplays..
فالأفلام كانت مصوَّرة بكاميرا ثابتة، من مسافة ليست
قريبة، وفي مواقع محدَّدة. كما أن القصص عبارة عن
مشاهد مسرحية يسودها الحوار المفرط، والأداء تغلب عليه
التقنية المسرحية؛ لذا كان رسم الشخصيات يرتكز أساسًا
على الرسم الدرامي «المسرحي» لها. وظلت هذه التقاليد
سارية، بل وتزداد تلك المفاهيم رسوخًا مع مرور الوقت.
على الرغم من التطورات التقنية، وما حدث من تحولات
وتغيرات جذرية في لغة السينما، فإن مظهرًا مسرحيًا،
كما يقول الكاتب أندرو شِنكر، «ظل مستمرًا، ويبدو أن
السينما السائدة لا تزال تعارض وتمانع في نبذه والتخلص
منه، وهو الإصرار على المفاهيم التقليدية بشأن
الشخصية. لكن لحسن الحظ، هناك محاولات جادة وهامة يقوم
بها ثوار السينما لتحطيم هذا الوهم بشأن الترابط
المنطقي والتماسك السيكولوجي لصالح تنمية وتطوير جوانب
أخرى من الفن السينمائي، لصالح التكوينات البصرية
المركَّبة بعناية، وخصوصية الموقع، واستجواب وضع الفرد
في المجتمع العالمي، واستكشاف القدرات والإمكانيات
الحقيقية لوسط السينما». |