* بالنسبة
للقطات الطويلة، المديدة، والتي تستغرق دقائق طويلة دونما قطع.. حسنا، هناك
مخرجون ذوو أسلوب مختلف جدا والذين أستمتع بأفلامهم كثيرا. وبينما نجد أن
ثمة اختلافا أسلوبيا بين همنجواي وفولكنر، على سبيل المثال، فإن أحدا لا
يجرؤ أن يسأل أحدهما: "لم تكتب بهذه الطريقة؟".. ذلك لأنه مجرد ضرب من
التنامي الداخلي، الإيقاع الداخلي.
* بالنسبة
لي، أسلوبي هو طريقتي لمحاولة استيعاب الزمن والمكان، بحيث يصبح المكان
مجالا لمرور الزمن. على سبيل المثال، مشهد واحد في الفيلم ، يدور في حجرة
واحدة، هو ليس في زمن حقيقي على الإطلاق: خمس سنوات - خمس سنوات من تاريخ
عائلة واحدة، تاريخ رومانيا، تاريخ أوروبا من معسكرات الاعتقال إلى
الستالينية – تمر أثناء رقصة فالس قصيرة.
* الأسلوب
يحتاج أن يكون محددا بطريقة يمكن أن تكون مستخدمة على نحو منهجي في
اتجاهين: وجه يتجه نحو الشكل، والآخر نحو المضمون. بتعبير آخر، فكرة
الأسلوب يجب أن تقترح بيانا مدروسا ومترابطا بانتظام لما يسمى عادةً تقنيات
وخاصيات شكلية، والذي يمكن عندئذ، في خطوة ثانية، أن يكون معكوسا بطريقة
تكشف الصورة الموحّدة لما تدعى رؤية للعالم (أو فلسفة أو أيديولوجيا).
* المبدأ
الأساسي الذي يحكم الفيلم نجده في اللقطة المديدة، سواء أ كانت الكاميرا
متحركة (وهذا يحدث غالبا) أو ثابتة. بهذه الطريقة، المشاهد تحرز الكثير في
العمق والتفاصيل، حيث يتم تنفيذ المونتاج داخل الكاميرا.
مثل هذه
اللقطات الطويلة، بالنسبة لي، توفر حرية أكبر، لكن تقتضي من المتفرج
استغراقا أكثر. هناك ميزة أخرى أحبها في اللقطة الطويلة والتي لا يمكن
الحصول عليها في المونتاج التقليدي: الشاشة الخالية، عندما يتم التلميح
للفعل وهو يحدث في مكان آخر.
اللقطة
الطويلة، في المقام الأول، كانت اختيارا غريزيا. إنها الطريقة الوحيدة التي
بها أشعر أني قادر أن أحقق الأفلام.
* من المهم
توضيح أن من خلال اللقطة الطويلة يمكن المحافظة على وحدة المكان ووحدة
الزمن أيضا. الفيلم يحرز إيقاعا اصطناعيا على طاولة المونتاج. كذلك، ما إن
تغيّر الكادر، تبدو كما لو تخبر جمهورك بأن ينظروا إلى مكان آخر. برفض
اللجوء إلى القطع في المنتصف، أقوم بدعوة المتفرج لأن يحلّل الصورة التي
أعرضها على نحو أفضل، وأن يركّز بؤرته، المرّة تلو الأخرى، على العناصر
التي يشعر بأنها الأكثر أهمية ودلالة في الصورة.
* في استخدامي للقطة الطويلة أنا لم أتأثر بـ ميكلوش يانشو
(مخرج هنغاري)، فمثل هذه الطريقة كانت موجودة طوال تاريخ السينما.. كما في
أفلام الألماني فريدريك مورنو، على سبيل المثال. أحب أفلام يانشو، لكن
الطريقة التي يستخدم بها يانشو اللقطات المصاحبة
Tracking
هي ليست نفسها اللقطات الطويلة الحقيقية، فثمة اختلاف أساسي بين استخدامه
لها واستخدامي، والذي أعتقد أنه الاستخدام الحقيقي. عندما أوظف اللقطة
الطويلة فذلك لخلق مشهد منجز كامل، بحالة من الطباق الديالكتيكي المتضمن في
طبيعته الأساسية. المشهد هنا يكون منتهيا، بينما في أفلام يانشو اللقطات
الطويلة لا تكون منتهية.. لقطاته هي جانبية، ولا توصّل إلا معنى واحدا فقط.
