في جلسة ودية، استضاف «مركز عبد الرحمن كانو الثقافي»
الكاتب والروائي أمين صالح، بمعية مجموعة من أصدقائه
الذين تناولوا جوانب مختلفة من مسيرته الأدبية
والثقافية، وذلك في فعالية «جلسة كوب قهوة مع..»، مساء
الثلاثاء 29 أغسطس 2023، حيثُ أدارة الجلسة الكاتبة
منصورة الجمري، بمشاركة الشاعر قاسم حداد، والناقد
الدكتور فهد حسين، والمخرج عبد الله يوسف، والشاعرة
فاطمة محسن، والتشكيلي عباس يوسف، والفنان محمد
الصفار، بالإضافة للناقد المسرحي الدكتور عباس القصاب،
والكاتبة شيماء الوطني.
وتبادل الضيوف الحديث عن أمين بدءاً من تلك العلاقة
الأدبية التي جمعته بقاسم، ونتج عنها «الجواشن» و«موت
الكورس»، مرورًا بالمغامرات التي خاضها مع عبدالله
يوسف في سفرهما لفرنسا لدراسة السينما، وصولاً للحديث
عن النص والتشكيل في علاقته مع عباس يوسف، وعن لغته
البديعة في حديث فهد حسين وفاطمة محسن، وعن نصوصه
المسرحية وأبعادها الجمالية والفنية بمنظار الصفار،
وعن تلك النصوص من حيث البناء والفنيات من وجهة نظر
نقدية قدمها القصاب، وعنه بوصفه أبًا روحيًا لسرد
الوطني.
مخاض «الجواشن»
بعد اتفاق الصديقين قاسم وأمين على اشتغالٍ كتابي
مشترك، سيعنون بـ«الجواشن»، تولد عمل آخر كان مقرراً
أن يكون مقدمةً له، فكان بعنوان «موت الكورس»، الذي
صدر بشكلٍ مستقلٍ، سابقاً العمل الأصل. عن هذين
العملين تحدث قاسم حداد، الذي يلازم اسمه اسم أمين في
علاقة صداقة أدبية ممتدة، متناولاً تجربة الكتابة
المشتركة الفارقة التي خاضا تجربتها، والرؤى التي تأسس
عليها هذا المشروع، يقول «لم نكن نحتاج للجلوس لمناقشة
الأمر شكلاً وموضوعًا، كانت الكتابة دون تخطيط، ففي
(الجواشن) ذهبنا إلى الكتابة، فاكتشفنا بأن قاعدتنا
الذهبية هي طريقة الكتابة دون تخطيط مسبق، إذ وجدنا في
ذلك متعة اكتشاف نفاجئ أنفسنا بها»، مضيفًا «أمضينا
أربع سنين نكتب مسودات» إلى أن استقر الصديقان على
مسودة أخيرة.
من خلال هذا الاشتغال المشترك، الذي أدخلهم في كنه
التجريب، «اكتشفنا طرق التخلي عن أساليبنا الكتابية،
لصالح أسلوبٍ جديد على كلينا»، فولد ذلك صدور
«الجواشن» بأسلوب كتابي مختلف، كانت ميزته الرئيسة
لكليهما، «التنازل عن أنانية الأسلوب في سبيل اكتشاف
التعبير الجديد». وتعقيباً على ذلك بين أمين أن «العمل
المشترك يتطلب اتفاقًا وتقاربًا لتكون محصلته مقنعة
للقارئ، لكن هذا التقارب يمكن أن يهدم بمجرد دخول
العناصر الذاتية، كالغيرة، والأنانية.. بيد أنّا دخلنا
التجربة دون هذه النزعات السلبية، ما أسهم في نجاحها».
واستبعد قاسم أن تُكرر التجربة في أعمالٍ جديدة «أنا
وأمين لا نحب أن نكرر ما فعلناه في تجارب سابقة»،
لافتًا أن تجربتهم قائمة على عفوية التجريب «التجربة
هي التي تفرض شكل وأسلوب الكتابة، ونحن أميل إلى عدم
التخطيط المسبق لما نكتب، إذ نحب أن نستكشف...»، ما
يشير إلى أن عدم أن العفوية عنصرٌ أساس في شكل العمل
الذي سيكون لو تقرر أن يكون، وهو الأمر الذي لا يفكر
فيه الصديقان، لكن حدوثه وارد.
لنكون سينمائيين
في حديثه، استعاد المخرج والفنان عبد الله يوسف
ذكرياته وأمين من خلال العمل التلفزيوني والسينمائي،
إذ لفت بأن «صداقتي بأمين، ولفيفٌ من المثقفين،
أدخلتني إلى الأجواء الثقافية التي استهوتني، وقادتني
لاستكشاف الأمور...»، أما أمين، فكان يتميز كما يرى
يوسف «بقدرته الخارقة على قراءة اللحظة، والحركة،
والإطار العام للمشهد.. فمن خلاله عرفت الكثير عن هذا
المجال، لتجربة لنكون سينمائيين».