* في
السينما هناك خوف من "الزمن الميت (أو الراكد)": لقطات يتم حذفها في حالة
عدم وجود فعل (أكشن) كاف.
* بالتعارض
مع النموذج الأمريكي الذي يقتضي زوايا متعدّدة لكل مشهد منفرد، أعتقد أن
لكل لقطة زاوية واحدة، زاوية واحدة فقط. هذا بالنسبة لي هو القانون الأساسي
للعبة.
* بالنسبة
لحركات الكاميرا، عادة أتبع التوجيهات الواردة في سيناريو التصوير. لكن
عندما تقتضي الضرورة، بسبب التعارض بين حركة الكاميرا ووضع الممثلين، فإنني
لا أتردّد في القيام بالتعديلات الضرورية.
لكي أوضح
أكثر: في البروفات الأولى، يكون الممثلون أحرارا في اختيار الطريقة التي
يتحركون بها. ثم أقوم بتصحيح الأشياء التي لا أشعر بارتياح معها، مع تكثيف
الفعل.
إن هدفي، من
البداية، أن أتجنب بأي ثمن التأثير الواقعي، وأن أصل إلى نوع من الجغرافيا
المحضة.. أعني، توكيد البيّنة على اتجاه الفيلم، جانبه الاصطناعي.. كنقيض
للرأي القائل بأن الفيلم واقعي.
* في اللقطة
الثابتة، كما نجدها – على سبيل المثال – في مشهد الاغتصاب في فيلم "منظر في
السديم"، يكون للصوت معنى أكثر عمقا من الصورة التي نشاهدها. الصوت هنا
يعمل بطريقة والتي تمنح للمكان إيقاعا، بينما يخلق، في الوقت ذاته، مستوى
آخر من المعنى خارج الفيلم أو خارج الشاشة. ذلك أشبه بلوحة لا تنتهي داخل
الإطار بل تمتد وتستمر خارج الإطار.
* بالانتقال
من شيء إلى آخر في حركة كاميرا كاسحة ورشيقة، نحن نكشف الأوجه العديدة
لحالة مركزية واحدة، وفي الوقت نفسه، نحول دون أن يتماهى المتفرج مع أي من
هذه الأوجه، نظرا لأنه ينتقل بغتة من مفاجأة إلى أخرى. بهذه الطريقة، نحن
نضاعف مظهرا واحدا في حين نلغي المظهر الآخر.. هذا ما كان يعنيه بريشت
بالتغريب.
* بالنسبة
لي، اللقطة المصاحبة تخلق حالة من التآلف والانسجام مع المكان من خلال تحرك
وتجوال الكاميرا. المكان يتمدد أو ينكمش اعتمادا على مدى اقتراب أو تباعد
العدسات عن الأشياء المصورة. ثمة تدفق مستمر والذي يجلب مرونة فائقة داخل
اللقطة، مثل جريان مياه متدفقة.
* بعض
النقاد يستغربون من فكرة أن فيلماً لي يحتوي على 80 لقطة طويلة، دون قطع.
لكن ما الأمر المستغرب في ذلك؟ وبعيدا عن الباحثين والمحللين، هل لهذا أي
معنى بالنسبة للجمهور؟ هل سيكون الفيلم مختلفا لو احتوى على 83 لقطة بدلا
من 80؟
* من أجل
تصوير "الممثلون الجوالون"، الكاميرا كانت دائما موضوعة على سكة متحركة،
حتى لو كان عليها أن تتحرك عشر سنتمترات، وذلك لكي تخلق حالة من التدفق.