كما عاد يوسف بذاكرته إلى مغامرتهم في السفر إلى
(باريس)، والتي تقررت بهدف دراسة السينما، حيثُ تركا
كل شيءٍ، واستقالا من عمليهما، وانطلقا في رحلةٍ لا
يعرفون كيف سيدبرون أمورهم المادية خلالها، «لم نكن
نملك المال الكافي، لكنا خضنا التحدي»، كما يقول يوسف،
الذي شكلت تجربة السفر تلك إليه ولأمين، تجربة حياتية
غنية، فتحت لهم آفاق متعددة، وصولاً لاشتراكهما في أول
عمل سينمائي.
من جانبه عقب أمين على شغفه بالسينما، رادًا هذا الشغف
لطفولته، بيد أن أولى مظاهر تحققه، تمثل في «فيلم
الحاجر»، الذي كتب نصه، وأخرجه المخرج بسام الذوادي
عام (1990)، ليكون أول فيلم روائي طويل بحرينيًا.
أمين المتعدد.. بين النص والتشكيل والمسرح والترجمة
يتعدد أمين من حيث كونه روائيًا، وكاتب مسرح،
وسيناريست، ومترجم.. فعن هذه التعددية تحدث الآخرون،
إذ تناول الفنان عباس يوسف تجربته المشتركة مع أمين،
بين النص والتشكيل، خاصة في معرضه «البحر عندما يسهو»،
الذي استلهمه من نصوص أمين، ليؤكد «لأمين فضل كبير على
تجربتي الفنية والكتابية»، مضيفًا «العلاقة مع أمين،
ترتبط دائمًا بالجانب البصري؛ بالصورة في مجمل
معانيها، وبكل ما تحمل... فهو مهتم بهذا الجانب، كونه
أحد أكثر الأدباء المهتمين بالكتابة في الجانب
التشكيلي، ولهذا تحضر دائمًا في كتاباته الصورة
البصرية المصورة بالكلمات».
أما الشاعرة فاطمة محسن فتحدثت عن كتابات أمين وما
يميزه «له أسلوبه المغاير والمتفرد، فهو لا يكتب النص
بشكلٍ تقليدي، إنما بشكلٍ حر، دون تخطيط مسبق، ليولد
لغة بالغة الرقي والعلو». وفي هذا السياق قدّم الناقد
فهد حسين رؤاه عن أمين، وكيف يقرأه من وجهة نظر
الناقد، مبينًا بأن أمين «إنسان معلم، فما أن تقف
أمامه، أو تقرأ له، حتى تشعر بأنك تتزود بطروحات
وأفكار عديدة»، لافتاً بأنه يمتاز بـ«لغة السهل
الممتنع، التي لا يستطيع أحد تقليدها»، إلى جانب كونه
«أمين اللغة؛ فهو يهتم باللغة كاهتمامه بالقتنيات
السردية الأخرى، حيث يكتب وكأنه يستحضر مقولة الجاحظ
(المعاني مطروحة في الطريق)».
ومن اللغة الأدبية إلى النص المسرحي، حيث تحدث الفنان
محمد الصفار عن أمين من وجهة نظر المسرحي الشاب الذي
كان يسمع إطراء هذا الاسم دون أن يلتقيه، راسماً صورة
ذهنية عنه، ليفاجئ في أول لقاء له بتواضعه وبساطته.
هذا الشاب الذي تعلق بأعمال أمين من خلال تنفيذها على
خشبة المسرح، رأى فيه معلمًا «أمين وضعنا أمام خيارات
صعبة، وتحدٍ، وأدخلنا التجربة.. فكان المعلم في صمت»،
مشيرًا بأن أمين ومن خلال نصوصه المسرحية «لا يقدم
بالضرورة شخصية لها تلبسها الجسدي. كما سيجد أي ممثلٍ،
في نصوص أمين، رسائل معينة لابد أن يحملها».
وفي سياق المسرح، تحدث الناقد المسرحي عباس القصاب،
محللاً أبرز نصوص أمين المسرحية، وما فيهما من بناء
درامي وجانب إبداعية ومميزة، ليشير بعدها إلى أن
«لأمين قدرة على صياغة لغة خاصة بكل نص، ففي كل نص
سمات محددة تختلف عن ما في الآخر».
أما الكاتبة شيماء الوطني، فتحدثت عن علاقتها بأمين
«الذي يمثل ليّ أبًا روحيًا»، وكيف كان يدعمها ويشجعها
على الكتابة، منذُ إصدارها الأول، ومدى تواضع شخصيته
واطلاعه على الإصدارات الشبابية، وتوجييه البناء.
وفي الختام، سؤل أمين عن سبب انحيازه للترجمة
السينمائية، فبين بأنهُ لا يحب الترجمة «كونها منهكة،
وتستدعي وقتًا وجهدًا كبيرين»، بيد أن فقر المكتبة
العربية من الإصدارات المتعلقة بالسينما وعالمها، دفعه
دفعًا اضطراريًا للترجمة «كنتُ مضطرًا بالفعل للترجمة،
فليس بوسعي أن اقرأ ما هو مفيد، دون أن أتيح للآخر
(العربي) قراءته، إذ أجد في عدم ترجمته، في ظل انعدام
الترجمات، أنانية الاحتفاظ به لنفسي، ولهذا كانت
الترجمة وسيلة»، على الرغم من أنهُ كان دائمًا، وبعد
كل كتاب سينمائي يترجمه يقطع عهدًا بأن يكون هذا
الكتاب هو الكتاب الآخير.. إلى أن ترجم أكثر من سبعة
كتب في هذا المجال.