اللقطة ذات الـ 360 درجة هي مستخدمة لتوكيد معنى الدائرة التي توجد كمفهوم
داخل الفيلم. في فيلم "الإسكندر الأعظم"، من الجليّ أن الدائرة هي جزء من
كل الأشكال، وهي تنشأ من الخشبة الدائرية للمسرح القديم والتي عليها يؤدى
كل فعل.
* لغتي السينمائية الخاصة مبنية على تمديد بُعد الزمن. قبل
الدخول في لبّ أي لقطة، لابد أن يكون لديك الوقت لاكتشاف العلاقات بين
الممثل والمنظر الطبيعي. لهذا السبب، من بين أفلام تاركوفسكي أحببت
Stalker،
وبدرجة أقل "نوستالجيا". لم أحب أبدا فيلمه "القربان". إن الثالوث المقدس،
أي الممثل والمنظر والكاميرا، كان مثاليا في
Stalker.
* الصور
المتكررة في أفلامي أمر مقصود.. إنها صور تنتسب إلى لغتي المجازية الخاصة.
أعتقد أن كل مخرج سينمائي، والذي يحمل هوية واضحة ومتميزة، يمتلك مجموعة
خاصة من الصور التي تمثله: توظيف ألوان معينة، طريقة مميزة في الأسلوب،
أشياء تتكرر من فيلم إلى آخر.
* في نوعية
السينما التي أحققها، والتي هي دائما بمثابة بحث لغوي، أنت تصل إلى الموضع
الذي فيه تصبح اللغة هي المحتوى.
* أنا لا
أعمل مثل جهاز كومبيوتر، ولا أستطيع أن أخطط كل شيء. ثمة نزوع إلى الاعتقاد
بأن المخرجين الذين يحققون أفلاما أكثر تعقيدا، يبرمجون هذه الأفلام
بالكثير من التفاصيل، لكن بالنسبة لي، هي لا تزال مسألة غريزة. من المحتمل
أن يكون للمخرج، الذي يخطط أكثر، تأثيرا أكبر على المتفرج. إنك تتغذّى بكل
العوامل – شيئا من الدعابة، شيئا من الدراما – وبهذا أنت تعد كوكتيلا
إليكترونيا مناسبا وتلقم به آلة حاسبة سوف تقدم وصفة لصورة ما، جيدة أو
سيئة. لكنني لا أظن أن مخرجا، مثل فلليني، يعمل هكذا.
* في
اليابان شاهدت عدة تجارب بالتقنية الرقمية (الديجيتال). لكني لم أعثر في
هذه التجارب على تلك البراعة، تنويعات اللون، عمق المجال، وتلك الأشياء
التي نجدها مع بكرة الفيلم. خلال السنوات القادمة، مع تطور وتقدم
التكنولوجيا الرقمية، ربما نشهد نتائج مدهشة.. لكننا لم نصل بعد إلى هناك.
* مع
الديجيتال هناك دائما الإحساس بأن هذا الأمر كله عن توصيل معلومات.. كنقيض
للطبيعة المادية لبكرة الفيلم. أحيانا، عندما يتم تحميض علبة من الفيلم في
المعمل، أذهب إلى هناك فقط لكي أستمتع بالرائحة.
* بطريقة
ما، أنا أخلق الصور مثلما يفعل الرسام، بالتالي أسلط رؤيتي على الكانفاس.
* أخشى أن
صورا كثيرة جدا تغمرنا وتحجبنا. إنهم يمطروننا بوابل من الصور التلفزيونية
التي تهاجمنا من كل اتجاه إلى حد أننا لا نعود نملك الحساسية لاكتشاف
الجواهر التي قد تصادفنا.
* أثناء
ساعات النهار، أنا لا أستخدم الإضاءة الاصطناعية على الإطلاق. دائما أختار
السماوات الرمادية لأن الضوء متسق. عندما تعمل تحت الشمس فإنك تحتاج إلى
إضاءة اصطناعية لتوازن الظل.
|